[hadith]قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْکَمَ تَقْدیرَهُ

،

وَ دَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبیرَهُ، وَ وَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزلَتِهِ، وَ لَمْ یَقْصُرْ دُونَ الِانْتِهَاءِ إِلَی غَایَتِهِ، وَ لَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بالْمُضِیِّ عَلَی إِرَادَتِهِ، فَکَیْفَ وَ إِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشیئَتِهِ الْمُنْشئُ أَصْنَافَ الْأَشْیَاءِ بلَا رَوِیَّةِ فِکْرٍ آلَ إِلَیْهَا وَ لَا قَرِیحَةِ غَرِیزَةٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا وَ لَا تَجْرِبَةٍ أَفَادَهَا مِنْ حَوَادثِ الدُّهُورِ وَ لَا شَرِیکٍ أَعَانَهُ عَلَی ابْتِدَاعِ عَجَائِب الْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ بأَمْرِهِ وَ أَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ وَ أَجَابَ إِلَی دَعْوَتِهِ لَمْ یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِئِ وَ لَا أَنَاةُ الْمُتَلَکِّئِ، فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَوَدَهَا وَ نَهَجَ حُدُودَهَا وَ لَاءَمَ بقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا وَ وَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا وَ فَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَاتٍ فِی الْحُدُود وَ الْأَقْدَارِ وَ الْغَرَائِز وَ الْهَیْئَاتِ، بَدَایَا خَلَائِقَ أَحْکَمَ صُنْعَهَا وَ فَطَرَهَا عَلَی مَا أَرَادَ وَ ابْتَدَعَهَا.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 328

الفصل الثالث:

منها قدّر ما خلق فأحکم تقدیره، و دبّره فألطف تدبیره، و وجّهه لوجهته فلم یتعدّ حدود منزلته، و لم یقصر دون الانتهاء إلی غایته، و لم یستصعب إذ أمر بالمضیّ علی إرادته، و کیف؟ و إنّما صدرت الامور عن مشیّة المنشی ء أصناف الأشیاء بلا رویّة فکر آل إلیها، و لا قریحة غریزة أضمر علیها، و لا تجربة أفادها من حوادث الدّهور، و لا شریک أعانه علی ابتداع عجائب الامور، فتمّ خلقه و أذعن لطاعته، و أجاب إلی دعوته، و لم یعترض دونه ریث المبطی، و لا أناة المتلکِّی، فأقام من الأشیاء أودها، و نهج حدودها، و لائم بقدرته بین متضادّها، و وصل أسباب قرائنها، و فرّقها أجناسا مختلفات، فی الحدود و الأقدار و الغرائز و الهیئات، بدایا (برایا خ ل) خلایق أحکم صنعها، و فطرها علی ما أراد و ابتدعها. (16279- 16154)

اللغة:

(التدبیر) فی الامور النّظر إلی ما یؤل إلیه عاقبتها و (وجهة) الشیء بالکسر جهة الشّی ء یتوجّه الیها قال تعالی: «وَ لِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیها».

و (قصر) السهم عن الهدف إذا لم یبلغه و قصرت عن الشیء أی عجزت عنه و (دون) الشّی ء أی قریبا منه و قبل الوصول إلیه و (آل) إلیه رجع و (الغریزة) الطبیعة و (قریحة الغریزة) ما یستنبطه الذّهن.

قال الجوهریّ: القریحة أوّل ما یستنبط من البئر و منه قولهم: لفلان قریحة جیّدة یراد استنباط العلم بجودة الطبع و (أضمر علیها) أی بلغ الغایة و استقصی علیها من الاضمار بمعنی الاستقصاء، و قیل: من الاضمار بمعنی الاخفاء و لیس بشی ء لتعدّیه بنفسه یقال أضمره و أخفاه و لا یقال: أخفی و أضمر علیه و (الافادة) الاستفادة و (اعترض) الشیء دون الشیء حال، و اعترض صار کالخشبة المعترضة فی النهر و (الریث) الابطاء و (الاناة) کقتاة: الحلم و الوقار مأخوذ من تأنّی فی الأمر أی تثبّت و (تلکّاء) علیه اعتلّ و عنه أبطأ و (الاود) محرکة الاعوجاج و (قرائنها) جمع القرینة و هی الأنفس و یحتمل أن یراد بها مقارنات الأشیاء کما تطلع علیه.

قال الشّارح المعتزلی: و (بدایا) ههنا جمع بدیة و هی الحالة العجیبة بدأ الرّجل إذا جاء بالأمر البدی ء أی المعجب و البدیة أیضا الحالة المبتکرة المبتدئة و منه قولهم فعله بادی بدیء علی وزن فعل أی أوّل کلّ شیء.

الاعراب:

استفهام انکاری قوله: و کیف استفهام علی سبیل الانکار و إنما صدرت جملة حالیة و العامل محذوف أی کیف یستصعب و إنّما صدرت الامور، و جملة لم یعترض حال أیضا من فاعل المصدر أعنی دعوته، قوله: أجناسا حال من مفعول فرّق أو منصوب بنزع

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 329

الخافض أی فرّقها بأجناس أو علی أجناس مختلفة، و قوله: بدایا خلایق خبر لمبتدأ محذوف أی هی بدایا خلایق، و اضافة بدایا إلی خلایق من باب اضافة الصّفة إلی موصوفها، قال الشّارح المعتزلی: و یجوز أن لا یکون بدایا إضافة إلیها بل یکون بدلا من اجناسا.

أقول: فعلی هذا الاحتمال تکون بدایا صفة ثانیة لأجناسا و ما ذکرناه أظهر فتدبّر.

المعنی:

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة متضمن لتنزیه اللَّه سبحانه فی کیفیة ایجاده للأشیاء و خلقه لها عن صفات المصنوعین، و فیه تنبیه علی کون المخلوقین مذلّین لانقیاد حکمه، مطیعین لأمره، ماضین علی ارادته، غیر متمرّدین عن طاعته کما قال علیه السّلام: (قدّر ما خلق فأحکم تقدیره) یعنی أنّ کلّ مخلوق قدّره فی الوجود فعلی وفق حکمته بحیث لو زاد علی ذلک المقدار أو نقص منه لاختلّت مصلحة ذلک المقدّر و تغیّرت جهة المنفعة فیه (و دبّره فألطف تدبیره) یعنی أنّه أوجد الأشیاء علی وفق المصلحة و نظام الخیر فتصرّف فیها تصرّفات کلّیة و جزئیّة من غیر شعور غیره ذلک.

 (و وجّهه لوجهته فلم یتعدّ حدود منزلته و لم یقصر دون الانتهاء إلی غایته) أراد أنّه سبحانه وجّه کلّ ما خلق إلی الجهة التی وجّهه إلیها، و ألهم کلّا و یسّره لما خلق له، کالسحاب للمطر و الحمار للحمل و النّحل للشمع و العسل و هکذا فلم یتجاوز شی ء منها مرسوم تلک المنزلة المحدودة له المعیّنة فی حقّه، و لم یقصر دون الانتهاء إلی الغایة التی کتبت له فی اللّوح المحفوظ و إلّا لزم التّغیّر فی علمه و عدم النفاذ فی أمره و هما محالان.

 (و لم یستصعب إذ أمر بالمضیّ علی إرادته) أی لم یستصعب أحد من المخلوق التّوجّه إلی الجهة التی وجّهه إلیها، و لم یمکنه التّخلّف من المضیّ الیها علی وفق إرادته و حکمته بعد أمره له بذلک أمر تکوین لا تشریع.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 330

(و کیف) یستصعب و یتخلّف (و إنّما صدرت الامور عن مشیّة المنشی أصناف الأشیاء) یعنی أنّ جمیع الآثار مستند إلی مشیّة إذ کلّ أثر فهو واجب عن مؤثّره و الکلّ منته فی سلسلة الحاجة إلی إرادته فهو واجب عنها.

و یدلّ علیه ما رواه فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن عمر بن اذینة عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: خلق اللَّه المشیّة بنفسها ثمّ خلق الأشیاء بالمشیّة.

و سیأتی تحقیق الکلام فی ذلک بعد الفراغ من شرح الفصل، هذا و قوله علیه السّلام (بلا رویّة فکر آل إلیها و لا قریحة غریزة أضمر علیها و لا تجربة أفادها من حوادث الدّهور و لا شریک أعانه علی ابتداع عجائب الامور) إشارة إلی تنزّهه فی ایجاد المخلوقات عن الافتقار إلی هذه الامور، و أنّ ذاته بذاته مصدر جمیع الامور و أنّ خلقه سبحانه لها غیر موقوف علی شیء منها.

أمّا رویّة الفکر فلأنها عبارة عن حرکة القوّة المفکّرة فی تحصیل المطالب من المبادی و انتقالها منها إلیها و هی محال علی اللَّه سبحانه: «أمّا أوّلا» فلکون القوّة المفکّرة من خواصّ نوع الانسان «و أمّا ثانیا» فلأنّ فایدتها تحصیل المطالب المجهولة من المعلومات و الجهل محال فی حقه تعالی و أمّا قریحة الغریزة فلانّها علی ما عرفت عبارة عن استنباط العلم بجودة الذهن، و استحالته علی اللَّه واضحة إذ العلم عین ذاته و هو تعالی غیر فاقد له حتّی یکون محتاجا إلی التّعمق و الاستنباط و النظر فی موارده و مصادره و الاستقصاء علیه و بلوغ الغایة فیه و أمّا التجربة فلأنّها عبارة عن حکم العقل بأمر علی أمر بواسطة مشاهدات متکرّرة معدّة للیقین بسبب انضمام قیاس خفیّ إلیها، و هو أنّه لو کان هذا الأمر اتفاقیّا لما کان دائما أو أکثریّا و استحالتها علی اللَّه من وجهین: أحدهما أنّها، مرکبة من مقتضی الحسّ و العقل، و ذلک أنّ الحسّ یشاهد وقوع الاسهال مثلا

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 331

عقیب شرب الدّواء مرّة بعد مرّة فینتزع العقل من تلک المشاهدة حکما کلّیا بأنّ ذلک الدّواء مسهل و معلوم أنّ اجتماع الحسّ و العقل من خصایص نوع الانسان و ثانیهما أنّ التّجربة إنما تفید علما لم یکن قبل فالمحتاج إلی التجربة لاستفادة العلم بها ناقص بذاته مستکمل بها و المستکمل بالغیر محتاج إلیه فیکون ممکنا و أمّا الشریک المعین فلانتفاء الشریک أوّلا کما مرّ فی شرح الفصل الرابع من فصول الخطبة الاولی، و لانتفاء مبدء الاستعانة ثانیا لأنّ مبدئها هو العجز من الفعل و العجز عبارة عن تناهی القوّة و القدرة، و قدس الحقّ منزّه عن ذلک.

فقد وضح و اتّضح بذلک کلّ الوضوح أنّ اللَّه سبحانه غیر محتاج فی ابداع الخلایق و ایجادها إلی الفکر و الرّویة، و لا قریحة الطّبیعة و لا تجربة و لا مشارکة و إنّما مستند الایجاد نفس الارادة و المشیّة و أنّه سبحانه «إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ».

 (فتمّ خلقه) بمشیّته (و أذعن) الکلّ (لطاعته) بمقتضا امکانه و حاجته (و أجاب) الجمیع (إلی دعوته) حیث دعاهم إلی بساط الوجود بمقتضا عموم الافاضة و الجود (و) الحال انّه (لم یعترض دونه ریث المبطئ و لا أناة المتلکّی) أی لم یحل دون نفاذ أمره إبطاء المبطئ و لا تثبّت المتوقّف المعتلّ بل انقاد له جمیع الأشیاء و أسرعوا إلی أمره عند الدّعاء من غیر تعلّل و لا إبطاء لکون الکلّ مقهورا تحت قدرته أذلّة تحت عزّته کما قال عزّ من قائل: «بَدیعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِذا قَضی أَمْراً فَإِنَّما یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ» .

یعنی أنّه إذا أراد فعله و خلقه یقول له ذلک بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفکّر، فقوله کن اشارة إلی هبة ما ینبغی لذلک المأمور و بذل ما یعدّه لاجابة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 332

أمره بالکون فی الوجود، و قوله: فیکون إشارة إلی وجوده، و الفاء المقتضیة للتعقیب بلا مهلة دلیل علی اللّزوم و عدم التأخّر، هذا.

و یحتمل أن یکون المراد بنفی اعتراض الرّیث و الاناة نفی اعتراضهما بالنّظر إلی ذاته من حیث فاعلیته، فیکون المقصود بذلک تنزیهه من أن یعرض له شی ء من هذه الکیفیّات کما یعزض علی أحدنا إذا أردنا فعل شی ء من حیث قصور قدرتنا و ضعف قوّتنا کنایه (فأقام من الأشیاء أودها) و اعوجاجها، و إقامتها کنایة عن اعداده ما ینبغی لها و إفاضته الکمال بالنسبة إلیها (و نهج حدودها) و غایاتها أراد به ایضاحه لکلّ شی ء وجهته و تیسیرها له (و لائم بقدرته بین متضادّها) کما جمع بین العناصر الأربعة علی تضادّ کیفیّتها فی مزاج واحد (و وصل أسباب قرائنها) و نفوسها بتعدیل أمزجتها لأنّ اعتدال المزاج سبب بقائها.

قال الشارح البحرانی: و یحتمل أن یکون معنی الوصول لأسبابها هدایتها إلی عبادته و ما هو الأولی بها فی معاشها و معادها و سوقها إلی ذلک، إذ المفهوم من قول القائل: وصل الملک أسباب فلان إذا علّقه علیه و وصله إلی برّه و انعامه، هذا إن جعلنا القراین بمعنی الأنفس و إن کانت بمعنی مقارنات الشی ء فهو إشارة إلی أنّ الموجودات لا تنفکّ عن أشیاء یقترن بها من هیئة أو شکل أو غریزة و نحوها، و اقتران الشیئین لا محالة مستلزم لاقتران أسبابهما، لاستحالة قیام الموجود بدون أسبابه، و ذلک الاقتران و الاتّصال مستند إلی کمال قدرته إذ هو مسبب الأسباب.

 (و فرّقها أجناسا مختلفات فی الحدود و الاقدار و الغرایز و الهیئات) أی جعلها أقساما مختلفة النهایات و المقادیر متفاوتة الطبایع و الصفات، فجعل بعضها طویلا و بعضها قصیرا و بعضها صغیرا و بعضها کبیرا، و جعل سجیّة بعضها شجاعا و بعضها جبانا و بعضها شحیحة و بعضها کریمة و هیئة بعضها حسنة و بعضها قبیحة و هکذا، هذا ان کان الحدود فی کلامه علیه السّلام بمعنی النهایات قال الشارح البحرانیّ: و إن حملنا الحدود علی ما هو المتعارف کان حسنا،

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 333

فانّ حکمة الخالق سبحانه اقتضت تمیّز بعض الموجودات عن بعض بحدودها و حقایقها، و بعضها بأشکالها و هیئاتها و مقادیرها و غرائزها و اخلاقها کما یقتضیه نظام الوجود و أحکام الصّنع و حکم الارادة الالهیّة.

 (بدایا خلایق أحکم صنعها و فطرها علی ما أراد و ابتدعها) أی هی مخلوقات عجیبة أو مبتکرة غیر محتذی بها حذو خالق سابق، جعل صنعها محکما متقنا، و أوجدها علی وفق ارادته و أبدعها من العدم المحض إلی الوجود من دون أن تکون لها مادّة أصلا لها کما زعمت الفلاسفة من أنّ الأجسام لها أصل أزلیّ هی المادّة فهو المخترع للممکنات بما فیها من المقادیر و الأشکال و الهیآت، و المبتدع للموجودات بمالها من الحدود و الغایات و النّهایات بمحض القدرة علی وفق الارادة و مقتضی الحکمة.

تنبیه:

اعلم أنّه لما جری فی هذا الفصل ذکر حدیث صدور الأشیاء عن مشیّته سبحانه أحببت تنقیح ذلک المرام و عزمت علی تحقیق الکلام فی هذا المقام لکونه من مزالّ الأقدام.

فأقول: و باللّه التکلان و هو المستعان إنّ الکلام فی هذا الباب یقع فی مقامات ثلاثة:

المقام الاول:

فی معنی المشیّة، و قد فسّرها أهل اللغة بالارادة قال فی القاموس: شئته إشائه شیئا و مشیئة و مشائة و مشائیة أرادته، و فی مجمع البحرین: و المشیّة الارادة من شاء زید یشاء من باب قال أراد، و فی المصباح شاء زید الأمر یشائه شیئا من باب قال أراده، و المشیئة اسم منه بالهمز، و الادغام غیر سایغ إلّا علی قیاس من یحمل الأصلی علی الزّاید لکنّه غیر منقول و نحوها فی سایر کتب اللغة.

و أما فی الأخبار و أحادیث أئمّتنا الأبرار الأخیار فتارة اطلقتا علی معنی

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 334

واحد مثل ما رواه الطریحی عن الرّضا علیه السّلام ان الابداع و المشیة و الارادة معناها واحد و الأسماء ثلاثة، و اخری و هو الأکثر علی معنیین مختلفین یجعل مرتبة المشیة متقدّمة علی مرتبة الارادة و کون نسبتها إلیها نسبة القوّة إلی الضعف.

و یدلّ علیه ما رواه المحدّث المجلسیّ من المحاسن للبرقی قال: حدثنی أبی عن یونس عن أبی الحسن الرّضا علیه السّلام قال: قلت: لا یکون إلّا ما شاء اللَّه و أراد و قضی؟

فقال علیه السّلام: لا یکون إلّا ما شاء اللَّه و قدّر و قضی، قلت: فما معنی شاء؟ قال: ابتداء الفعل، قلت: فما معنی أراد؟ قال علیه السّلام: الثبوت علیه، قلت: فما معنی قدّر؟ قال:

تقدیر الشیء من طوله و عرضه، قلت: فما معنی قضی؟ قال علیه السّلام: إذا قضی أمضاه فذلک الذی لا مردّ له.

و رواه فی الکافی مسندا عن علیّ بن إبراهیم الهاشمی عن أبی الحسن موسی ابن جعفر علیهما السّلام نحوه إلّا أنّه لیس فیه قوله: قلت: فما معنی أراد قال الثبوت علیه، و لعلّه سقط من الکتاب و الظّاهر أنّ مراده منه هو ما ذکرنا کما فهمه شرّاح الحدیث.

قال فی مرآت العقول: قوله علیه السّلام: ابتداء الفعل أی أوّل الکتابة فی اللّوح المحفوظ أو أوّل ما یحصل من جانب الفاعل و یصدر عنه ممّا یؤدّی إلی وجود المعلول و علی ما فی المحاسن یدلّ علی أنّ الارادة تأکّد المشیّة و فی اللَّه سبحانه تکون عبارة عن الکتابة فی الألواح و تسبیب أسباب وجوده، و قوله: تقدیر الشی ء، أی تعیین خصوصیّاته فی اللّوح أو تعیین بعض الأسباب المؤدّیة إلی تعیین المعلول و تحدیده و خصوصیّاته إذا قضی أمضاه، أی إذا أوجبه باستکمال شرایط وجوده و جمیع ما یتوقّف علیه المعلول أوجده، و ذلک الذی لا مردّ له لاستحالة تخلّف المعلول عن الموجب التّام.

و قال الصّالح المازندرانی فی شرحه علی أصول الکافی: لما کان قوله علیه السّلام:

لا یکون شیء إلّا ما شاء اللَّه، دالّا بحسب الظاهر علی أنّ المعاصی تقع بمشیّته تعالی و إرادته و هذا لا یستقیم علی المذهب الحقّ، سأل السائل عن معنی المشیّة حتی یظهر

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 335

له وجه الاستقامة، فأجاب علیه السّلام بأنّ المشیّة ابتداء الفعل و أوله، و لعلّ المراد بابتداء الفعل أنّ مشیّته تعالی أوّل فعل من الأفعال، و کلّ فعل غیرها یتوقّف علیها و یصدر بعدها کما یدلّ علیه ما عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: خلق اللَّه المشیّة بنفسها ثمّ خلق الأشیاء بالمشیّة، یعنی خلق أفعاله بها و کذا خلق أفعال عباده لکن بتوسط مشیّة جازمة صادرة منهم، فاذا سلسلة جمیع الأفعال منتهیة إلی مشیّته تعالی، و المراد به أنّ مشیّته أوّل المشیئات، و کلّ مشیّة سواها تابعة لها، کما أنّه تعالی هو الفاعل الأوّل و کلّ فاعل بعدها فاعل ثانوی یسند فعله إلیه بلا واسطة، و إلی الفاعل الأوّل بواسطة، و هذا معنی مشیّته تعالی لأفعال العباد و معنی اسناد فعلهم إلی مشیّته.

و فی محاسن البرقی بعد هذا السؤال و الجواب قلت: فما معنی أراد؟ قال: الثبوت علیه، یعنی علی ابتداء الفعل و من ههنا فسرّ بعضهم الارادة تارة بأنّها عزیمة علی المشیّة، و تارة بأنها الاتمام لها، و تارة بأنّها الجدّ علیها.

و قال صدر المتألّهین: نسبة المشیّة إلی الارادة کنسبة الضعف إلی القوّة و نسبة الظنّ إلی الجزم، فانّک ربما تشاء أشیاء و لا تریده، فظهر أنّ المشیّة ابتداء العزم علی الفعل هذا.

و فی الکافی عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبیه و محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسین بن سعید و محمّد بن خالد جمیعا عن فضالة بن أیوب عن محمّد بن عمارة عن حریز بن عبد اللَّه و عبد اللَّه بن مسکان جمیعا عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: لا یکون شی ء فی الأرض و لا فی السّماء إلّا بهذه الخصال السّبع: بمشیّة، و إرادة، و قدر، و قضاء، و اذن، و کتاب، و أجل، فمن زعم أنّه یقدر علی نقص واحدة فقد کفر.

قال فی مرآت العقول: یمکن حمل الخصال السبع علی اختلاف مراتب التقدیر فی الألواح السّماویّة، أو اختلاف مراتب تسبب الأسباب السّماویّة و الأرضیّة، أو یکون بعضها فی الامور التکوینیّة و بعضها فی الأحکام التکلیفیّة، أو کلّها فی الامور التکوینیّة.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 336

فالمشیّة و هی العزم؛ و الارادة و هی تأکّدها فی الأمور التکوینیّة ظاهرتان و أمّا فی التکلیفیّة فلعلّ عدم تعلّق الارادة الحتمیّة بالترک عبّر عنه بارادة الفعل مجازا.

و الحاصل أنّ الارادة متعلّقة بالأشیاء کلّها لکن تعلّقها بها علی وجوه مختلفة إذ تعلّقها بأفعال نفسه بمعنی ایجادها و الرضا بها و الأمر بها، و بالمباحاة بمعنی الرّخصة بها، و بالمعاصی إرادة أن لا یمنع منها بالجبر لتحقّق الابتلاء و التکلیف کما قال تعالی: «وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَکُوا».

أو یقال تعلّقها بأفعال العباد علی سبیل التجوّز باعتبار ایجاد الآلة و القدرة علیها و عدم المنع منها فکانّه أرادها.

و بالقدر تقدیر الموجودات طولا و عرضا و کیلا و وزنا و حدّا و وصفا و کمّا و کیفا، و بالقضاء الحکم علیها بالثواب و العقاب أو تسبیب أسبابه البعیدة کما مرّ و المراد بالاذن إما العلم أو الأمر فی الطّاعات أو رفع الموانع، و بالکتاب الکتابة فی الألواح السّماویة أو الفرض و الایجاب کما قال تعالی: کتب علیکم الصّیام، و کتب علی نفسه الرّحمة، و بالأجل الأمد المعیّن و الوقت المقدّر عنده تعالی.

و فی الکافی أیضا عن الحسین بن محمّد عن معلّی بن محمّد قال: سئل العالم علیه السّلام کیف علم اللَّه؟ قال: علم و شاء و أراد و قدّر و قضی و أمضی، فأمضی ما قضی و قضی ما قدّر و قدّر ما أراد، فبعلمه کانت المشیّة، و بمشیّته کانت الارادة، و بارادته کان التقدیر، و بتقدیره کان القضاء، و بقضائه کان الامضاء الحدیث.

قال صدر المتألّهین فی شرحه: هذا السّائل سأله علیه السّلام عن کیفیّة علمه تعالی بالجزئیات الزّمانیّة و المکانیّة، فأجابه علیه السّلام عنها بما أفاده من المراتب السّتة المرتّب بعضها علی بعض.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 337

أوّلها العلم، لأنه المبدأ الأوّل لجمیع الأفعال الاختیاریّة، فانّ الفاعل المختار لا یصدر عنه فعل إلّا بعد القصد و الارادة، و لا یصدر عنه القصد و الارادة إلّا بعد تصوّر ما یدعوه إلی ذلک المیل و تلک الارادة و التّصدیق به تصدیقا جازما أو ظنا راجحا، فالعلم مبدء مبادی الأفعال الاختیاریّة، و اعلم أنّ المراد بهذا العلم المقدّم علی المشیّة و الارادة و ما بعدهما بحسب الاعتبار أو التحقّق هو العلم الأزلیّ الذاتی الالهیّ أو القضائی المحفوظ عن التغیّر، فینبعث منه ما بعده و أشار إلیه بقوله: علم، أی علم دائما عن غیر زوال و تبدّل.

و ثانیها المشیّة، و المراد بها مطلق الارادة سواء بلغت حدّ العزم و الاجماع أم لا، و قد ینفکّ المشیّة فینا عن الارادة الجازمة کما نشتاق أو نشتهی شیئا و لا نعزم علی فعله لمانع عقلیّ أو شرعیّ و إلیها أشار بقوله: و شاء و ثالثها الارادة، و هی العزم علی الفعل أو الترک بعد تصوّره و تصوّر غایة المترتبة علیه من خیر أو نفع أو لذّة، لکنّ اللَّه بری ء عن أن یفعل لأجل غرض یعود إلی ذاته و إلیها الاشارة بقوله: أراد.

و رابعها التقدیر، فانّ الفاعل لفعل جزئیّ من أفعال طبیعة واحدة مشترکة إذا عزم علی تکوینه فی الخارج کما إذا عزم الانسان علی بناء بیت فلا بدّ قبل الشروع أن یعیّن مکانه الذی یبنی علیه، و زمانه الذی یشرع فیه، و مقداره الذی یکوّنه علیه من کبر أو صغر أو طول أو عرض، و شکله و وصفه و لونه و غیر ذلک من صفاته و أحواله، و هذه کلّها داخلة فی التقدیر.

و خامسها القضاء، و المراد هنا ایجاب الفعل و اقتضاء الفعل من القوّة الفاعلة المباشرة، فانّ الشیء ما لم یجب لم یوجد، و هذه القوّة الموجبة بوقوع الفعل منّا هی القوّة التی تقوم فی العضلة و العصب من العضو الذی توقع القوّة الفاعلة فیها قبضا و تشنّجا؛ أو بسطا و إرخاء أوّلا فیتبعه حرکة العضو فتتبعه صورة الفعل فی الخارج من کتابة أو بناء أو غیرهما، و الفرق بین هذا الایجاب و بین وجود الفعل فی العین کالفرق بین المیل الذی فی المتحرّک و بین حرکته، و قد ینفکّ المیل کما تحسّ

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 338

یدک من الحجر المسکن بالید فی الهواء، و معنی هذا الایجاب و المیل من القوّة المحرّکة أنه لو لا هناک اتفاق مانع أو دافع من خارج لوقعت الحرکة ضرورة إذ لم یبق من جانب الفاعل شیء منتظر فقوله علیه السّلام: و قضی، إشارة إلی هذا الاقتضاء و الایجاب الذی ذکرنا أنه لا بدّ من تحقّقه قبل الفعل قبلیّة بالذّات لا بالزّمان إلّا أن یدفعه دافع من خارج، و لیس المراد منه القضاء الأزلی لأنه نفس العلم، و مرتبة العلم قبل المشیّة و الارادة و التقدیر.

و سادسها نفس الایجاد و هو أیضا متقدّم علی وجود الشیء المقدّر فی الخارج و لهذا یعدّه أهل العلم و التحقیق من المراتب السّابقة علی الوجود الممکن فی الخارج فیقال أوجب فوجب. فأوجد فوجد.

فان قلت: ألیس الایجاد و الوجود و کذا الایجاب و الوجوب متضایفین و المتضایفان معان فی الوجود؟

قلت: المتضایفان و إن کانا من حیث مفهومیهما الاضافیّین و من حیث اتّصاف الذاتین بهما معا کما ذکرت، لکنّ المراد ههنا لیس حال المفهومین، فانّ کلّا من الموجد بالفعل أو المقتضی أو المحرّک قد یراد به المعنی الاضافی و المفهوم النّسبی و حکمه کما ذکرت من کون تحقّقه مع تحقّق ما اضیف إلیه من حیث إنه اضیف إلیه، و قد یراد به کون الشیء بحیث یکون وجوده مستتبعا لوجود شیء آخر و هذا الکون لا محالة متقدّم علی کون شیء آخر هو تابعه و مقتضاه الموجود بسبب هذا الاقتضاء أو الایجاد.

کما فی تحریک الید بحرکتها للمفتاح، تقول: تحرّک الید فتحرّک المفتاح فانّ الفاء یدلّ علی الترتیب و إن کانا معا فی الزّمان و ربما یتقدّم المقتضی علی المقتضی زمانا فی عالم الاتفاقات إذا کان هناک مانع من خارج کما فی المثال الذی ذکرناه و کما فی اقتضاء الشمس لاضائة ما یحاذیها من وجه الأرض فحال بینهما حائل، فعدم استضاءة ذلک الموضع لیس لأجل فتور أو نقصان فی جانب المقتضی، لأنّ حاله فی الاقتضاء و الاضائة لم یتغیّر عما کان، و إنّما التخلّف فی الاستضائة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 339

لأجل شیء من جانب القابل، فقوله علیه السّلام: فأمضی، اشارة إلی هذا الایجاد الذی بیّنا أنه قبل الوجود و الصدور.

المقام الثانی:

فی تحقیق أنّ المشیة و الارادة من صفات الفعل لا من صفات الذات، و توضیح ذلک موقوف علی رسم مقدّمة متضمنة لقاعدة کلّیة بها یعرف الفرق بین صفات الذات و صفات الفعل، و قد أشار إلیها ثقة الاسلام الکلینی عطّر اللَّه مضجعه فی الکافی أیضا و هی:

أنّ الفرق بینهما من وجوه ثلاثة:

الأوّل أنّ کلّ صفة وجودیة لها مقابل وجودیّ فهی من صفات الفعل لا من صفات الذات، لأنّ صفاته الذاتیة کلّها عین ذاته و ذاته مما لا ضدّ له، فکذلک کلّما هو عین ذاته، مثال ذلک أنّک تقول: إنّ اللَّه سبحانه رضی و سخط و أحبّ و أبغض و أحیی و أمات، و هکذا و لا یجوز أن تقول: علم و جهل و قدر و عجز و عزّ و ذلّ، فبذلک یعرف أنّ الحبّ و الاحیاء و الرّضا من صفات الفعل لأنّ البغض و الاماتة و السّخط مقابلاتها ناقضات لها، فلو کانت من صفات الذّات لزم أن یکون مقابلاتها ناقضات للذّات الأحدیة و هو محال، لأنّه لا ضدّ له کما لا ندّ له فاتصاف ذاته بصفتین ذاتیّتین متقابلتین محال.

الثّانی أنّ کلّ صفة صحّ تعلّق القدرة بها فهی من صفات الفعل و کلّما لا تصحّ تعلّقها بها فهی صفة الذات، و ذلک لأنّ القدرة صفة ذاتیّة تتعلّق بالممکنات لا غیر، فلا تتعلّق بالواجب و لا بالممتنع، فکلّ ما هو صفة الذات فهو أزلیّ غیر مقدور و کلّما هو صفة الفعل فهو ممکن مقدور فیصح أن تقول: یقدر أن یخلق و أن لا یخلق و یقدر أن یمیت و یحیی و أن یثیب و یعاقب و هکذا، و لا یصحّ أن تقول: یقدر أن یعلم و أن لا یعلم، لأنّ علمه بالأشیاء ضروریّ واجب بالذّات، و عدم علمه بها محال ممتنع بالذات و مصحّح المقدوریّة هو الامکان، و مثله صفة الملک و العزّة و العظمة و الکبریاء و الجلال و الجمال و الجبروت و أمثالها.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 340

الثّالث أنّ کلّ صفة صحّ تعلّق الارادة بها فهی صفة فعل، و ما لا یصحّ تعلّقها بها فهی صفة الذّات، و ذلک لأنّ الارادة من توابع القدرة إذ هی عبارة عن اختیار أحد طرفی المقدور و العزم علیه لأجل تحقّق الدّاعی، فما لا یکون مقدورا لا یکون مرادا، و أیضا الارادة صفة فعل حادثة و الحادث لا یؤثر فی القدیم.

إذا عرفت هذه المقدّمة الشریفة فأقول: إنّ الارادة کما حقّقه صدر المتألّهین فی شرح الکافی تطلق علی معنیین:

أحدهما ما یفهمه الجمهور، و هو الذی ضدّه الکراهة، و هی التی قد تحصل فینا عقیب تصوّر الشی ء الملایم و عقیب التردّد حتی یترجّح عندنا الأمر الداعی إلی الفعل أو الترک فیصدر أحدهما منا، و هذا المعنی فینا من الصفات النفسانیة، و هی و الکراهة فینا کالشهوة و الغضب فینا، و هذا المعنی لا یجوز علی اللَّه سبحانه، بل ارادته نفس صدور الأفعال الحسنة منه من جهة علمه بوجه الخیر و کراهته عدم صدور الفعل القبیح من جهة علمه بقبحه.

کما قال المفید (ره): إنّ الارادة من اللَّه جلّ اسمه نفس الفعل و من الخلق الضمیر و أشباهه مما لا یجوز إلّا علی ذوی الحاجة و النقص و ذلک لأنّ العقول شاهدة بأنّ القصد لا یکون إلّا بقلب کما لا تکون الشهوة و المحبّة إلّا لذی قلب و لا تصحّ النیّة و الضمیر و العزم إلّا علی ذیخاطر یضطرّ معه فی الفعل الذی یقلب علیه إلی الارادة له و النّیة فیه و العزم و لما کان اللَّه تعالی یجلّ عن الحاجات و یستحیل علیه الوصف بالجوارح و الأدوات و لا یجوز علیه الدّواعی و الخطرات، بطل أن یکون محتاجا فی الأفعال إلی القصود و العزمات، و ثبت أنّ وصفها بالارادة مخالف فی معناه لوصف العباد و أنها نفس فعله الأشیاء و بذلک جاء الخبر عن أئمة الهدی.

ثمّ اورد روایة صفوان بن یحیی قال: قلت لأبی الحسن علیه السّلام: أخبرنی عن الارادة من اللَّه و من الخلق؟ قال: فقال علیه السّلام: الارادة من الخلق الضمیر «1» و ما یبدو لهم بعد ذلک من الفعل، و أما من اللَّه تعالی فارادته إحداثه لا غیر ذلک، لأنّه تعالی


 (1) الضمیر أی تصور الشی ء و توجّه الذهن الیه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 341

لا یروّی و لا یتفکّر و لا یهمّ و هذه الصّفات منتفیة عنه و هی صفات الخلق فارادة اللَّه تعالی الفعل یقول له کن فیکون بلا لفظ و لا نطق بلسان و لا همة و لا تفکر و لا کیف لذلک کما لا کیف له تعالی.

المعنی الثانی للارادة:

کون ذاته سبحانه بحیث یصدر عنه الأشیاء لأجل علمه بنظام الخیر فیها التابع لعلمه بذاته، لا کاتباع الضؤ للمضی ء و السخونة للمسخن، و لا کفعل الطبایع لا عن علم و شعور، و لا کفعل المجبورین و المسّخرین، و لا کفعل المختارین بقصد زاید أو ارادة ظنیّة یحتمل الطرف المقابل.

و قد تحقّقت أنّ قیّوم الکلّ إنّما یفعل الکلّ عن علم هو نفس ذاته العلیم الذی هو أتمّ العلوم، فاذا هو سبحانه فاعل للأشیاء کلّها بارادة ترجع إلی علمه بذاته المستتبع لعلمه بغیره المقتضی لوجود غیره فی الخارج لا لغرض زاید و جلب منفعة أو طلب محمدة أو ثناء أو التخلّص من مذمّة، بل غایة فعله محبة ذاته فهذه الأشیاء الصادرة عنه کلّها مرادة لأجل ذاته لأنها من توابع ذاته و علمه بذاته، فلو کنت تعشق شیئا لکان جمیع ما یصدر عنه معشوقا لک لأجل ذلک الشّی ء.

و إلیه الاشارة بما ورد فی الحدیث الالهی عن نفسه: کنت کنزا مخفیّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف.

و إذا ظهر لک ذلک اتّضح عندک أنّ الارادة بالمعنی الثانی لا غبار علی کونها من صفات الذّات لکونها عبارة اخری للعلم بالأصلح و النّظام الخیر و العلم صفة ذات له سبحانه، و بالمعنی الأول هی صفة فعل و لذلک صحّ سلبها عنه سبحانه.

و یشهد به ما رواه فی الکافی باسناده عن عاصم بن حمید عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال:

قلت: لم یزل اللَّه مریدا قال: إنّ المرید لا یکون إلّا المراد معه، لم یزل اللَّه عالما قادرا ثم أراد.

فانّه کما تری یدلّ علی کونها من الصّفات الاضافیّة المتجدّدة کخالقیّته تعالی و رازقیّته، و یشهد به أخبار اخر أیضا لا حاجة إلی إیرادها بعد وضوح المراد.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 342

المقام الثالث:

فی تحقیق الحدیث المعروف المرویّ فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن عمر بن اذینة عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: خلق اللَّه المشیّة بنفسها ثمّ خلق الأشیاء بالمشیّة.

و قد ذکروا فی تأویله وجوها أشار إلیها المحدّث العلّامة المجلسیّ طاب رمسه فی مرآت العقول.

الأوّل أن لا یکون المراد بالمشیّة الارادة بل احدی مراتب التّقدیرات التی اقتضت الحکمة جعلها من أسباب وجود الشّی ء، کالتّقدیر فی اللّوح مثلا و الاثبات فیه، فانّ اللّوح و ما أثبت فیه لم یحصل بتقدیر اخر فی لوح سوی ذلک اللّوح و إنما وجد سایر الأشیاء بما قدّر فی ذلک اللّوح و ربما یلوح هذا المعنی من بعض الأخبار، و علی هذا المعنی یحتمل أن یکون الخلق بمعنی التقدیر.

الثّانی أن یکون خلق المشیّة بنفسها کنایة عن کونها لازمة لذاته تعالی غیر متوقّفه علی تعلّق إرادة اخری بها، فیکون نسبة الخلق إلیها مجازا عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالی بلا توقّف علی مشیّة اخری، أو أنه کنایة عن أنّه اقتضی علمه الکامل و حکمته الشّاملة کون جمیع الأشیاء حاصلة بالعلم بالأصلح، فالمعنی أنه لما اقتضی کمال ذاته أن لا یصدر عنه شیء إلّا علی الوجه الأصلح و الأکمل فلذا لا یصدر شی ء عنه تعالی إلّا بارادته المقتضیة لذلک.

الثالث ما ذکره السیّد داماد قدّس اللَّه روحه و هو: أنّ المراد بالمشیّة هنا مشیّة العباد لأفعالهم الاختیاریة، لتقدّسه تعالی عن مشیّة مخلوقة زایدة علی ذاته عزّ و جلّ و بالأشیاء أفاعیلهم المترتّب وجودها علی تلک المشیّة، و بذلک تنحلّ شبهة ربما اوردت ههنا، و هی: أنه لو کانت أفعال العباد مسبوقة بارادتهم لکانت الارادة مسبوقة بارادة اخری و تسلسلت الارادات لا إلی نهایة.

الرّابع ما ذکره بعض الأفاضل و هو: أنّ للمشیّة معنیین أحدهما متعلّق بالشّائی و هی صفة کمالیة قدیمیة هی نفس ذاته سبحانه، و هی کون ذاته سبحانه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 343

بحیث یختار ما هو الخیر و الصّلاح و الاخر یتعلّق بالمشی ء و هو حادث بحدوث المخلوقات لا تتخلّف المخلوقات عنه، و هو ایجاده سبحانه إیّاها بحسب اختیاره، و لیست صفة زایدة علی ذاته عزّ و جلّ و علی المخلوقات بل هی نسبة بینهما تحدث بحدوث المخلوقات لفرعیّتها علی المنتسبین معا فنقول إنه لما کان ههنا مظنّة شبهة هی: أنه إن کان اللَّه عزّ و جلّ خلق الأشیاء بالمشیّة فبم خلق المشیّة أبمشیّة اخری فیلزم أن تکون قبل کلّ مشیّة مشیّة إلی ما لا نهایة له، فأفاد الامام علیه السّلام أنّ الأشیاء مخلوقة بالمشیّة و أما المشیّة نفسها فلا یحتاج خلقها إلی مشیّة اخری، بل هی مخلوقة بنفسها لأنها إضافة و نسبة بین الشائی و المشی ء تتحصّل بوجودیهما العینی و العلمی، و لذا أضاف خلقها إلی اللَّه سبحانه لأنّ کلّ الوجودین له و فیه و منه، و فی قوله: بنفسها، دون أن یقول بنفسه إشارة لطیفة إلی ذلک، نظیر ذلک ما یقال: إنّ الأشیاء إنما توجد بالوجود و أما الوجود نفسه فلا یفتقر علی وجود آخر بل إنما یوجد بنفسه.

الخامس ما ذکره بعض المحقّقین بعد ما حقّق: أنّ إرادة اللَّه المتحقّقه المتجدّدة هی نفس أفعاله المتجدّدة الکائنة الفاسدة، فارادته لکلّ حادث بالمعنی الاضافی یرجع إلی ایجاده، و بمعنی المرادیّة ترجع إلی وجوده.

قال: نحن إذا فعلنا شیئا بقدرتنا و اختیارنا فاردناه أوّلا ثمّ فعلناه بسبب الارادة فالارادة نشأت من أنفسنا بذاتها لا بارادة اخری و إلّا لتسلسل الأمر لا إلی نهایة فالارادة مرادة لذاتها و الفعل مراد بالارادة، و کذا الشهوة فی الحیوان مشتهاة لذاتها لذیذة بنفسها و سایر الأشیاء مرغوبة بالشهوة.

فعلی هذا المثال حال مشیّة اللَّه المخلوقة و هی وجودات الأشیاء، فانّ الوجود خیر و مؤثر لذاته و مجعول بنفسه و الأشیاء بالوجود موجودة و الوجود مشی ء بالذات و الأشیاء مشیئة بالوجود، و کما أنّ الوجود حقیقة واحدة متفاوتة بالشدّة و الضعف و الکمال و النقص، فکذا الخیریة و المشیئة، و لیس الخیر المحض الذی لا یشوبه شرّ إلّا الوجود البحت الذی لا یمازجه عدم و نقص، و هو ذات الباری جلّ مجده فهو المراد الحقیقی إلی آخر ما حقّقه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 344

قال المحدّث المجلسیّ (ره) بعد ایراد هذه الوجوه: و الأوفق بأصولنا هو الوجه الأوّل.

أقول: بل ما سوی الوجه الأخیر کلّها أوفق و إن کانت متفاوتة بالقرب و البعد، و إنما الوجه الأخیر الذی مرجعه إلی القول بوحدة الوجود مخالف للأخبار و اصول الأئمة الأطهار سلام اللَّه علیهم ما تعاقب اللّیل و النّهار، و اللَّه العالم بحقایق صفاته و المتعالی عن مجانسة مخلوقاته.

الترجمة:

بعضی دیگر از آن خطبه شریفه اینست که فرموده:

تقدیر کرده خداوند تعالی هر چیزی را که آفریده پس محکم گردانیده اندازه و تقدیر آنرا؛ و تدبیر نموده هر چیزی را که خلق فرموده، پس لطیف گردانیده تدبیر آنرا و توجیه نموده هر شی ء را بسوی جهت خود، پس تجاوز ننمود آن شی ء از حدّ و سدّ مکان خود، و قاصر نشد نزد منتهی نشدن بغایت خود، و صعب و دشوار نشمرد آنچه که ایجاد فرمود مضی بر وفق اراده او را وقتی که مأمور شد باین، و چه طور میباشد که دشوار شمارد و حال آنکه جمیع امور صادر شده از مشیّة قاهره خداوندی که انشاء و ایجاد فرموده أصناف و احساس اشیاء را بدون رویة و فکری که رجوع نماید بآن، و بدون استنباط طبیعتی که اضمار نماید و بغایت برسد در آن، و بدون تجربه که استفاده نموده باشد آن را از حوادثات روزگار و بیشتر یک و معاونی که اعانت و یاری نماید او را بر ایجاد عجائب امورات.

پس تمام شد مخلوق او سبحانه و گردن نهاد بفرمان برداری او، و اجابت نمود بسوی دعوت او در حالتی که حایل نشد نزد نفاذ امر او دیر کردن دیر کننده، و نه توقف نمودن توقف نماینده، پس راست فرمود از اشیاء کجی آن ها را، و روشن نمود حدود آنها را، و الفت داد با قدرت خویش در میان اضداد آنها، و متصل ساخت

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 345

اسباب نفوس آن ها را، و متفرّق نمود آن ها را بأقسام مختلفه گوناگون در نهایات و مقادیر و در طبیعتها و هیئتها، عجایب مخلوقاتی که محکم گردانید صنعت آن ها را و آفرید آنها را بر وجهی که اراده کرده، و ابداع فرموده آنها را از کتم عدم با قدرت کامله و حکمت شامله.