[hadith]ثُمَّ اسْتَوْصِ بالتُّجَّارِ وَ ذَوِی الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بهِمْ خَیْراً
،
الْمُقِیمِ مِنْهُمْ وَالْمُضْطَرِب بمَالِهِ وَالْمُتَرَفِّقِ ببَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ وَجُلّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِد وَالْمَطَارِحِ، فِی بَرِّکَ وَبَحْرِکَ وَسَهْلِکَ وَجَبَلِکَ، وَحَیْثُ لاَ یَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا وَلاَ یَجْتَرِءُونَ عَلَیْهَا؛ فَإِنَّهُمْ سلْمٌ لاَ تُخَافُ بَائِقَتُهُ، وَصُلْحٌ لاَ تُخْشَی غَائِلَتُهُ. وَتَفَقَّدْ أُمُورَهُمْ بحَضْرَتِکَ وَفِی حَوَاشی بلاَدکَ. وَاعْلَمْ مَعَ ذَلِکَ
،
أَنَّ فِی کَثِیر مِنْهُمْ ضِیقاً فَاحِشاً وَ شُحّاً قَبیحاً وَاحْتِکَاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَکُّماً فِی الْبیَاعَاتِ، وَذَلِکَ بَابُ مَضَرَّة لِلْعَامَّةِ، وَعَیْبٌ عَلَی الْوُلاَةِ؛ فَامْنَعْ مِنَ الاِحْتِکَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ـ صلی الله علیه وآله وسلم ـ مَنَعَ مِنْهُ. وَلْیَکُنِ الْبَیْعُ بَیْعاً سَمْحاً بمَوَازینِ عَدْل وَأَسْعَار، لاَ تُجْحِفُ بالْفَرِیقَیْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ. فَمَنْ قَارَفَ حُکْرَةً بَعْدَ نَهْیِکَ إِیَّاهُ فَنَکِّلْ بهِ، وَعَاقِبْهُ فِی غَیْرِ إِسْرَاف.[/hadith]
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 263
الفصل التاسع من عهده علیه السّلام:
ثمّ استوص بالتّجّار و ذوی الصّناعات و أوص بهم خیرا، المقیم منهم و المضطرب بماله، و المترفّق ببدنه [بیدیه ]، فإنّهم موادّ المنافع، و أسباب المرافق، و جلّابها من المباعد و المطارح فی برّک و بحرک، و سهلک و جبلک، [و] حیث لا یلتئم النّاس لمواضعها، و لا یجترءون علیها، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته، و صلح لا تخشی غائلته، و تفقّد أمورهم بحضرتک و فی حواشی بلادک و اعلم- مع ذلک- أنّ فی کثیر منهم ضیقا فاحشا، و شحّا قبیحا، و احتکارا للمنافع، و تحکّما فی البیاعات، و ذلک باب مضرّة للعامّة، و عیب علی الولاة، فامنع من الاحتکار، فإنّ رسول اللّه- صلّی اللّه علیه و آله- منع منه، و لیکن البیع بیعا سمحا: بموازین عدل، و أسعار لا تجحف بالفریقین من البائع و المبتاع، فمن قارف حکرة بعد نهیک إیّاه فنکّل به، و عاقبه فی غیر إسراف. (68517- 68385)
اللغة:
(المضطرب بماله): التاجر الّذی یدور بماله من بلد إلی بلد للکسب، (جلّاب) جمع جالب، (المطارح) جمع مطرح: الأرض البعیدة، (البائقة): الدّاهیة، (الغائلة): الشرّ، (حواشی البلاد)، أطرافها، (الشحّ)، البخل مع حرص فهو أشدّ من البخل لأنّ البخل فی المال و هو فی مال و معروف تقول: شحّ یشحّ من باب قتل و فی لغة من باب ضرب و تعب فهو شحیح- مجمع البحرین. (الاحتکار): حبس المنافع عن النّاس عند الحاجة إلیها، (التحکم فی البیاعات): التطفیف فی الوزن و الزیادة فی السّعر، (السّمحة) بفتح فسکون أی السهلة الّتی لا ضیق فیها و لا حرج و سمح به یسمح بفتحتین سموحا و سماحا و سماحة أی جاد، (قارف): قارف الذّنب و غیره إذا داناه و لا صقه و إن شئت إذا أتاه و فعله- مجمع البحرین.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 264
الاعراب:
استوص بالتجّار: مفعوله محذوف: أی أوص نفسک بذلک، أوص بهم خیرا حذف مفعوله: أی أوص عمّا لک، المقیم: بدل أو عطف بیان للضمیر فی بهم و المضطرب عطف علیه، المترفق ببدنه، بیان لقوله ذو الصّناعات، فانّهم سلم: أی اولو سلم فحذف المضاف و اقیم المضاف إلیه مقامه للمبالغة و الضمیر فی بائقته یرجع إلی السلم باعتبار اولی السّلم، و هکذا الکلام فی قوله صلح- إلخ.
فی کثیر منهم ظرف مستقر خبر إن، البیاعات جمع بیاع مصدر بایع أی المبایعات، عیب علی الولاة عطف علی قوله باب مضرّة، بیعا مفعول مطلق نوعی بموازین عدل: جار و مجرور متعلق بقوله بیعا، و أسعار عطف علی قوله موازین، من البائع من بیانیّة.
المعنی:
انتقل علیه السّلام بعد تنظیم الحکومة إلی الاجتماع و ما یصلح به أمر الامّة و رکنه التجارة و الصّناعة، و التجارة شغل شریف حثّ علیها فی الشرع الاسلامی لکونها وسیلة لتبادل الحاصلات الأوّلیّة و التولیدات الصّناعیّة، و هذا التبادل رکن الحیاة الاجتماعیّة و نظام الحیویّة المدنیّة، و قد ورد أخبار کثیرة فی مدح التجارة و الترغیب إلیها ففی الخبر أنّه تسعة أعشار الرزق فی التجارة و واحدة فی سائر المکاسب.
قال فی الوسائل فی مقدمات کتاب التجارة: و بإسناده عن روح عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: تسعة اعشار الرّزق فی التّجارة.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 265
و روی بسنده عن عبد المؤمن الأنصاری عن أبی جعفر علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: البرکة عشرة أجزاء: تسعة أعشارها فی التجارة و العشر الباقی فی الجلود. قال الصّدوق: یعنی بالجلود الغنم.
و بإسناده عن علیّ علیه السّلام فی حدیث الأربعمائة قال: تعرّضوا للتجارات فإنّ لکم فیها غنی عمّا فی أیدی النّاس، و إنّ اللّه عزّ و جلّ یحبّ المحترف الأمین المغبون غیر محمود و لا مأجور.
و بإسناده عن محمّد بن یعقوب، عن علیّ بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر، عن محمّد الزعفرانی، عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: من طلب التّجارة استغنی عن النّاس، قلت: و إن کان معیلا؟ قال: و إن کان معیلا إنّ تسعة أعشار الرزق فی التجارة.
و بسنده عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: التّجارة تزید فی العقل.
و بالإسناد عن علیّ بن الحکم، عن أسباط بن سالم، قال: دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السّلام فسألنا عن عمر بن مسلم ما فعل؟ فقلت: صالح و لکنّه قد ترک التجّارة، فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: عمل الشیطان- ثلاثا- أما علم أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله اشتری عیرا أتت من الشام فاستفضل فیها ما قضی دینه و قسّم فی مراتبه، یقول اللّه عزّ و جلّ «رجال لا تلهیهم تجارة و لا بیع عن ذکر اللّه- إلی آخر الایة 37- النور» یقول القصّاص: إنّ القوم لم یکونوا یتّجرون، کذبوا و لکنّهم لم یکونوا یدعون الصّلاة فی میقاتها و هم أفضل ممّن حضر الصّلاة و لم یتّجر.
و الأخبار فی هذا الموضوع کثیرة مستفیضة، و کفی فی فضل التّجارة أنها کانت شغل النبیّ صلّی اللّه علیه و آله قبل أن یبعث نبیّا، و قد سافر إلی الشّام فی التجارة مع عمّه أبی طالب و هو غلام لم یبلغ الحلم، ثمّ صار عاملا لخدیجة بنت خویلد و سافر إلی الشّام للتجارة مرّة اخری، و قد أعجبت خدیجة أمانته و کفایته فطلبت منه أن یزوّجها.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 266
و الظاهر من حدیث أسباط بن سالم الانف الذکر أنه لم یدع الاشتغال بها بعد البعثة و تحمّل أعباء النبوّة، کما یستفاد ذلک من تعییر قریش له بقولهم: «ما لهذا الرّسول یأکل الطّعام و یمشی فی الأسواق- کما فی الایة 7 من سورة الفرقان».
و قد وصف علیه السّلام التجّار بما لا مزید علیه من خدمتهم فی الاجتماع الانسانی و حمایتهم المدنیة البشریّة فقال:
1- (و المضطرب بماله) أی من یجعل ماله متاعا یدور به فی البلاد البعیدة یقطع المفاوز و یعرّض نفسه للأخطار لیصل حوائج کلّ بلد إلیه.
2- فانهم موادّ المنافع و أسباب المرافق.
قد اهتمّ الدّول الراقیة و الشعوب المتقدّمة فی هذه العصور بأمر التّجارة و أدرکوا حقیقة ما أفاده علیه السّلام فی هذه الجملة القصیرة قبل قرون طویلة من أنّ التّجارة موادّ المنافع، و قد أبلغ علیه السّلام فی إفادة ما للتّجارة من الأهمّیة فی أمر الاقتصاد حیث جاء بکلمة الموادّ جمعا مضافا مفیدا للعموم، و بکلمة المنافع جمعا معرّفا باللّام مفیدا للاستغراق، فأفاد أنّ کلّ مادة لکلّ منفعة مندرج فی أمر التّجارة، فالتّجارة تحتاج إلی ما یتّجر به من الأمتعة و إلی سوق تباع تلک الأمتعة، ثمّ یؤخذ بدلها متاعا آخر و یبدّل بمتاع آخر فیستفاد من هذه المبادلات کلّها أرباحا.
و قد بلغ أهمّیة التّجارة فی هذه القرون المعاصرة إلی حیث صارت محورا للسّیاسة العامّة للدّول العظمی فکانوا یبحثون عن الاراضی الّتی یحصل منها موادّ نافعة کالمعادن الغزیرة من النفط و الذّهب و الفضّة و المحاصیل الزراعیّة التی تصرف فی صناعة النسج و غیرها، ثمّ ینقلونها إلی بلادهم و یصنعون منها أنواع الأمتعة الّتی یحتاج إلیها کلّ شعب من الشّعوب، و یبحثون عن الأسواق الّتی یصرف منها هذه المصنوعات، فصارت هذه المنافع التجاریّة أساسا لسیاسة الدّول و مثارا للحروب الهائلة و مدارا للمعاملة مع الشّعوب، تحیّلت الدّول العظمی فی الحیلولة
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 267
بین الشّعوب المتأخّرة ذات الموادّ الصالحة للصنعة کالنفط و أنواع المعادن و المحاصیل الزراعیّة المتحوّلة إلی المنسوجات، و بین الرّقی و التقدّم فی أمر الصّنعة و العلم بادارة المکائن الصناعیّة.
و قد ابتلت امّة ایران و شعبها بهذه العرقلة السّیاسیّة و المکیدة الحیّالة منذ قرون و سلّطت علی معادنها و منافعها و أسواقها دول حیّالة عظمی دبّرت تأخّرها فی أمر الصنّاعة منذ قرون، و قد غفلت امّة ایران و شعبها بل الامم الاسلامیة کلّهم من هذه الجملة من کلام مولانا أمیر المؤمنین فی أمر التجّار (فإنّهم موادّ المنافع و أسباب المرافق).
و قد کان التّجارة العالمیّة فی القرون المزدهرة الاسلامیة أیّام الخلفاء العباسیین الاول فی ید المسلمین، فکانوا یجوبون البحار و البراری شرقا و غربا فی جمیع القارّات بوسیلة السّفن الأریاحیّة الخطیرة و یحملون أنواع الأمتعة إلی تلک البلاد البعیدة و الجزر النائیة و یبدّلونها بما فی هذه البلاد و الجزر البحریّة من أنواع المحاصیل و النّقود و یزرعون العقائد الإسلامیّة فی قلوب أهالیها، فنحن نعلم الان فی رسوخ الإسلام إلی بلاد نائیة و قارّات متنائیة کإفریقیا و جزائر أندونوسیا و أبعد منها، و کان المبلّغون الأوّلون للاسلام فی هذه البلاد البعیدة حتّی الصین و الیابان هم تجّار المسلمین الأبطال فی القرون الزاهیة الاسلامیّة، فکانوا یدخلون تلک البلاد و یخالطون أهلها تجّارا سالمین و یحبّبون إلیهم الإسلام بأعمالهم الإسلامیّة النیّرة الجاذبة، فیعمل الإسلام فیهم کجهاز حیّ نشیط یتوسّع و ینمو حتّی بلغ أهل الإسلام فی جمیع الأصقاع ماة ملایین، و هذا أهمّ المنافع التجّاریة الّتی نالها المسلمون فی عصور نشاطهم و تقدّمهم، و هذا أحد الأسرار المخزونة فی قوله علیه السّلام: فإنّهم موادّ المنافع و أسباب المرافق.
و قد نبّه علیه السّلام إلی أنّ الروابط التجّاریّة تفید الشّعوب و عامّة البشریّة من جهة أنها سبب استقرار السّلم و الصّلح بین أفراد الامّة و بین الشّعوب فقال علیه السّلام (فانهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشی غائلته) فیا لها من جملة ذهبیّة حیّة
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 268
فی هذه القرون المعاصرة، و فی القرن العشرین العطشان لاستقرار الصّلح العالمی و السّلم العامّ بین الشعوب.
فالرّابطة التجاریة المبنیة علی تبادل المنافع و الحوائج تکون ودّیة و أخویّة دائما و هذا هو أساس الوداد العقلانی الصّادق الثابت فإنّ المتبادلین للحوائج و المنافع یحبّ کلّ منهما الاخر لأنّ حبّ أحدهما للاخر یرجع إلی حبّ الذات الّذی هو الحبّ الثابت للانسان، فانّ الانسان یحبّ ذاته قبل کلّ شیء فحبّه لذاته ذاتیّ و یحبّ کلّ شیء لحبّه بذاته حبّا عرضیّا بواسطة فی الثبوت أو العروض، فالرّابطة التجاریّة سواء کانت بین فردین أو شعبین أو شعوب شتّی رابطة ودّیة سلمیّة نافرة للحرب و التّنازع، فالشعوب المحبّة للسّلام ساعون لبسط التجارة الحرّة الدّاعیة إلی الودّ و التّفاهم المتبادل، فإنّ کلّ أحد یحبّ من یقضی حاجته و ینفعه، و الحبّ الزواجی الّذی هو أساس تزویج ثابت لا بدّ و أن یرجع إلی هذا المعنی و یدرک کلّ من الزّوجین أنّ الاخر یتبادل معه قضاء الحوائج و تبادل المنافع.
و أمّا الحبّ الغریزی القائم بین الامّ و ولدها فلا یصحّ أن یکون مبدءا للمعاهدات و العقود، و هو الّذی یعبر عنه بالعشق فی لسان الأدب و الشّعر، و هو حبّ کاذب خارج عن تحت الارادة و الادارة و أحسن ما عبّر عنه ما نقل عن الشیخ الرّئیس أبو علی بن سینا فی تعریف العشق من أنّه: مرض سوداویّ یزول بالجماع و السّفر و یزید بالفکر و النّظر.
و الشّعوب المحبّة للسّلام فی عالم البشریّة یسعون وراء عقد روابط تجاریّة حرّة مع الشعوب الاخری مبنیّة علی تبادل المنافع و الحوائج و یسعون وراء التّجارة بالتّهاتر أی تبادل الحاجیّات بنوع آخر منها و لا تقیّدون بیوعهم بأخذ النّقود، فالتجارة الحرّة تکون أساسا للسّلم بین الشعوب کما أشار إلیه علیه السّلام بقوله (فإنّهم سلم لا تخاف بائقته و صلح لا تخشی غائلته) و قد فسّر البائقة بالدّاهیة فیفید أنّ التجارة الحرّة لیس فیها دهاء و مکر و قصد سوء من قبیل الاستعمار و التسلّط و صلح لیس ورائه مضرّة و هلاک.
و أمر علیه السّلام بتفقّد أحوال التجار و النظارة علیهم تکمیلا لتوصیته لهم بالخیر
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 269
و الحمایة لرؤوس أموالهم عن التّلف و السّرقة بأیدی اللّصوص، و هذه توصیة بإقرار الأمن فی البلاد و فی طرق التّجارة بحرا و برّا، و قد التفت الامم الرّاقیة إلی ذلک فاهتمّوا باستقرار الأمن فی البلاد و الطّرق، و فی حفظ رءوس الأموال التجّاریّة عن المکائد و الدسائس المذهبة لها، فقال علیه السّلام: (تفقّد امورهم بحضرتک) أی فی البلد، (و فی حواشی بلادک) أی فی الطّرق و الأماکن البعیدة.
ثمّ نبّه علیه السّلام إلی خطر فی أمر التجارة یتوجّه إلی عامّة النّاس المحتاجین فی معاشهم إلی شراء الأمتعة من الأسواق، و هو خلق الشح و طلب الادّخار و الاستکثار من المال الکامن فی طبع الکثیر من التّجار، فانّه یؤول إلی الاستعمار و التسلّط علی اجور الزراع و العمّال إلی حیث یؤخذون عبیدا و أسری لأصحاب رءوس الأموال فوصفهم بقوله علیه السّلام: (أن فی کثیر منهم):
1- (ضیقا فاحشا) أی حبّا بالغا فی جلب المنافع و ازدیاد رقم الأموال المختصّة به ربما یبلغ إلی الجنون و لا یقف بالملایین و الملیارات.
2- (و شحّا قبیحا) یمنع من السّماح علی سائر الأفراد بما یزید علی حاجته بل بما لا یقدر علی حفظه و حصره.
3- (و احتکارا للمنافع) بلا حدّ و لا حساب حتّی ینقلب إلی جهنّم کلما قیل لها: هل امتلئت؟ یجیب: هل من مزید؟
4- (و تحکّما فی البیاعات) أی یؤول ذلک الحرص الجهنّمی إلی تشکیل الشرکات و الانحصارات الجبّارة فیجمعون حوائج النّاس بمکائدهم و قوّة رءوس أموالهم و یبیعونها بأیّ سعر أرادوا و بأیّ شروط خبیثة تحفظ مزید منافعهم و تقهر النّاس و تشدّد سلاسل مطامعهم و مظالمهم علی أکتافهم و استنتج علیه السّلام من ذلک مفسدتین مهلکتین:
الف- (باب مضرّة للعامّة) و أیّ مضرّة أعظم من الأسر الاقتصادی فی أیدی ثعابین رءوس الأموال.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 270
ب- (و عیب علی الولاة) و أیّ عیب أشنأ من تسلیم الامّة إلی هذا الأسر المهلک.
فشرّع علیه السّلام لسدّ هذه المفاسد، المنع من الاحتکار للمنافع، فنلفت نظر القراء الکرام إلی أنّ الاحتکار علی وجهین.
1- احتکار الأجناس و هو موضوع بحث الفقهاء فی باب البیع حیث حکموا بحرمة الاحتکار أو کراهته علی خلاف بین الفقهاء، فقد عدّه المحقق فی المختصر النافع فی المکروهات فقال بعد عدّ جملة منها: و الاحتکار، و قال صاحب الرّیاض فی شرحه: و هو حبس الطّعام، کما عن الجوهری أو مطلق الأقوات یتربّص به الغلاء للنّهی عنه فی المستفیضة.
منها الصّحیح، إیّاک أن تحتکر، المعتبر بوجود فضالة المجمع علی تصحیح روایاته فی سنده فلا یضرّ اشتراک راویه بین الثقة و الضّعیف، و علی تقدیر تعیّنه فقد ادّعی الطّوسی الإجماع علی قبول روایته، و لذا عدّ موثقا و ربّما قیل بوثاقته، و فیه: لا یحتکر الطعّام إلّا خاطئ، و لذا قیل: یحرم، کما عن المقنع و المرتضی و الحلّی و أحد قولی الحلبیّ و المنتهی و به قال فی المسالک و الرّوضة، و لا یخلو عن قوّة- إلی أن قال: و إنّما یکون الاحتکار الممنوع منه فی خمسة:
الحنطة، و الشّعیر، و التّمر، و الزبیب، و السّمن، علی الأشهر- إلی أن قال:
و قیل: کما عن المبسوط و ابن حمزة أنّه یکون فی الملح أیضا، و قوّاه فی القواعد و المسالک و أفتی به صریحا فی الرّوضة تبعا للمعته، و لعلّه لفحوی الأخبار المتقدّمة لأنّ احتیاج النّاس إلیه أشدّ مع توقف أغلب الماکل علیه- إلی أن قال: و إنّما یتحقّق الکراهة إذا اشتراه و استبقاه لزیادة الثمن مع فقده فی البلد و احتیاج النّاس إلیه و لا یوجد بایع و لا باذل مطلقا غیره، فلو لم یشتره بل کان غلّته لم یکره کما عن النهایة للصّحیح: الحکرة أن یشتری طعاما لیس فی المصر غیره، و نحوه الخبر المتقدّم عن المجالس لکنّه ضعیف السند، و مع ذلک الشرط فیه کالأوّل یحتمل وروده مورد الغالب فالتعمیم أجود، وفاقا للمسالک عملا بالاطلاق و التفاتا
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 271
إلی مفهوم التّعلیل فی الصّحیح المتقدّم: یکره أن یحتکر و النّاس لیس لهم طعام- إلی أن قال: و یشترط زیادة علی ما مرّ أن یستبقیه فی زمان الرّخص أربعین یوما و فی الغلاء ثلاثة أیّام، فلا حکرة قبل الزمانین فی الموضعین لروایة ضعیفة عن المقاومة لما مرّ و تقییده قاصرة، و یجبر الحاکم المحتکر علی البیع مع الحاجة إجماعا، کما فی ب وقیح و کلام جماعة و هو الحجّة مضافا إلی الخبرین فی أحدهما أنّه مرّ بالمحتکرین فأمر بحکرتهم إلی أن یخرج فی بطون الأسواق و حیث ینطلق الناس إلیها.
و هل یسعّر الحاکم السّعر علیه حینئذ الأصحّ الأشهر لا، مطلقا وفاقا للطّوسی و الرّضی و الحلّی و الشّهید الثانی للأصل و عموم السلطنة فی المال، و خصوص الخبر:
لو قوّمت علیهم، فغضب صلّی اللّه علیه و آله حتّی عرف الغضب من وجهه فقال: أنا أقوّم علیهم إنّما السّعر إلی اللّه تعالی یرفعه إذا شاء و یضعه إذا شاء.
خلافا للمفید و الدّیلمی فیسعّر علیه بما یراه الحاکم من المصلحة لانتفاء فائدة الإجبار لا معه لجواز الاجحاف فی القیمة، و فیه منع انحصار الفائدة فیما ذکره مع اندفاع الاجحاف بما یأتی.
و لا بن حمزة و الفاضل و اللّمعة فالتفصیل بین اجحاف المالک فالثانی، و عدمه فالأوّل، تحصیلا لفائدة الإجبار و دفعا لضرر الاجحاف، و فیهما نظر فقد یحصلان بالأمر بالنزول عن المجحف و هو و إن کان فی معنی التّسعر إلّا أنه لا ینحصر علی قدر خاصّ.
هذا خلاصة ما ذکره الفقهاء فی باب الاحتکار نقلناه عن الرّیاض مزدوجا شرحه مع متن المختصر النافع للمحقق رحمه اللّه.
2- احتکار المنافع، کما عبّر فی کلامه علیه السّلام و الظاهر أنّ احتکار المنافع الّتی عنونه علیه السّلام غیر الاحتکار المعنون فی الفقه، و المقصود منه الحرص علی أخذ الأریاح و المنافع من التجارات زائدا عن المقدار المشروع علی الوجه المشروع بحیث یؤدّی هذا الحرص و الولع إلی تشکیل الشّرکات و ضرب الانحصارات الّتی شاع فی هذه العصور
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 272
و مال إلیه أرباب رءوس الأموال الهامّة فی الشرکات النفطیة و الانحصارات المعدنیة و یدلّ علی ذلک امور:
1- أنّه علیه السّلام جعل ثمرة الضّیق الفاحش و الشحّ القبیح احتکار المنافع، و الاحتکار المعنون فی الفقه هو احتکار الأجناس و الحبوبات المعیّنة، و الفرق بینهما ظاهر.
2- أنّه علیه السّلام عطف علی قوله «احتکارا للمنافع» قوله «و تحکّما فی البیاعات» و البیاعات جمع معرّف بالألف و اللّام یفید العموم، و الاحتکار الفقهی لا ینتج هذا المعنی بل التحکّم فی البیاعات و التسلّط علی الأسواق معنی آخر ناش عن الانحصارات التجاریّة الّتی توجدها أرباب رءوس الأموال.
3- ما رواه فی الوسائل بسنده عن محمّد بن یعقوب، عن أبی علیّ الأشعری، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن النّضر، عن أبی جعفر الفزاری قال: دعا أبو عبد اللّه علیه السّلام مولی یقال له مصادف فأعطاه ألف دینار و قال له: تجهّز حتّی تخرج إلی مصر فإنّ عیالی قد کثروا، قال: فتجهّز بمتاع و خرج مع التجّار إلی مصر، فلمّا دنوا من مصر استقبلتهم قافلة خارجة من مصر فسألوهم عن المتاع الّذی معهم ما حاله فی المدینة و کان متاع العامّة فأخبروهم أنّه لیس بمصر منه شیء فتحالفوا و تعاقدوا علی أن لا ینقصوا متاعهم من ربح الدینار دینارا، فلمّا قبضوا أموالهم انصرفوا إلی المدینة فدخل مصادف علی أبی عبد اللّه علیه السّلام و معه کیسان کلّ واحد ألف دینار فقال: جعلت فداک هذا رأس المال و هذا الاخر ربح، فقال: إنّ هذا الرّبح کثیر و لکن ما صنعتم فی المتاع؟ فحدّثه کیف صنعوا و تحالفوا، فقال: سبحان اللّه تحلفون علی قوم مسلمین أن لا تبیعوهم إلّا بربح الدینار دینارا، ثمّ أخذ أحد الکیسین و قال: هذا رأس مالی و لا حاجة لنا فی هذا الرّبح، ثمّ قال: یا مصادف مجالدة السّیوف أهون من طلب الحلال. و قد رواه بسندین آخرین مع اختلاف یسیر.
أقول: یستفاد من هذا الحدیث أنّ التجّار أو جدوا فی معاملتهم مع أهل مصر انحصارا و هم محتاجون علی المتاع فأخذوا منهم مائة فی المائة من الرّبح
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 273
فلمّا اطلع الإمام علی عملهم لم یتصرّف فی هذا الرّبح لأنّه مأخوذ من أرباب الحاجة إلی المتاع بالتّحالف و إیجاد الانحصار الموضعی، و هذا هو عین ما یستعمله أصحاب الشرکات و الانحصارات فی هذا العصر و هو ما عبّر عنه علیّ علیه السّلام «باحتکار المنافع و التحکّم فی البیاعات» فیستفاد من ذلک کلّه أنّ کبری احتکار المنافع کبری مستقلّة، و مغایرة مع کبری الاحتکار المعنون فی الفقه، و أنّه تشریع علویّ کما أنّ المنع عن الاحتکار فی الطّعام تشریع نبویّ.
فاحتکار المنافع فی مورد تحالف الشرکات و الانحصارات علی أسعار معینة فی الأمتعة فیخرج وضع السّوق عن طبعه المبنیّ علی مجرّد العرضة و التقاضا من دون مداخلة أمر آخر فی ذلک، و حینئذ لا بدّ أن یداخل الحکومة و ینظر فی أمر الأسعار و یعین للأجناس سعرا عادلا یوافق مقدرة الناس المحتاجین إلی هذه الأمتعة و یمنع التجّار الانحصارییّن عن الاجحاف بالناس فی أسعارهم النّاشئة عن أهوائهم و ولعهم بجمع الأموال و الإغارة علی العمّال و الزّراع فی مصّ دمائهم و أخذ اجورهم.
و أمّا الاحتکار الفقهی المبنی علی مجرّد الامتناع عن بیع الأطعمة المدّخرة انتظارا لارتفاع سعره فهو فی مورد لا مداخلة لأرباب رءوس الأموال فی السّوق و کان السّوق علی طبعه العادی و السعر حینئذ ینطبق علی مقتضی تقاضا المبتاعین و مقدار عرضة البایعین و هو السّعر الّذی یلهمه اللّه فی قلوب أهل السّوق فیتوافقون علیه کما فی حدیث الوسائل فی أبواب الاحتکار بسنده عن علیّ بن أبی طالب علیه السّلام أنه قال: رفع الحدیث إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله، أنّه مرّ بالمحتکرین فأمر بحکرتهم أن تخرج إلی بطون الأسواق و حیث تنظر الأبصار إلیها فقیل لرسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:
لو قوّمت علیهم، فغضب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله حتّی عرف الغضب فی وجهه فقال: أنّا أقوّم علیهم؟ إنّما السّعر إلی اللّه یرفعه إذا شاء و یخفضه إذا شاء.
فقوله علیه السّلام «فامنع من الاحتکار» یرجع إلی المنع عن احتکار المنافع و إیجاد الشرکات الانحصاریّة و تعلیله بأنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله منع الاحتکار یحتمل وجهین:
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 274
1- أنه أخذ عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله المنع عن الاحتکار المطلق بحیث یشمل احتکار المنافع و احتکار الأطعمة، فنقله عنه دلیلا علی ما أمر به من المنع عن احتکار المنافع.
2- أنه ذکر منع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله عن احتکار الأطعمة تنظیرا و بیانا لحکمة التشریع مع أنه لا یحکم و لا یقول إلّا ما علّمه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله.
و قد تبیّن ممّا ذکرنا أنّ الحقّ فی مسئلة حق تسعیر الحاکم و عدمه، هو التفصیل بین ما إذا کان وضع السّوق طبیعیّا عادیّا منزّها عن مداخلة أرباب رءوس الأموال و أطماعهم فلا یجوز للحاکم تسعیر الطعام أو المتاع الّذی اجبر مالکه علی عرضه للبیع و یرجع فی السّعر إلی طبع السّوق الملهم من طبع العرضة و التقاضا.
و أمّا إذا کان السّوق تحت نفوذ أرباب رءوس المال و مطامعهم و حملوا علیه الانحصارات الرأسمالیّة أو ما بحکمها فلا بدّ للحاکم من تعیین السعر العادل، کما قال علیه السّلام «و لیکن البیع بیعا سمحا بموازین عدل و أسعار لا تجحف بالفریقین من البائع و المبتاع».
الترجمة:
سپس در باره بازرگانان و صنعتگران سفارش خواه باش، و در باره آنان بخوبی و رعایت حال سفارش، کن، چه بازرگانان صاحب بنگاه و اقامتگاه در شهر و روستا و چه بازرگانان دوره گرد که سرمایه خود را بهمراه خود بهر شهر و دیار می گردانند و آن صنعتگرانی که با دسترنج خود وسیله آسایش دیگران را فراهم می سازند، زیرا آنان مایه های سودهای کلان و وسائل آسایش هم نوعانند و هر کالا را از سرزمینهای دور دست و پرتگاه ها بدست می آورند، از بیابان تو و از دریای تو و از سرزمینهای هموار تو و از کوهستانهایت و از آن جائی که عموم مردم با آنها سرو کاری ندارند و رفت و آمدی نمی کنند و جرئت رفتن بدان سرزمینها را ندارند.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 275
زیرا که بازرگانان و صنعتگران مردمی سالمند و از نیرنگ و آهنگ شورش و جنگ آنان بیمی در میان نیست، مردمی صلح دوست و آرامش طلبند و از زیان آنان هراسی در میان نیست.
و باید از حال و وضع آنها بازرسی کنی چه آنکه در کنار تو و در شهر و دیار تو باشند و یا در کناره های دور دست کشور و محور حکمرانی تو.
و بدانکه با این حال بسیاری از آنها بسیار تنگ نظرند و گرفتار بخل و دریغی زشت و زننده و در پی انباشتن سودهای کلانند و تسلط بر انجام همه گونه معاملات و این خود مایه زیان عموم رعایا و ننگ و نکوهش بر حکمرانانست، از احتکار غدقن کن، زیرا رسول خدا صلّی اللّه علیه و آله از آن غدقن کرده، و باید فروش هر متاع فروشی آزاد و روا و بوسیله ترازوهای درست و نرخهای عادلانه ای باشد که بهیچکدام از طرفین معامله از فروشنده و خریدار ستمی نشود و هر کس پس از غدقن تو دستش باحتکار و انباشتن سود آلوده شد او را شکنجه کن و عقوبت نما و از حدّ مگذران.