[hadith]ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتِی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابیهَا وَ لَا تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِیعَةً إِلَی بُلُوغِهَا حَتَّی أَنْشَأَ لَهَا نَاشئَةَ سَحَابٍ تُحْیِی مَوَاتَهَا وَ تَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ وَ تَبَایُنِ قَزَعِهِ حَتَّی إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِیهِ وَ الْتَمَعَ بَرْقُهُ فِی کُفَفِهِ وَ لَمْ یَنَمْ وَمِیضُهُ فِی کَنَهْوَرِ رَبَابهِ وَ مُتَرَاکِمِ سَحَابهِ أَرْسَلَهُ سَحّاً مُتَدَارِکاً قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ [یَمْرِی‏] تَمْرِیهِ الْجَنُوبُ درَرَ أَهَاضِیبهِ وَ دُفَعَ شَآبیبهِ. فَلَمَّا أَلْقَتِ السَّحَابُ بَرْکَ بوَانَیْهَا وَ بَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بهِ مِنَ الْعِبْ‏ءِ الْمَحْمُولِ عَلَیْهَا أَخْرَجَ بهِ مِنْ هَوَامِد الْأَرْضِ النَّبَاتَ وَ مِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشَابَ فَهِیَ تَبْهَجُ بزینَةِ رِیَاضِهَا وَ تَزْدَهِی بمَا أُلْبسَتْهُ مِنْ رَیْطِ أَزَاهِیرِهَا وَ حِلْیَةِ مَا سُمِطَتْ بهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا وَ جَعَلَ ذَلِکَ بَلَاغاً لِلْأَنَامِ وَ رِزْقاً لِلْأَنْعَامِ وَ خَرَقَ الْفِجَاجَ فِی آفَاقِهَا وَ أَقَامَ الْمَنَارَ لِلسَّالِکِینَ عَلَی جَوَادِّ طُرُقِهَا.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 4

ثمّ لم یدع جرز الأرض الّتی تقصر میاه العیون عن روابیها، و لا تجد جداول الأنهار ذریعة إلی بلوغها، حتّی أنشأ لها ناشئة سحاب تحیی مواتها، و تستخرج نباتها، ألّف غمامها بعد افتراق لمعه، و تباین قزعه، حتّی إذا تمخّضت لجّة المزن فیه، و التمع برقه فی کففه، و لم ینم و میضه فی کنهور ربابه، و متراکم سحابه، أرسله سحّا متدارکا قد أسف هیدبه، تمریه الجنوب درر أهاضیبه، و دفع شئابیبه، فلمّا ألقت السّحاب برک بوانیها، و بعاع ما استقلت به من العبء المحمول علیها، أخرج به من هو امد الأرض النّبات، و من زعر الجبال الأعشاب فهی تبهج بزینة ریاضها، و تزد هی بما ألبسته من ریط أزاهیرها، و حلیة ما سمّطت به من ناضر أنوارها، و جعل ذلک بلاغا للأنام، و رزقا للأنعام، و خرق الفجاج فی آفاقها، و أقام المنار للسّالکین فی جوادّ طرقها. (17291- 16982)

اللغة:

و (الجرز) بضمتین الأرض التی لانبات بها و لا ماء و قال تعالی: «أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَی الْأَرْضِ الْجُرُز» و (الرابیة) ما ارتفع من الأرض و کذلک الربوة بالضمّ و (الجدول) وزان جعفر النهر الصغیر و (ناشئة) السّحاب أوّل ما ینشأ منه أی یبتدء ظهوره، و یقال: نشأت


 (1) الطنفسة مثلثة الطاء و الفاء و بکسر الطاء و فتح الفاء و بالعکس واحدة الطنافس للبسط و الثیاب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 7

السّحاب اذا ارتفعت و (الغمام) جمع غمامة بالفتح فیهما و هی السحابة البیضاء و (اللّمع) علی وزن صرد جمع لمعة و هی فی الأصل قطعة من النبت اذا اخذت فی الیبس کأنها تلمع و تضی ء من بین سایر البقاع و (القزع) جمع قزعة بالتحریک فیهما و هی القطعة من الغیم و فی الحدیث کأنهم قزع الخریف و (تمخضت) أی تحرکت بقوّة من المخض و هو تحریک السقاء الذی فیه اللّبن لیخرج زبده و (المزن) بضم المیم جمع مزنة و هی السحابة و (کففه) حواشیه و جوانبه و طرف کل شی ء کفه بالضمّ و عن الاصمعی کلّ ما استطال کحاشیة الثوب و الرّمل فهو کفة بالضمّ و کلّ ما استدار ککفة المیزان فهو کفة بالکسر و یجوز فیه الفتح و (و میض) البرق لمعانه و (الکنهور) وزان سفرجل قطع من السحاب کالجبال أو المتراکم منه و (الرباب) السّحاب الأبیض جمع ربابة و فی شرح المعتزلی یقال: أنه السحاب الذی تراه کأنه دون السحاب و قد یکون أسود و قد یکون أبیض و (المتراکم) و المرتکم المجتمع و (السحّ) الصب و السّیلان من فوق و (تدارک) القوم اذا لحق آخرهم أولهم و (اسفّ) الطائر دنا من الأرض و (الهیدب) السحاب المتدلی أو ذیله من هدبت العین طال هدبها و تدلّی أشفارها و (تمریه) الجنوب من مری الناقة یمریها ای مسح ضرعها فامرت هی أی درّ لبنها و عدّی ههنا إلی مفعولین و فی بعض النسخ تمری بدون الضمیر هکذا قال فی البحار و الأنسب عندی أن یجعل تمری علی تقدیر وجود الضمیر کما فی اکثر النسخ بمعنی تستخرج یقال:

مری الشی ء اذا استخرجه و هو احد معانیه کما فی القاموس و (الدرر) کعنب جمع درّة بالکسر و هو الصبّ و الاندقاق و (الأهاضیب) جمع هضاب و هو جمع هضب و هو المطر و (دفع) جمع دفعة بضم الدال فیهما و هی المرة من المطر و (الشآبیب) جمع شؤبوب و هو ما ینزل من المطر دفعة بشدّة و قوّة و (البرک) الصدر و (البوانی) قوائم الناقة و فی شرح المعتزلی بوانیها بفتح النون تثنیة بوان علی فعال بکسر الفاء و هو عمود الخیمة و الجمع بون، قال فی البحار فی النسخ القدیمة المصححة علی صیغة الجمع و فی النهایة فسّر البوانی بأرکان البنیة و فی القاموس بقوائم الناقة قال:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 8

و البوانی أضلاع الزور «1» و قوائم الناقة «2» و القی بوانیه أقام و ثبت (و البعاع) کالسحاب ثقلة من المطر و (استقلت) أی نهضت و ارتفعت و استقلت به حملته و رفعته و (العب) بالکسر وزان حبر الحمل و الثقل و (الهوامد) من الأرض التی لانبات بها و (زعر) الجبال بالضمّ جمع أزعر کحمر و أحمر و هی القلیلة النبات و أصله من الزعر بالتحریک و هو قلة الشعر فی الرأس یقال رجل أزعر و (الأعشاب) جمع عشب کقفل و هو الرطب من الکلاء و (بهج) یبهج من باب منع سرّ و فرح و فی بعض النسخ بضمّ الهاء من باب شرف أی حسن و (تزدهی) افتعال من الزّهو و هو الکبر و الفخر و (البسته) فی بعض النسخ بالبناء علی الفاعل و فی بعضها بالبناء علی المفعول و (الریط) جمع ریطة بالفتح فیها و هی کلّ ملأة غیر ذات لفقین ای قطعتین کلها نسج واحد و قطعة واحدة، أو کلّ ثوب رقیق لیّن و (الأزاهیر) جمع أزهار جمع زهرة بالفتح و هی النبات أو نورها و قیل الأصفر منه و أصل الزهرة الحسن و البهجة و (الحلیة) ما یتزیّن به من مصوغ الذهب و الفضة و المعدنیات و (سمّطت) بالسین المهملة علی البناء للمفعول من باب التفعیل أی علّقت و فی بعض النسخ الصحیحة بالشین المعجمة من الشمط محرّکة و هو بیاض الرأس یخالط سواده فمن النبات ما یخالط سواده النور الأبیض و فی القاموس شمطه یشمطه خلطه و الاناء ملأه و النخلة انتشر بسرها و الشجر انتشر ورقه و الشمیط من النبات ما بعضه هائج و بعضه أخضر و (البلاغ) ما یبتلغ به و یتوسل إلی الشیء المطلوب و (الفج) الطریق الواسع بین الجبلین و الفجاج جمعه و (الجادّة) وسط الطریق و معظمه.

الاعراب:

و أرسله جواب إذا تمخضت، و سحّا حال من مفعول أرسل و المصدر بمعنی الفاعل و قوله: تمریه الجنوب در رءاها ضیبه، الضمیر فی تمریه مفعول بالواسطة و الجنوب فاعله و الدّرر مفعول به أی تمری الجنوب منه درر أهاضیبه، و الاضافة فی برک بوانیها لأدنی ملابسة.

المعنی:

(ثمّ لم یدع) سبحانه و تعالی (جرز الأرض التی) لا نبات بها و لا ماء من حیث إنها (تقصر میاه العیون عن) سقی (روابیها) و مرتفعاتها (و لا تجدجد اول الأنهار ذریعة)

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 14

و وسیلة (الی بلوغها) و الوصول إلیها مجاز فی الاسناد (حتی أنشألها ناشئة سحاب تحیی مواتها) من باب المجاز فی الاسناد (و) کذلک (تستخرج نباتها) لأنّ المحیی و المخرج هو اللّه سبحانه و السحاب سبب قال اللّه تعالی: «وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیَةً لِقَوْمٍ یَسْمَعُونَ» .

و قال: «وَ هُوَ الَّذی أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بهِ نَباتَ کُلِّ شَیْءٍ».

 (الف) تعالی (غمامها) الضمیر راجع إلی الأرض کسایر الضمائر و الاضافة لأدنی ملابسة و المراد أنه سبحانه رکب السحاب المعدّة لسقیها (بعد افتراق لمعه و تباین قزعه) أی بعد ما کانت أجزائها اللّامعة متفرّقة و قطعاتها متباینة متباعدة (حتی اذا تمخضت لجّة المزن فیه) الضمیر راجع الی المزن أی حتی اذا تحرّکت اللجّة أی معظم الماء المستودع فی الغیم و استعدّت للنّزول (و التمع برقه فی کففه) أی أضاء البرق فی جوانبه و حواشیه (و لم ینم و میضه) أی لم ینقطع لمعان البرق (فی کنهور ربابه) أی فی القطع العظیمة من سحابه البیض (و متراکم سحابه) أی المجتمع الذی رکب بعضه بعضا (أرسله) اللّه سبحانه (سحّامتدار کا) أی حالکونه یصبّ الماء صبّا متلاحقا (قد أسفّ هیدبه) و دنا من الأرض ما تدلّی منه حالکونه (تمریه الجنوب درر أهاضیبه) أی تستخرج منه الجنوب أمطاره المنصبّة، و الجنوب ریح مهبها من مطلع سهیل إلی مطلع الثریّا، و هی أدرّ للمطر و لذا خصّها بالذکر و قوله علیه السّلام (و دفع شآبیبه) أراد به الدّفعات من المطر المنزلة بشدّة و قوّة استعاره (فلما ألقت السحاب برک بوانیها) استعار علیه السّلام لفظ البرک و البوان للسحاب و اسند إلیه الالقاء تشبیها لها بالجمل الذی أثقله الحمل فرمی بصدره الأرض، أو بالخیمة التی جرّ عمودها علی اختلاف التفسرین المتقدّمین (و بعاع ما استقلّت به من العبء

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 15

المحمول علیها) أی ثقل ما ارتفعت به من الحمل المحمول علیها یعنی المطر (أخرج) سبحانه (به) أی بذلک العب ء (من هو امد الأرض) التی لا حیاة بها و لا عود (النبات) کما قال تعالی: «وَ تَرَی الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَیْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ ».

 (و من زعر الجبال) أی المواضع القلیلة النّبات منها (الأعشاب) و الرّطب من الکلا (فهی) أی الأرض (تبهج) و تفرح (بزینة ریاضها) و مستنقع میاهها (و تزدهی) و تفتخر (بما البسته من ریط أزاهیرها) أی بأشجار البست الأرض إیّاها لباس انوارها و علی ما فی بعض النسخ من کون البسته بصیغة المجهول فالمعنی أنّ الأرض تفتخر بما اکتسبت به من النبات و الأزهار و الأنوار فیکون لفظة من علی هذا بیانا لما کما أنها علی الأوّل صلة لألبسته، و الثانی أظهر (و) تتکبّر ب (حلیة ما سمّطت) و علّقت (به من ناضر أنوارها) أی أنوارها المتصفة بالنضرة و الحسن و الطراوة (و جعل) اللّه سبحانه (ذلک) أی ما انبت من الأرض (بلاغا للأنام) یبتلغون به و یتوسلون إلی مقاصدهم و مطالبهم (و رزقا للأنعام) تأکل منه و ترعی عند جوعها و حاجتها قال تعالی: «وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَکُمْ».

 (و خرق الفجاج فی آفاقها) أی خلق الطرق علی الهیئة المخصوصة بین الجبال فی نواحی الأرض و أطرافها قال سبحانه: «الَّذی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ جَعَلَ لَکُمْ فِیها سُبُلًا لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ»  و قال: «وَ اللَّهُ جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ بساطاً لِتَسْلُکُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً».

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 16

(و أقام المنار للسالکین فی جواد طرقها) و المراد بالمنار العلامات التی یهتدی بها السالکون من الجبال و التلال أو النجوم، و الأول أظهر بملاحظة المقام و اعلم أنّ هذا الفصل لمّا کان متضمّنا لبعض ما فی عالم العناصر من دلائل القدرة و بدائع الحکمة و عجائب الصنعة و ما أودع اللّه سبحانه فیه من المنافع العامة و الفوائد التّامة لا جرم أحببت تذییل المقام بهدایات فیها درایة علی مقتضی الترتیب الذّکری الّذی جری علیه هذا الفصل فأقول: و باللّه التکلان و هو المستعان.

الهدایة الاولی فی دلایل القدرة فی الأرض:

و المنافع المعدّة فیها للخلق و هی کثیرة لا تحصی لکنّا نقتصر علی البعض بما ورد فی الکتاب و أفاده أولو الألباب (فمنها) أنه سبحانه جعلها مدحوّة علی الماء و بارزة منه مع اقتضاء طبعها الغوص فیه و إحاطة البحار بها، و ذلک لحکمة الافتراش و أن یکون بساطا للنّاس کما قال تعالی: «الَّذی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بناءً» و قال: «الَّذی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ قَراراً» و قال: «اللَّهُ جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ بساطاً».

فلو کانت غائصة فی الماء لبطل تلک الحکمة فأخرج سبحانه بعض جوانبها من الماء کالجزیرة البارزة حتی صلحت لأن تکون فراشا و مهادا (و منها)- کونها ساکنة فی حیزها الطبیعی و هو وسط الأفلاک لأنّ الأثقال بالطبع تمیل إلی تحت کما أنّ الخفاف بالطبع تمیل إلی فوق، و الفوق من جمیع الجوانب مایلی السماء و التحت مایلی المرکز، فکما أنه یستبعد حرکة الارض فیما بیننا إلی جهة السماء فکذلک یستبعد هبوطها فی مقابلة ذلک لأنّ ذلک الهبوط صعود أیضا إلی السماء فاذن لاحاجة فی سکون الأرض و قرارها إلی علاقة من فوقها

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 17

و لا دعامة من تحتها، بل یکفی فی ذلک ما أعطاها فالقها، و رکز فیها من المیل الطبیعی إلی الوسط الحقیقی بقدرته «إِنَّ اللَّهَ یُمْسکُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَکَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدهِ ».

 (و منها)- توسّطها فی الصلابة و اللّین: «هُوَ الَّذی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِی مَناکِبها».

اذ لو کانت فی غایة الصلابة کالحجر لکان المشی و النوم علیها ممّا یولم البدن و لتعذرت الزراعة علیها و لا متنع إجراء الأنهار و حفر الآبار فیها و لم یمکن اتخاذ الأبنیة و الآنیة منها لتعذّر ترکیبها، و لو کانت فی غایة اللین بحیث تغوص فیه الرّجل کالماء لا متنع الاستقرار و الافتراش و النوم و المشی و استحال الزرع و الحرث (و منها) أنه جعل لونها الغبراء لتکون قابلة للانارة و الضیاء إذ ما کان فی غایة اللّطافة و الشفّافیة لا یستقرّ النور علیه، و ما کان کذلک فانه لا یتسخّن بالشمس فکان یبرد جدّا و لا یمکن جواره، هکذا قال الرازی و صدر المتألهین. و الأولی ما فی شرح البحرانی «قد» من أنها لو کانت مخلوقة فی غایة الشفافیة و اللطافة فامّا أن تکون مع ذلک جسما سیّالا کالهواء لم یتمکن من الاستقرار علیه، أو یکون جسما ثابتا صقیلا براقا احترق الحیوان و ما علیها بسبب انعکاس أشعة الشمس علیها کما یحرق القطن إذا قرب من المرایا المحاذیة للشّمس و البلور، لکنها خلقها غبراء لیستقرّ النّور علی وجهها فیحصل فیها نوع من السخونة، و خلقها کثیفة لئلّا تنعکس الأشعة منها علی ما فیها فتحرقه، فصارت معتدلة فی الحرّ و البرد تصلح أن تکون فراشا و مسکنا للحیوان (و منها) کونها یتولّد منها النبات و الحیوان و المعادن «وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْزُونٍ» .

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 18

(و منها) أن یتخمّر الرّطب بها فیحصل التماسک فی أبدان المرکبات (و منها) اختلاف بقاعها فمنها أرض رخوة و صلبة و رملة و سبخة و عذبة و حزنة و سهلة، و قال تعالی «وَ فِی الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ» .

 (و منها) اختلاف ألوانها فأحمر و أبیض و أسود و رمادی اللّون و أغبر، قال سبحانه  «وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بیضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابیبُ سُودٌ» (و منها) انصداعها بالنبات  «وَ الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ»  (و منها) کونها خازنة للماء المنزّل من السماء «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بقَدَرٍ فَأَسْکَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلی  ذَهابٍ بهِ لَقادرُونَ» .

 (و منها) إجراء العیون و الأنهار فیها «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَکَهُ یَنابیعَ فِی الْأَرْضِ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً».

 (و منها) أنّ لها طبع السماحة و الجود تدفع إلیها حبّة واحدة و هی تردّها علیک سبعمائة «کَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابلَ فِی کُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ».

 (و منها) موتها فی الشّتآء و حیاتها فی الرّبیع  «فَسُقْناهُ إِلی بَلَدٍ مَیِّتٍ فَأَحْیَیْنا بهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها کَذلِکَ النُّشُورُ».

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 19

(و منها) انبثات الدّواب المختلفة فیها «وَ بَثَّ فِیها مِنْ کُلِّ دَابَّةٍ* وَ اللَّهُ خَلَقَ کُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ یَمْشی عَلی بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشی عَلی رِجْلَیْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَمْشی عَلی  أَرْبَعٍ یَخْلُقُ اللَّهُ ما یشاء».

 (و منها) کونها مبدء الخلایق و منشأها «مِنْها خَلَقْناکُمْ وَ فِیها نُعِیدُکُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُکُمْ تارَةً أُخْری» .

و جعل ظهرها مقرّ الأحیا و بطنها موطن الأموات  «أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ کِفاتاً أَحْیاءً وَ أَمْواتاً».

 (و منها) ما فیها من النباتات المختلفة الألوان و الأنواع و المنافع  «وَ أَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْجٍ بَهِیجٍ» .

فبعضها للانسان و بعضها للحیوان  کُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَکُمْ .

و ما للانسان بعضها طعام و بعضها إدام و بعضها فواکه و بعضها دواء و بعضها لباس کالقطن و الکتان (و منها) ما فیها من الأحجار المختلفة، فبعضها للزینة کالدّرّ و الیاقوت و العقیق و نحوها، و بعضها للحاجة کما تستخرج منه النّار، فانظر الی قلّة الأوّل و کثرة الثانی، ثمّ انظر إلی قلّة المنفعة بذلک الخطیر و کثرة المنفعة بذلک الحقیر إلی غیر ذلک من آثار القدرة و دلائل الصنع و العظمة و العجائب و الغرائب التی یعجز عن إدراک معشارها عقول البشر، و یحتار فی البلوغ إلیها الأذهان و الفکر.

الثانیة فی انفجار الینابیع و العیون من الأرض:

المشار إلیه بقوله علیه السّلام: فجر ینابیع الأرض من عرانین انوفها، فأقول: ظاهر قوله سبحانه:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 20

«أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَکَهُ یَنابیعَ فِی الْأَرْضِ ثُمَّ یُخْرِجُ بهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ»  و قوله: «أَ فَرَأَیْتُمُ الْماءَ الَّذی تَشْرَبُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزلُونَ» .

هو کون ماء العیون و الأنهار هو الماء المنزل من السحاب، و به صرّح جمع من الأصحاب فی باب طهوریة الماء بقول مطلق بعد الاستدلال علیها بقوله سبحانه: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً».

و یدلّ علیه ما رواه علیّ بن إبراهیم فی تفسیره قال فی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السّلام فی قوله تعالی: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بقَدَرٍ فَأَسْکَنَّاهُ فِی الْأَرْضِ» .

فهی الأنهار و العیون و الآبار، و محصّل ذلک أنّ القادر المختار أنزل بقدرته الکاملة و حکمته البالغة من السّماء ماء فأسکنه فی الأرض و أخرج منه فی العیون و الآبار و القنی و الأنهار ما اقتضاه الحکمة و التدبیر فی بقاء نوع الانسان و الحیوان و إصلاح النّباتات و الزراعات و غیر ذلک من وجوه الحاجات، و إلیه ذهب أبو البرکات البغدادی حیث قال: إنّ هذه المیاه متولّدة من أجزاء مائیة متولّدة من أجزاء متفرّقة فی ثقب أعماق الأرض و منافذها إذا اجتمعت، و یدلّ علیه أنّ میاه العیون و الأنهار تزید بزیادة الثلوج و الأمطار و قالت الحکماء: إنّ البخار إذا احتبس فی داخل من الأرض لما فیها من ثقب و فرج یمیل إلی جهة فیبرد بها فینقلب میاها مختلطة بأجزاء بخاریة، فاذا کثر لوصول مدد متدافع إلیه بحیث لا تسعه الأرض أوجب انشقاق الأرض و انفجرت منه العیون.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 21

أمّا الجاریة علی الولاء فهی إما لدفع تالیها سابقها أولا نجذابه إلیه لضرورة عدم الخلاء بأن یکون البخار الذی انقلب ماء و فاض إلی وجه الأرض ینجذب إلی مکانه ما یقوم مقامه لئلّا یکون خلاء فینقلب هو أیضا ماء و یفیض، و هکذا استتبع کلّ جزء منه جزء آخر و أما العیون الرّاکدة فهی حادثة من أبخرة لم تبلغ من قوّتها و کثرة موادّها أن یحصل منها معاونة شدیدة أو یدفع اللّاحق السابق و أما میاه القنی و الآبار فهی متولّدة من أبخرة ناقصة القوّة عن أن یشقّ الأرض، فاذا ازیل ثقل الأرض عن وجهها صادفت منفذا تندفع إلیه بأدنی حرکة فان لم یجعل هناک مسیل فهو البئر، و إن جعل فهو القناة، و نسبة القنا إلی الآبار کنسبة العیون السیالة إلی الراکدة، و إنما کثر تفجّر العیون فی الجبال و الأماکن المرتفعة لشدّة احتقان الأبخرة تحتها بالنسبة إلی سایر الأماکن الهابطة الرّخوة، فانّ الأرض إذا کانت رخوة نفضت «نفذت خ ل» فلا یکاد یجتمع منه قدر ما یعتدّ به و قال الشیخ: هذه الأبخرة إذا انبعث عیونا أمدّت البحار بصبّ الأنهار إلیها ثمّ ارتفع من البحار و البطائح و الأنهار و بطون الجبال خاصة أبخرة اخری، ثمّ قطرت ثانیا إلیها فقامت بدل ما یتحلّل منها علی الدّور دائما.

الثالثة فی حکمة خلق الهواء:

 المشار إلیها بقوله: و أعدّا لهواء متنسما لساکنها، فأقول: فیه نفع عظیم للانسان و الحیوان، لأنّه من ضروریّات العیش لأنها مادّة النفس الذی لو انقطع ساعة عن الحیوان لمات، و قیل هنا: إنّ کلّ ما کانت الحاجة إلیه أشدّ کان وجدانه أسهل و لمّا کان احتیاج الانسان إلی الهواء أعظم الحاجات حتّی لو انقطع عنه لحظة لمات لا جرم کان وجدانه أسهل من وجدان کلّ شی ء، و بعد الهواء الماء، فانّ الحاجة إلیه أیضا شدیدة فلا جرم سهل أیضا وجدان الماء، و لکن وجدان الهواء أسهل لأنّ الماء لا بدّ فیه من تکلّف الاغتراف بخلاف الهواء

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 22

فانّ الآلات المهیّاة لجذبه حاضرة أبدا ثمّ بعد الماء الحاجة إلی الطعام شدیدة و لکن دون الحاجة إلی الماء فلا جرم کان تحصیل الطعام أصعب من تحصیل الماء و بعد الطعام الحاجة إلی تحصیل المعاجین و الادویة النّادرة قلیلة فلا جرم عزّت هذه الأشیاء، و بعد المعاجین الحاجة إلی أنواع الجواهر من الیاقوت و الزبرجد نادرة جدّا فلا جرم کانت فی نهایة العزّة، فثبت أنّ کلّ ما کان الاحتیاج إلیه أشدّ کان وجدانه أسهل و کلّ ما کان الحاجة إلیه أقلّ کان وجدانه أصعب، و ما ذاک إلّا رحمة منه سبحانه علی العباد قال الشاعر:

سبحان من خصّ القلیل بعزّة         و النّاس مستغنون عن أجناسه        

و أذّل أنفاس الهواء و کلّ ذی          نفس لمحتاج الی انفاسه   

الرابعة فی دلایل القدرة و براهین الجلال و الجبروت:

فی خلق السّحاب و المطر و البرد و الثلج و الرّعد و البرق و الصواعق قال تعالی: «هُوَ الَّذی یُرِیکُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ یُنْشئُ السَّحابَ الثِّقالَ وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بحَمْدهِ وَ الْمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ وَ یُرْسلُ الصَّواعِقَ فَیُصِیبُ بها مَنْ یَشاءُ وَ هُمْ یُجادلُونَ فِی اللَّهِ وَ هُوَ شَدیدُ الْمِحالِ» .

قال الرازیّ: فی کونها خوفا و طمعا وجوه الاول عند لمعان البرق یخاف وقوع الصّواعق و یطمع فی نزول الغیث الثانی أنه یخاف من المطر من له فیه ضرر کالمسافر و کمن فی خزینته التمر و الزبیب و یطمع فیه من له نفع الثالث أنّ کلّ شی ء یحصل فی الدنیا فهو خیر بالنسبة إلی قوم و شرّ بالنسبة إلی آخر فکذلک المطر خیر فی حقّ من یحتاج فی أوانه و شرّ فی حقّ من یضرّه ذلک إما بحسب المکان أو بحسب الزّمان ثمّ اعلم أنّ حدوث البرق دلیل عجیب علی قدرة اللّه سبحانه و بیانه أنّ السحاب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 23

لا شک أنه جسم مرکب من أجزاء مائیة و أجزاء هوائیة «ناریة ظ» و لا شکّ أنّ الغالب علیه الاجزاء المائیة و الماء جسم بارد رطب و النّار جسم حارّ یابس، فظهور الضّد من الضدّ التام علی خلاف العقل فلا بدّ من صانع مختار یظهر الضدّ من الضدّ فان قیل: لم لا یجوز أن یقال: إنّ الرّیح احتقن فی داخل جرم السحاب و استولی البرد علی ظاهره فانجمد السطح الظاهر منه، ثمّ إنّ ذلک الرّیح یمزقه تمزیقا عنیفا فیتولّد من ذلک التمزیق الشّدید حرکة عنیفة و الحرکة العنیفة موجبة للسخونة و هی البرق فالجواب أنّ کلّ ما ذکرتموه خلاف المعقول من وجوه:

الأوّل أنه لو کان الأمر کذلک لوجب أن یقال أینما حصل البرق فلا بدّ و أن یحصل الرعد و هو الصوت الحاصل من تمزّق السحاب و معلوم أنه لیس الأمر کذلک فانه کثیرا ما یحدث البرق القوی من غیر حدوث الرعد الثّانی أنّ السخونة الحاصلة بسبب قوّة الحرکة مقابلة بالطبیعة المائیة الموجبة للبرد، و عند حصول هذا المعارض القوی کیف تحدث النّاریة بل نقول:

النیران العظیمة ینتفی لصبّ الماء علیها و السّحاب کلّه ماء فکیف یمکن أن یحدث فیه شعلة ضعیفة ناریة الثالث من مذهبکم أنّ النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت الناریة بسبب قوّة المحاکة الحاصلة فی أجزاء السحاب، لکن من أین حدث ذلک اللّون الأحمر، فثبت أنّ السبب الذی ذکروه ضعیف و أنّ حدوث النّار الحاصلة فی جرم السحاب مع کونه ماء خالصا لا یمکن إلّا بقدرة القادر الحکیم و قال فی قوله: و ینشی ء السحاب الثقال: السحاب اسم الجنس و الواحدة سحابة، و الثقال جمع ثقیلة أی الثقال بالماء و اعلم أنّ هذا أیضا من دلائل القدرة و العظمة، و ذلک لأنّ هذه الأجزاء المائیة إمّا یقال إنّها حدثت فی جوّ الهواء أو یقال إنها تصاعدت من وجه الأرض فان کان الأول وجب أن یکون حدوثها باحداث محدث حکیم قادر و هو المطلوب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 24

و إن کان الثانی و هو أن یقال إنّ تلک الأجزاء تصاعدت من الأرض فلمّا وصلت إلی الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت و رجعت إلی الأرض فنقول: هذا باطل، و ذلک لأنّ الأمطار مختلفة، فتارة تکون القطرات کبیرة، و تارة صغیرة، و تارة تکون متقاربة، و اخری تکون متباعدة، و تارة تدوم مدّة نزول المطر زمانا طویلا، و تارة قلیلا، فاختلاف الأمطار فی هذه الصفات مع أنّ طبیعة الأرض واحدة و طبیعة الأشعّة المسخنة للبخارات واحدة لا بدّ و أن یکون بتخصیص الفاعل المختار و أیضا فالتجربة دلّت علی أنّ للدّعاء و التضرّع فی نزول الغیث أثرا عظیما و لذلک شرعت صلاة الاستسقاء فعلمنا أنّ المؤثّر فیه قدرة الفاعل لا الطبیعة الخاصة و فی الصافی فی قوله: وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بحَمْدهِ ، روی عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم أنه سئل عن الرعد فقال: ملک موکّل بالسحاب معه مخاریق من النّار یسوق بها السحاب و فی الفقیه روی أنّ الرّعد صوت ملک أکبر من الذباب و أصغر من الزنبور و فیه عن الصادق علیه السّلام أنّه بمنزلة الرجل یکون فی الابل فیزجرها های های کهیئة ذلک و قوله «وَ الْمَلائِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ» من خوفه و اجلاله «وَ یُرْسلُ الصَّواعِقَ فَیُصِیبُ بها مَنْ یَشاءُ» من عباده فیهلکه  «وَ یُسَبِّحُ الرَّعْدُ بحَمْدهِ ».

حیث یکذبون رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فیما یصفه تعالی من التفرّد بالالوهیّة «وَ هُوَ شَدیدُ الْمِحالِ» .

أی المماحلة و المکایدة لأعدائه و قیل: من المحل أی شدید القوّة و قال علیّ بن إبراهیم القمّی أی شدید الغضب هذا و قال الرّازی فی تفسیر قوله سبحانه: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یُزْجِی سَحاباً ثُمَّ یُؤَلِّفُ بَیْنَهُ ثُمَّ یَجْعَلُهُ رُکاماً فَتَرَی الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ»:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 25

 (قال أهل الطبایع:) إنّ تکوّن السحاب و المطر و الثلج و البرد و الطلّ و الصقیع فی أکثر الأمر یکون من تکاثف البخار، و فی الأقلّ من تکاثف الهواء، أمّا الأول فالبخار الصّاعد أن کان قلیلا و کان فی الهواء، من الحرارة ما یحلّل ذلک البخار فحینئذ ینحلّ و ینقلب هواء، و أمّا إن کان البخار کثیرا و لم یکن فی الهواء من الحرارة ما یحلّله فتلک الأبخرة المتصاعدة إمّا أن یبلغ فی صعودها إلی الطبقة الباردة من الهواء أولا تبلغ، فان بلغت فامّا أن یکون البرد قویّا أو لا یکون، فان لم یکن البرد هناک قویا تکاثف ذلک البخار بذلک القدر من البرد و اجتمع و تقاطر فالبخار المجتمع هو السحاب، و المتقاطر هو المطر و الدیمة، و الوابل إنما یکون من أمثال هذه الغیوم و أمّا إن کان البرد شدیدا فلا یخلو إمّا أن یصل البرد إلی الأجزاء البخاریة قبل اجتماعها و انحلالها حبّات کبارا، أو بعد صیرورتها کذلک، فان کان علی الوجه الأوّل نزل ثلجا، و إن کان علی الوجه الثانی نزل بردا و أمّا إذا لم تبلغ الأبخرة إلی الطبقة فهی إمّا أن تکون قلیلة أو تکون کثیرة، فان کانت کثیرة فهی تنعقد سحابا ماطرا و قد لا تنعقد، أمّا الأوّل فذاک لأحد أسباب خمسة أولها إذا منع هبوب الرّیاح عن تصاعد تلک الأبخرة و ثانیها أن تکون الرّیاح ضاغطة لها إلی اجتماع بسبب وقوف جبال قدام الرّیح و ثالثها أن تکون هناک ریاح متقابلة متضادّة فتمتنع صعود الأبخرة حینئذ و رابعها أن یعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله و بطوء حرکته ثمّ تلتصق به سائر الأجزاء الکثیرة المدد و خامسها لشدّة برد الهواء القریب من الأرض فقد یشاهد البخار یصعد فی بعض الجبال صعودا یسیرا حتی کأنّه مکبة موضوعة علی و هدة و یکون الناظر إلیها فوق تلک الغمامة و الذین یکونون تحت الغمامة یمطرون و الذین یکونون فوقها یکونون فی الشمس أمّا إذا کانت الأبخرة القلیلة الارتفاع قلیلة لطیفة فاذا ضربها برد اللیل

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 26

کثفها و عقدها ماء یکون محسوسا و نزل نزولا متفرّقا لا یحسّ به إلّا عند اجتماع شی ء یعتدّ به، فان لم یجمد کان طلّا، و إن جمد کان صقیعا و نسبة الصقیع إلی الطلّ نسبة الثلج إلی المطر و امّا أن تکون السحاب من انقباض الهواء و ذلک عند ما یبرد الهواء و ینقبض و حینئذ تحصل منه الأقسام المذکورة (و الجواب) انّا لما دللنا علی حدوث الأجسام و توسّلنا بذلک إلی کونه قادرا مختارا یمکنه ایجاد الاجسام لم یمکنا القطع بما ذکرتموه، لاحتمال أنّه سبحانه خلق أجزاء السحاب دفعة لا بالطریق الذی ذکرتموه، و أیضا فهب أنّ الأمر کما ذکرتم و لکن الأجسام بالاتفاق ممکنة فی ذواتها فلا بدّ لها من مؤثر، ثمّ إنّها متماثلة فاختصاص کلّ واحد منها بصفة معینّة من الصعود و الهبوط و اللّطافة و الکثافة و الحرارة و البرودة لا بدّ له من مخصّص، فاذا کان هو سبحانه خالقا لتلک الطبایع و تلک الطبایع مؤثّرة فی هذه الأحوال و خالق السّبب و خالق المسبّب فکان سبحانه: هو الذی یزجی سحابا، لأنّه هو الذی خلق تلک الطبایع المحرکة لتلک الأبخرة من باطن الأرض إلی جوّ الهواء، ثمّ إنّ تلک الأبخرة إذا ترادفت فی صعودها و التصق بعضها بالبعض فهو سبحانه هو الذی: جعلها رکاما، فثبت علی جمیع التقریرات أنّ وجه الاستدلال بهذه الأشیاء علی القدرة و الحکمة ظاهر بیّن انتهی و تحقیق المقام هو ما ذکره بما لا مزید علیه و أقول: دلائل القدرة فی خلق السحاب مضافا إلی ما ذکره هو أنّ الماء بطبعه ثقیل یقتضی النزول فبقاؤه فی الجوّ خلاف الطبع، و لذلک إذا انفصل منه قطرة نزلت دفعة فلا بدّ من قادر قاهر یمسکه فی الجوّ علی ثقله بقهره و قدرته و أیضا، لو دام السحاب لعظم ضرره حیث یسترضوء الشمس و تکثر الأمطار و تبتلّ المرکبات فتفسد، و لو انقطع لعظم ضرره لافضائه الی القحط فیهلک المواشی و الانسان، فکان تقدیره بالمقدار المعلوم مقتضی الحکمة و المصلحة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 27

و أیضا تری السّحاب یرشی الماء علی الأرض و یرسله قطرات متفاضلة لا یدرک قطرة منها قطرة و لا یعلم عددها إلّا الذی أوجدها، ثمّ إنّ کلّ قطرة منها عیّنت لجزء من الأرض و لحیوان معیّن فیها من طیرو وحش و دود مکتوب علیها بخطّ غیبیّ غیر محسوس أنه رزق الحیوان الفلانی فی الموضع الفلانی فی الوقت الفلانی هذا، مع ما فی انعقاد البرد الصّلب من الماء اللّطیف و فی تناثر الثلوج کالقطن المندوف من العجائب التی لا تحصی، کلّ ذلک عنایة من اللّه سبحانه و رحمة منه علی العباد، و فیها هدایة لمن استهدی و درایة لمن ابتغی الرشاد.

الخامسة فی دلایل القدرة و العظمة فی إنبات النبات و الأشجار:

قال سبحانه: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ زَوْجٍ کَرِیمٍ»  و قال  «وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَکاً فَأَنْبَتْنا بهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِید، وَ النَّخْلَ باسقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِیدٌ، رِزْقاً لِلْعِباد وَ أَحْیَیْنا بهِ بَلْدَةً مَیْتاً کَذلِکَ الْخُرُوجُ» .

و دلایل القدرة فی ذلک من وجوه:

الأوّل أنّ الماء ثقیل بطبعه کما قلنا سابقا إنّه إذا انفصل قطرة منه من المزن تنزل إلی الأرض و لا تبقی فی الجوّ بمقتضی طبعه فانظر الی قدرته تعالی کیف رقا الماء المصبوب فی أسفل الأشجار مع هذا الطبع و الثقل إلی أعالی أغصانها، فهوی الی سفل ثمّ ارتفع إلی فوق فی داخل تجاویف الأشجار شیئا فشیئا بحیث ینتشر فی جمیع الأوراق فغذاء کلّ جزء من کلّ ورقة تجری إلیه فی تجاویف العروق، ففی کلّ ورقة عرق ممتد طولا و ینشعب منه عروق صغار کثیرة عرضا و طولا، فکان الکبیر نهل و ما انشعب عنها جداول، ثمّ ینشعب من الجداول سواقی أصغر منها ثمّ ینتشر منها

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 28

خیوط عنکبوت دقیقة خارجة عن ادراک البصر حتی تنبسط فی جمیع عرض الورق فیصل الماء فی أجوافها إلی سایر أجزاء الورق لتسقیها و تغذیها بمنزلة العروق المبثوثة فی بدن الانسان و الحیوان لتوصل الغذاء إلی کلّ جزء منه و کذلک إلی سایر أجزاء الفواکه، فانّ الماء المتحرّک بطبعه إلی سفل کیف انجذب الی فوق من غیر حامل أو قاسر، فعلم أنّ له جاذبا آخر و مجرّکا خارجا عن الحسّ لیسخّره و یدبّره و ینتهی بالأخرة إلی مدبّر السماوات و الأرض جلّت عظمته و تعالی شأنه.

الثانی أنّ أصناف النبات و الأشجار لما کانت محتاجة إلی الغذاء الدائم فی بقاء نضرته و طراوته کحاجة الحیوان إلی الغذاء و لم یکن لها أفواه کأفواه الحیوان جعل لها أصول مرکوزة فی الأرض لتنزع منها الغذا فتؤدّیه الیها فصارت الأرض کالأمّ المرّبیة و صارت اصولها کالأفواه الملتقمة للأرض، و أیضا لو لا تلک الأصول لما انتصب تلک الأشجار الطّوال العظام و لم یکن لها ثبات و دوام فی الریح العاصف، فهی لها بمنزلة عمد الفساطیط و الخیم تمدّ بالأطناب من کلّ جانب لتثبت منتصبة فلا تسقط و لا تمیل، ثمّ انظر إلی هذه العروق الصغار المنشعبة من الأصول المرکوزة و أنها علی دقّتها و ضعفها کیف تجری فی أعماق الأرض و تسیر فیها علی صلبها عرضا و طولا الثالث إخراج أنواع مختلفه من النّبات و أصناف متشتّة من الأشجار من حبّ و عنب و قضب و زیتون و نخل و رمّان و فواکه کثیرة مختلفة الأشکال و الألوان و الطعوم و الروایح یفضل بعضها علی بعض فی الاکل مع أنّها جمیعا یسقی بماء واحد و یخرج من أرض واحدة فان قلت: سبب اختلافها بذورها و حبوبها قلنا: هل یکفی ذلک فی ترتّب هذه الآثار؟ فانّ الحبوب علی اختلافها متشابهة فی الصورة و الجوهر فکیف یصیر بهذا الاختلاف موجبة لهذه الأنواع المتباعدة المتباینة فی الصور الجوهریة و الکیفیّات و الخاصیّة، فهل کان فی النواة نخلة مطوّقة بعنا قید الرطب؟

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 7، ص: 29

سلّمنا أنّ اختلافها من المرجّحات لکن نسوق الکلام إلی موجد هذه الاختلافات و فاعلها، فانظر إلی اختلاف طبایع النبات و خواصها و منافعها فهذا یغذی و هذا یقوی، و هذا یقتل و هذا یحیی و هذا داء و هذا دواء و هذا یسخّن و هذا یبرّد، و هذا یسهل الصّفرا و هذا یولد السّوداء، و هذا یقمع البلغم و هذا یولده، و هذا یستحیل دما و هذا یطفیه، و هذا یسکر و هذا ینوم، و هذا یفرّح و هذا یضعف، إلی غیر هذا ممّا لو أردنا استقصاء العجایب المودعة فیها انقضت الأیام و مع ذلک فالحکم الباطنة و المصالح الکامنة فیها أکثر جدّا مما وصلت الیه عقولنا القاصرة، فهذه هی دلائل القدرة و علامات العظمة و آثار الصنع و الحکمة فی الأشیاء المذکورة نبّهنا علیها علی وجه الاختصار إذ الاستقصاء فیها خارج عن الطّوع و الاختیار، فسبحان من أقام الحجّة علی مخلوقاته بما أراهم من بدایع آیاته و جعلها تذکرة لاولی الألباب، و هو أعلم بالصواب

الترجمة:

پس از آن ترک نکرد زمین بی گیاه را که قاصر باشد آبهای چشمه ها از سیراب نمودن بلندیهای آن زمین، و نمی یابد رودخانه ها وسیله رسیدن بدان زمین، تا این که ایجاد فرمود أز برای آن أبری ظاهر شده که زنده میکند مردهای آنرا و بیرون می آورد گیاه آنرا، جمع و ترکیب فرمود ابرهای سفید آنرا بعد از تفرّق قطعهای درخشان آن ابر و مباینت پارهای آن تا این که چون متحرّک شد معظم ابرهای سفید در آن ابر، و درخشان گشت برق آن در جوانب و اطراف آن، و خواب نکرد یعنی ساکن نشد لمعان آن در میان پارهای ابر سفید آن، و میان متراکم ابر کشیده آن فرستاد حق تعالی آن ابر را در حالتی که ریزاننده آبست و دریابنده بعضی بعضی را بتحقیق که نزدیک شد بزمین ابریکه بواسطه ثقل مایل است بزمین که بیرون می آورد باد جنوب از ابر بارانهای بهم ریخته او را، و دفعه دفعه های بارانهای با شدّت او را پس چون افکند ابر سینه که قریب باضلاع او است چون شتر گران بار که سینه خود بر زمین نهد، و انداخت گرانی چیزی را که بلند شده بود با او از باد گرانی که بار شده بود بر آن، بیرون آورد بآن آب از موضع بی گیاه زمین گیاه روئیده را و از کوههای کم گیاه گیاههای تر و تازه را.

پس آن زمین بهجت می نماید بزینت مرغزارهای خود، و تفاخر میکند به آن چه که پوشانیده شده باو از چادرهای شکوفهای نور دهنده خوش شکل خوش بوی خود، و تکبر می نماید بزیور آنچه که معلّق شده بآن از شکوفهای با نضرت و طراوت آن، و گردانیده است حق سبحانه و تعالی آنرا که بیرون آورده از زمین مایه وصول عالمیان بمقصود خودشان، و روزی از برای چهارپایان، و شکافت حضرت باری راههای گشاده را در اطراف زمین، و بر پا نمود نشانه ها از برای سالکین بر میانهای راههای زمین.