[hadith]ثُمَّ أُدْرِجَ فِی أَکْفَانِهِ مُبْلِساً وَ جُذبَ مُنْقَاداً سَلِساً، ثُمَّ أُلْقِیَ عَلَی الْأَعْوَاد رَجِیعَ وَصَبٍ وَ نِضْوَ سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَ حَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَی دَارِ غُرْبَتِهِ وَ مُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ وَ مُفْرَد وَحْشَتِهِ، حَتَّی إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَیِّعُ وَ رَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِی حُفْرَتِهِ نَجِیّاً لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ وَ عَثْرَةِ الِامْتِحَانِ؛ وَ أَعْظَمُ مَا هُنَالِکَ بَلِیَّةً نُزُولُ الْحَمِیمِ وَ تَصْلِیَةُ الْجَحِیمِ وَ فَوْرَاتُ السَّعِیرِ وَ سَوْرَاتُ الزَّفِیرِ، لَا فَتْرَةٌ مُرِیحَةٌ وَ لَا دَعَةٌ مُزیحَةٌ وَ لَا قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ وَ لَا مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ وَ لَا سنَةٌ مُسَلِّیَةٌ بَیْنَ أَطْوَارِ الْمَوْتَاتِ وَ عَذَاب السَّاعَاتِ إِنَّا باللَّهِ عَائِذُونَ.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 28

ثمّ أدرج فی أکفانه مبلسا، و جذب منقادا سلسا، ثمّ ألقی علی الأعواد رجیع و صب، و نضو سقم، تحمله حفدة الولدان، و حشدة الإخوان، إلی دار غربته، و منقطع زورته، حتّی إذا انصرف المشیِّع، و رجع المتفجّع، أقعد فی حفرته نجیّا لبهتة السّؤال، و عثرة الامتحان، و أعظم ما هنا لک بلیَّة نزل الحمیم، و تصلیة الجحیم، و فورات السّعیر، و سورات الزّفیر، لا فترة مریحة، و لا دعة مزیحة، و لا قوّة حاجزة، و لا موتة ناجزة، و لا سنة مسلیة، بین أطوار الموتات، و عذاب السّاعات، إنّا باللّه عائذون. (13733- 13501)

اللغة:

و (ابلس) یئس و تحیّر و منه سمّی إبلیس و ناقة (رجع) سفر و رجیع سفر قد رجع فیه مرارا و (الوصب) محرّکة المرض و الوجع.

و (النضو) بالکسر المهزول من الابل و غیره و (السّقم) کالجبل المرض و (الحشدة) جمع حاشد من حشدت القوم من باب قتل و ضرب و حشد القوم یعدی و لا یعدی إذا دعوا فأجابوا مسرعین أو اجتمعوا الأمر واحد و حفّوا فی التعاون و (البهت) بالفتح الأخذ بغتة و التحیّر و الانقطاع و (النزل) بضمتین طعام النزیل الذی یهیی ء له قال سبحانه: هذا نزلهم یوم الدّین.

و (الحمیم) الماء الحارّ و (تصلیة) النار تسخینها و (السورة) الحدّة و الشدّة و (زفر) النّار تسمع لتوقّدها صوت و (الدّعة) السعة فی العیش و السکون و (الازاحة) الازالة.

المعنی:

(ثمّ ادرج فی أکفافه مبلسا) أی آیسا أو حزینا (و جذب) من وطنه إلی الخارج (منقادا سلسا) ای سهلا لیّنا (ثمّ القی علی الأعواد) أی الأسرّة حالکونه (رجیع و صب و نضوسقم) یعنی أنّه من جهة ابتلائه بتارات الأمراض و تردّده فی أطوار الأتعاب و الأوصاب صار کالإبل الرّجیع الذی یردّد فی الأسفار مرّة بعد اخری و لأجل نحول جسمه من الأسقام کان الجمل النّضو الذی یهزل من کثرة الأحمال و الأثقال (تحمله حفدة الولدان و حشدة الاخوان) یعنی أنّه بعد الفراغ من تغسیله و تکفینه و حمله علی سریره أقبلوا علی جهازه و شمّروا لابرازه و حمله أعوانه و ولدانه و أحبّاؤه و إخوانه.

فظلّ أحبّ القوم کان لقربه          یحثّ علی تجهیزه و یبادر       

و شمّر من قد أحضروه لغسله          و وجّه لما فاظ «1» للقبر حافر       

و کفّن فی ثوبین فاجتمعت له          مشیّعة إخوانه و العشایر   


 (1) فاظ الرجل ای مات، م.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 35

ثمّ اخرج من بین صحبته  «1» (إلی دار غربته و) من محلّ عزته إلی (منقطع زورته) و من سعة قصره إلی ضیق قبره فحثّوا بأیدیهم التراب و أکثروا التلدّد و الانتحاب، و وقفوا ساعة علیه و قد یئسوا من النّظر إلیه، ثمّ رجعوا عنه معولین، و ولّوا مدبرین (حتّی إذا انصرف المشیّع و رجع المتفجّع) انتبه من نومته و أفاق من غشیته و (اقعد فی حفرته نجیّا لبهتة السّؤال) و دهشته (و عثرة الامتحان) و زلّته.

و لعلّ المراد به أنّه یقعد فی قبره مناجیا للمنکر و ا لنکیر أی مخاطبا و مجاوبا لهما سرّا لعدم قدرته علی الاعلان من أجل الدّهشة و الحیرة العارضة له من سؤالهما و العثرة التی ظهرت منه بسبب اختیارهما، أو المراد أنّه یناجی ربّه فی تلک الحال من هول الامتحان و السؤال و یقول ربّ ارجعون لعلّی أعمل صالحا (و أعظم ما هنا لک بلیّة) و ابتلاء (نزل الحمیم و تصلیة الجحیم) کما قال تعالی: «وَ إِنَّ لِلطَّاغِینَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ یَصْلَوْنَها فَبئْسَ الْمِهادُ هذا فَلْیَذُوقُوهُ حَمِیمٌ وَ غَسَّاقٌ» و فی سورة النَّبَأ «لا یَذُوقُونَ فِیها بَرْداً وَ لا شَراباً إِلَّا حَمِیماً وَ غَسَّاقاً» قال بعض المفسّرین: إنّ الغسّاق عین فی جهنّم یسیل إلیها سمّ کلّ ذات حمة من حیّة و عقرب، و قیل هو ما یسیل من دموعهم یسقونه من الحمیم، و قیل هو القیح الذی یسیل منهم یجمع و یسقونه، و قیل إنّ الحمیم الماء الحارّ الذی انتهت حرارته و الغسّاق الماء البارد الذی انتهت برودته فهذا یحرق ببرده و ذاک یحرق بحرّه.

و قال الطّریحی: الحمیم الماء الحارّ الشّدید الحرارة یسقی منه أهل النار أو یصبّ علی أبدانهم، و عن ابن عبّاس لو سقطت منه نقطة علی جبال الدّنیا


 (1) جمع صاحب و الملازم للانسان و المصاحب من أولاده و أقربائه و غیرهم.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 36

لأذابتها، و کیف کان فقوله علیه السّلام مأخوذ من الآیة الشّریفة فی سورة الواقعة قال سبحانه: «وَ أَمَّا إِنْ کانَ مِنَ الْمُکَذِّبینَ الضَّالِّینَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِیمٍ وَ تَصْلِیَةُ جَحِیمٍ» و أمّا قوله (و فورات السّعیر) فأراد به شدّة غلیان نار الجحیم و لهبها، و کذلک أراد بقوله (و سورات الزّفیر) شدّة صوت توقد النّار (لا فترة مریحة) لهم من العذاب (و لا دعة مزیحة) عنهم العقاب کما قال سبحانه: «إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذاب جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ» (و لا قوّة حاجزة) تمنعه عن النّکال (و لا موتة ناجزة) أی عاجلة تریحة من ألم الوبال إذ الموت ربّما یکون نعمة و یعده الانسان راحة کما قال مجنون العامری و نعم ما قال: فلا ملک الموت المریح یریحنی (و لا سنة مسلیة) لهمّه و نومة منسیة لغمّه و فی الحدیث إنّ اللّه ألقی علی عباده السّلوة بعد المصیبة لو لا ذلک لانقطع النّسل مجاز (بین أطوار الموتات و عذاب السّاعات) أراد بالموتات الآلام الشّدیدة و المشاق العظیمة مجازا فلا ینافی قوله علیه الصّلاة و السّلام: و لا موتة ناجزة، فانّ المراد به الحقیقة (إنا باللّه عائذون) أی ملتجئون من شرّ المآل و سوء الحال،. و قد راعی فی أکثر فقرات هذا الفصل السّجع المتوازی.

و ینبغی تذییل المقام بامور مهمة:

الاول فی تحقیق بدو خلق الانسان فاقول:

قال سبحانه فی سورة المؤمنین: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِی قَرارٍ مَکِینٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ»

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 37

و هذه الآیة الشّریفة أجمع الآیات لأدوار الخلقة و أشملها لمراتب الفطرة، و هذه المراتب علی ما اشیرت إلیها فیها سبع.

المرتبة الأولی ما أشار إلیه بقوله: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ» أی من خلاصة من طین و هو مبدء نشو الآدمی لتولد النّطفة منها، و ذلک لأنّ النّطفة إنّما تتولّد من فضل الهضم الرّابع، و هو إنّما یتولّد من الأغذیة، و هی إمّا حیوانیة و إمّا نباتیة، و الحیوانیة تنتهی إلی النباتیة و النّبات إنّما یتولّد من صفو الأرض و الماء، فالانسان بالحقیقة یکون متولّدا من سلالة من طین.

المرتبة الثّانیة أنّ السّلالة بعد ما تواردت علیها أدوار الفطرة تکون نطفة فی أصلاب الآباء فتقذف بالجماع إلی أرحام النّساء التی هی قرار مکین لها و إلیه أشار سبحانه بقوله: «خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ یَخْرُجُ مِنْ بَیْنِ الصُّلْب وَ التَّرائِب» المرتبة الثّالثة أنّ النّطفة بعد ما استقرّت فی الرّحم أربعین یوما تصیر علقة و هی الدّم الجامد.

المرتبة الرّابعة أنّ العلقة بعد ما مکثت فی الرّحم أربعین یوما أیضا تصیر مضغة أی قطعة لحم حمراء کأنّها مقدار ما یمضغ.

المرتبة الخامسة أنّ المضغة تمکث فیه أربعین ثالثة و یجعلها اللّه صلبا فتکون عظاما.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 38

المرتبة السّادسة ما أشار إلیه بقوله: فکسونا العظام لحما أی ممّا بقی من المضغة أو ممّا أنبته علیها ممّا یصل إلیها و إنّما جعل اللحم کسوة لستره العظم کما یستر اللّباس البدن.

المرتبة السّابعة ما أشار إلیه بقوله: ثمّ أنشأناه خلقا آخر أی خلقا متباینا للخلق الأوّل باضافة الرّوح إلیه مباینا ما أبعدها، و ذلک بعد تمام ثلاثة أربعین أی کمال أربعة أشهر فکان حیوانا بعد ما کان جمادا، و حیّا بعد ما کان میتا، و ناطقا و کان أبکم، و سمیعا و کان أصم، و بصیرا و کان أعمی، و أودع باطنه و ظاهره بل کلّ عضو من أعضائه عجایب صنعته و بدایع حکمته التی لا یحیط بها وصف الواصفین و لا شرح الشّارحین، فتبارک اللّه أحسن الخالقین هذا.

و روی الصّدوق (ره) فی الفقیه عن محمّد بن علیّ الکوفیّ، عن إسماعیل بن مهران، عن مرازم، عن جابر بن یزید، عن جابر بن عبد اللّه الأنصاری قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم: إذا وقع الولد فی جوف أمّه صار وجهه قبل ظهر أمّه إن کان ذکرا و إن کان انثی صار وجهها قبل بطن أمّها و یداه علی و جنتیه و ذقنه علی رکبتیه کهیئة الحزین المهموم، فهو کالمصرور منوط بعماء من سرّته إلی سرّة امّه، فبتلک السرّة یغتذی من طعام امّه و شرابها إلی الوقت المقدّر لولادته، فیبعث اللّه عزّ و جلّ ملکا إلیه فیکتب علی جبهته: شقیّ أو سعید، مؤمن أو کافر غنیّ أو فقیر، و یکتب أجله و رزقه و سقمه و صحّته.

فاذا انقطع الرّزق المقدّر له من سرّة امّه زجره الملک زجرة فانقلب فزعا من الزّجرة و صار رأسه قبل الفرج، فاذا وقع إلی الأرض وقع إلی هول عظیم و عذاب ألیم إن أصابته ریح أو مشقّة أو مسّته ید وجد لذلک من الألم ما یجد المسلوخ عنه جلده.

یجوع فلا یقدر علی الاستطعام، و یعطش فلا یقدر علی الاستسقاء، و یتوجّع فلا یقدر علی الاستغاثة، فیوکّل اللّه تبارک و تعالی برحمته و الشّفقة علیه و المحبّة له أمّه فتقیه الحرّ و البرد بنفسها، و تکاد تفدیه بروحها، و تصیر من التّعطف علیه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 39

بحال لا تبالی أن تجوع إذا شبع و تعطش إذا روی، و تعری إذا کسی.

و جعل اللّه تعالی ذکره رزقه فی ثدی أمّه فی إحداهما شرابه و فی الاخری طعامه، حتّی إذا رضع أتاه اللّه عزّ و جلّ فی کلّ یوم بما قدر له فیه من رزق، فاذا أدرک فهمّه الأهل و المال و الشّره و الحرص، ثمّ هو مع ذلک معرض الآفات و العاهات و البلیّات من کلّ وجه، و الملائکة ترشده و تهدیه، و الشّیاطین تضلّه و تغویه، فهو هالک إلّا أن ینجیه اللّه عزّ و جلّ، و قد ذکر اللّه تعالی ذکره نسبة الانسان فی محکم کتابه فقال عزّ و جلّ: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِی قَرارٍ مَکِینٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ ثُمَّ إِنَّکُمْ بَعْدَ ذلِکَ لَمَیِّتُونَ ثُمَّ إِنَّکُمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ تُبْعَثُونَ» قال جابر بن عبد اللّه الأنصاری: فقلت: یا رسول اللّه هذه حالنا فکیف حالک و حال الأوصیاء بعدک فی الولادة؟ فسکت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم ملیّا ثمّ قال: یا جابر لقد سألت عن أمر جسیم لا یحتمله إلّا ذو حظ عظیم، إنّ الأنبیاء و الأوصیاء مخلوقون من نور عظمة اللّه عزّ و جلّ ثناؤه یودع اللّه أنوارهم أصلابا طیّبة و أرحاما طاهرة یحفظها بملائکته و یربّیها بحکمته و یغذوها بعلمه، فأمرهم یجلّ عن أن یوصف، و أحوالهم تدّق عن أن تعلم، لأنّهم نجوم اللّه فی أرضه، و أعلامه فی بریّته، و خلفاؤه علی عباده، و أنواره فی بلاده، و حججه علی خلقه، یا جابر هذا من مکنون العلم و مخزونه فاکتمه إلّا من أهله.

و فی توحید المفضّل عن الصّادق علیه السّلام قال. و سنبتدئ یا مفضّل بذکر خلق الانسان فاعتبر به، فأوّل ذلک ما یدبّر به الجنین فی الرّحم و هو محجوب فی ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، و ظلمة الرّحم، و ظلمة المشیمة، حیث لا حیلة عنده

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 40

فی طلب غذاء و لا دفع أذی و لا استجلاب منفعة و لا دفع مضرّة، فإنّه یجری إلیه من دم الحیض ما یغذوه کما یغذ و الماء النّبات فلا یزال ذلک غذاه.

حتّی إذا کمل خلقه و استحکم بدنه و قوی ادیمه علی مباشرة الهواء و بصره علی ملاقات الضّیاء هاج الطّلق بأمّه فازعجه أشدّ إزعاج و أعنفه حتّی یولد، فاذا ولد صرف ذلک الدّم الّذی کان یغذوه من دم امّه إلی ثدییها، فانقلب الطّعم و اللّون إلی ضرب آخر من الغذاء، و هو أشدّ موافقة للمولود من الدّم فیوافیه فی وقت حاجته إلیه فحین یولد قد تلمط و حرّک شفتیه طلبا للرّضاع فهو یحدی ثدی أمّه کالاداوتین المعلّقتین لحاجته، فلا یزال یغتذی باللّبن ما دام رطب البدن رقیق الأمعاء لیّن الأعضاء.

حتّی إذا تحرّک و احتاج إلی غذاء فیه صلابة لیشتدّ و یستوی بدنه و طلعت له الطّواحین «من الاسنان خ» و الأضراس لیمضغ به الطعام فیلین علیه و یسهل له إساغته فلا یزال کذلک حتّی یدرک، فاذا أدرک و کان ذکرا طلع الشّعر فی وجهه فکان ذلک علامة الذّکر و عزّ الرّجل الذی یخرج به عن حدّ الصّبا و شبه النّساء و إن کانت انثی یبقی وجهها نقیّا من الشّعر لتبقی لها البهجة و النّضارة التی تحرّک الرّجال لما فیه دوام النّسل و بقاؤه، الحدیث.

الثانی فی تحقیق السؤال فی القبر و ذکر شبهة المنکرین له و دفعها:

اعلم أنّ کلام الامام علیه السّلام فی هذا الفصل صریح فی ثبوت السؤال فی القبر و هو حقّ یجب الایمان و الاذعان به، و علیه قد انعقد إجماع المسلمین بل هو من ضروریات الدّین، و منکره کافر خالد فی الجحیم لا یفترّ عنه العذاب الألیم، و لم یخالف فیه إلّا بعض من انتسب إلی الاسلام کضرار بن عمر و طایفة من المعتزلة و جمع من الملاحدة مموّهین علی العوام الّذین یصغون إلی کلّ ناعق بأنّ المیّت بعد وضعه فی قبره إن حشی فمه بالجصّ و نحوه و دفن ثمّ یؤتی إلیه فی الیوم الآخر

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 41

و ینبش قبره فانّک تراه علی حاله لم یتغیّر فلو کان فی القبر سؤال و حساب لتغیّرت حالته و لا نفتح فمه و سقط الجصّ، و أیضا فانا لا نسمع عذابه فی القبر مع شدّته و صعوبته.

و فساد ذلک الکلام غنیّ عن البیان، لأنّ هذه العین و الأذن لا تصلحان لمشاهدة الأمور الملکوتیّة و سماعها، و کلّ ما یتعلّق بالآخرة فهو من عالم الملکوت.

ألا تری أنّ الصّحابة کانوا یجلسون عند النّبی صلّی اللّه علیه و آله و سلم حین نزول جبرئیل علیه و هو یراه و یتکلّم معه فی حضورهم و النّاس لا یرونه و لا یسمعون کلامه؟

و کذلک ملکا القبر لا یمکن للنّاس أن یدرکوا سؤالهما و جواب المیّت لهما بهذه الحواسّ، و کذلک الحیّات و العقارب فی القبر لیس من جنس الحیّات و العقارب فی هذا العالم حتّی تدرک بالحسّ.

و یوضح ذلک أنّ النّائم بحضور الجالسین قد یشاهد فی نومه الحیّات و العقارب و سایر المولمات و الموذیات تؤلمه و تؤذیه و تلدغه فیتألم و یتأذی بحیث یرشح جبینه و یعرق و یبکی فی نومه من شدّة الألم و الأذی و مع ذلک کلّه فلا یری الحاضرون ممّا یری و یسمع شیئا.

و بالجملة فلا یعتدّ بهذه التّرّهات و التمویهات، و المنکر قد وجد جزاء إنکاره و هو الآن فی قبره مقرّ بما أنکر مذعن بما کفر مدرک لما أنکره بالسّمع و البصر، و الحمد للّه الذی منّ علینا بالایمان بالغیب، و خلّص قلوبنا من الشّک و الرّیب.

قال الصّادق علیه السّلام فی روایة الصّدوق: لیس من شیعتنا من أنکر ثلاثة: المعراج، و سؤال القبر، و الشفاعة.

و فی کتاب السّماء و العالم للمحدّث المجلسی عن الکافی عن بعض أصحابه عن علیّ بن العبّاس عن الحسن بن عبد الرّحمن عن أبی الحسن الأوّل قال: إنّ الأحلام لم تکن فیما مضی فی أوّل الخلق و إنّما حدثت، فقلت: و ما العلّة فی ذلک؟

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 42

فقال علیه السّلام: إنّ اللّه عزّ ذکره بعث رسولا إلی أهل زمانه فدعاهم إلی عبادة اللّه و طاعته سبحانه فقالوا: إن فعلنا ذلک فمالنا فو اللّه ما أنت باکثرنا مالا و لا بأعزّنا عشیرة قال لهم: إنّکم إن أطعتمونی أدخلکم اللّه الجنّة، و إن عصیتمونی أدخلکم اللّه النّار، فقالوا: و ما الجنّة و ما النّار؟ فوصف لهم ذلک، فقالوا: متی نصیر إلی ذلک؟ فقال: إذا متم، فقالوا: لقد رأینا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا فازدادوا له تکذیبا و به استخفافا، فأحدث اللّه عزّ و جلّ فیهم الأحلام فأتوا فأخبروه بما رأوا و ما أنکروا من ذلک، فقال لهم: إنّ اللّه سبحانه أراد أن یحتجّ علیکم بهذا، هکذا تکون أرواحکم إذا متّم و إن بلیت أبدانکم تصیرا لأرواح إلی عقاب حتّی تبعث الأبدان، هذا.

و بقی الکلام فی عموم سؤال القبر قال العلّامة المجلسی (ره) المشهور بین متکلّمی الامامیّة عدم عمومه و اختصاصه بمحض المؤمن و محض الکافر و أنّه لیس علی المستضعفین و لا علی الصّبیان و المجانین سؤال، و حکی عن الشّهید (ره) انّه قال: إنّ السؤال حقّ اجماعا إلّا فی من یلقّن حجّته.

أقول: و یدلّ علی ذلک و علی اختصاصه بالمؤمن و الکافر المحض الأخبار المتظافرة فی الکافی و غیره و سیجی ء بعضها فی ضمن الأخبار الآتیة.

الثالث فی حالات المیت حین اشرف علی الموت و حین ازهاق روحه و عند الغسل و التکفین و حمله علی سریره و اذا وضع فی قبره و کیفیة السؤال فی القبر و ضغطة القبر و بعض عقوباته فی البرزخ و مثوباته:

و نحن نشرح کلّ ذلک بما وصل إلینا فی ذلک الباب من الأخبار المرویّة عن أئمّتنا الأطیاب الأطهار سلام اللّه علیهم ما تعاقب اللّیل و النّهار، فأقول:

أما حالة الاحتضار و أعنی بها حالة إشراف المیّت علی الموت فهی حالة یلهو المرء فیها بکلیّته

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 43

عن الدّنیا و یکون توجّهه إلی الآخرة، و یحضر حینئذ عنده رسول اللّه و الأئمة سلام اللّه علیهم و الملائکة الموکّلون بقبض روحه کما یحضر عنده أهله و عیاله و أحبّاؤه و أقرباؤه فتارة یکون مخاطبته مع الأوّلین و أخری مع الآخرین.

روی علیّ بن إبراهیم القمّی فی تفسیر قوله: «یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا بالْقَوْلِ الثَّابتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ» باسناده عن سوید بن الغفلة عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال: إنّ ابن آدم إذا کان فی آخر یوم من الدّنیا و أوّل یوم من الآخرة مثّل له أهله و ماله و ولده و عمله، فینظر إلی ماله فیقول: و اللّه إنّی کنت علیک لحریصا شحیحا فما ذا عندک؟ فیقول: خذ منّی کفنک، ثم یلتفت إلی ولده فیقول: و اللّه إنّی کنت لکم لمحبّا و إنی کنت علیکم لمحامیا فما ذا عندکم؟ فیقولون: نؤدّیک إلی حفرتک و نواریک فیها، ثمّ یلتفت إلی عمله فیقول: و اللّه إنّی کنت من الزّاهدین فیک و إنّک کنت علیّ ثقیلا فما ذا عندک؟ فیقول: أنا قرینک فی قبرک و یوم حشرک حتّی اعرض أنا و أنت علی ربّک.

فان کان للّه ولیّا أتاه أطیب النّاس ریحا و أحسنهم منظرا و أزینهم ریاشا فیقول: ابشر بروح من اللّه و ریحان و جنّة النّعیم قد قدمت خیر مقدم فیقول: من أنت؟

قال: أنا عملک الصّالح ارتحل من الدّنیا إلی الجنّة و أنّه لیعرف غاسله و یناشد حامله أن یعجّله.

فاذا ادخل قبره أتاه ملکان و هما فتّان القبر یجرّان أشعارهما و یبحثان الأرض بأنیابهما و أصواتهما کالرّعد القاصف و أبصارهما کالبرق الخاطف فیقولان له:

من ربّک، و من نبیّک و ما دینک؟ فیقول: اللّه ربّی و محمّد نبیّی و الاسلام دینی فیقولان له: ثبّتک اللّه بما تحبّ و ترضی و هو قول اللّه: «یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا بالْقَوْلِ الثَّابتِ» الآیة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 44

فیفسحان له فی قبره مدّ بصره و یفتحان له بابا إلی الجنّة و یقولان له:

نم قریر العین نوم الشّابّ النّاعم، و هو قوله: «أَصْحابُ الْجَنَّةِ یَوْمَئِذٍ خَیْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِیلًا» و إذا کان لربّه عدوّا فانّه یأتیه أقبح من خلق اللّه ریاشا و أنتنه ریحا فیقول:

من أنت؟ فیقول: عملک فیقول: ابشر بنزل من حمیم و تصلیة جحیم، و انّه لیعرف غاسله و یناشد حامله أن یحبسه.

فاذا ادخل قبره أتیاه ممتحنا القبر فألقیا أکفانه ثمّ قالا له: من ربّک، و من نبیّک، و ما دینک؟ فیقول: لا أدری، فیقولان: لا دریت و لا هدیت، فیضربانه بمرزبة ضربة ما خلق اللّه دابّة إلّا و تذعر لها ما خلا الثّقلین، ثمّ یفتحان له بابا إلی النّار، ثمّ یقولان له: نم بشرّ حال.

فهو من الضیق مثل ما فیه القنا «1» من الزّج حتّی أنّ دماغه یخرج من ما بین ظفره و لحمه، و یسلّط اللّه علیه حیّات الأرض و عقاربها و هوامّها فتنهشه حتّی یبعث اللّه من قبره. و أنّه لیتمنّی قیام السّاعة ممّا هو فیه من الشّر.

و رواه فی الکافی عن علیّ بن إبراهیم مسندا عن سوید بن غفلة عنه علیه السّلام مثله.

و فی الکافی عن أبی الیقظان عمّار الأسدی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم: لو أنّ مؤمنا أقسم علی ربّه أن لا یمیته ما أماته أبدا، و لکن إذا کان ذلک أو إذا حضر أجله بعثه اللّه عزّ و جلّ إلیه ریحین: ریحا یقال لها المنسیة و ریحا یقال المسخیة، فأمّا المنسیة فانّها تنسیه أهله و ماله، و أمّا المسخیة فانّها تسخی نفسه عن الدّنیا حتّی یختار ما عند اللّه.

و عن أبی خدیجة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما من أحد یحضره الموت إلّا وکّل به إبلیس من شیاطینه من یأمره بالکفر و یشکّکه فی دینه حتّی یخرج نفسه، فمن کان مؤمنا لم یقدر علیه فاذا حضرتم موتاکم فلقّنوهم شهادة أن لا إله


 (1) القنا جمع قناة و هو الرمح و الزج بالضمّ حدیدة فی أسفل الرمح منه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 45

إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه حتّی یموت.

و فی روایة أخری قال صلّی اللّه علیه و آله: فلقّنه کلمات الفرج و الشّهادتین و یسمّی له الاقرار بالأئمة علیهم السّلام واحدا بعد واحد حتّی یتقطع عنه الکلام.

و عن سدیر قال: قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام: جعلت فداک یابن رسول اللّه هل یکره المؤمن علی قبض روحه؟ قال علیه السّلام: لا و اللّه إنّه إذا أتاه ملک الموت لقبض روحه جزع عند ذلک فیقول له ملک الموت: یا ولیّ اللّه لا تجزع فو الّذی بعث محمّدا صلّی اللّه علیه و آله لأنا أبرّ بک و أشفق علیک من والد رحیم لو حضرک، افتح عینیک فانظر قال: و یمثّل له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و أمیر المؤمنین و فاطمة و الحسن و الحسین و الأئمة من ذریّتهم علیهم السّلام فیقال له: هذا رسول اللَّه و أمیر المؤمنین و فاطمة و الحسن و الحسین و الأئمة علیهم السّلام رفقاؤک، قال: فیفتح عینیه فینادی روحه مناد من قبل ربّ العزّة فیقول: «یا أَیَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ» إِلی محمّد و أهل بیته  «ارْجِعِی إِلی رَبِّکِ راضِیَةً» بالولایة «مَرْضِیَّةً» بالثّواب  «فَادْخُلِی فِی عِبادی» یعنی محمّداً و أهل بیته  «وَ ادْخُلِی جَنَّتِی» فما شی ء أحبّ إلیه من استلال روحه.

و عن علیّ بن عقبة عن أبیه قال: قال لی أبو عبد اللّه علیه السّلام: یا عقبة لا یقبل اللّه من العباد یوم القیامة إلّا هذا الأمر الذی أنتم علیه، و ما بین أحدکم و بین أن یری ما یقرّبه عینه إلّا أن تبلغ نفسه إلی هذه، ثمّ أهوی بیده إلی الورید، ثمّ اتّکی.

و کان معی المعلّی فغمزنی أن أسأله فقلت: یابن رسول اللّه فاذا بلغت نفسه هذه أیّ شی ء یری؟ فقلت له بضعة عشر مرّة: أیّ شی ء یری، فقال فی کلّها: یری، لا یزید علیها، ثمّ جلس فی آخرها فقال: یا عقبة، فقلت: لبیّک و سعدیک، فقال:

أبیت إلّا أن تعلم؟ فقلت: نعم یابن رسول اللّه إنّما دینی مع دینک فاذا ذهب دینی

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 46

کان ذلک کیف لی بک یا بن رسول اللّه کلّ ساعة و بکیت، فرقّ لی فقال: یراهما و اللّه، فقلت: بأبی و أمّی من هما؟ قال: ذلک رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلمّ و علی علیه السّلام یا عقبة لن تموت نفس مؤمنة أبدا حتّی تراهما قلت: فاذا نظر إلیهما المؤمن أ یرجع إلی الدّنیا؟ فقال: لا، یمضی أمامه اذا نظر الیهما مضی أمامه فقلت له: یقولان شیئا؟ قال: نعم یدخلان جمیعا علی المؤمن، فیجلس رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم عند رأسه و علیّ علیه السّلام عند رجلیه فیکبّ علیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فیقول: یا ولیّ اللّه ابشر أنا رسول اللّه إنّی «أناخ» خیر لک ممّا ترکت من الدّنیا.

ثمّ ینهض رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فیقوم علیّ علیه السّلام حتّی یکبّ علیه فیقول: یا ولیّ اللّه ابشر أنا علیّ بن أبی طالب الذی کنت تحبّ أنا لأنفعنک، ثمّ قال علیه السّلام: إنّ هذا فی کتاب اللّه عزّ و جل، فقلت: أین جعلنی اللّه فداک هذا من کتاب اللّه؟ قال: فی یونس قول اللّه عزّ و جلّ ههنا: «الَّذینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْری فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ لا تَبْدیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ» و عن أبی بصیر قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام إذا حیل بینه و بین الکلام أتاه رسول اللّه و من شاء اللّه فجلس رسول اللّه عن یمینه و الآخر عن یساره فیقول له رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:

أمّا ما کنت ترجو فهو ذا أمامک، و أمّا ما کنت تخاف منه فقد أمنت منه.

ثمّ یفتح له باب إلی الجنّة فیقول هذا منزلک من الجنّة فان شئت رددناک إلی الدّنیا و لک فیها ذهب و فضّة، فیقول: لا حاجة لی فی الدّنیا فعند ذلک یبیض لونه و یرشح جبینه و تقلص شفتاه و تنتشر منخراه و تدمع عینه الیسری فأیّ هذه العلامات رأیت فاکتف بها، فاذا خرجت النفس من الجسد فیعرض علیها کما عرض علیه و هی فی الجسد فتختار الآخرة الحدیث.

أقول: و الأخبار فی رؤیة النّبیّ و الأئمّة صلوات اللّه علیه و علیهم کثیرة کادت

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 47

تبلغ حدّ التواتر، و یأتی بعضها بعد ذلک، و بتلک الأخبار یطیب نفوسنا و یسکن قلوبنا إلی الموت، و بها أیضا یعلم أنّ کراهة المؤمن للموت علی ما فی الحدیث القدسی من قول اللّه سبحانه: ما تردّدت فی شی ء أنا فاعله کتردّدی فی قبض روح عبدی المؤمن یکره الموت و أکره مسائته إنّما هی قبل الاستبشار برؤیتهم علیهم السّلام، و أمّا بعد معاینتهم فلیس شی ء أحبّ إلیه من الموت کما عرفت فی الرّوایات.

و یدلّ علیه صریحا ما فی الکافی عن عبد الصّمد بن بشیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قلت: أصلحک اللَّه من أحبّ لقاء اللّه أحبّ اللّه لقاءه؟ و من أبغض لقاء اللّه أبغض اللّه لقاءه! قال علیه السّلام: نعم، قلت: فو اللّه إنّا لنکره الموت، فقال علیه السّلام: لیس ذلک حیث تذهب إنّما ذلک عند المعاینة إذا رأی ما یحبّ فلیس شی ء أحبّ إلیه من أن یتقدّم و اللّه تعالی یحبّ لقاءه و هو یحبّ لقاء اللّه حینئذ و إذا رأی ما یکره فلیس شی ء أبغض إلیه من لقاء اللّه و اللّه یبغض لقاءه.

و فیه عن یحیی بن سابور قال: سمعت أبا عبد اللَّه علیه السّلام یقول: فی المیّت تدمع عیناه عند الموت فقال علیه السّلام: ذلک عند معاینة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فیری ما یسرّه، ثمّ قال علیه السّلام: أما تری الرّجل یری ما یسرّه و ما یحبّ فتدمع عینه لذلک و یضحک.

و أما صفة ملک الموت و کیفیة قبض الروح:

فروی السیّد السّند السیّد نعمة اللّه الجزائری أنّ الخلیل علیه السّلام قال لملک الموت یوما: یا ملک الموت احبّ أن أراک علی الصّورة التّی تقبض فیها روح المؤمن، فقال:

یا إبراهیم اعرض عنّی بوجهک حتّی أتصوّر علی تلک الصّورة، فلمّا رآه إبراهیم علیه السّلام رأی صورة شابّ حسن الوجه أبیض اللون تعلوه الأنوار فی أحسن ما یتخیّل من الهیئة فقال: یا إبراهیم فی هذه الصّورة اقبض روح المؤمن فقال علیه السّلام: یا ملک الموت لو لم یلق المؤمن إلّا لقائک لکفاه راحة.

ثمّ قال علیه السّلام: ارید أن أراک علی الصّفة التی تقبض فیها روح الکافر، فقال:

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 48

یا إبراهیم لا تقدر، فقال: أحبّ ذلک، فقال: أعرض بوجهک فأعرض بوجهه ثمّ قال: انظر فنظر إلیه فاذا هو أسود کاللّیل المظلم و قامته کالنّخل الطّویل و النار و الدّخان یخرجان من منخریه و فمه إلی عنان السّماء.

فلمّا نظر إلیه غشی علی إبراهیم علیه السّلام فرجع ملک الموت إلی حالته فلمّا أفاق الخلیل علیه السّلام قال: یا ملک الموت لو لم یکن للکافر هول من الموت إلّا رؤیتک لکفاه عن سایر الأهوال.

فاذا أتی إلی المؤمن سلّ روحه سلّا رقیقا لطیفا حتّی أنّه یحصل له الرّاحة من ذلک السّلّ لما یشاهده من مکانه فی الجنّة و إن کان کافرا أتی إلیه بحدیدة محمیّة بنار جهنّم فأدخلها فی حلقومه و جذب روحه بها یخیل إلیه أنّ أطباق السّماوات و الأرض قد وقعت علیه و طبقته حتّی یخرج زبدة علی فمه کالبعیر.

أقول: و یدلّ علیه ما فی الکافی عن ابن الفضیل عن أبی حمزة قال: سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول: إنّ آیة المؤمن إذا حضره الموت بیاض وجهه أشدّ من بیاض لونه و یرشح جبینه و یسیل من عینیه کهیئة الدّموع فیکون ذلک خروج نفسه، و إنّ الکافر یخرج نفسه سلّا من شدقه  «1» کزبد البعیر أو کما یخرج نفس البعیر.

و فیه باسناده عن عمّار بن مروان قال: حدّثنی من سمع أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول: منکم و اللّه یقبل، و لکم و اللّه یغفر إنّه لیس بین أحدکم و بین أن یغتبط و یری السّرور و قرّة العین إلّا أن تبلغ نفسه ههنا و أومی بیده إلی حلقه.

ثمّ قال علیه السّلام: إنّه إذا کان ذلک و احتضر حضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و علیّ علیه السّلام و جبرئیل و ملک الموت فیدنو منه علیّ علیه السّلام فیقول: یا رسول اللّه إنّ هذا کان یحبّنا أهل البیت فأحبّه، و یقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم: یا جبرئیل إنّ هذا یحبّ اللّه و رسوله و أهل بیت رسوله فأحبّه، و یقول جبرئیل علیه السّلام: یا ملک الموت إنَّ هذا


 (1) جانب الفم، منه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 49

یحبّ اللّه و رسوله و أهل بیت رسوله فأحبّه و ارفق به.

فیدنو منه ملک الموت فیقول: یا عبد اللّه أخذت فکاک رقبتک أخذت أمان براتک تمسّکت بالعصمة الکبری فی الحیاة الدّنیا؟ قال: فیوفّقه اللّه عزّ و جلّ فیقول: نعم، فیقول: و ما ذاک؟ فیقول: ولایة علیّ بن أبی طالب علیه السّلام فیقول:

صدقت أمّا الذی کنت تحذره فقد آمنک اللّه منه، و أمّا الذی کنت ترجوه فقد أدرکته ابشر بالسّلف الصّالح مرافقة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و علیّ و فاطمة علیهم السّلام.

ثمّ یسلّ نفسه سلّا رفیقا، ثمّ ینزل بکفنه من الجنّة و حنوطه من الجنّة بمسک أذفر فیکفن بذلک الکفن و یحنط بذلک الحنوط، ثمّ یکسی حلّة صفراء من حلل الجنّة.

فاذا وضع فی قبره فتح له باب من أبواب الجنّة یدخل علیه من روحها و ریحانها، ثمّ یفتح له عن أمامه مسیرة شهر و عن یمینه و عن یساره، ثمّ یقال له:

نم نومة العروس علی فراشها ابشر بروح و ریحان و جنّة نعیم و ربّ غیر غضبان.

ثمّ یزور آل محمّد سلام اللّه علیهم فی جنان رضوی فیأکل معهم من طعامهم، و یشرب معهم من شرابهم، و یتحدّث معهم فی مجالسهم حتّی یقوم قائمنا فاذا قام قائمنا بعثهم اللّه تعالی فأقبلوا معه یلبّون زمرا زمرا و عند ذلک یرتاب المبطلون و یضمحلّ المحلّون و قلیل ما یکونون هلکت المحاضرون و نجا المقرّون. «بون خ» من أجل ذلک قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم لعلیّ علیه السّلام أنت أخی و میعاد ما بینی و بینک وادی السّلام.

قال علیه السّلام و إذا احتضر الکافر حضره رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم و علیّ علیه السّلام و جبرئیل و ملک الموت فیدنو منه علیّ علیه السّلام فیقول: یا رسول اللّه إنّ هذا کان یبغضنا أهل البیت فأبغضه و یقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: یا جبرئیل إنّ هذا کان یبغض اللّه و رسوله و أهل بیت رسوله فأبغضه، فیقول جبرئیل علیه السّلام: یا ملک الموت إنّ هذا کان یبغض اللّه و رسوله و أهل بیت رسوله فأبغضه و اعنف علیه.

فیدنو منه ملک الموت فیقول: یا عبد اللّه أخذت فکاک رهانک و أمان براتک

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 50

تمسّکت بالعصمة الکبری فی الحیاة الدّنیا؟ فیقول: لا، فیقول: ابشر یا عدوّ اللّه بسخط اللّه عزّ و جلّ و عذابه و النّار، أمّا الذی کنت تحذر فقد نزل بک.

ثمّ یسلّ نفسه سلا عنیفا ثمّ یوکّل بروحه ثلاثمأة شیطان کلّهم یبزق فی وجهه و یتأذی بروحه فاذا وضع فی قبره فتح له باب من أبواب النّار فیدخل علیه من فیحها و لهبها.

و عن الهیثم بن واقد عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: دخل رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله علی رجل من أصحابه و هو یجود بنفسه فقال صلّی اللّه علیه و آله و سلم: یا ملک الموت أرفق بصاحبی فانّه مؤمن، فقال: ابشر یا محمّد فانّی بکلّ مؤمن رفیق.

و اعلم یا محمّد أنّی اقبض روح ابن آدم فیجزع أهله فأقوم فی ناحیة من دارهم فأقول ما هذا الجزع فو اللّه ما تعجلناه قبل أجله و ما کان لنا فی قبضه من ذنب فان تحتسبوه و تصبروا توجروا، و إن تجزعوا تأثموا و توزروا، و اعلموا أنّ لنافیکم عودة ثمّ عودة فالحذر ثم الحذر إنّه لیس فی شرقها و لا فی غربها أهل بیت مدر و لا وبر إلّا و أنا أتصفّحهم فی کلّ یوم خمس مرّات و لأنا أعلم بصغیرهم و کبیرهم منهم بأنفسهم و لو أردت قبض روح بعوضة ما قدرت علیها حتّی یأمرنی ربّی بها.

فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم: إنّما یتصفّحهم فی مواقیت الصّلاة فان کان ممّن یواظب علیها عند مواقیتها لقّنه شهادة أن لا إله إلّا اللّه و نحیّ عنه ملک الموت إبلیس.

و عن السّکونی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ المیّت إذا حضره الموت أو ثقه ملک الموت و لو لا ذلک ما استقرّ.

و أما التغسیل و التکفین:

فقد ورد فی الرّوایات أن الرّوح بعد خروجه من الجسد یکون مطلّا علی الجسد و أنّه لیری ما یفعل به.

و فی روایة اصبغ بن نباتة أنّه یناشد الغاسل و یقول له عند تغسیله: باللّه علیک یا عبد اللّه رفقا بالبدن الضّعیف فو اللّه ما خرجت من عرق إلّا انقطع، و لا من عضو إلّا انصدع، فو اللّه لو سمع الغاسل ذلک القول لما غسل میّتا أبدا.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 51

و فی جامع الأخبار قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم: فو الذی نفس محمّد بیده لو یرون مکانه و یسمعون کلامه لذهبوا عن میّتهم و لبکوا علی نفوسهم حتّی إذا حمل المیّت علی نعشه رفرف روحه فوق النّعش و هو ینادی: یا أهلی و یا ولدی لا تلعبن بکم الدّنیا کما لعبت بی، الحدیث هذا.

و فی الوسائل فی عدّة روایات الأمر باجادة الأکفان و المغالات فی أثمانها معلّلا بأنّ الموتی یبعثون بها و بأنّهم یتباهون بأکفانهم.

و فیه أنّ موسی بن جعفر علیهما السّلام کفن فی حبرة استعملت له بمبلغ خمسمائة دینار علیها القرآن کلّه.

و فیه عن یونس بن یعقوب عن أبی الحسن الأوّل علیه السّلام قال: سمعته یقول:

إنّی کفنت أبی فی ثوبین شطویین کان یحرم فیهما و قمیص من قمصه و عمامة کانت لعلیّ بن الحسین علیهما السّلام و فی برد اشتریته بأربعین دینارا، و لو کان الیوم ساوی أربعمائة دینار.

و أما حالته اذا حمل علی سریره:

فهو أنّه إن کان مؤمنا خرج روحه یمشی بین یدی القوم قدما و تلقاه أرواح المؤمنین و یبشّرونه بما أعدّ اللّه له جلّ ثناؤه من النّعیم.

و إن کان عدوّا اللّه سبحانه فهو کما ورد فی روایة الکلینیّ عن جابر عن أبی جعفر علیه السّلام عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم: إذا حمل عدوّ اللّه إلی قبره نادی حملته ألا تسمعون یا اخوتاه إنّی أشکو إلیکم ما وقع فیه أخوکم الشّقیّ إنّ عدوّ اللّه خدعنی فأوردنی ثمّ لم یصدرنی و أقسم لی أنّه ناصح لی فغشّنی و أشکو إلیکم دنیا غرّتنی حتّی إذا اطمأننت إلیها صرعتنی، و أشکو إلیکم أخلّاء الهوی منّونی ثمّ تبرّؤوا منّی و خذلونی، و أشکو إلیکم أولادا حمیت عنهم و آثرتهم علی نفسی فأکلوا مالی و أسلمونی.

و أشکو إلیکم مالا ضیّعت فیه حقّ اللّه سبحانه فکان و باله علیّ و کان نفعه لغیری، و أشکو إلیکم دارا أنفقت علیها حربیتی  «1» و صار سکّانها غیری


 (1) حربیة الرجل ما یعیش به، ص

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 52

أشکو إلیکم طول الثواء فی قبری ینادی أنا بیت الدّود و أنا بیت الظلمة و الوحشة و الضّیق.

یا اخوتاه فاحبسونی ما استطعتم و احذروا مثل ما لقیت فانّی قد بشّرت بالنّار و بالذّل و الصّغار و غضب العزیز الجبّار، و احسرتاه علی ما فرّطت فی جنب اللّه و یا طول عولناه فمالی من شفیع یطاع و لا صدیق یرحمنی فلو أنّ لی کرّة فأکون من المؤمنین.

و فی روایة إنّ أبی جعفر علیه السّلام کان یبکی إذا ذکر هذا الحدیث.

ثمّ إنّه إذا أتیت بالمیّت إلی شفیر قبره فأمهله ساعة فانّه یأخذ اهبته للسّؤال کما وردت روایة أبی الحسن موسی علیه السّلام.

و إذا حضر المؤمنون للصّلاة علیه و شهدوا له بالخیر و الصّلاح فقد ورد فی الخبر انّ اللّه سبحانه یجیز شهادتهم و یکتبه عنده من الأخیار و إن کان فی علمه عزّ و جلّ من الأشرار.

قال الصّادق علیه السّلام: إذا حضر المیت أربعون رجلا فقالوا: اللّهم إنّا لا نعلم منه إلّا خیرا، قال اللّه تعالی: قد قبلت شهادتکم له و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون.

قال السیّد الجزایری فی الأنوار النّعمانیّة روی الشّیخ الکلینیّ قدّس اللّه روحه باسناده إلی الامام أبی عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق علیه السّلام قال:

کان فی بنی إسرائیل عابد فأوحی اللّه تعالی إلی داود علی نبیّنا و علیه السّلام إنّه مرائی قال: ثمّ إنّه مات فلم یشهد جنازته داود، فقام أربعون من بنی إسرائیل فقالوا: اللهمّ إنا لا نعلم منه إلّا خیرا و أنت أعلم به منّا فاغفر له «قال فلمّا غسل أتی إلیه أربعون غیر الأربعین و قالوا: اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خیرا فأنت أعلم به منّا فاغفر له خ ل» قال علیه السّلام فأوحی اللّه إلی داود: ما منعک أن تصلّی قال داود: للذی أخبرتنی به، قال: فأوحی اللّه إلیه انّه قد شهد له قومه فأجزت شهادتهم و غفرت له و عملت ما لم تعلموا.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 53

و اما حاله بعد وضعه فی قبره:

ففی الحدیث إنّ الرّوح یدخل إلی حقویه و یسمع لفظ أیدی القوم من تراب قبره فعند ذلک ینظر یمینا و شمالا فلا یری إلّا ظلمات ثلاث: ظلمة الأرض، و ظلمة العمل، و ظلمة الوحشة فیا لها من داهیة عظیمة و رزیّة جسیمة، و أوّل ملک یدخل علیه یسمّی رومان فتان القبور، و فی روایة اصبغ بن نباته یسمّی منبّه.

قال السیّد الجزائری رحمه اللّه: روی عبد اللّه بن سلام أنّه قال: سألت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم عن أوّل ملک یدخل فی القبر علی المیّت قبل منکر و نکیر، فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله ملک یتلألأ وجهه کالشّمس اسمه رمان  «1» یدخل علی المیّت ثمّ یقول له:

اکتب ما عملت من حسنة و من سیّئة، فیقول: بأیّ شی ء أکتب؟ أین قلمی و دواتی و مدادی؟

فیقول له: ریقک مدادک و قلمک اصبعک، فیقول: علی أیّ شی ء أکتب و لیس معی صحیفة؟ قال: صحیفتک کفنک فاکتبه فیکتب ما عمله فی الدّنیا خیرا.

فاذا بلغ سیئآته یستحی منه فیقول له الملک: یا خاطی ما تستحی من خالقک حین عملتها فی الدّنیا و تستحی الآن، فیرفع الملک العمود لیضربه فیقول العبد:

ارفع عنی حتّی أکتبها، فیکتب فیها جمیع حسناته و سیئاته ثمّ یأمره أن یطوی و یختم فیقول له: بأیّ شی ء اختمه و لیس معی خاتم؟ فیقول له: اختمه بظفرک و علّقه فی عنقک إلی یوم القیامة کما قال تعالی: «وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ کِتاباً یَلْقاهُ مَنْشُوراً» و فی روایة اخری أنّه یأتی إلی المیّت فیسمه فان عرف منه خیرا أخبر منکرا و نکیرا حتّی یرفقا به وقت السؤال، و إن عرف منه شرّا أخبرهما حتّی یشدّدا علیه الحال و العذاب.

و أما السؤال عنه:

فقد علمت سابقا أنّه من ضروریّات الدّین و علیه اتّفاق المسلمین و فی


 (1) رومان فی دعاء الصحیفة السجادیة بالواو قال السید علیخان فی شرحه هو من الروم بمعنی الطلب، و فی هذه الروایة و بعض الروایات الاخر رمان بدون الواو فافهم، منه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 54

الأخبار الکثیرة أنّ للّه سبحانه ملکین یسمّی أحدهما منکرا و الآخر نکیرا و کلّ تعالی السؤال إلیهما.

و فی بعض الرّوایات أنّهما بالنّسبة إلی المؤمن مبشّر و بشیر، و بالنّسبة إلی الکافر منکر و نکیر، لأنّهما یأتیان إلی المؤمن بصورة حسنة و یبشّرانه بالثواب و النّعیم، و یأتیان إلی الکافر و المخالف بصورة نکرة مهیبة و یوعدانه بالعذاب و الجحیم.

روی فی الکافی باسناده عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إنّ المؤمن إذا اخرج من بیته شیّعته الملائکة إلی قبره و یزدحمون علیه حتّی إذا انتهی به إلی قبره قالت له الأرض مرحبا بک و أهلا أما و اللّه لقد کنت احبّ أن یمشی علیّ مثلک لترینّ ما أصنع بک فیوسع له مدّ بصره و یدخل علیه ملکا القبر و هما قعیدا القبر منکر و نکیر فیلقیان فیه الرّوح إلی حقویه فیقعدانه و یسألانه فیقولان له: من ربّک؟ فیقول: اللّه تعالی، فیقولان: ما دینک؟ فیقول: الاسلام، فیقولان: و من نبیّک؟ فیقول: محمّد صلّی اللّه علیه و آله و سلم فیقولان: و من امامک؟ فیقول: فلان، قال: فینادی مناد من السّماء صدق عبدی افرشوا له فی قبره من الجنّة و افتحوا له فی قبره بابا إلی الجنّة و البسوه من ثیاب الجنّة حتّی یأتینا و ما عندنا خیر له، ثمّ یقال له: نم نومة عروس نم نومة لا حلم فیها.

قال علیه السّلام: و إن کان کافرا خرجت الملائکة شیّعته إلی قبره تلعنونه حتّی إذا انتهی به إلی قبره قالت له الأرض: لا مرحبا بک و لا أهلا أما و اللّه لقد کنت أبغض أن یمشی علیّ مثلک لا جرم لتریّن ما أصنع بک الیوم، فتضیق علیه حتّی تلتقی جوانحه.

قال علیه السّلام: ثمّ یدخل علیه ملکا القبر و هما قعیدا القبر منکر و نکیر.

قال أبو بصیر: جعلت فداک یدخلان علی المؤمن و الکافر فی صورة واحدة؟

فقال علیه السّلام: لا.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 55

قال فیقعدانه فیلقیان فیه الرّوح إلی حقویه فیقولان له: من ربّک؟ فیتلجلج  «1» و یقول: قد سمعت النّاس یقولون، فیقولان له. لا دریت، و یقولان له: ما دینک؟

فیتلجلج فیقولان له: لادریت، و یقولان له من نبیّک؟ فیقول: قد سمعت النّاس یقولون فیقولان له: لادریت و یسأل عن إمام زمانه.

قال علیه السّلام و ینادی مناد من السّماء کذب عبدی افرشوا له فی قبره من النّار و افتحوا له بابا إلی النّار حتّی یأتینا و ما عندنا شرّ له فیضر بانه بمرزبة ثلاث ضربات لیس منها ضربة إلّا و یتطایر منها قبره نارا لو ضرب بتلک المرزبة جبال تهامة لکانت رمیما.

و قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: و یسلّط اللّه علیه فی قبره الحیّات تنهشه نهشا و الشّیطان یغمّه غمّا، قال و یسمع عذابه من خلق اللّه إلّا الجنّ و الانس، و قال علیه السّلام إنّه لیسمع خفق نعالهم و نفض أیدیهم و هو قول اللّه عزّ و جلّ: «یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا بالْقَوْلِ الثَّابتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ وَ یَفْعَلُ اللَّهُ ما یَشاءُ».

و عن إبراهیم بن أبی البلاد عن بعض أصحابه عن أبی الحسن موسی علیه السّلام قال:

یقال للمؤمن فی قبره: من ربّک؟ قال: فیقول: اللّه، فیقال له: ما دینک؟ فیقول:

الاسلام، فیقال: من نبیّک؟ فیقول: محمّد صلّی اللّه علیه و آله و سلم، فیقال: من امامک؟ فیقول: فلان فیقال: کیف علمت بذلک؟ فیقول: أمر هدانی اللّه له و ثبّتنی علیه، فیقال له:

نم نومة لا حلم فیها نومة العروس، ثمّ یفتح له باب إلی الجنّة فیدخل إلیه من روحها و ریحانها لیقول: یا ربّ عجّل قیام السّاعة لعلیّ أرجع إلی أهلی و مالی.

و یقال للکافر: من ربّک؟ فیقول: اللّه، فیقال: من نبیّک؟ فیقول: محمّد صلّی اللّه علیه و آله و سلم فیقال: ما دینک؟ فیقول: الاسلام، فیقال: من أین علمت ذلک؟ فیقول: سمعت النّاس یقولون فقلته، فیضربانه بمرزبة لو اجتمع علیه الثّقلان الانس و الجنّ لم یطیقوها.


 (1) ای یتردد.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 56

قال علیه السّلام فیذوب کما یذوب الرّصاص، ثمّ یعیدان فیه الرّوح فیوضع قلبه بین لوحین من نار فیقول. یا ربّ أخّر قیام السّاعة و عن جابر قال قال أبو جعفر علیه السّلام: قال النّبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلم: إنّی کنت أنظر إلی الابل و الغنم و أنا أرعاها و لیس من نبیّ إلّا و قد رعی الغنم، و کنت أنظر إلیها قبل النبوّة و هی متمکّنة فی «ممتلیة من خ» المکینة ما حولها شی ء یهیّجها حتّی تذعر فتطیر فأقول ما هذا و أعجب، حتّی حدّثنی جبرئیل علیه السّلام أنّ الکافر یضرب ضربة ما خلق اللّه شیئا إلّا سمعها و یذعر لها إلّا الثّقلین فقلنا: ذلک لضربة الکافر، فنعوذ باللّه من عذاب القبر.

و عن بشیر الدّهان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: یجی ء الملکان منکر و نکیر إلی المیّت حین یدفن أصواتهما کالرّعد القاصف و أبصارهما کالبرق الخاطف، یخطان الأرض بأنیابهما و یطآن فی شعورهما فیسألان المیّت من ربّک و ما دینک؟

قال علیه السّلام: فاذا کان مؤمنا قال: اللّه ربّی، و دینی الاسلام، فیقولان له: ما تقول فی هذا الرّجل الذی خرج بین ظهرانیکم؟ فیقول: أعن محمّد رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم تسألانی؟ فیقولان: تشهد أنّه رسول اللّه؟ فیقول: أشهد أنّه رسول اللّه، فیقولان له: نم نومة لا حلم فیها و یفسح له فی قبره تسعة أذرع و یفتح له باب إلی الجنّة و یری مقعده فیها و إذا کان الرّجل کافرا دخلا علیه و أقیم الشّیطان بین یدیه عیناه من نحاس فیقولان له: من ربّک و ما دینک؟ و ما تقول فی هذا الرّجل الذی خرج من بین ظهرانیکم؟ فیقول: لا أدری فیخلّیان بینه و بین الشّیطان، فیسلّط علیه فی قبره تسعة و تسعین تنینا لو أن تنینا واحدا منها نفخت فی الأرض ما أنبتت شجرا ابدا، و یفتح له بابا إلی النّار و یری مقعده فیها.

و عن محمّد بن أحمد الخراسانی عن أبیه رفعه قال قال أبو عبد اللّه علیه السّلام یسأل المیّت فی قبره عن خمس، عن صلاته و زکاته و حجّه و صیامه و ولایته إیّانا أهل البیت

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 57

فتقول الولایة من جانب القبر للأربع: ما دخل فیکنّ من نقص فعلیّ تمامه.

و فی الوسائل عن جابر بن یزید عن أبی جعفر علیه السّلام ما علی أحدکم إذا دفن میّته و سوّی علیه و انصرف عن قبره أن یتخلّف عند قبره ثمّ یقول: یا فلان بن فلان أنت علی العهد الذی عهدناک به من شهادة أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه و أنّ علیّا أمیر المؤمنین إمامک، و فلان و فلان حتّی یأتی آخرهم، فانّه إذا فعل ذلک قال أحد الملکین لصاحبه: قد کفینا الوصول إلیه و مسألتنا إیّاه فانّه قد لقّن حجّته فینصرفان عنه و لا یدخلان إلیه.

و فیه عن علیّ بن إبراهیم عن أبیه عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ینبغی أن یتخلّف عند قبر المیّت أولی النّاس به بعد انصراف عنه و یقبض علی التّراب بکفّیه و یلقّنه برفیع صوته، فاذا فعل ذلک کفی المیّت المسألة فی قبره.

و فی الکافی باسناده عن أبی بکر الحضرمی قال: قال أبو عبد اللّه علیه السّلام: لا یسأل فی القبر إلّا من محض الایمان محضا أو محض الکفر محضا و الآخرون یلهون عنه.

و نحوه أخبار أخر فیه عنه علیه السّلام، و ظاهر الکلینیّ کالصّدوق هو الأخذ بظواهر هذه الأخبار لروایتهما لها من غیر تمرّض لتأویلها، و قد حکی ذلک عن الشّیخ البهائی (ره).

و قال الشّهید (ره) فی محکیّ کلامه: إنّ هذا الخبر محمول علی سؤال خاصّ لیوافق الأخبار العامّة فی سؤال القبر و قال السیّد الجزایری رحمه اللّه و یمکن أن یراد بالملهوّ عنهم الذین وردت الأخبار فی شأنهم أنّهم یکلّفون یوم القیامة بأن تؤجّج لهم نار فیؤمروا بالدّخول فیها مثل البله و المجانین و من کان فی فطرات «فترات ظ» الأنبیاء و الشّیخ الفانی و العجوز الفانیة و نحوهم، و هؤلاء لم یمحضوا الایمان و هو ظاهر، و لم یمحضوا الکفر أیضا لقصورهم عن ورود الموردین فیبقون علی حالتهم فی قبورهم حتّی یمنحهم اللّه سبحانه فی القیامة قوّة إدراک التّکالیف و العقل القابل له.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 58

و أما ضغطة القبر و ضمته:

ففی الکافی باسناده عن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما من موضع قبر إلّا و هو ینطق کلّ یوم ثلاث مرّات: أنا بیت التّراب أنا بیت البلاء أنا بیت الدّود، قال علیه السّلام فاذا دخله عبد مؤمن قال: مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد کنت احبّک و أنت تمشی علی ظهری فکیف إذا دخلت بطنی فستری ذلک.

قال علیه السّلام: فیفسح له مدّ البصر و یفتح له باب یری مقعده من الجنّة، قال علیه السّلام: و یخرج من ذلک رجل لم تر عیناه شیئا قطّ أحسن منه فیقول: یا عبد اللّه ما رأیت شیئا قطّ أحسن منک فیقول: أنا رأیک الحسن الذی کنت علیه و عملک الصالح الذی کنت تعمله.

قال علیه السّلام: ثمّ تؤخذ روحه فتوضع فی الجنّة حیث رأی منزله، ثمّ یقال له:

نم قریر العین فلا تزال نفحة من الجنّة تصیب جسده و یجد لذّتها و طیبها حتّی یبعث.

قال علیه السّلام: و إذا دخل الکافر قبره قالت: لا مرحبا بک و لا أهلا أما و اللّه لقد کنت ابغضک و أنت تمشی علی ظهری فکیف إذا دخلت بطنی ستری ذلک.

قال: فتضمّ علیه فتجعله رمیما و یعاد کما کان و یفتح له باب إلی النّار فیری مقعده من النّار، ثمّ قال: ثمّ انّه یخرج منه رجل أقبح من رأی قطّ قال: فیقول یا عبد اللّه من أنت ما رأیت شیئا أقبح منک، قال: فیقول: أنا عملک السیّی ء الذی کنت تعمله و رأیک الخبیث.

قال ثمّ تؤخذ روحه فتوضع حیث رأی مقعده من النّار، ثمّ لم تزل نفحة من النّار تصیب جسده فیجد ألمها و حرّها فی جسده إلی یوم یبعث، و یسلّط اللّه علی روحه تسعة و تسعین تنّینا تنهشه لیس فیها تنّین ینفخ علی ظهر الأرض فتنبت شیئا.

و هذه الضّغطة هی التی ضمنها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم لفاطمة بنت أسد أمّ أمیر المؤمنین علیه السّلام.

و قد روی أنّه لمّا حفر لها قبر اضطجع فیه رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فقیل له صلّی اللّه علیه و آله و سلم فی ذلک فقال: إنّی ذکرت ضغطة القبر عندها یوما و ذکرت شدّتها فقالت: و اضعفاه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 59

لیس لی طاقة علیها فقلت لها: إنّی أضمن لک علی اللّه فاضطجعت فی قبرها لذلک.

و فی الکافی عن أبی بصیر قال: قلت: لأبی عبد اللّه علیه السّلام: أ یفلت من ضغطة القبر أحد؟

قال: فقال علیه السّلام: نعوذ باللّه منها ما أقلّ من یفلت من ضغطة القبر، إنّ رقیّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم علی قبرها فرفع رأسه إلی السّماء فدمعت عیناه و قال للنّاس: ذکرت هذه و ما لقیت فرققت لها و استوهبتها من ضمّة القبر، قال:

فقال: اللّهمّ هب لی رقیّة من ضمّة القبر فوهبها اللّه له.

قال علیه السّلام و إنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم خرج فی جنازة سعد و قد شیّعه سبعون ألف ملک فرفع رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم رأسه إلی السّماء ثمّ قال: مثل سعد یضمّ؟ قال: قلت جعلت فداک: إنا نحدّث أنّه کان یستخفّ بالبول، فقال علیه السّلام: معاذ اللّه إنّما کان من زعارة «1» فی خلقه علی أهله قال: فقالت أمّ سعد هنیئا لک یا سعد، قال: فقال لها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله: یا امّ سعد لا تحتمی علی اللّه.

و عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: یسأل و هو مضغوط.

قال المحدّث المجلسی «ره» فی حقّ الیقین: یفهم من الأحادیث المعتبرة أنّ ضغطة القبر للبدن الأصلی و أنّها تابعة للسؤال، فمن لا سؤال عنه لا ضغطة له و فیه عن الصّدوق عن الصّادق علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله إنّ ضغطة القبر للمؤمن کفّارة عمّا صدر عنه من تضییع نعم اللّه سبحانه.

و فی الکافی عن یونس قال: سألته عن المصلوب یعذّب عذاب القبر؟ قال:

فقال: نعم إنّ اللّه عزّ و جلّ یأمر الهواء أن یضغطه.

و فی روایة اخری سئل أبو عبد اللّه علیه السّلام عن المصلوب یصیبه عذاب القبر، فقال علیه السّلام: إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فیوحی اللّه عزّ و جلّ إلی الهواء فیضغطه ضغطة هو أشدّ من ضغطة القبر.

و فیه فی روایة أبی بصیر التی تقدّم صدرها فی ذکر حالة الاحتضار عن أبی


 (1) زعارة بد خوی شدن، کنز.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 60

عبد اللَّه علیه السّلام، فاذا ادرج فی أکفانه و وضع علی سریره خرجت روحه تمشی بین أیدی القوم قدما و تلقاه أرواح المؤمن و یبشّرونه بما أعدّ اللَّه له جلّ ثناؤه من النّعیم، فاذا وضع فی قبره ردّ إلیه الرّوح إلی و رکیه ثمّ یسأل عمّا یعلم فاذا جاء بما یعلم فتح له ذلک الباب الذی أراه رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم، فیدخل علیه من نورها و بردها و طیب ریحها.

قال: قلت جعلت فداک فأین ضغطة القبر؟ فقال علیه السّلام: هیهات ما علی المؤمنین منها شی ء و اللَّه إنّ هذه الأرض لتفتخر علی هذه فیقول: وطی ء علی ظهری مؤمن و لم یطاء علی ظهرک مؤمن، و اللَّه لقد کنت احبّک و أنت تمشی علی ظهری فأما إذا ولیتک فستعلم ما ذا أصنع بک فتفسح له مدّ بصره، هذا.

و فی الحقّ الیقین بعد ایراده الأخبار الواردة فی الضغطة ممّا قدّمنا روایتها و ما لم یتقدّم قال: و الجمع بین هذه الأخبار فی غایة الاشکال إذ لو حملنا المؤمن فیها علی المؤمن الکامل فأیّ کامل أکمل من فاطمة بنت أسد و رقیّة ابنة النّبیّ صلّی اللَّه علیه و آله و سلم و سعد بن معاذ.

اللّهمّ إلّا أن یحمل ما فی فاطمة و رقیّة علی الاحتیاط و الاطمینان و حصول الاضطجاع و الدّعاء أو یقال المراد بالمؤمن المعصوم و من یتلو مرتبة العصمة کسلمان و أبی ذر و نظرائهما، و یمکن حمل أخبار عدم الضغطة للمؤمن علی عدم الضّغطة الشّدیدة أو حمل أخبار عدم الضّغطة له علی ما تکون علی وجه الغضب، و ما تدلّ علیها علی ما تکون علی وجه اللطف و لیکون قابلا لدخول الجنّة کما أنّ ابتلاءه بمحن الدّنیا و بلایاها کان لذلک.

و یمکن أن یقال: إنّها کانت فی صدر الاسلام عامّة للمؤمن و غیره، ثمّ اختصّت بغیرهم بشفاعة الرّسول و الأئمة صلوات اللَّه و سلامه علیه و علیهم هذا.

و بقی الکلام فیما یوجب ارتفاع الضّغطة و الأمن من بعض عقوبات البرزخ و هی امور کثیرة.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 61

منها رشّ الماء علی القبر فقد روی فی الکافی عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنّه قال: یتجافی عنه العذاب ما دام النّدی فی التّراب.

و منها الجریدتان ففی الوسائل عن الصّدوق باسناده إلی زرارة قال: قلت لأبی جعفر علیه السّلام: أرأیت المیّت إذا مات لم تجعل معه الجریدتان؟ فقال علیه السّلام یتجافی عنه العذاب أو الحساب ما دام العود رطبا إنّما العذاب و الحساب کلّه فی یوم واحد فی ساعة واحدة قدر ما یدخل القبر و یرجع القوم و إنّما جعلت السعفتان لذلک فلا یصیبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إنشاء اللَّه.

و منها الوفاة لیلة الجمعة أو یومها ففی الأنوار للسیّد الجزائری رحمه اللَّه قد ورد فی الأخبار المعتبرة، أنّ من مات من المؤمنین لیلة الجمعة أو یومها أمن من ضغطة القبر، قال «ره» و ربّما ورد أنّ بعض أعمال البرّ و الأدعیة المأثورة تدفعها أیضا، و هو لیس ببعید فانّ رحمة اللَّه قریب من المحسنین.

و منها الدّفن فی وادی السّلام فقد روی فی الأنوار أیضا من کتاب إرشاد القلوب فی فضل المشهد الشّریف الغروی و ما لتربته و الدّفن فیها من المزیّة و الشّرف.

روی عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام أنّه قال: الغری قطعة من الجبل الذی کلّم اللَّه موسی علیه تکلیما، و قدّس علیه تقدیسا و اتّخذ علیه إبراهیم خلیلا، و محمّدا صلّی اللَّه علیه و آله حبیبا و جعله للنّبیّین مسکنا.

و روی أنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام نظر إلی ظهر الکوفة فقال: ما أحسن منظرک و أطیب قعرک، اللّهمّ اجعل قبری بها.

قال: و من خواصّ تربته اسقاط عذاب القبر و ترک محاسبة منکر و نکیر من المدفون هناک کما وردت به الأخبار الصّحیحة عن أهل البیت علیهم السّلام.

أقول: و نظیر ما رواه عن أمیر المؤمنین علیه السّلام ما رواه فی الکافی عن حبّة العرنی قال: خرجت مع أمیر المؤمنین علیه السّلام إلی الظهر فوقف بوادی السّلام کأنّه مخاطب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 62

لأقوام، فقمت بقیامه حتّی أعییت، ثمّ جلست حتّی مللت، ثمّ قمت حتّی نالنی مثل ما نالنی أوّلا، ثمّ جلست حتّی مللت.

ثمّ قمت و جمعت ردائی فقلت یا أمیر المؤمنین إنّی قد أشفقت علیک من طول القیام فراحة ساعة، ثمّ طرحت الرّداء لیجلس علیه. فقال لی: یا حبة إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته قال: قلت: یا أمیر المؤمنین و إنّهم کذلک؟ قال: نعم، و لو کشف لرأیتهم حلقا حلقا محتبین یتحادثون، فقلت: أجساد أم أرواح؟ فقال لی: أرواح و ما من مؤمن یموت فی بقعة من بقاع الأرض إلّا قیل: ألحقی بوادی السّلام و إنّها لبقعة من جنّة عدن.

و المستفاد من هذه الرّوایة و کثیر من الأخبار المعتبرة أنّها جنّة الدّنیا و أنّ أرواح المؤمنین فیها کما أنّ أرواح الکفّار فی بئر البرهوت.

فقد روی فی الکافی عن أحمد بن عمر رفعه عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: قلت له: إنّ أخی ببغداد و أخاف أن یموت بها، فقال علیه السّلام: ما یبالی حیث ما مات أما أنّه لا یبقی فی شرق الأرض و غربها إلّا حشر اللَّه روحه إلی وادی السّلام، قال:

قلت له: و أین وادی السّلام؟ قال علیه السّلام: ظهر الکوفة أما أنّی کأنّی بهم حلق حلق قعود یتحدّثون.

و عن محمّد بن أحمد باسناد له قال قال أمیر المؤمنین علیه السّلام: شرّ بئر فی النّار البرهوت الّذی فیه أرواح الکفّار.

و عن السّکونی عن أبی عبد اللَّه علیه السّلام قال: قال رسول اللَّه صلّی اللَّه علیه و آله و سلّم: شرّ ماء علی وجه الأرض ماء برهوت، و هو واد بحضر موت ترد علیه هام الکفّار.

و الأخبار فی هذا المعنی کثیرة و لا حاجة إلی ذکرها نعم فی المقام خبر یستلذّ النّفس و یسرّ القلب به و هو ما رواه فی الأنوار عن القاضی بن بدر الهمدانی الکوفی و کان رجلا صالحا متعبّدا.

قال: کنت فی جامع الکوفة ذات لیلة مطیرة فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم و ذکر بعضهم أنّ معهم جنازة فأدخلوها و جعلوها علی الصّفة التی تجاه باب

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 6، ص: 63

مسلم بن عقیل، ثمّ إنّ أحدهم نعس فنام فرأی فی منامه قائلا یقول لآخر: ما تبصره حتّی نبصر هل لنا معه حساب أم لا، فکشف عن وجه المیّت و قال لصاحبه بل لنا معه حساب و ینبغی أن نأخذه معجّلا قبل أن یتعدّی الرّصافة فما یبقی لنا معه طریق.

فانتبه و حکی لهم المنام و قال: خذوه عجلا فأخذوه و مضوا به فی الحال إلی المشهد الشّریف صلوات اللَّه و سلامه علی مشرّفها.

أقول: رزقنا اللَّه سبحانه و إخوانی المؤمنین مجاورة حضرت مولای و مولی العالمین علیه الصّلاة و السّلام حیّا و میّتا، و أنا أوصی خلیفتی و ولیّ أمری بعدی أن یدفننی فی ذلک المقام الشّریف.

 (و أقول له:)

 إذا متّ فادفنّی إلی جنب حیدر         أبی شبر أکرم به و شبیر       

فلست أخاف النّار عند جواره          و لا أتّقی من منکر و نکیر       

فعار علی حامی الحمی و هو فی الحمی          إذا ضلّ فی البیدا عقال بعیر   

 (ثم أقول:)

 ولایتی لأمیر النّحل تکفینی          عند الممات و تغسیلی و تکفینی        

و طینتی عجنت من قبل تکوینی          بحبّ حیدر کیف النّار تکوینی    

 (ثم اناجی ربی و أقول:)

 وفدت علی الکریم بغیر زاد         من الحسنات و القلب السلیم        

فحمل الزّاد أقبح کلّ شیء         إذا کان الوفود علی الکریم    

الترجمة:

پس پیچیده شد در کفنهای خود در حالتی که مأیوس بود و حزین، و کشیده شد در حالتی که اطاعت کننده بود آسان و لیّن، پس انداخته شد در چوبهای نعش مثل شتر مردّد در اسفار، و همچو شتر لاغر از کثرت بار، در حالتی که بردارند او را فرزندان یاری دهنده، و برادران جمع شونده بسوی قبر که سرای غربت اوست و جای بریدن زیارت از اوست.

تا آنکه چون رجوع کند تشییع کننده و بر می گردد اندوه خورنده نشانده می شود در قبر در حالتی که راز گوینده باشد از جهة بهت و حیرتی که حاصل می شود او را از سؤال، و بجهة لغزش در امتحانی که او راست در عقاید و اعمال، و بزرگترین چیزی که آن جاست از حیثیت بلا پیشکش آب گرم و جوشانست، و در آوردن اوست در آتش سوزان، و جوششهای آتش سرخ شده، و شدّتهای صدای نار موقده.

نیست آنجا سستی که راحت کننده از عذاب باشد، و نه آرمیدنی که زایل کننده عقاب باشد، و نه مرگ حاضر که باعث استراحت او شود، و نه خواب اندک که سبب فراموشی زحمت او گردد، بلکه همیشه در میان أنواع مرگ ها باشد، و در میان عذابهای ساعت بساعت، بدرستی که پناه می بریم بخدا از این عذاب و عنا.