[hadith]فی صفة السماء:

وَ نَظَمَ بلَا تَعْلِیقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا وَ لَاحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَ وَشَّجَ بَیْنَهَا وَ بَیْنَ أَزْوَاجِهَا وَ ذَلَّلَ لِلْهَابطِینَ بأَمْرِهِ وَ الصَّاعِدینَ بأَعْمَالِ خَلْقِهِ حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَ نَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِیَ دُخَانٌ فَالْتَحَمَتْ عُرَی أَشْرَاجِهَا، وَ فَتَقَ بَعْدَ الِارْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابهَا، وَ أَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُب الثَّوَاقِب عَلَی نِقَابهَا وَ أَمْسَکَهَا مِنْ أَنْ تُمُورَ فِی خَرْقِ الْهَوَاءِ بأَیْدهِ، وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لِأَمْرِهِ، وَ جَعَلَ شَمْسَهَا آیَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَ قَمَرَهَا آیَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَیْلِهَا، وَ أَجْرَاهُمَا فِی مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا وَ قَدَّرَ سَیْرَهُمَا فِی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا لِیُمَیِّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَ النَّهَارِ بهِمَا وَ لِیُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِینَ وَ الْحِسَابُ بمَقَادیرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِی جَوِّهَا فَلَکَهَا وَ نَاطَ بهَا زینَتَهَا مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَارِیِّهَا وَ مَصَابیحِ کَوَاکِبهَا، وَ رَمَی مُسْتَرِقِی السَّمْعِ بثَوَاقِب شُهُبهَا، وَ أَجْرَاهَا عَلَی أَذْلَالِ تَسْخِیرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابتِهَا وَ مَسیرِ سَائِرِهَا وَ هُبُوطِهَا وَ صُعُودهَا وَ نُحُوسهَا وَ سُعُودهَا.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 346

و الفصل الرابع:

منها فی صفّة السّماء: و نظم بلا تعلیق رهوات فرجها، و لاحم صدوع انفراجها، و وشّج بینها و بین أزواجها، و ذلّل للهابطین بأمره و الصّاعدین بأعمال خلقه حزونة معراجها، و نادیها بعد إذ هی دخان فالتحمت عری أشراجها، و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها، و أقام رصدا من الشّهب الثّواقب علی نقابها، و أمسکها من أن تمور فی خرق الهواء بأیده، و أمرها أنْ تقف مستسلمة لأمره، و جعل شمسها آیة مبصرة لنهارها، و قمرها آیة ممحوّة من لیلها، و أجریهما فی مناقل مجریهما، و قدّر مسیرهما فی مدارج درجهما، لیمیّز بین اللّیل و النّهار بهما، و لیعلم عدد السّنین و الحساب بمقادیرهما، ثمّ علّق فی جوّها فلکها، و ناط بها زینتها من خفیّات دراریّها، و مصابیح کواکبها، و رمی مسترق السّمع بثواقب شهبها، و أجریها علی أذلال تسخیرها، من ثبات ثابتها، و مسیر سائرها، و هبوطها و صعودها، و نحوسها و سعودها. (16424- 16281)

اللغة:

(الرّهوات) جمع رهوة و هی المکان المرتفع و المنخفض أیضا یجتمع فیه ماء المطر، و هو من الأضداد، و عن النهایة تفسیرها بالمواضع المنفتحة، و هو مأخوذ من قولهم رها رجلیه رهوا أی فتح و (الفرج) جمع الفرجة و هی المکان الخالی و (لاحم) الصق و (الصدع) الشقّ و (وشّج) بتشدید الشین فالجیم المعجمة شبّک و (ذلل) البعیر جعله ذلولا و هو ضدّ الصّعب الذی لا ینقاد من الذلّ بالکسر و هو اللّین و (الحزونة) خلاف السّهولة و (المعراج) السّلّم و المصعد و (العروة) من الدّلو و الکوز المقبض و من الثوب اخت زرّه کالعری و یکسر و تشبیه (الأشراج) جمع الشّرج محرّکة کالأسباب و السّبب، و هی العروة للعیبة و قیل و قد تطلق الاشراج علی حروف العیبة التی تخاط و هو الأنسب فی المقام.

قال الشارح المعتزلی: و تسمّی مجرّة السّماء شرجا تشبیها بشرج العیبة و اشراج الوادی ما انفسح منه و انشقّ و (فتق) الثوب فتقا شقّه و نقض خیاطته حتّی انفصل بعضه عن بعض و (الرتق) ضدّ الفتق و (صوامت) الأبواب مغلقاتها و (الرصد) جمع راصد کخدم و خادم او اسم جمع و یکون مصدرا کالرّصد بالفتح، و الرّاصد هو القاعد علی الطریق منتظرا لغیره للاستلاب أو المنع، و المرصاد الطریق و المکان یرصد فیه العدوّ و ارصدت له اعددت.

و (النقاب) بالکسر جمع نقب کسهام و سهم و هو الثقب و الخرق و الطریق فی الجبل و (المور) الموج و الاضطراب و الحرکة قال تعالی: یوم تمور السّماء مورا و (الخرق) یکون بمعنی الثقب فی الحائط و الشقّ فی الثوب و غیره، و هو فی الأصل مصدر خرقته إذا قطعته و مزقته، یکون بمعنی القفر و الأرض الواسعة تتخرّق فیها الرّیاح أی تهب و تشتدّ و (الهواء) یقال: للجسم الذی هو أحد العناصر و یقال: لکلّ خال قال سبحانه: و افئدتهم هواء، أی خالیة من العقل أو الخیر و (الأید) القوّة و (المنقل) فی الأصل الطریق فی الجبل و (المدارج) جمع المدرج و هو المسلک و (درج) الصّبی دروجا و درجانا مشی و درجهما بالتّحریک الطریق،

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 347

و فی بعض النسخ درجیهما بصیغة التثنیة، و فی نسخة الشارح البحرانی درجتهما بالتّاء الفوقانیة.

و (الجوّ) الهواء و (النیاط) التعلیق و (الدّراری) الکواکب المضیئة جمع الدّری بتثلیث الدّال نسبت إلی الدّر لبیاضها، و عن الفراء الکوکب الدّری عند العرب عظیم المقدار، و قیل: هو أحد الکواکب الخمسة السیارة، و لا یخفی أنّ وصفه علیه السّلام الدّراری بالخفیات ینافی القولین ظاهرا و (مسترق السمع) المستمع مختفیا، و فی النسخ مسترقی السّمع بصیغة الجمع و (الأذلال) بفتح الالف و الذال المعجمة جمع الذلّ بالکسر یقال: امور اللَّه جاریة أذلالها بالنصب و علی اذلالها أی مجاریها و یقال: دعه علی اذلاله أی حاله بلا واحد و جاء علی اذلاله أی وجهه.

الاعراب:

قوله علیه السّلام: و ناداها بعد إذ هی دخان، قال الشارح المعتزلی: روی باضافة بعد إلی إذ، و روی بضمّ بعد أی و ناداها بعد ذلک إذ هی دخان و الأوّل أحسن و أصوب، لأنّها علی الضّم تکون دخانا بعد فتور رهوات فروجها و ملائمة صدوعها و الحال تقتضی أنّ دخانیّتها قبل ذلک لا بعده اه.

و قوله: و أمسکها من أن تمور فی خرق الهواء بأیده الظرف الأوّل أعنی فی خرق الهواء یجوز تعلّقه بأمسک و یجوز تعلّقه بتمور، و أما الثانی فهو متعلّق بالامساک لا غیر، و من فی قوله من لیلها إما لابتداء الغایة أو لبیان الجنس و تتعلّق بممحوّة أو بجعل، و قوله علیه السّلام ثمّ علّق فی جوّها فلکها، الظاهر کون ثمّ هنا للترتیب الذکری، و من خفیات دراریها إما متعلّق بناط أو بیان للزینة.

المعنی:

اعلم أنه علیه السّلام لما ذکر فی الفصل السّابق عظمة قدرة اللَّه سبحانه فی الخلق و التقدیر و اللّطف و التدبیر و کمال حکمته فی الفطر و الابداع و الایجاد و الاختراع علی نحو الاجمال و الاطلاق، عقّبه بهذا الفصل المتضمّن لعجیب خلقة السماء و بدیع

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 348

ما أودعه فیها لدلالتها المخصوصة علی عظمة بارئها، و شهادتها المحسوسة علی قدرة صانعها و کفایتها للمستبصر و غنیتها للمستهدی، و قد مرّ فی تذییلات الفصل الثامن من فصول الخطبة الاولی ما فیه کفایة لشرح هذا المقام و درایة لذوی الأفهام إلّا أنّا نعید هنا بعض ما قدّمناه هناک و نزید ههنا بعض ما لم نورده ثمة باقتضاء المقام و توضیحا لکلام الامام علیه السّلام فأقول:

قال: (و نظم بلا تعلیق رهوات فرجها) ای جمع و ألف أجزاء السماء المنفرجة المتصفة بالارتفاع و الانخفاض فسوّاها بقدرته الکاملة من غیر أن یعلّق بعضها ببعض بخیاطة و علاقة کما ینظم الانسان ثوبا بثوب أو نحوهما بالقید و التعلیق، و هو مناسب لما مرّ فی شرح الخطبة الاولی من أنّ مادّتها الدّخان المرتفع من الماء إذ مثل ذلک یکون قطعا ذات فرج.

و أما ما فی شرح البحرانی من تأویل ذلک بتباین أجزاء المرکّب لو لا الترکیب و التألیف، أو بالفواصل التی کانت بین أطباق السماوات فخلقها اللَّه سبحانه اکرا متماسّة لا خلا بینها، فمبنیّ علی قواعد الفلاسفة و تقلیدهم (و لاحم صدوع انفراجها) هذا العطف بمنزلة التفسیر و التّوکید للجملة السابقة أی الصق أجزائها ذوات الصدوع بعضها ببعض و اضافة الصّدوع إلی الانفراج من اضافة الخاصّ إلی العامّ (و وشّج بینها و بین أزواجها) أی شبّک بینهما.

قال الشارح البحرانی: أراد بأزواجها نفوسها التی هی الملائکة السّماویة بمعنی قرائنها و کلّ قرین زوج أی ربط ما بینها و بین نفوسها بقبول کلّ جرم سماویّ لنفسه التی لا یقبلها غیره.

و أورد علیه المحدّث العلامة المجلسیّ (ره) بأنّ القول بکون السّماوات حیوانات ذات نفوس مخالف للمشهور بین أهل الاسلام، بل نقل السیّد المرتضی رضی اللَّه عنه اجماع المسلمین علی أنّ الأفلاک لا شعور لها و لا إرادة، بل هی أجسام جمادیة یحرّکها خالقها.

ثمّ قال (ره): و یمکن أن یراد بالأزواج الملائکة الموکلون بها، أو القاطنون

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 349

فیها، أو المراد أشباهها من الکواکب و الأفلاک الجزئیة، و یمکن أن یکون المراد أشباهها فی الجسمیة و الامکان من الأرضیات و یناسب ما جری علی الألسن من تشبیه العلویات بالآباء و السّفلیّات بالامهات (و ذلّل لها بطین بأمره و الصاعدین بأعمال خلقه حزونة معراجها) أی ذلّل للملائکة النّازلین بأمره التّکوینیّ و التشریعی و للکرام الکاتبین الصّاعدین بأعمال خلقه حزونة المعراج إلی السماء و قد تقدّم شرح حال الفرقة الاولی أعنی المدبّرات أمرا فی شرح الفصل التاسع من فصول الخطبة الاولی و شرح حال الفرقة الثانیة فی شرح الفصل الأوّل من الخطبة الثانیة و العشرین فی المقام الثانی من تکملة ذلک الفصل، هذا.

استعاره و قال الشارح البحرانی فی شرح هذه الفقرة: [و ذلّل للهابطین بأمره و الصاعدین بأعمال خلقه حزونة معراجها] قد سبقت الاشارة إلی أنّ الملائکة لیست أجساما کسایر الحیوان، فاذن لیس هبوطها و صعودها الهبوط و الصعود المحسوسین، و إلّا لکان الباری جلّ قدسه عن أوهام المتوهّمین فی جهة إلیه یصعد و عنه ینزل، فاذن هو استعارة لفظ النزول من الجهة المحسوسة إلی أسفل للنزول المعقول من سماء جود الالهی إلی أراضی الموادّ القابلة للافاضات العالیة، و بذلک المعنی یکون هبوط الملائکة عبارة عن ایصالها إلی کلّ ما دونها کماله متوسطة بینه و بین مبدعه و موجده و هم المرسلون من الملائکة بالوحی و غیره، و کذلک الصاعدون بأعمال الخلق هم الملائکة أیضا.

و أما معنی الصّعود بها فیعود إلی کونها منقوشة فی ذوات الصّاعدین بها، و قد لاح فیما سبق أنّ علمه تعالی بمعلولاته البعیدة کالزمانیات و المعدومات التی من شأنها أن توجد فی وقت و تتعلّق بزمان یکون بارتسام صورها المعقولة فی تلک الألواح، و هو أیضا مستعار کلفظ الهبوط للمعنی الذی ذکرناه من أراضی النفوس إلی الألواح.

فامّا الانفراج الذی ذلل حزونته لهم و سهّل علیهم سلوکه فیعود إلی عدم حجبها و منعها لنفوذ علوم الملائکة بأعمال الخلایق و ما یجری فی هذا العالم، و کما أنّ الجسم المتصدّع لا یمنع نفوذ جسم آخر فیه من حیث هو متصدّع و الوصول

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 350

إلی ما ورائه، کذلک السّماء لا تحجب علوم الملائکة أن تتعلّق بما فی هذا العالم من الموجودات، فجرت مجری المنفرج من الأجسام فاطلق علیه لفظ الانفراج و تذلیله لحزونة ذلک الانفراج لهم هو کونها غیر مانعة بوجه لجریان علوم الملائکة المقرّبین فی هذا العالم.

أقول: و أنت خبیر بما فیه، فانّ ما ذکره کلّه تأویل لا داعی إلیه موجب لطرح ظواهر الآیات المتوافرة و نصوص الأخبار المتواترة المثبتة للهبوط و الصعود المحسوسین للملائکة، بعید عن لسان الشریعة، و إنما دعاه إلی ذلک استیناسه بحکمة الفلاسفة المخالفة للکتاب و السّنة.

 (و ناداها بعد إذ هی دخان فالتحمت عری أشراجها) المراد بندائها حکمه و أمره التکوینی النافذ فیها بالوجود و بالتحام عری أشراجها تمام خلقها و فیضان الصور السماویة علیها، و ذلک باعتبار ترکیبها و انضمام جزئها الصوری إلی جزئها المادّی کما یلتحم طرفا العیبة تبشریج عراها، و فیه تلمیح إلی قوله سبحانه:

«ثُمَّ اسْتَوی إِلَی السَّماءِ وَ هِیَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ»  فقوله علیه السّلام: و ناداها إشارة إلی قوله: ائتیا طوعا أو کرها، و قوله علیه السّلام: بعد إذ هی دخان، موافق لقوله: و هی دخان، و قوله علیه السّلام: فالتحمت اه مساوق لقوله: «فقضیهنّ...» الآیة.

قال البیضاوی فی تفسیرها: قصد نحو السماء و هی دخان أمر ظلمانی، و لعلّه أراد به مادّتها و الاجزاء المتفرّقة التی رکبت منها، فقال لها و للأَرض ائتیا بما خلقت فیکما من التأثیر و التأثّر و ابراز ما أودعتکما من الأوضاع المختلفة و الکاینات المتنوّعة أو ائتیا فی الوجود أو اتیان السماء حدوثها و إتیان الأرض أن تصیر مدحوّة، طوعا أو کرها شئتما ذلک أو أبیتما، و المراد إظهار قدرته و وجوب وقوع مراده لا إثبات الطلوع و الکره لهما، قالتا أتینا طائعین منقادین بالذات و الأظهر أنّ المراد تصویر

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 351

تأثیر قدرته فیهما و تأثّرهما بالذات عنها و تمثیلها بأمر المطاع و إجابة المطیع الطائع کقوله: کن فیکون، فقضیهنّ سبع سموات خلقهنّ حلقا إبداعیّا و أتقن أمرهنّ.

و قال الطبرسی فی مجمع البیان أی ثمّ قصد إلی خلق السماء و کانت السماء دخانا، و قال ابن عباس کانت بخار الأرض و أصل الاستواء الاستقامة، و القصد التدبیر المستقیم تسویة له: «فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِیا طَوْعاً أَوْ کَرْهاً قالَتا أَتَیْنا طائِعِینَ»  قال ابن عباس أتت السماء بما فیها من الشمس و القمر و النجوم، و أتت الأرض بما فیها من الأنهار و الأشجار و الثمار و لیس هناک أمر بالقول علی الحقیقة و لا جواب لذلک القول بل أخبر اللَّه سبحانه عن اختراعه السّماوات و الأرض و إنشائه لهما من غیر تعذّر و لا کلفة و لا مشقّة بمنزلة ما یقال للمأمور افعل فیفعل من غیر تلبّث و لا توقّف فعبّر عن ذلک بالأمر و الطاعة و هو کقوله: «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ» .

و إنما قال أتینا طائعین و لم یقل أتینا طائعتین لأنّ المعنی أتینا بمن فینا من العقلاء فغلب حکم العقلاء و قیل إنه لما خوطبن خطاب من یعقل جمعن جمع من یعقل کما قال: «وَ کُلٌّ فِی فَلَکٍ یَسْبَحُونَ» .

استعاره بالکنایه (و فتق بعد الارتتاق صوامت أبوابها) و هو إما کنایة عن ایجاد الأبواب فیها و خرقها بعد ما کانت رتقا لا باب فیها، أو فتح الأبواب المخلوقة فیها حین ایجادها، و هذه الأبواب هی التی منها عروج الملائکة و هبوطها و صعود أعمال العباد و أدعیتهم و أرواحهم کما قال تعالی: «إِنَّ الَّذینَ کَذَّبُوا بآیاتِنا وَ اسْتَکْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ» أو التی تنزل منها الأمطار کما أشار إلیه بقوله:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 352

«فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بماءٍ مُنْهَمِرٍ» و یؤیّد الأخیر ما رواه الطبرسیّ (ره) فی تفسیر قوله سبحانه: «أَ وَ لَمْ یَرَ الَّذینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ کانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما» عن أبی جعفر و أبی عبد اللَّه علیهما السّلام و عکرمة و عطیة و ابن زید أنّ السماء کانت رتقا لا تمطر و الأرض رتقا لا تنبت ففتقنا السماء بالمطر و الأرض بالنّبات، هذا.

و لا یخفی علیک أنه بعد دلالة کلام الامام علیه السّلام کغیر واحد من الآیات و الأخبار علی أنّ للسماء أبوابا لا یعبأ بما قاله الفلاسفة من استحالة الخرق و الالتیام علی الفلک المبتنیة علی قواعدهم الفاسدة و عقولهم الکاسدة.

و لعلّ الشارح البحرانی ألجأه التقلید بهم إلی تأویل کلامه علیه السّلام فی هذا المقام بما لا ینافی اصولهم حیث قال: و افتتاق صوامت أبوابها بعد الارتتاق هو جعلها أسبابا لنزول رحمته و مدبرات تنزل بواسطة حرکاتها علی هذا العالم أنواع رحمة اللَّه فکانت حرکاتها تشبه الأبواب إذ هی أبواب رحمته و مفاتیح جوده.

و مثله ما ذکره فی شرح قوله علیه السّلام: (و أقام رصدا من الشهب الثواقب علی نقابها) حیث قال إنه استعار لفظ النقاب لکونها بحیث لا یمنع تعلّق العلوم بما ورائها من الأجسام و المجرّدات، و أنت خبیر بأنّ کلّ ذلک تکلّف لا داعی إلیه و الأدلّة علی امکان الخرق و وجود الأبواب فوق حدّ الاحصاء، و لعلّنا نشبع الکلام فی ذلک فی مقام مناسب، و المهمّ الآن شرح معنی کلامه علیه السّلام علی مقتضی اسلوبنا و سلیقتنا المفادة من الآیات و الأخبار فأقول: مراده علیه السّلام بنقابها طرائقها کما قال سبحانه: «وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُکِ»  فالمقصود بذلک إقامة الشّهب و إرصادها علی المرصاد لطرد الشیاطین عن استراق

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 353

السّمع کما حکی اللَّه ذلک فی سورة الجنّ بقوله: «وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدیداً وَ شُهُباً وَ أَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الْآنَ یَجِدْ لَهُ شهاباً رَصَداً».

قال الطبرسیُّ: ثمّ حکی اللَّه الجنّ و قولهم: «وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ» أی مسّنّاها، و قیل: طلبنا الصعود إلی السّماء فعبّر عن ذلک بالمسّ مجازا.

«فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدیداً» أی حفظة من الملائکة شدادا وَ شُهُباً و التقدیر ملئت السّماء من الحرس و الشهب و هو جمع شهاب و هو نور یمتدّ من السّماء کالنار.

«وَ أَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ» أی لاستراق السّمع أی کان یتهیّأ لنا فیما قبل القعود فی مواضع الاستماع فنسمع صوت الملائکة و کلامهم:

«فَمَنْ یَسْتَمِعِ» منّا «الْآنَ» ذلک  «یَجِدْ لَهُ شهاباً رَصَداً» یرمی به و یرصد له، و شهابا مفعول به و رصدا صفته قال معمّر: قلت للزّهری أ کان یرمی بالنجوم فی الجاهلیّة؟ قال: نعم قلت: أ فرأیت قوله: «أَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْها...» الآیة قال: غلّظ و شدّد أمرها حین بعث النّبی صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم (و أمسکها من أن تمور فی خرق الهواء بأیده) أی أمسکها بقدرته و قوّته من الحرکة و الاضطراب فی الهواء الذی هو أحد العناصر إذ لا دلیل علی انحصاره فی الذی بین السماء و الأرض فی المکان

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 354

الخالی الموهوم أو الموجود طبعا أو قسرا، و المراد حرکة أجزائها فیما بین السماء و الأرض و یؤیّده قوله سبحانه:

«وَ یُمْسکُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ إِلَّا بإِذْنِهِ»  (و أمرها أن تقف مستسلمة لأمره) أی أمرها بالوقوف و القیام و أراد منها ذلک منقادة لارادته کما قال تعالی:

«وَ مِنْ آیاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بأَمْرِهِ»  قال الطبرسیّ: بلا دعامة تدعمهما و لا علاقة تتعلّق بهما بأمره لهما بالقیام کقوله تعالی:

«إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ»  و قیل بأمره أی بفعله و إمساکه إلّا أنّ أفعال اللَّه عزّ اسمه مضاف إلیه بلفظ الأمر لأنه أبلغ فی الاقتدار فانّ قول القائل أراد فکان أو أمر فکان أبلغ فی الدلالة علی الاقتدار من أن یقول فعل فکان، و معنی القیام الثبات و الدّوام (و جعل شمسها آیة مبصرة لنهارها، و قمرها آیة ممحوّة من لیلها) هو مأخوذ من قوله سبحانه فی سورة الاسری:

«وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّکُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ وَ کُلَّ شَیْ ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلًا» و فیه قولان: (أحدهما) أن یراد أنّ اللّیل و النهار آیتان فی أنفسهما فتکون الاضافة فی آیة اللیل و آیة النهار للتّبیین کإضافة العدد إلی المعدود، أی فمحونا الآیة التی هی اللّیل فکانت مظلمة و جعلنا الآیة التی هی النهار مبصرة (و الثانی) أن یراد:

و جعلنا آیتی اللّیل و النّهار أی نیّریهما آیتین، فیکون المراد بهما الشمس و القمر و ظاهر کلام الامام علیه السّلام ربما یشعر بهذا القول، و یدلّ علی القولین قوله سبحانه:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 355

«وَ مِنْ آیاتِهِ اللَّیْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْس وَ لا لِلْقَمَرِ وَ اسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذی خَلَقَهُنَّ إِنْ کُنْتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ»  أمّا کون الأوّلین آیتین فلأنّ کلّ واحد منهما مضاد للآخر معاند له، فکونهما متعاقبین علی الدوام من أقوی الدّلائل علی أنّهما غیر موجودین بالذات بل لا بدّ لهما من فاعل یدبِّرهما و یقدّرهما بالمقادیر المخصوصة، مضافا إلی أنّ مقتضی التّضادّ بین الشیئین أن یتفاسد الا أن یتعاونا علی سبیل المصالح، و هما مع تضادّهما و تنافیهما متعاونان علی تحصیل منافع الخلق و مصالحهم، فلو لا اللّیل لما حصل السکون و الراحة، و لو لا النهار لما أمکن الکسب و المعیشة، و لو لا اللیل لفسدت الزراعات بالحرارة، و لو لا النّهار لفسدت بالبرودة، فهما من أقوی الآیات و أظهر البیّنات.

و أمّا کون الآخرین آیتین للصانع و دلیلین علی وجود القادر المختار فلأنّ الأجسام متماثلة فاختصاصهما بالحرکة الدّائمة دون السّکون لا بدّ له من مخصّص، و أیضا انّ کلّ واحدة من تلک الحرکات مختصّة بکیفیّة معیّنة من البطوء و السّرعة فلا بدّ له أیضا من مخصّص علی أنّ تقدیر تلک الحرکات بمقادیر مخصوصة علی وجه تحصل عوداتها و دوراتها متساویة بحسب المدّة حالة عجیبة و صنعة بدیعة لا بدّ لها من مدبّر مقدّر و مبدع مقتدر، هذا.

و أما المقصود بمحو آیة اللّیل فلهم فیه قولان:

أحدهما أنه هو ما یظهر فی القمر من الزّیادة و النقصان فی النور فیبدو فی أوّل الأمر فی صورة الهلال ثمّ لا یزال یتزاید نوره حتّی یصیر بدرا کاملا، ثمّ یأخذ فی الانتقاص قلیلا قلیلا و ذلک هو المحو إلی أن یعود إلی المحاق.

و الثانی أنه هو الکلف فی وجه القمر و کونه مطموس النّور، فانه بعد ما کان مساویا للشمس فی الضوء و النّور أرسل اللَّه جبرئیل فأمرّ جناحه علی وجهه فطمس عنه الضوء، و معنی المحو فی اللّغة إذهاب الأثر، و قد استظهرنا هذا القول فی التذییل

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 356

السادس من تذییلات الفصل الثامن من فصول الخطبة الاولی ببعض الأخبار التی أوردناها هناک.

و ربما یستظهر القول الأوّل بقوله سبحانه: «لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّکُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ»  لأنّ المحو إنما یؤثّر فی ابتغاء فضل اللَّه إذا حملناه علی زیادة نور القمر و نقصانه، فانّ أهل التجارب تبیّنوا أنّ اختلاف أحوال القمر فی مقادیر النور له أثر عظیم فی أحوال هذا العالم و مصالحها، مثل أحوال البحار فی المدّ و الجزر و مثل أحوال البحرانات علی ما یذکره الأطباء فی کتبهم و أیضا بسبب زیادة نور القمر و نقصانه تحصل الشهور و بسبب معاودة الشهور تحصل السنون العربیة المبنیّة علی رؤیة الأهلّة.

مجاز إطلاقا لاسم المسبّب علی السّبب و أمّا المراد بجعل آیة النهار مبصرة [ (و جعل شمسها آیة مبصرة لنهارها، و قمرها آیة ممحوّة من لیلها] ففیه أیضا قولان:

أحدهما أنّ معنی کونها مبصرة کونها مضیئة نیّرة، قال الکسائی: العرب تقول: أبصر النّهار إذا أضاء أقول: و لعلّ ذلک من حیث إنّ الاضائة لما کان سببا للابصار فاطلق اسم الابصار علی الاضائة إطلاقا لاسم المسبّب علی السّبب.

و ثانیهما أنّ المبصرة التی أهلها بصراء فیها قال أبو عبیدة یقال: قد أبصر النّهار إذا صار النّاس یبصرون فیه، کقولهم رجل مخبت إذا کان أصحابه خبتاء و رجل مضعف إذا کان دوابه ضعفاء، هذا.

و بقی الکلام فی إضافة اللّیل و النّهار إلی السماء فی کلامه علیه السّلام، و وجهها أنّ استنادهما لما کان إلی حرکة الفلک أضافهما إلیها لتلک المناسبة (و أجراهما فی مناقل مجریهما و قدّر سیرهما فی مدارج درجیهما) أراد بالمناقل و المدارج منازل الشمس و القمر.

قال ابن عباس: للشمس مأئة و ثمانون منزلا کلّ یوم لها منزل و ذلک فی ستّة أشهر ثمّ إنها تعود إلی واحد واحد منها فی ستّة أشهر مرّة اخری، و القمر له ثمانیة و عشرون منزلا.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 357

و تحقیق المقام أنهم قسّموا دور الفلک الذی یسیر فیه الکواکب اثنا عشر قسما و سمّوا کلّ قسم برجا کما قال سبحانه:

«وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ» و قال: «تَبارَکَ الَّذی جَعَلَ فِی السَّماءِ بُرُوجاً» قال الرازی البروج هی القصور العالیة سمّیت بروج الکواکب لأنها لهذه الکواکب کالمنازل لسکّانها، ثمّ إنّهم قسّموا کلّ برج ثلاثین قسما و سمّوا کلّ قسم درجة و سمّوا البروج بهذه الأسماء:

الحمل، الثور، الجوزا، السرطان، الاسد: السنبلة، المیزان، العقرب، القوس، الجدی، الدلو، الحوت، و الشّمس تسیر کلّ برج منها فی شهر واحد، فتحصل تمام دورتها لتلک البروج فی سنة کاملة و به تحصل السّنة و هی ثلاثمأة و خمسة و ستّون یوما و شی ء تنزل کلّ یوم فی منزل و ما قاله ابن عباس فی کلامه الذی حکیناه لعلّه مبنیّ علی ما هو الشّایع فی ألسنة النّاس من تقدیر السنّة بثلاثمأة و ستّین یوما و إن لم یکن مطابقا لشی ء من حرکتی الشّمس و القمر فتأمل، هذا و ما ذکرناه فی سیر الشمس انّما هو بحسب حرکتها الذاتیة، و أما حرکتها بسبب حرکة الفلک الأعظم فتتمّ فی الیوم بلیلته، و أمّا القمر فیسیر کلّ برج فی أزید من یومین و نقص من ثلاثة أیّام و تمام دورتها فی ثمانیة و عشرین لیلة، و له فی کلّ لیلة منزل.

فمنازله ثمانیة و عشرون مسمّاة بتلک الأسماء: (الشرطین، البطین، الثریا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرفة، الجبهة، الدبرة، الصرفة، العواء، السماک، الغفر، الزبانا، الاکلیل، القلب، الشولة، النعایم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الاخبیة، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا، و هو بطن الحوت) و إلی تلک المنازل اشیر فی قوله سبحانه:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 358

«وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازلَ حَتَّی عادَ کَالْعُرْجُونِ الْقَدیمِ»  أی قدّرنا مسیره منازل أو سیره فی منازل ینزل کلّ لیلة فی واحدة منها، فاذا کان فی آخر منازله دقّ و استقوس حتّی عاد کالعرجون أی کالشمراخ المعوج القدیم العتیق.

قال نصیر الملّة و الدّین (ره) فی محکیّ کلامه من التذکرة: و أمّا منازل القمر فهی من الکواکب القریبة من منطقة البروج جعلها العرب علامات الاقسام الثمانیة و العشرین التی قسّمت المنطقة بها لتکون مطابقة لعدد أیام دور القمر.

و قال الخفری فی شرحه: و المراد من المنزل المسافة التی یقطعها القمر فی یوم بلیلته، و منازل القمر عند الهند سبعة و عشرون یوما بلیلة و ثلث، فحذفوا الثلث لکونه أقل من النّصف کما هو عادة أهل التنجیم.

و أما عند العرب فهی ثمانیة و عشرون، لا لأنّهم تمّموا الثلث واحدا کما قال البعض، بل لأنّه لمّا کان سنوهم لکونها باعتبار الأهلّة مختلفة الأوائل بوقوعها فی وسط الصّیف تارة و فی وسط الشّتاء أخری، احتاجوا إلی ضبط سنة الشّمس لمعرفة فصول السنة حتّی یشتغلوا فی استقبال کلّ فصل منها بما یهمّهم، فنظروا إلی القمر فوجدوه یعود إلی وضع له من الشّمس فی قریب من ثلاثین یوما و یختفی فی هذا الشّهر لیلتین أو أکثر أو أقلّ فأسقطوا یومین من الثلاثین فبقی ثمانیة و عشرون و هو الزّمان الواقع فی الأغلب بین رؤیته فی العشیّات فی أوّل الشّهر و رؤیته بالغدوات فی آخره، فقسّموا دور الفلک علیه، فکان کلّ منزل اثنتی عشرة درجة و احدی و خمسین دقیقة تقریبا أی ستّة أسباع درجة فتصیب کلّ برج منزلان و ثلث.

ثمّ وجدوا الشّمس تقطع کلّ منزل فی ثلاثة عشر یوما فی التقریب فسار المنازل فی ثلاثمأة و أربعة و ستّین یوما، لکن عود الشمس إلی کلّ منزل إنّما یکون فی ثلاثمأة و خمسة و ستّین یوما، فزادوا یوما فی أیّام منازل غفر و قد یحتاج

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 359

إلی زیادة للکبیسة حتّی تصیر أیّامه خمسة عشر و یکون انقضاء أیّام السنة الشّمسیة مع انقضاء أیّام المنازل و رجوع الأمر إلی منزل جعل مبدء.

ثمّ إنّهم جعلوا علامات المنازل من الکواکب الظاهرة القریبة من المنطقة مما یقارب ممرّ القمر أو یحاذیه، فیری کلّ لیلة نازلا بقرب أحدها فان سترها یقال کفحه فکافحه أی واجهه فغلبه و لا یتفأل به و إن لم یستره یقال: عدل القمر و یتفأل به.

و قوله (لیمیز بین اللّیل و النّهار بهما و لیعلم عدد السنین و الحساب بمقادیرهما) الظاهر کون التمیز و العلم غایتین لمجموع الأفعال السابقة علی حدّ قوله سبحانه فی سورة الاسری: «وَ جَعَلْنَا اللَّیْلَ وَ النَّهارَ آیَتَیْنِ فَمَحَوْنا آیَةَ اللَّیْلِ وَ جَعَلْنا آیَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّکُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ»  و قوله فی سورة یونس: «هُوَ الَّذی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیاءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِینَ وَ الْحِسابَ»  و یحتمل کون التمیز غایة للأوّل و العلم غایة للأخیر أو الأخیرین فیکون نشرا علی ترتیب اللّف، و معناه علی ذلک أنّه تعالی جعل الشمس آیة مبصرة و القمر آیة ممحوّة لیحصل التمیز بین اللیل و النّهار بهما، و أجری الشمس و القمر فی منازلهما و قدّر سیرهما فی مناقلهما لیحصل العلم بعدد السّنین و الحساب بمقادیر سیرهما و تفاوت أحوالهما، هذا.

و المراد بالحساب حساب ما یحتاج إلیه النّاس فی امور دینهم و دنیاهم لیتمکّنوا بذلک من إتیان الحجّ و الصّوم و الصّلوات فی أوقاتها، و یعرفوا عدّة المطلقة و المتوفّی عنها زوجها، و مدّة حلول آجال الدّیون و انقضائها، و یرتّبوا معاشهم بالزراعة و الحراثة و الفلاحة فی ساعاتها و یهیّئوا مهمّات الشّتاء و الصّیف و ضروریّات العیش

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 360

فی آنائها إلی غیر هذه ممّا یحتاجون إلیها فی الدّنیا و الدّین «إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَی النَّاس وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاس لا یَشْکُرُونَ» (ثمّ علّق فی جوّها فلکها) هذه العبارة من مشکلات کلامه علیه السّلام.

وجهة الاشکال فیها من ثلاثة وجوه: أحدها أنّه علیه السّلام قال فی صدر هذا الفصل: و نظم بلا تعلیق رهوات فرجها، فنفی التعلیق فی نظم الأجزاء ثمّة ینافی إثباته هنا و ثانیها أنّ الجوّ عبارة عن ما بین السّماء و الأرض من الهواء فما معنی تعلیق الفلک فیه، ثمّ ما معنی الاضافة، و ثالثها أنّ المشهور أنّ الفلک هو السّماء و الاضافة فی کلامه علیه السّلام یفید التغایر و یرفع الاشکال عن الأوّل بحمل التّعلیق المنفیّ فیما سبق علی التعلیق بالعلایق المحسوسة و التعلیق المثبت هنا علی التّعلیق بالقدرة، و عن الثّانی بحمل الجوّ علی الفضاء الواسع الموهوم أو الموجود الذی هو مکان الفلک و وجه اضافته إلیها واضح، و عن الثّالث بجعل المراد بالفلک مدار النّجوم کما فسّره به فی القاموس.

و قال الشّارح المعتزلی: أراد به دائرة معدّل النهار، و قیل: المراد به سماء الدّنیا، و هو مبنیّ علی کون النّجوم فیها علی وفق قوله سبحانه  «إِنَّا زَیَّنَّا السَّماءَ الدُّنْیا بزینَةٍ الْکَواکِب» و علی المشهور من عدم کون جمیعها فی السّماء الدّنیا فلعلّ الأظهر أن یراد بالفلک ما ارتکز فیه من السّماوات کوکب یتحرّک بحرکته، قاله فی البحار ثمّ قال: و یمکن علی طریقة الاستخدام أو بدونه أن یراد بضمیر السّماء الذی أحاط بجمیع ما ارتکزت فیه الکواکب المدبّر لها فکون فلکها فی جوّها ظاهر أو یراد بالسّماء الأفلاک الکلّیة و بالفلک الأفلاک الجزئیة الواقعة فی جوفها (و ناط بها زینتها من خفیّات دراریها و مصابیح کواکبها) أی علّق بالسّماء ما یزیّنها من الکواکب الخفیّة الّتی هی کالدّر فی الصّفاء و الضیاء، و الکواکب التی هی بمنزلة المصباح یضی ء و کونها زینة لها إمّا بضوئها أو باشتمالها علی الأشکال

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 361

المختلفة العجیبة تلمیح (و رمی مسترق السّمع بثواقب شهبها) و فیه تلمیح إلی قوله سبحانه  «إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شهابٌ مُبینٌ»  أی إلّا من حاول أخذ مسموع من السّماء فی خفیة فلحقه شعلة نار ظاهر لأهل الأرض بیّن لمن رآه، و إلی قوله سبحانه:

«إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شهابٌ ثاقِبٌ»  قال الطبرسیُّ: و التقدیر لا یتسمّعون إلی الملائکة إلّا من وثب الوثبة إلی قریب من السّماء فاختلس خلسة من الملائکة و استلب استلابا بسرعة فلحقه و أصابه نار مضیئة محرقة، و الثاقب النیّر المضی ء.

فان قلت: تقدّم ذکر الشهب فی قوله: و أقام رصدا من الشّهب الثواقب علی نقابها فما وجه إعادتها؟

قلنا: إنّه علیه السّلام ذکر سابقا أنه أقامها رصدا، و نبّه ههنا علی أنّ إرصادها لرمی مسترق السّمع، روی عن ابن عباس أنه کان فی الجاهلیّة کهنة و مع کلّ واحد شیطان فکان یقعد من السّماء مقاعد للسّمع فیستمع من الملائکة ما هو کائن فی الأرض فینزل و یخبر به الکاهن فیفشیه الکاهن إلی النّاس، فلما بعث اللَّه عیسی علیه السّلام منعوا من ثلاث سماوات، و لمّا بعث محمّد صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم منعوا من السّماوات کلّها؛ و حرست السّمآء بالنّجوم و الشّهاب من معجزات نبیّنا صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم لأنّه لم یر قبل زمانه، و قیل: إنّ الشهاب یقتل الشیاطین، و قیل لا یقتلهم.

قال الفخر الرّازی بعد ما عدّد جملة من منافع النجوم:

و منها أنه تعالی جعلها رجوما للشیاطین الذین یخرجون الناس من نور الایمان إلی ظلمة الکفر، یروی أنّ السّبب فی ذلک أنّ الجنّ کانت تسمع بخبر السّماء، فلما بعث محمّدا صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم حرست السماء و رصدت الشیاطین فمن جاء منهم مسترقا للسّمع رمی بشهاب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 362

فأحرقه لئلّا ینزل به إلی الأرض فیلقیه إلی الناس فیخلط علی النّبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم أمره و یرتاب الناس بخبره، و هذا هو السّبب فی انقضاض الشّهب، فهذا هو المراد من قوله تعالی و جعلناها رجوما للشّیاطین.

و من الناس من طعن فی هذا من وجوه:

أحدها أنّ انقضاض الکواکب مذکورة فی کتب قدماء الفلاسفة قالوا: إنّ الأرض إذا سخّنت بالشّمس ارتفع منها بخار یابس فاذا بلغ النار التی دون الفلک احترق بها فتلک الشعلة هی الشّهاب.

و ثانیها أنّ هؤلاء الجنّ کیف یجوز أن یشاهدوا واحدا و ألفا من جنسهم یسترقون السّمع فیحرقون ثمّ إنهم مع ذلک یعودون لمثل صفتهم فانّ العاقل إذا رأی الهلاک فی شی ء مرّة و مرارا امتنع أن یعود إلیه من غیر فائدة.

و ثالثها أنه یقال: فی ثخن السّماء مسیرة خمسمائة عام فهؤلاء الجنّ إن نفذوا فی جرم السّماء و خرقوا له فهذا باطل لأنّه تعالی نفی أن یکون فیها فطور علی ما قال: فارجع البصر هل تری من فطور، و إن کانوا لا ینفذون فی جرم السّماء فکیف یمکنهم أن یسمعوا أسرار الملائکة من ذلک البعد العظیم فلم لا یسمعون کلام الملائکة حالکونهم فی الأرض.

و رابعها أنّ الملائکة إنما اطلعوا علی الأحوال المستقبلة إما لأنّهم طالعوها من اللّوح المحفوظ، أو لأنّهم یتلقّونها من وحی اللَّه تعالی إلیهم، و علی التّقدیرین فلم لا یمسکوا عن ذکرها حتّی لا یتمکنّ الجنّ عن الوقوف علیها.

و خامسها أنّ الشّیاطین مخلوقون من النّار و النار لا تحرق النّار بل تقویها فکیف یحتمل أن یقال: الشّیطان زجر من استراق السّمع بهذه الشهب.

و سادسها أنه إن کان هذا القذف لأجل النّبوّة فلم دام بعد وفات الرّسول صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم.

و سابعها أنّ هذه الرّجوم إنما تحدث بالقرب من الأرض بدلیل أنّا نشاهد حرکاتها بالغة و لو کانت قریبة من الفلک لما شاهدنا حرکاتها کما لم نشاهد حرکات

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 363

الکواکب، و إذا ثبت أنّ هذه الشهب إنما تحدث بالقرب من الأرض کیف یقال إنّها تمنع الشّیاطین من الوصول إلی الفلک.

و ثامنها أنّ هؤلاء الشّیاطین لو کان یمکنهم أن ینقلوا أخبار الملائکة من المغیبات إلی الکهنة فلم لا ینقلون أسرار المؤمنین إلی الکفّار حتّی یتوسّل الکفار بواسطة وقوفهم علی أسرارهم إلی إلحاق الضّرر بهم.

و تاسعها لم لم یمنعهم اللَّه ابتداء من الصعود إلی السّماء حتّی لا یحتاج فی دفعهم عن السماء إلی هذه الشهب و الجواب عن السؤال الأوّل أنا لا ننکر أنّ هذه الشهب کانت موجودة قبل مبعث النّبی صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم و قد یوجد بسبب آخر و هو دفع الجنّ و زجرهم، یروی أنّه قیل للزّهری أ کان یرمی فی الجاهلیة؟ قال: نعم قال: أ فرأیت قوله تعالی:

«أَنَّا کُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ یَسْتَمِعِ الْآنَ یَجِدْ لَهُ شهاباً رَصَداً» قال: غلظت و شدّد أمرها حین بعث النّبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم.

و الجواب عن السّؤال الثانی أنه إذا جاء القدر عمی البصر، فاذا قضی اللَّه علی طائفة منهم الحرق لطغیانها و ضلالها قیّض له من الدواعی المطمعة فی درک المقصود ما عندها یقدم علی العمل المفضی إلی الهلاک و البوار.

و الجواب عن السؤال الثالث أنّ البعد بین السّماء و الأرض مسیرة خمسمائة عام فأما ثخن الفلک فلعلّه لا یکون عظیما.

و الجواب عن السؤال الرابع ما روی الزهری عن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیه السّلام عن ابن عباس (ره) قال بینا رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم جالس فی نفر من أصحابه إذ رمی بنجم فاستنار فقال صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم: ما کنتم تقولون فی الجاهلیّة إذا حدث مثل هذا؟ قالوا: کنا نقول: یولد عظیم أو یموت عظیم، قال النّبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم: فانها لا ترمی لموت أحد و لا لحیاته و لکن ربّنا تعالی إذا قضی الأمر فی السماء سبّحت

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 364

حملة العرش ثمّ سبّح أهل السّماء و سبّح کلّ سماء حتّی ینتهی التّسبیح إلی هذا السّماء و یستخبر أهل السّماء حملة العرش ما ذا قال ربّکم؟ فیخبرونهم و لا یزال ینتهی ذلک الخبر من سماء إلی سماء حتّی ینتهی الخبر إلی هذه السماء و یتخطّف الجنّ فیرمون. فما جاءوا به فهو حقّ و لکنّهم یزیدون فیه و الجواب عن السؤال الخامس أنّ النّار قد تکون أقوی من نار اخری فالأقوی یبطل الأضعف.

و الجواب عن السّؤال السادس أنه إنما دام لأنّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم أخبر ببطلان الکهنة فلو لم یدم هذا القذف لعادت الکهانة و ذلک یقدح فی خبر الرّسول صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم عن بطلان الکهانة.

و الجواب عن السؤال السّابع أنّ البعد علی مذهبنا غیر مانع من السّماع فلعلّه تعالی أجری عادته بأنهم إذا وقعوا فی تلک المواضع سمعوا کلام الملائکة.

و الجواب عن السؤال الثامن لعلّه تعالی أقدرهم علی استماع الغیوب عن الملائکة و أعجزهم عن ایصال أسرار المؤمنین إلی الکافرین.

و الجواب عن السّؤال التاسع أنه تعالی یفعل ما یشاء و یحکم ما یرید، فهذا ما یتعلّق بهذا الباب علی سبیل الاختصار انتهی.

و قال المحدّث المجلسیّ (ره) بعد نقل کلام الرازی و أجوبته: أقول الأصوب فی الجواب عن الثالث أن یقال: قد ظهر أنّ للسماء أبوابا یصعد منها الملائکة و صعد منها نبیّنا صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم و عیسی و إدریس علیه السّلام بل أجساد سایر الأنبیاء و الأوصیاء بعد وفاتهم علی قول، و قد ورد فی الأخبار أنّ الجنّ کانوا یصعدون قبل عیسی علیه السّلام إلی ما تحت العرش و بعد بعثته کانوا یصعدون إلی الرابعة و بعد بعثة النّبی صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم منعوا عن صعود السماء مطلقا بالشّهب، فصعودهم إمّا من أبوابها أو لکونهم اجساما لطیفة یمکنهم النفوذ فی جرمها و لعلّ  «1» المراد بالفطور فیها أن تری فیها شقوق و ثقب أو تنهدم و تنحلّ أجزائها فلا إشکال فی ذلک.


 (1) یعنی انّ ما ذکرناه لا ینافی الفطور المنفی عنها فی قوله تعالی: فارجع البصر هل تری من فطور.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 365

تلمیح (و أجراها علی اذلال تسخیرها) أی علی مجاری تسخیرها أو وجوه مقهوریّتها و فیه تلمیح إلی قوله تعالی:

«وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ»  قال الطبرسیُّ (ره): أی مذلّلات جاریات فی مجاریهنّ بتدبیره و صنعه خلقهنّ لمنافع العباد.

و قال الفخر الرازیّ، کون الشّمس و القمر و النّجوم مسخرّات بأمره یحتمل وجوها:

أحدها أنا قد دللنا أنّ الأجسام متماثلة، و متی کان کذلک کان اختصاص جسم الشمس بذلک النور المخصوص و الضوء الباهر و التسخین الشّدید و التّدبیرات العجیبة فی العالم العلوی و السّفلی لا بدّ و أن یکون لأجل أنّ الفاعل الحکیم و المقدّر العلیم خصّ ذلک الجسم بهذه الصّفات، فجسم کلّ واحد من الکواکب و النّیرات کالمسخّر فی قبول تلک القوی و الخواصّ عن قدرة المدبّر العلیم.

و ثانیها أن یقال: إنّ لکلّ واحد من أجرام الشمس و القمر و الکواکب سیرا خاصّا بطیئا من المغرب إلی المشرق و سیرا آخر سریعا بسبب حرکة الفلک الأعظم، فالحقّ سبحانه خصّ جرم الفلک الأعظم بقوّة زایدة علی أجرام سایر الأفلاک و باعتبارها صارت مستولیة علیها قادرة علی تحریکها علی سبیل القهر من المشرق إلی المغرب، فأجرام الأفلاک و الکواکب صارت کالمسخّرة لهذا القهر و القسر ثمّ ذکر باقی الوجوه و لا طائل تحتها.

و قوله علیه السّلام: (من ثبات ثابتها و مسیر سائرها) بیان لوجه تسخیرها و ثبات الثوابت بالنسبة إلی سیر السیارات.

و المراد بالسیارات الکواکب السبعة و هی: القمر، و عطارد، و زهرة، و الشمس و المرّیخ، و المشتری، و الزّحل، و یسمّی الشمس و القمر بالنّیرین، و الخمسة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 366

الباقیة بالمتحیّرة لأنّ لکلّ واحد منها استقامة ثمّ وقوفا ثمّ رجوعا ثمّ وقوفا ثانیا ثمّ عودا إلی الاستقامة و لیس للنّیرین غیر الاستقامة، و المراد بالثّوابت إمّا سایر الکواکب علی السماء غیر هذه السّبعة أو خصوص ما فی کرة البروج.

و فی توحید المفضّل قال: قال الصّادق علیه السّلام: فکّر یا مفضّل فی النّجوم و اختلاف مسیرها فبعضها لا تفارق مراکزها من الفلک و لا تسیر إلّا مجتمعة، و بعضها تنتقل فی البروج و تفترق فی مسیرها، فکلّ واحد منها یسیر سیرین مختلفین، أحدهما عامّ مع الفلک نحو المغرب، و الآخر خاصّ لنفسه نحو المشرق کالنملة التی تدور علی الرّحا، فالرّحا تدور ذات الیمین و النّملة تدور ذات الشمال و النّملة تتحرّک فی تلک حرکتین مختلفتین، إحداهما بنفسه فتتوجّه أمامها، و الاخری مستکرهة مع الرّحا تجذبها إلی خلفها، فاسأل الزّاعمین أنّ النّجوم صارت علی ما هی علیه بالاهمال من غیر عمد و لا صانع لها ما منعها کلّها أن تکون راتبة أو تکون کلّها متنقّلة؟ فانّ الاهمال معنی واحد فکیف صار یأتی بحرکتین مختلفتین علی وزن و تقدیر؟ ففی هذا بیان أنّ مسیر الفریقین علی ما یسیران علیه بعمد و تدبیر و حکمة و تقدیر و لیس باهمال کما تزعمه المعطلة.

فان قال قائل: و لم صار بعض النّجوم راتبا و بعضها متنقّلا؟

قلنا: إنّها لو کانت کلّها راتبة لبطلت الدلالات التی یستدلّ بها من تنقّل المتنقّلة و مسیرها فی کلّ برج من البروج کما قد یستدلّ علی أشیاء ممّا یحدث فی العالم بتنقّل الشّمس و النّجوم فی منازلها، و لو کانت کلّها متنقّلة لم یکن لمسیرها منازل تعرف و لا رسم یوقف علیه، لأنّه انما یوقف بمسیر المتنقّلة منها لتنقلها فی البروج الرّاتبة کما یستدلّ علی سیر السّایر علی الأرض بالمنازل یجتاز علیها، و لو کان تنقّلها بحال واحدة لاختلط نظامها و بطلت المآرب فیها و لساغ لقائل أن یقول: إنّ کینونیّتها علی حال واحدة توجب علیها الاهمال من الجهة التی وصفنا. ففی اختلاف سیرها و تصرّفها و ما فی ذلک من المآرب و المصلحة أبین دلیل علی العمد و التدبیر فیها.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 367

 (و هبوطها و صعودها و نحوسها و سعودها) المراد بالهبوط إما مقابل الشرف کما هو مصطلح المنجّمین، أو التوجّه إلی حضیض الحامل فانّ للکواکب صعودا فی الأوج و هبوطا فی الحضیض أو التوجّه إلی الغروب فیکون الهبوط حسّا و یقابله الصعود فیما ذکر.

و المراد بالسعود و النحوس کون اتصالات الکواکب أسبابا لصلاح حال شی ء من الأشیاء من أحوال هذا العالم و أسبابا لفساده.

قال المنجّمون: زحل و المریخ نحسان أکبرهما زحل، و المشتری و الزّهرة سعدان أکبرهما المشتری، و عطارد سعد مع السعود و نحس مع النحوس، و النیّران سعدان من التثلیث و التسدیس نحسان من المقابلة و التربیع و المقارنة، و الرّأس سعد و الذنب و الکبد نحسان، و اللَّه العالم بحقایق ملکه و ملکوته.

الترجمة:

بعض دیگر از این خطبه در صفت آسمان است می فرماید:

ترتیب داد حق سبحانه و تعالی بدون قید و علاقه پست و بلندی فرجه های آنرا و ملتئم نمود و بهم در آورد شکافهای گشادگی آنرا و بهم پیوست میان آنها و میان زوجهای آنها، و ذلیل و آسان نمود بجهة ملائکه که نزول کننده اند بأمر او سبحانه و صعود نماینده اند با عملهای بندگان او دشواری نردبانهای آسمانها را، و ندا نمود آنها را بعد از این که بود دود پس بهم آمد بندهای ریسمانهای آنها و گشود بعد از بهم پیوستن درهای بسته آنها را، و بر پا نمود دیده بانها از شهابهای درخشان بر راهها و منفذهای آنها، و نگه داشت آنها را از این که حرکت نمایند و مضطرب گردند در شکاف هوا با قوت خود، و أمر کرد آنها را باین که بایستند در حالتی که انقیاد و تسلیم نمایند فرمان او را.

و گردانید آفتاب آسمان را آشکار برای روز آن، و ماه آنرا علامتی محو شده از شب آن، و جاری فرمود مهر و ماه را در مواضع انتقال که جای جریان ایشانست، و مقدّر کرد سیر ایشان را در راههای درجه های ایشان تا تمیز دهد شب و روز را بآن مهر و ماه و تا دانسته شود شماره سالها و حسابها بمقدار حرکات این دو کوکب، پس از آن در آویخت در فضای آسمان فلک را که محل دوران کوکب است، و منوط ساخت بآن زینت آنرا از ستارگان پنهان که مثل درّند در صفا و از چراغهای ستارها و انداخت بسوی شیاطین که بدزدی و سرقت گوش دهندگانند تا این که أسرار ملائکه را مطّلع شوند بشهابهای درخشنده سوراخ کننده و جاری ساخت ستارگان را بر مجاری تسخیر و مقهوریت آنها از ثبات کواکب ثابته و سیر کردن ستارگان رونده، و از هبوط کردن ایشان بحضیض حامل، و صعود نمودن ایشان بأوج حامل و از سعادت آنها و نحوست آنها.