[hadith]فی صفة الملائکة:

ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْکَانِ سَمَاوَاتِهِ وَ عِمَارَةِ الصَّفِیحِ الْأَعْلَی مِنْ مَلَکُوتِهِ خَلْقاً بَدیعاً مِنْ مَلَائِکَتِهِ وَ مَلَأَ بهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا وَ حَشَا بهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا، وَ بَیْنَ فَجَوَاتِ تِلْکَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِینَ مِنْهُمْ فِی حَظَائِرِ الْقُدُس وَ سُتُرَاتِ الْحُجُب‏ وَ سُرَادقَاتِ الْمَجْد، وَ وَرَاءَ ذَلِکَ الرَّجِیجِ الَّذی تَسْتَکُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورٍ تَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا فَتَقِفُ خَاسئَةً عَلَی حُدُودهَا، وَ أَنْشَأَهُمْ عَلَی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ وَ أَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ "أُولِی أَجْنِحَةٍ" تُسَبِّحُ جَلَالَ عِزَّتِهِ لَا یَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِی الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ وَ لَا یَدَّعُونَ أَنَّهُمْ یَخْلُقُونَ شَیْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بهِ "بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ لا یَسْبقُونَهُ بالْقَوْلِ وَ هُمْ بأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ"، جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِیمَا هُنَالِکَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَی وَحْیِهِ، وَ حَمَّلَهُمْ إِلَی الْمُرْسَلِینَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَ نَهْیِهِ، وَ عَصَمَهُمْ مِنْ رَیْب الشُّبُهَاتِ فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبیلِ مَرْضَاتِهِ

،

وَ أَمَدَّهُمْ بفَوَائِد الْمَعُونَةِ، وَ أَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّکِینَةِ، وَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلًا إِلَی تَمَاجِیدهِ، وَ نَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَی أَعْلَامِ تَوْحِیدهِ.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 369

الفصل الخامس:

منها فی صفة الملائکة ثمّ خلق سبحانه لإسکان سماواته، و عمارة الصّفیح الأعلی من ملکوته، خلقا بدیعا من ملائکته، ملأ بهم فروج فجاجها، و حشابهم فتوق أجوائها، و بین فجوجات تلک الفروج زجل المسبّحین منهم فی حظایر القدس، و سترات الحجب، و سرادقات المجد، و وراء ذلک الرّجیج الّذی تستک منه الأسماع سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة علی حدودها، أنشأهم علی صور مختلفات، و أقدار متفاوتات، أولی أجنحة تسبّح جلال عزّته، لا ینتحلون ما ظهر فی الخلق من صنعه، و لا یدّعون أنّهم یخلقون شیئا معه ممّا انفرد به، بل عباد مکرمون، لا یسبقونه بالقول و هم بأمره یعملون. جعلهم فیما هنا لک أهل الأمانة علی وحیه، و حمّلهم إلی المرسلین و دائع أمره و نهیه، و عصمهم من ریب الشّبهات، فما منهم زائغ من سبیل مرضاته، و أمدّهم بفوائد المعونة، و أشعر قلوبهم تواضع إخبات السّکینة، و فتح لهم أبوابا ذللا إلی تماجیده، و نصب لهم منارا واضحة علی أعلام توحیده.

اللغة:

(عمارة) المنزل جعله أهلا ضدّ الخراب الذی لا أهل له یقال عمره اللَّه منزلک عمارة و أعمره جعله أهلا و (الصفیح) السّماء و وجه کلّ شی ء عریض قاله فی القاموس، و وصفه بالأعلی بالنسبة إلی الأرض لأنه الصفیح الأسفل، فما فی شرح المعتزلی من تفسیره بسطح الفلک الأعظم لیس بشی ء بل مخالف لکلام الامام علیه السّلام مضافا إلی مخالفته لتفسیر أهل اللغة إذ کلامه هنا و فی الخطبة الاولی صریح فی عدم اختصاص مسکن الملائکة بالفلک الأعظم، حیث قال ثمّة: ثمّ فتق ما بین السّماوات العلی فملأهنّ أطوارا من ملائکته، و ذکر هنا أنه تعالی ملأ بهم فروج فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها.

و (الملکوت) کرهبوت العزّ و السلطان، قال بعض اللّغویین: إنّ أهل التحقیق یستعملون الملک فی العالم الظاهر و الملکوت فی العالم الباطن، و قال: إنّ الواو و التاء فیه کما فی رهبوت و رغبوت و جبروت و تربوت زیدتا للمبالغة فیکون معنی الملکوت الملک العظیم و (الفجاج) بکسر الفاء جمع فجّ بفتحها قال سبحانه:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 372

«مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ» و هو الطریق الواسع بین الجبلین و (حشوت) الوسادة بالقطن جعلتها مملوّة منه و (الفجوات) جمع فجوة و هی الفرجة و الموضع المتّسع بین الشیئین و (الزجل) محرّکة رفع الصّوت مصدر زجل کفرح و (الحظیرة) بالحاء المهملة و الظاء المعجمة الموضع الذی یحاط علیه لتأوی إلیه الابل و الغنم و غیرهما لیقیها من الحرّ و البرد و (القدس) بسکون الدّال و ضمّها الطهر و (السترات) بضمّتین جمع سترة بالضمّ و هو ما یستتر به کالسّتارة و (السرادق) الذی یمدّ فوق صحن البیت و البیت من الکرسف و (المجد) الشرف و العظمة و (الرجیج) الزلزلة و الاضطراب و منه رجیج البحر و (استکّت) المسامع ضاقت و صمت قال الشّاعر:

و نبّئت خیر النّاس أنّک لمتنی          و تلک التی تستکّ منه المسامع    

 و (السّبحات) بضمّتین النور و البهاء و الجلال و العظمة و قیل: سبحات الوجه محاسنه لأنّک إذا رأیت الوجه الحسن قلت سبحان اللَّه تعجّبا و (ردعه) کمنعه کفّه وردّه و (خسأ) البصر کلّ من باب منع و الخاسئ من الکلاب و نحوها المبعد الذی لا یترک أن یدنو من النّاس و (تسبّح) من التّسبیح و فی بعض النسخ تسبح من السّباحة و فی هذه النسخة (خلال) بالخاء المعجمة المکسورة و هو وسط الشّی ء أو جمع خلل بالتحریک و هو الفرجة بین الشیئین، و فی بعضها جلال بحار عزّته و (انتحل) الشّی ء إذا ادّعاه لنفسه و هو لغیره و (حمّلهم) بتشدید المیم و (الزّیغ) العدول عن الحق قال سبحانه:

«ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغی»  و (استعنت به) فأعاننی و قد یتعدّی بنفسه فیقال استعنته فأعاننی و الاسم منه العون و المعانة و المعونة بفتح المیم و ضمّ الواو علی وزن مکرمة و بضمّ العین أیضا و اتباع الواو علی وزن مقولة.

قال الفیومی: وزن المعونة مفعلة بضمّ العین و بعضهم یجعل المیم أصلیة و یقول

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 373

هی مأخوذة من الماعون و یقول هی فعولة و تشبیه (اشعر) قلوبهم من شعرت بالشّی ء شعورا من باب قعد علمت و قیل مأخوذ من الشعار و هو ما یلبس تحت الدّثار أی الزم قلوبهم تشبیها بلزوم الشعار للبدن و (أخبت) الرجل خضع للّه و خشع قلبه و (السکینة) الوقار و الطمأنینة و المهابة و (الذّلل) بضمّتین جمع الذّلول و هو ضدّ الصّعب و (مجدّه) تمجیدا عظّمه و أثنا علیه و الجمع للدّلالة علی الأنواع و (الأعلام) جمع علم بالتحریک و هو الجبل الطویل قال الشّاعر:

ربما اوفیت فی علم          ترفعن ثوبی شمالات     

الاعراب:

قوله: و بین فجوات آه الجملة حال من مفعول حشا، و قوله: و وراء ذلک خبر قدّم علی مبتدئه و هو سبحات، و الابصار فی بعض النسخ بالنصب علی أنّه مفعول تردع و فاعله راجع إلی سبحات، و فی بعضها بالرّفع علی بناء تردع للمفعول، و أنشأهم عطف علی ملاء بهم، و أولی أجنحة حال من مفعول أنشأ، و جملة تسبح صفة لأولی أجنحة أو لأجنحة، و جملة لا ینتحلون حال، و اللّام فی قوله: بالقول عوض عن المضاف إلیه أی لا یسبقون اللَّه بقولهم.

و قوله إلی المرسلین متعلّق بحملهم علی تضمین معنی البعث أو الارسال أو نحوه، و ودائع أمره بالنصب مفعول حمّلهم،

المعنی:

اعلم أنّ هذا الفصل من کلامه علیه السّلام متضمّن لبیان صفات الملائکة و کیفیة خلقتهم و حالة عبودیّتهم و خشوعهم و ذلّتهم لمعبودهم، و قد مضی شطر واف من الکلام علی هذا العنوان فی شرح الفصل التاسع من فصول الخطبة الأولی، و تقدّم ثمّة ما ینفعک فی هذا المقام و لما کان الغرض من هذه الخطبة الاشارة إلی عظمة اللَّه سبحانه و قدرته و الابانة عن الصّفات الجمالیة و الجلالیة له تعالی، و کان ملائکة السماوات من أفضل الموجودات و أشرف المجعولات و عجائب الخلایق و بدایع الصّنایع و عظم المخلوق کان دالا علی عظم الخالق و بدیع صنعة المصنوع کان دلیلا علی کمال قدرة الصّانع و تدبیره و حکمته، لا جرم ساق علیه السّلام هذا الفصل لبیان حالهم و ضمنه ذکر أوصافهم المختلفة و شئوناتهم المتفاوتة بعبارات رائقة و بدائع فائقة.

قال الشّارح المعتزلی و لنعم ما قال: إذا جاء هذا الکلام الرّبانی و اللّفظ القدسی بطلت فصاحة العرب و کانت نسبة الفصیح من کلامها إلیه نسبة التراب إلی النضار الخالص، و لو فرضنا أنّ العرب تقدر علی الألفاظ الفصیحة المناسبة أو المقاربة لهذه الألفاظ من أین لهم المادّة التی عبرت هذه الألفاظ عنها و من أین تعرف الجاهلیة بل الصحابة المعاصرون لرسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله هذه المعانی الغامضة السّمائیة لیتهیّأ لها التعبیر عنها.

أما الجاهلیة فانّهم إنما کانت تظهر فصاحتهم فی صفة بعیر أو فرس أو حمار وحش أو ثور فلاة أو صفة جبال أو فلوات و نحو ذلک.

و أما الصّحابة المذکورون منهم بفصاحة إنما کان منتهی فصاحة أحدهم کلمات

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 377

لا یتجاوز السطرین أو الثلاثة إما فی موعظة تتضمّن ذکر الموت أو ذمّ الدّنیا و ما یتعلّق بحرب و قتال من ترغیب أو ترهیب.

فأمّا الکلام فی الملائکة و صفاتها و عبادتها و تسبیحها و معرفتها بخالقها و حبّها له و ولهها إلیه و ما جری مجری ذلک ممّا تضمّنه هذا الفصل بطوله فانّه لم یکن معروفا عندهم علی هذا التّفصیل، نعم ربّما علموه جملة غیر مقسّمة هذا التقسیم و لا مرتّبة هذا الترتیب بما سمعوه من ذکر الملائکة فی القرآن العظیم، فثبت أنّ هذه الامور الدقیقة مثل هذه العبارة الفصیحة لم تحصل إلّا لعلیّ علیه السّلام وحده، و اقسم أنّ هذا الکلام إذا تأمّله اللّبیب اقشعرّ جلده و رجف قلبه و استشعر عظمة اللَّه العظیم فی روعه و خلده و هام نحوه و غلب الوجد علیه و کاد أن یخرج من مسکه شوقا و أن یفارق هیکله صبابة و وجدا.

إذا عرفت ذلک فلنعد إلی شرح کلامه علیه السّلام فأقول: قال علیه السّلام (ثمّ خلق سبحانه لإمکان سماواته و عمارة الصّفیح الأعلی من ملکوته خلقا بدیعا من ملائکته) ظاهر کلمة ثمّ المفید للترتیب الحقیقی کون خلق الملائکة بعد خلقة السّماوات، و یدلّ علیه أخبار کثیرة إلّا أنّ فی بعض الرّوایات سبق خلقة الملائکة علی خلقة السّماوات، و یمکن الجمع بالتخصیص ههنا بسکان السّماوات الذین لا یفارقونها، و المراد بالصفیح الأعلی سطح کلّ سماء، و یقابله الصفیح الأسفل الذی هو الأرض، و یظهر من ذلک عدم تلاصق السّماوات علی ما ذهبت إلیه الفلاسفة من غیر دلیل یعتمد علیه.

و أمّا ما فی شرح البحرانی من أنّه یحتمل أن یشیر علیه السّلام بالصّفیح الأعلی إلی الفلک التاسع و هو العرش لکونه أعظم الأجرام و أعلاها و سکانه الملائکة المدبّرون له، فمبنیّ علی اصول الفلاسفة مخالف للأخبار و کلام أهل اللغة حسبما عرفت آنفا فی ترجمة لفظ الصفیح، و مخالف أیضا لظاهر قوله علیه السّلام (فملأ بهم فروج فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها) إذ المستفاد من ذلک أنّ ما بین السّماوات مملوّة بهم فیکون السّطوح المحدّبة منها محلّ إسکان الملائکة و مکان عبادتهم للّه سبحانه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 378

بأنواع العبادة و یستفاد منه أیضا تجسم الملائکة و هو المستفاد من الأخبار المتواترة معنی.

استعاره مرشحة و العجب أنّ شارح البحرانی أوّل ذلک [فملأ بهم فروج فجاجها و حشابهم فتوق أجوائها] أیضا بناء علی الاصول الفاسدة بأنه علیه السّلام استعار لفظ الفروج و الفجاج و الفتوق لما یتصوّر بین أجزاء الفلک من التباین لولد الملائکة الذین هم أرواح الأفلاک و بها قام وجودها، و بقاء جواهرها محفوظة بها، و وجه المشابهة ظاهر، و رشح تلک الاستعارة بذکر الملاء و الحشو، و أما فجاجها و فروجها فاشارة إلی ما یعقل بین أجزائها و أجوائها المنتظمة علی التباس لو لا الناظم لها بوجود الملائکة، فیکون حشو تلک الفرج بالملائکة کنایة عن نظامها بوجودها و جعلها مدبّرة لها انتهی.

و قد مضی فساد ذلک و بطلانه فی شرح الفصل التاسع من فصول الخطبة الأولی فتذکّر (و بین فجوات تلک الفروج) و متّسعاتها (زجل المسّبحین منهم) و أصواتهم الرفیعة العالیة بالتضرّع و الابتهال و المسکنة (فی حظایر القدس و سترات الحجب و سرادقات المجد) لعلّ المراد بها المواضع المعدّة لعبادة الملائکة بین أطباق السّماوات و وصفها بالقدس من حیث اتصافها بالطهارة و النزاهة من الأدناس و الأرجاس و یمکن أن یکون الاشارة بها إلی ما فوق السماء السّابعة من الحجب و السّرادقات النورانیة.

ففی الخبر أنّ ما فوق السّماء السابعة صحاری من نور، و لا یعلم فوق ذلک إلّا اللَّه.

و عن وهب بن منبه فوق السّماوات حجب فیها ملائکة لا یعرف بعضهم بعضا لکثرتهم یسبّحون اللَّه تعالی بلغات مختلفة و أصوات کالرّعد العاصف، هذا.

و قد أشار علیه السّلام إلی تفصیل الحجب و السرادقات فیما رواه الصّدوق فی التوحید باسناده عن زید بن وهب قال: سئل أمیر المؤمنین علیه السّلام عن الحجب، فقال علیه السّلام:

أوّل الحجب سبعة غلظ کلّ حجاب منها مسیرة خمسمائة عام و بین کلّ حجابین مسیرة خمسمائة عام، و الحجاب الثانی سبعون حجابا بین کلّ حجابین مسیرة خمسمائة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 379

عام و طوله خمسمائة عام حجبة کلّ حجاب منها سبعون ألف ملک قوّة کلّ ملک منهم قوّة الثّقلین، منها ظلمة، و منها نور، و منها نار، و منها دخان، و منها سحاب، و منها برق، و منها مطر، و منها رعد، و منها ضوء، و منها رمل، و منها جبل، و منها عجاج، و منها ماء، و منها أنهار، و هی حجب مختلفة غلظ کلّ حجاب مسیرة سبعین ألف عام.

ثمّ سرادقات الجلال و هی ستّون «سبعون» سرادقا فی کلّ سرادق سبعون ألف ملک بین کلّ سرادق و سرادق مسیرة خمسمائة عام، ثمّ سرادقات العزّ، ثمّ سرادق الکبریاء، ثمّ سرادق العظمة، ثمّ سرادق القدس، ثمّ سرادق الجبروت، ثمّ سرادق الفخر، ثمّ سرادق النور الأبیض، ثمّ سرادق الوحدانیة، و هو مسیرة سبعین ألف عام فی سبعین ألف عام، ثمّ الحجاب الأعلی و انقضی کلامه علیه السّلام و سکت، فقال له عمر: لا بقیت لیوم لا أراک فیه یا أبا الحسن.

قال المجلسیُّ (ره) بعد روایة ذلک فی البحار: قوله علیه السّلام: منها ظلمة، لعلّ المراد من مطلق الحجب لا من الحجب المتقدّمة کما یدلّ علیه قوله غلظ کلّ حجاب اه (و وراء ذلک الرجیج الذی تستکّ منه الأسماع) و الزجل الذی تنسدّ منه الآذان (سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها) و تمنع الأعین عن وصولها لشدّة ضیائها و فرط بهائها (فتقف) الأبصار (خاسئة) حسیرة (علی حدودها) أی حدود تلک السبحات، و یستفاد من شرح المعتزلی رجوع الضمیر إلی الأبصار، قال: أی تقف حیث تنتهی قوّتها، لأنّ قوّتها متناهیة فاذا بلغت حدّها وقفت هذا.

و المراد بسبحات النور إما الأنوار التی تغشی العرش.

و یدلّ علیه ما روی عن میسرة قال: لا تستطیع الملائکة الذین یحملون العرش أن ینظروا إلی ما فوقهم من شعاع النور.

و عن زاذان قال: حملة العرش أرجلهم فی التخوم لا یستطیعون أن یرفعوا أبصارهم من شعاع النور.

و فی حدیث المعراج قال: و رأیت فی علّیین بحارا و أنوارا و حجبا و غیرها

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 380

لو لا تلک لاحترق کلّ ما تحت العرش من نور العرش، و إمّا حجب النّور التی دون العرش، و یؤیّده ما فی الحدیث أنّ جبرئیل علیه السّلام قال للّه سبحانه: دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لاحترقتنا سبحات وجه ربّنا، و فی حدیث آخر من طرق المخالفین حجابه النّور و النّار لو کشفه لأحرقت سبحات وجهه کلّ شی ء أدرکه بصره.

و قال الشّارح البحرانی (ره) أشار علیه السّلام بسبحات النّور التی وراء ذلک الرّجیج إلی جلال وجه اللَّه و عظمته و تنزیهه أن یصل إلیه أبصار البصایر، و نبّه بکون ذلک وراء رجیجهم علی أنّ معارفهم لا تتعلّق به کما هو، بل وراء علومهم و عباداتهم أطوار اخری من جلاله تقصر معارفهم عنها و تردع أبصار البصایر عن ادراکها فترجع حسیرة متحیّرة واقفة عند حدودها و غایاتها من الادراک.

أقول: و هو لا ینافی ما ذکرناه إذ ما ذکرته تفسیر للظّاهر و ما ذکره الشّارح تأویل للباطن، و قد تقدّم فی شرح الخطبة التی قبل هذه الخطبة «1» ما ینفعک ذکره فی هذا المقام استعاره بالکنایه (أنشأهم علی صور مختلفات و أقدار متفاوتات اولی أجنحة تسبّح جلال عزّته) قال الشّارح البحرانی اختلاف صورهم کنایة عن اختلافهم بالحقایق و تفاوت أقدارهم تفاوت مراتبهم فی الکمال و القرب منه، و لفظ الاجنحة مستعار لقواهم التی بها حصلوا علی المعارف الالهیّة و تفاوتها بالزیادة و النّقصان کما قال تعالی:

أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی  وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ  کنایة عن تفاوت ادراکهم لجلال اللَّه و علومهم بما ینبغی له، و لذلک جعل الأجنحة هی التی تسبّح جلال عزّته فانّ علمهم بجلاله منزّه عمّا لا ینبغی لکرم وجهه و لا یناسب جلال عزّته.

أقول: تسلیط ید التّأویل علی الظواهر من غیر دلیل هدم لأساس الشّریعة و حمل اللّفظ علی المجازات إنّما هو عند تعذّر إرادة الحقیقة، و امّا مع إمکانها


 (1) و هی المصدّرة بقوله: الحمد للّه المعروف من غیر رؤیة، منه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 381

و دلالة الدّلیل علیها فهو خلاف السیرة المستمرة مناف لمقتضی الاصول اللفظیة المتداولة بین أهل اللّسان من العرب و من حذاحذوهم من علماء الاصول و الأدب.

بل المراد انشاءهم علی صور مختلفة و أشکال متشتّتة فبعضهم علی صورة الانسان و بعضهم علی صورة الحیوان من الأسد و الثور و الدّیک و غیرها من أصناف الحیوان علی ما ورد فی الأخبار، و بعضهم أولی أجنحة مثنی و ثلاث و رباع یزید سبحانه علیها ما یشاء علی وفق حکمته و مقتضی تدبیره و إرادته.

و ایجادهم علی أقدار متفاوتة فی الصغر و الکبر و الطّول و القصر، روی علیّ ابن إبراهیم القمّی (ره) فی تفسیر قوله سبحانه: «جاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا أُولِی أَجْنِحَةٍ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ» عن الصّادق علیه السّلام أنّه قال: خلق اللَّه الملائکة مختلفین، و قد رأی رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم جبرئیل و له ستّمأة جناح علی ساقه الدّر مثل القطر علی البقل قد ملأ ما بین السّماء و الأرض، و قال: إذا أمر اللَّه میکائیل بالهبوط إلی الدّنیا صارت رجله الیمنی فی السّماء السّابعة و الأخری فی الأرض السّابعة، و أنّ للَّه ملائکة أنصافهم من برد و أنصافهم من نار یقولون: یا مؤلّفا بین البرد و النّار ثبّت قلوبنا علی طاعتک، و قال: إنّ اللَّه ملکا بعد ما بین شحمة اذنه إلی عینه مسیر خمسمائة عام بخفقان الطیر، و قال علیه السّلام: إنّ الملائکة لا یأکلون و لا یشربون و لا ینکحون و إنما یعیشون بنسیم العرش و إنّ للّه ملائکة رکّعا إلی یوم القیامة و إنّ للَّه ملائکة سجّدا إلی یوم القیامة ثمّ قال أبو عبد اللَّه علیه السّلام ما من شی ء ممّا خلق اللَّه أکثر من الملائکة و أنّه لیهبط فی کلّ یوم أو فی کلّ لیلة سبعون ألف ملک فیأتون البیت الحرام فیطوفون به ثمّ یأتون رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم ثمّ یأتون أمیر المؤمنین علیه السّلام فیسلّمون علیه ثمّ یأتون الحسین علیه السّلام فیقیمون عنده، فاذا کان وقت السّحر وضع لهم معراج إلی السّماء ثمّ لا یعودون أبدا.

و فی التّوحید بإسناده عن زید بن وهب قال: سئل أمیر المؤمنین علیّ بن

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 382

أبی طالب علیه السّلام عن قدرة اللَّه جلّت عظمته، فقام خطیبا فحمد اللَّه و أثنا علیه ثمّ قال:

إنّ اللَّه تبارک و تعالی ملائکة لو أنّ ملکا منهم هبط إلی الأرض ما وسعته لعظمة خلقته و کثرة أجنحته، و منهم من لو کلّفت الجنّ و الانس أن یصفوه ما وصفوه لبعد ما بین مفاصله و حسن ترکیب صورته، و کیف یوصف من ملائکته من سبعمائة عام ما بین منکبیه و شحمة اذنیه، و منهم من یسدّ الافق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه، و منهم من السّماوات إلی حجزته  «1»، و منهم من قدمه علی غیر قرار فی جوّ الهواء الأسفل و الأرضون إلی رکبتیه، و منهم من لو ألقی فی نقرة ابهامه جمیع المیاه لوسعتها، و منهم من لو القیت السفن فی دموع عینه لجرت دهر الداهرین فتبارک اللَّه أحسن الخالقین.

و فیه بإسناده عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ للَّه تبارک و تعالی دیکا رجلاه فی تخوم الأرض السّابعة و رأسه عند «2» العرش ثانی عنقه تحت العرش «إلی أن قال:» و لذلک الدّیک جناحان إذا نشرهما جاوز المشرق و المغرب، فاذا کان فی آخر اللّیل نشر جناحیه و خفق بهما و صرخ بالتسبیح یقول: سبحان الملک القدّوس الکبیر المتعال لا إله إلّا اللَّه الحیّ القیّوم، فاذا فعل ذلک سبّحت دیکة الأرض کلّها و خفقت بأجنحتها و أخذت فی الصّراخ، فاذا سکن ذلک الدّیک فی السّماء سکنت الدیکة فی الأرض فإذا کان فی بعض السحر نشر جناحیه فجاوز بهما المشرق و المغرب و خفق بهما و صرخ بالتسبیح سبحان اللَّه العظیم «سبحان خ» العزیز القهار سبحان اللَّه ذی العرش المجید سبحان اللَّه ربّ العرش الرّفیع، فاذا فعل ذلک سبّحت دیکة الأرض فاذا هاج هاجت الدّیکة فی الأرض تجاوبه بالتسبیح و التقدیس للّه عزّ و جلّ و لذلک الدّیک ریش أبیض کأشدّ بیاض رأیته قطّ و له زعبا «3» خضر تحت ریشه الأبیض کأشدّ خضرة رأیتها قطّ فما زلت مشتاقا إلی أن أنظر إلی ریش ذلک الدّیک.


 (1) الحجزة معقد الازار

 (2) ثانی عنقه ای عاطف و ملتو لعنقه، منه

 (3) الزعب شعیرات صفر علی ریش الفرخ، منه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 383

و بهذا الإسناد عن النّبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم قال: إنّ للَّه تبارک و تعالی ملکا من الملائکة نصف جسده الأعلی نار و نصفه الأسفل ثلج، فلا النّار تذیب الثلج و لا الثلج تطفئ النّار و هو قائم ینادی بصوت رفیع: سبحان اللَّه الذی کفّ حرّ هذه النّار فلا یذیب الثلج و کفّ برد هذا الثلج فلا یطفی ء حرّ النّار اللّهمّ یا مؤلّفا بین الثلج و النّار ألّف بین قلوب عبادک المؤمنین علی طاعتک هذا.

و بقی الکلام فی قوله علیه السّلام اولی أجنحة تسبح جلال عزّته، فأقول: إن کان تسبح بالتخفیف و الخلال بالخاء المعجمة فالمراد سباحتهم و سیرهم فی اطباق السّماوات و فوقها أو نزولهم و صعودهم لأداء الرّسالات و غیرها أو سیرهم فی مراتب القرب بالعبادة و التسبیح.

و أمّا علی روایة التشدید و کون الجلال بالجیم فالجملة إما صفة لاولی أجنحة فالتأنیث باعتبار الجماعة و المقصود أنهم یسبّحونه و یقدّسون جلاله و عظمته و عزّته و قوّته سبحانه من النقائص.

و إمّا صفة لأجنحة فالمقصود بالتسبیح إمّا التنزیه و التقدیس بلسان الحال إذ کلّ جناح من اجنحتهم بل کلّ ذرّة من ذرّات وجودهم ناطقة بلسان حالها شارحة لعظمة بارئها و مبدعها، برهان صدق علی قدرته و قوّته و کماله، و دلیل متین علی تدبیره و حکمته و جلاله، و هذا عام لجمیع الملائکة.

و إمّا التنزیه بلسان المقال و هو مخصوص ببعض الملائکة.

و یشهد به ما رواه فی التوحید باسناده عن ابن عباس عن النبیّ صلّی اللَّه علیه و آله قال:

إنّ اللَّه تبارک و تعالی ملائکة لیس شیء من أطباق أجسادهم إلّا و هو یسبّح اللَّه عزّ و جلّ و یحمده من ناحیة بأصوات مختلفة لا یرفعون رؤوسهم إلی السماء و لا یخفضونها إلی أقدامهم من البکاء و الخشیة للَّه عزّ و جل.

و عن جمیل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللَّه علیه السّلام هل فی السماء بحار؟

قال علیه السّلام: نعم أخبرنی أبی عن أبیه عن جدّه علیهم السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم: إنّ فی

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 384

السماوات السبع لبحارا عمق أحدها مسیرة خمسمائة عام فیها ملائکة قیام منذ خلقهم اللَّه عزّ و جلّ و الماء إلی رکبهم لیس فیهم ملک إلّا و له ألف و أربع مأئة جناح فی کلّ جناح أربعة وجوه فی کلّ وجوه «وجه خ» أربعة ألسن لیس فیها جناح و لا وجه و لا لسان و لا فم إلّا و هو یسبّح اللَّه عزّ و جلّ بتسبیح لا یشبه نوع منه صاحبه، و اللَّه أعلم بحقایق ملکه و ملکوته، و آثار جلاله و جبروته.

ثمّ وصف علیه السّلام الملائکة بأنهم (لا ینتحلون ما ظهر فی الخلق من صنعه و لا یدعون أنهم یخلقون شیئا معه مما انفرد به) أی لا یدّعون الرّبوبیة لأنفسهم کما یدّعیه البشر لهم و لأنفسهم فالفقرة الأولی لنفی ادّعاء الاستبداد و الثانیة لنفی ادّعاء المشارکة أو الاولی لنفی ادّعائهم الخالقیة فیما هم و سایط وجوده و لهم مدخل فیه بأمره سبحانه و الثانیة لنفی ذلک فیما خلقه اللَّه سبحانه بمجرّد أمره من دون توسط الوسایل (بل) هم (عباد مکرمون لا یسبقونه بالقول و هم بأمره یعملون) و هو اقتباس من قوله سبحانه فی سورة الأنبیاء: «وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُکْرَمُونَ لا یَسْبقُونَهُ بالْقَوْلِ» الآیة قیل: نزلت فی خزاعة حیث قالت: الملائکة بنات اللَّه، فنزّه اللَّه سبحانه نفسه عن ذلک و قال سبحانه أنفة له: بل هؤلاء الّذین زعموا أنهم ولد اللَّه لیسوا أولاده، بل هم عباد مکرمون أکرمهم اللَّه و اصطفاهم لا یسبقونه بالقول و لا یتکلّمون إلّا بما یأمرهم به ربّهم، فکلّ أقوالهم طاعة لربّهم و یکفی بذلک جلالة قدرهم، و هم بأمره یعملون، و من کان بهذه الصفة لا یوصف بأنه ولد.

 (جعلهم) اللَّه (فیما هنالک أهل الأمانة علی وحیه، و حملهم إلی المرسلین ودایع أمره و نهیه) لعلّ هذا الوصف مختصّ ببعض الملائکة و یشهد به قوله سبحانه «اللَّهُ یَصْطَفِی مِنَ الْمَلائِکَةِ رُسُلًا»

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 385

و یکفی للنسبة إلی الجمیع کون بعضهم کذلک و ما هنالک عبارة عن مراتب الملائکة و یدلّ علی الاختصاص بالبعض أیضا قوله علیه السّلام فی الفصل التاسع من الخطبة الأولی:

و منهم امناء علی وحیه و ألسنة إلی رسله و مختلفون بقضائه و أمره، و قد تقدّم فی شرح ذلک الفصل ما ینفعک ذکره فی المقام و بیّنا ثمّة وجه الحاجة فی أداء الامانة إلی وجود الواسطة من الملائکة و أشرنا إلی جهة وصفهم بالامانة.

و محصّله أنّه لما کان ذو الامانة هو الحافظ لما ائتمن علیه لیؤدّیه إلی مستحقّه و کانت الرّسالات النازلة بواسطة الملائکة نازلة کما هی محفوظة عن الخلل الصادر عن سهو لعدم أسباب السّهو هناک أو عن عمد لعدم الدّاعی إلیه لقوله تعالی: «یَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ یَفْعَلُونَ ما یُؤْمَرُونَ»  صدق أنهم أهل الامانة علی وحیه و رسالاته (و عصمهم من ریب الشبهات فما منهم زائغ عن سبیل مرضاته) هذا الوصف عام لجمیع الملائکة لأنهم معصومون من الشکّ و الاشتباه الناشی من معارضة النفس الأمارة للقوّة العاقلة إذ لیس لهم هذه النفس فلا یتصوّر فی حقّهم العدول عن سبیل رضوان اللَّه و الانحراف عن القصد لانتفاء سببه الذی هو وجود هذه النفوس.

 (و أمدّهم بفوائد المعونة و أشعر قلوبهم تواضع اخبات السّکینة) لعلّ المراد أنّه سبحانه أعطاهم المدد و القوّة و أیّدهم بأسباب الطاعات و القربات و الألطاف و المعارف الصّارفة لهم عن المعصیة و أنه ألزم قلوبهم التواضع و الذلّة و الخضوع و الاستکانة لزوم الشعار للجسد أو أنه أعلمهم ذلک، و محصّله عدم انفکاکهم عن الخوف و الخشوع و قد مرّ بعض الأخبار فیه فی شرح الفصل التاسع من الخطبة الاولی.

کنایه (و فتح لهم أبوابا ذللا إلی تماجیده) أی فتح لهم أبوابا سهلة إلی تعظیماته و الثناء علیه، و الجمع باعتبار أنواع التحیات و فتح الأبواب کنایة عن إلهامها

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 386

علیهم و تسهیلها لهم لعدم معارضة شیطان أو نفس أمارة بالسوء، بل خلقهم خلقة یلتذّون بها کما ورد: أنّ شرابهم التّسبیح و طعامهم التقدیس.

استعاره (و نصب لهم منارا واضحة علی أعلام توحیده) استعار لفظ الأعلام لأدلّة التّوحید و براهین التفرید و وجه المشابهة ایصال کلّ منهما إلی المطلوب، و لعلّه أراد بالمنار الواضحة المنصوبة علی تلک الأعلام ما یوجب لهم الاهتداء إلی تلک الأدلّة من الوحی و الالهام.

و ربما قیل فی شرح ذلک: إنه استعار المنار الواضحة للوسائط من الملائکة المقرّبین بینهم و بین الحقّ سبحانه إذ إخباره عن الملائکة السّماویة و لفظ الاعلام لصور المعقولات فی ذواتهم المستلزمة لتوحیده و تنزیهه عن الکثرة، و وجه المشابهة أنّ المنار و الأعلام کما یکون وسایط فی حصول العلم بالمطلوب کذلک الملائکة المقرّبون و المعارف الحاصلة بواسطتهم یکون وسایط فی الوصول إلی المطلوب الأول محرّک الکلّ عزّ سلطانه، و هو قریب مما قلناه إلّا أنّ ما قلناه أظهروا أشبه هذا.

و أمّا توصیف المنار بوصف الوضوح فمن أجل وفور أسباب الهدایة و کثرة الدلائل فی حقهم لقربهم من سیاحة عزّته و ملکوته و مشاهدتهم ما یخفی علینا من آثار ملکه و جبروته.

الترجمة:

بعضی دیگر از این خطبه شریفه در صفة ملائکه است می فرماید:

بعد از خلق آسمان بیافرید حق سبحانه و تعالی از برای ساکن فرمودن در آسمانهای خود و معمور ساختن صفحه پهن بلند از ملکوت خود خلقی عجیب از ملائکه خود پس پرساخت بایشان فرجهای کشادگیهای آسمانرا، و مملوّ نمود بایشان کشادگیهای فضاهای آنرا، و میان وسعتهای این کشادگیها است صوتهای بلند تسبیح کنندگان از ایشان در حرمهای قدس و طهارت و پرده های حجابهای عظمت و سراپردهای بزرگی و عزّت؛ و در پس این زلزله و اضطرابی که کر می شود از آن گوشها، اشراقات نوری است که بازمیدارد دیدها را از رسیدن بآن، پس می ایستد آن دیدها ذلیل و متحیّر بر حدود آن.

آفرید خداوند متعال آن ملائکه را بر صورتهای مختلفه و اندازهای متفاوته در حالتی که صاحبان بالها هستند که تسبیح میکنند بزرگی عزّت او را، در حالتی که بخود نمی بندند آنچه که ظاهر شده در مخلوقات از صنع قدر او، و ادّعا نمی کنند این که ایشان می آفرینند چیزی را با آفریدگار از آن چیزی که یگانه است او سبحانه بآفریدن آن، بلکه ایشان بندگانی هستند گرامی داشته شده در حالتی که پیشی نمی گیرند بخدا در گفتار خودشان، و ایشان بفرمان او سبحانه عمل می نمایند.

گردانید حق تعالی ایشان را در آنجا که هستند، یعنی در مقامات خودشان که حظایر قدس است أهل أمانت بروحی خود و تحمیل نمود ایشان را در حالتی که ارسال میشوند بسوی پیغمبران أمانتهای أوامر و نواهی خود را، و معصوم ساخت ایشان را از شک کردن در شبهه ها، پس نیست از ایشان میل کننده از راه رضای او، و مدد نمود ایشان را بفایده های اعانت بسوی طاعات، و لازم فرمود قلبهای ایشان را تواضع خضوع وقار را، و گشود بجهت ایشان درهای سهل و آسان بسوی تمجیدات خود، و بر پا نمود از برای ایشان منارهای آشکار بر نشانهای توحید خود.