[hadith]فَمَا خُلِقْتُ لِیَشْغَلَنِی أَکْلُ الطَّیِّبَاتِ کَالْبَهِیمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا

،

أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَکْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا یُرَادُ بهَا، أَوْ أُتْرَکَ سُدًی أَوْ أُهْمَلَ عَابثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسفَ طَرِیقَ الْمَتَاهَةِ. وَ کَأَنِّی بقَائِلِکُمْ یَقُولُ إِذَا کَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبی طَالِبٍ، فَقَدْ قَعَدَ بهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ! أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّیَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابتَاتِ الْعِذْیَةَ أَقْوَی وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً. وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ کَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُد؛ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَی قِتَالِی لَمَا وَلَّیْتُ عَنْهَا، وَ لَوْ أَمْکَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابهَا لَسَارَعْتُ إِلَیْهَا وَ سَأَجْهَدُ فِی أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْکُوس وَ الْجِسْمِ الْمَرْکُوس، حَتَّی تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَیْنِ حَبِّ الْحَصِید.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 119

فما خلقت لیشغلنی أکل الطّیّبات کالبهیمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها تکترش من أعلافها، و تلهو عمّا یراد بها، أو أترک سدی، أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طریق المتاهة. (64917- 64789)

اللغة:

(التقمّم): أکل الشاة ما بین یدیها بمقمتّها أی بشفتها (تکترش من أعلافها): أی تملأ کرشها من العلف، و الکرش للشاة بمنزلة المعدة للإنسان، و یقال (أجررته) رسنه: أی أهملته، (الاعتساف): السلوک فی غیر طریق (المتاهة): أرض یتاه فیها لعدم وجود الطریق.

الاعراب:

همّها علفها، جملة حالیة عن البهیمة، شغلها تقمّمها مبتدأ و خبر و الجملة حال عن المرسلة، أو اترک سدی عطف علی قوله یشغلنی و کذلک قوله اهمل و اجرّ و اعتسف.


منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 120

بقیة من المختار الرابع و الاربعین من کتبه علیه السّلام:

و کأنّی بقائلکم یقول: إذا کان هذا قوت ابن أبی طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، و منازلة الشّجعان؟! ألا و إنّ الشّجرة البرّیّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النّابتات العذیة [و النّباتات البدویّة] أقوی وقودا و أبطأ خمودا! و أنا من رسول اللّه کالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد، و اللّه لو تظاهرت العرب علی قتالی لما ولّیت عنها، و لو أمکنت الفرص من رقابها لسارعت إلیها، و سأجهد فی أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعکوس، و الجسم المرکوس حتّی تخرج المدرة من بین حبّ الحصید. (65008- 64918)

اللغة:

(الأقران): جمع قرن و هو الکفو فی المبارزة و القتال، (الشجرة البرّیّة): الّتی تنبت فی البرّ الّذی لا ماء فیه، (الروائع): جمع رائعة و هی الشجرة النابتة علی الماء، (النابتات العذیة) بسکون الذال: الزرع لا یسقیه إلّا ماء المطر، (الصنو): إذا خرجت نخلتان أو أکثر من أصل واحد فکلّ واحدة منها هی صنو أو صنو، (رکس) رکسا الشیء: قلب أوّله علی آخره.

المعنی:

کان المخالفون لعلیّ علیه السّلام یعترضون علیه حتّی فی زهده و ریاضته و یذمّون قلّة أکله باعتبار أنّه مخلّ بما یجب علیه من وظیفة الجهاد و الدفاع عن العدوّ، لأنّه موجب لضعفه و قلّة مقاومته تجاه العدوّ الشجاع اللدود، و کأنّه ارتفع صدی هذا الاعتراض من الکوفة إلی البصرة فتذکّر علیه السّلام فی هذا الکتاب وجه الدفاع عنه بقوله: (ألا و إنّ الشجرة البرّیة أصلب عودا و الروائع الخضرة أرقّ جلودا).

و یمکن أن یکون هذا الکلام جوابا عن اعتراض ربما یرد علی تحریص

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 121

أصحابه بالزهد و قلّة الأکل و المواظبة علی جشوبة العیش، فدفعه علیه السّلام بأنّ القوّة و الشجاعة ذاتیّة للمؤمن و لا تتوقّف علی تقویة الجسم بالأغذیة اللذیذة.

ثمّ أیّد سیرته هذه بمتابعته للنبیّ صلّی اللّه علیه و آله فقال: (أنا من رسول اللّه) کغصنان من أصل واحد فأصلهما عبد المطلب علیه السّلام تفرّع منه عبد اللّه أبو النبیّ و أبو طالب أبو علیّ علیه السّلام أو أنّهما مشتقّان من أصل نوریّ واحد فی تسلسل الوجود و انبعاثه عن المصدر الأزلی کما فی غیر واحد من الأخبار، و عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله قال: أنا و علیّ من شجرة واحدة و سائر النّاس من شجر شتّی. و هذه الروایة تؤیّد النسخة الّتی روت قوله  (کالصّنو من الصّنو) بالصّاد المهملة بعدها نون معجمة.

و نسخة شرح ابن أبی الحدید «289 ج 16 ط مصر»: «کالضوء من الضوء» بالضّاد المعجمة، و بهذا الاملاء فسّره فی شرحه فقال: (ص 290) و ذلک لأنّ الضّوء الأوّل یکون علّة فی الضّوء الثانی، ألا تری أنّ الهواء المقابل للشّمس یصیر مضیئا من الشّمس، فهذا الضوء هو الضوء الأوّل.

ثمّ إنّه یقابل وجه الأرض فیضیء وجه الأرض منه، فالضوء الّذی علی وجه الأرض هو الضوء الثانی، و ما دام الضّوء الأوّل ضعیفا فالضّوء الثانی ضعیف، فإذا ازداد الجوّ إضاءة ازداد وجه الأرض إضاءة لأن المعلول یتبع العلّة، فشبّه علیه السّلام نفسه بالضوء الثانی، و شبّه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله بالضوء الأوّل، و شبّه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه و جلّت أسماؤه بالشّمس الّتی توجب الضوء الأوّل، ثمّ الضوء الأوّل یوجب الضّوء الثانی، و ها هنا نکتة و هی أن الضوء الثانی یکون أیضا علّة لضوء ثالث، و ذلک أنّ الضوء الحاصل علی وجه الأرض- و هو الضوء الثانی- إذا أشرق علی جدار مقابل ذلک الجدار قریبا منه مکان مظلم، فانّ ذلک المکان یصیر مضیئا بعد أن کان مظلما.

أقول: قد اعتبر الشارح المذکور لفظة من فی کلامه نشویّة فیصیر المعنی و أنا من رسول اللّه کالضوء الناشی من الضّوء، و استفاد منه تسلسل أنواع العلوم و الافاضات إلی سائر النّاس بوساطته جیلا بعد جیل إلی أن یضعف و یضمحلّ و یعود

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 20، ص: 122

الإسلام غریبا، و یمکن استفادة تسلسل الإمامة منه نسلا بعد نسل کما هو معتقد الامامیّة و لا یلزم أن یکون الضوء الثانی أضعف من الضوء الأوّل إذا تساوت القابلیّات و الانعکاسات المثالیة کما لا یخفی.

ثمّ التفت علیه السّلام إلی شجاعته فی ذات اللّه و أنّه لا یخاف تظاهر العرب تجاهه و بیّن أنّهم ارتدّوا عن الإسلام و صاروا کالمشرکین یجب قتالهم و تطهیر الأرض من وجودهم و أنّ من یجاهد الکفّار یجب علیه أن یغلظ علیهم و یستأصل شافتهم، و أشار إلی معاویة رأس النفاق و الشقاق و وصفه بأنّه شخص معکوس انقلب علی وجهه و ارتدّ عن حقیقة إنسانیته، و سقط فی مهوی شهواته حتّی أثر باطنه فی ظاهره فصار جسمه مرکوسا إلی ظلمات الطبیعة و درکات الهوی و البهیمیّة، فوجوده بین المسلمین کالمدرة بین حبّ الحصید یوجب الفساد و یضلّ العباد قالوا: و إلی ذلک وقعت الاشارة بقوله تعالی: «أ فمن یمشی مکبّا علی وجهه أهدی أم من یمشی سویّا علی صراط مستقیم: 22- الملک».