[hadith]و من خطبة له (علیه السلام) فی الحَثّ علی العمل الصالح:

رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ حُکْماً فَوَعَی وَ دُعِیَ إِلَی رَشَادٍ فَدَنَا وَ أَخَذَ بحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا؛ رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خَافَ ذَنْبَهُ، قَدَّمَ خَالِصاً وَ عَمِلَ صَالِحاً، اکْتَسَبَ مَذْخُوراً وَ اجْتَنَبَ مَحْذُوراً، وَ رَمَی غَرَضاً وَ أَحْرَزَ عِوَضاً، کَابَرَ هَوَاهُ وَ کَذَّبَ مُنَاهُ، جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِیَّةَ نَجَاتِهِ وَ التَّقْوَی عُدَّةَ وَفَاتِهِ، رَکِبَ الطَّرِیقَةَ الْغَرَّاءَ وَ لَزمَ الْمَحَجَّةَ الْبَیْضَاءَ، اغْتَنَمَ الْمَهَلَ وَ بَادَرَ الْأَجَلَ وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 231

و من خطبة له علیه السلام و هی الخامسة و السبعون من المختار فی باب الخطب:

رحم اللّه عبدا «امرء» سمع حکما فوعی، و دعی إلی رشاد فدنی، و أخذ بحجزة هاد فنجی، راقب ربّه، و خاف ذنبه، قدّم خالصا، و عمل صالحا، اکتسب مذخورا، و اجتنب محذورا، رمی غرضا، و أحرز عوضا، کابر هواه، و کذّب مناه، جعل الصّبر مطیّة نجاته، و التّقوی عدّة وفاته، رکب الطّریقة الغرّاء، و لزم المحجّة البیضاء، اغتنم المهل و بادر الأجل، و تزوّد من العمل. (12029- 11964)

 

الل

 

غة:

 

(وعیت) الحدیث حفظته قال تعالی: «لِنَجْعَلَها لَکُمْ تَذْکِرَةً وَ تَعِیَها أُذُنٌ واعِیَةٌ» و (الحجزة) بالضمّ معقد الازار و (رقبته) أرقبه من باب قتل حفظته و أنا رقیب و راقبت اللّه خفت عذابه و (اکتسب) بمعنی کسب و (الغرض) ما یرمی بالسّهام و فی بعض النّسخ عرضا بالعین المهملة و هو متاع الدّنیا و (کابرته) مکابرة غالبته و عاندته، و فی بعض النّسخ کاثر بالثاء المثلثة و هو بمعنی غالب أیضا، یقال: کاثرناهم فکثرناهم أی غلبناهم بالکثرة و (المطیّة) المرکب و (الغرّاء) و (البیضاء) بمعنی و (المحجّة) بالفتح معظم الطریق و (المهل) بالفتح فالسّکون و بفتحتین أیضا اسم من المهلة أو مصدر.

الاعراب:

جملة سمع و ما بعدها منصوب المحل علی الوصفیّة و قوله: راقب ربّه، و قدّم خالصا، و ما بعدهما من الافعال بحذف العواطف فیها نوع من الفصاحة کثیر فی استعمالهم قال سبحانه: «وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْیِها راضِیَةٌ، فِی جَنَّةٍ عالِیَةٍ، لا تَسْمَعُ فِیها لاغِیَةً، فِیها عَیْنٌ جارِیَةٌ، فِیها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ».

و ربّه و ذنبه مفعولان بالواسطة مجاز و نسبة الخوف إلی الذّنب [و خاف ذنبه ] مجاز لأنّه انّما هو من اللّه سبحانه إلّا أنّه لمّا کان سببه الذّنب نسب إلیه و حقیقة الکلام خاف من اللّه لأجل ذنبه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 232

المعنی:

اعلم أنّه علیه السّلام ترحّم فی کلامه ذلک علی عبد اتّصف بما ذکر فیه من الأوصاف و فیه حثّ و ترغیب علی ملازمة تلک الصّفات و الاتّصاف بهذه الأوصاف و هی علی ما ذکره علیه السّلام عشرون.

الأوّل ما أشار إلیه بقوله (رحم اللّه عبدا سمع حکما فوعی) أراد بالحکم الحکمة الأعمّ من العلمیّة و العملیّة کما فی قوله تعالی: «وَ آتَیْناهُ الْحُکْمَ صَبیًّا».

الثّانی قوله (و دعی إلی رشاد فدنی) أی الی رشد و هدایة فدنی من الداعی و قرب من المرشد و الهادی.

الثّالث قوله (و أخذ بحجزة هاد فنجی) أی اعتصم به و التجأ إلیه و استهدی به فهداه من الضّلالة و انقذه من الجهالة فاهتدی و نجی من الهلکة و امن من العقوبة و الهادی فی کلامه و إن کان مطلقا إلّا أنّ الأظهر عندی أنّ المراد به الأئمة الذین یهدون بالحقّ و به یعدلون، فیکون المراد بالأخذ بحجزتهم المتمسّکین بحبل الولایة و المقتبسین من أنوارها، و یدلّ علی ما استظهرته ما ورد فی تفسیر قوله تعالی انّما انت منذر و لکلّ قوم هاد، بطرق کثیرة أنّ الهادی هو أمیر المؤمنین و ولده المعصومون سلام اللّه علیهم أجمعین.

فمنها ما فی غایة المرام من تفسیر العیاشی عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبیه عن جدّه علیهم السّلام قال: قال أمیر المؤمنین: فینا نزلت هذه الآیة: «إِنَّما أَنْتَ مُنْذرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ».

فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم أنا المنذر و أنت الهادی یا علیّ، فمنّا الهادی و النّجاة و السّعادة إلی یوم القیامة.

و منه أیضا عن برید، عن معاویة عن أبی جعفر علیه السّلام «إِنَّما أَنْتَ مُنْذرٌ وَ لِکُلِّ قَوْمٍ هادٍ.»

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 233

فقال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم أنا المنذر و فی کلّ زمان إمام منّا یهدیهم إلی ما جاء به نبیّ اللّه و الهداة من بعده علیّ ثمّ الأوصیاء من بعده واحد بعد واحد، و اللّه ما ذهبت منّا و ما زالت فینا إلی السّاعة، رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله المنذر و بعلیّ یهتدی المهتدون.

و الأخبار فی هذا المعنی کثیرة بالغة حدّ الاستفاضة یطول الکتاب بذکرها و قد روی فی غایة المرام ثلاثین روایة من طریق العامّة و الخاصّة فی ذلک من أراد الاطلاع فلیراجع إلیه.

الرابع قوله (راقب ربّه) و المراقبة احدی ثمرات الایمان و هی علی ما قیل رتبة عظیمة من رتب السّالکین، و حقیقتها أنّها حالة للنّفس یثمرها نوع خاص من المعرفة و لها تأثیر خاصّ فی القلب و الجوارح أمّا الحالة فهی مراعات القلب للرّقیب و اشتغاله به، و أما العلم المثمر لها فهو العلم بأنّ اللّه تعالی مطلع علی الضمائر و السّرائر قائم علی کلّ نفس بما کسبت کما قال تعالی: «إِنَّ اللَّهَ کانَ عَلَیْکُمْ رَقِیباً».

فهذه المعرفة إذا استولت علی القلب و لم یبق فیها شبهة فلا بدّ أن تجذ به إلی مراعات الرّقیب، و الموقنون بهذه المعرفة طائفتان.

احداها الصّدیقون و مراقبتهم التّعظیم و الاجلال و استغراق قلبهم بملاحظة ذلک الجلال و الانکسار تحت الهیبة و العظمة بحیث لا یبقی فیه مجال للالتفات إلی الغیر أصلا، و جوارحهم معطلة عن الالتفات و التلفّت إلی المباحات فضلا عن المحظورات و إذا تحرّکت بالطاعة کانت کالمستعمل لها فلا تصلح لغیرها و لا یحتاج إلی تدبیر فی ضبطها علی سنن السّداد، و من نال هذه المرتبة فقد یغفل عن الخلق حتّی لا یبصرهم و لا یسمع أقوالهم.

و الطائفة الثّانیة الورعین من أصحاب الیمین و هم قوم غلب بعض اطلاعات اللّه علی قلوبهم و لکن لم تدهشهم ملاحظة الجلال، بل بقیت قلوبهم علی الاعتدال متّسعة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 234

للتّلفت، إلی الأقوال و الأعمال إلّا أنّها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبة فقد غلب الحیاء من اللّه علی قلوبهم فلا یقدمون و لا یجحمون «یحجمون» إلّا عن تثبّت فیمتنعون عن کلّ أمر فاضح یوم القیامة إذ یرون اللّه مشاهدا لأعمالهم فی الدّنیا کما یرونه مشاهدا فی القیامة.

و لا بدّ لأهل هذه الدّرجة من المراقبة فی جمیع حرکاته و سکناته و یلزم علیه أن یرصد کلّ خاطر یسنح له، فان کان إلهیّا یعجل مقتضاه، و إن کان شیطانیّا یبادر إلی قمعه، و إن شکّ فیه توقف إلی أن یظهر له بنور الحقّ من أیّ جانب هو روی فی الوسائل عن محمّد بن یعقوب عن علیّ بن إبراهیم مسندا عن داود الرّقی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ: «وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» .

قال: من علم أنّ اللّه یراه أو یسمع ما یقول و یعلم ما یفعله من خیر أو شرّ فیحجزه ذلک عن القبح من الأعمال فذلک الذی خاف مقام ربّه و نهی النّفس عن الهوی.

الخامس قوله  (و خاف ذنبه) و الخوف توقّع حلول مکروه أو فوات محبوب و إذا علق بالذّوات کما تقول خفت اللّه و خفت زیدا فمعناه توقّع مکروه أو حرمان یقع من جهته و إلّا فالذّوات لا یتعلّق بها خوف فمعنی الخوف من الذّنب الخوف ممّا یکون الذّنب سببا له من العقوبة الدّنیویّة أو الاخرویة أو نقصان الدّرجة و انحطاط الرّتبة و حرمان الجنّة.

قال بعض العلماء: خوف الخائفین من اللّه قد یکون لامور مکروهة لذاتها و قد یکون لامور مکروهة لادائها إلی ما هو مکروه لذاته.

أمّا القسم الأوّل فمثل أن یتمثّل فی نفوسهم ما هو المکروه لذاته کسکرات الموت و شدّته أو سؤال القبر أو عذابه أو هول الموقف بین یدی اللّه تعالی و الحیاء من کشف السّر و السؤال عن کلّ صغیرة و کبیرة، أو الخوف عن المرور علی الصّراط مع حدّته أو من النّار و أهوالها و أغلالها أو من حرمان الجنّة أو من نقصان الدّرجات فیها أو خوف الحجاب من اللّه، و کلّ هذه الأسباب مکروهة فی أنفسها و یختلف أحوال

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 235

السّالکین إلی اللّه فیها و أعلاها رتبة خوف الفراق و الحجاب عن اللّه و هو خوف العارفین و ما قبل ذلک فهو خوف العابدین و الصّلحاء و الزاهدین.

و أما القسم الثّانی فأقسام کثیرة کخوف الموت قبل التّوبة أو خوف نقض التّوبة أو خوف الانحراف عن القصد فی عبادة اللّه أو خوف استیلاء القوی الشّهوانیّة بحسب مجری العادة فی استعمال الشّهوات المألوفة أو خوف تبعات النفس عنده أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشّقاوة فی علم اللّه، و کلّ هذه و نحوها مخاوف عباد اللّه الصّالحین و أغلبها علی قلوب المتّقین خوف الخاتمة فانّ الأمر فیه خطیر.

قال بعض اولی الالباب: إذا اسکن الخوف القلب أحرق الشّهوة و أطرد عنه الغفلة.

السّادس قوله (قدّم خالصا) قال الصّادق علیه السّلام العمل الخالص الذی لا ترید أن یمدحک علیه أحد إلّا اللّه و هذا هو معنی الاخلاص قال تعالی: «وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ» .

و للقوم فی تعریف الاخلاص عبارات فقیل: هو تصفیة العمل عن ملاحظة المخلوقین حتّی عن ملاحظة النفس فلا یشهد غیر اللّه، و قد مرّ تفصیل ذلک فی شرح الخطبة الاولی عند قوله علیه السّلام و کمال توحیده الاخلاص له، و قیل: هو تنزیه العمل عن ان یکون لغیر اللّه فیه نصیب، و قیل: هو إخراج الخلق عن معاملة الحقّ، و قیل: هو ستر العمل من الخلایق و تصفیته من العلایق، و قیل: إنّه لا یرید عامله علیه عوضا فی الدّارین و هذه درجة رفیعة و الیها أشار أمیر المؤمنین و سیّد الموحّدین بقوله: ما عبدتک خوفا من نارک و لا طمعا فی جنّتک و لکن وجدتک أهلا للعبادة فعبدتک.

السّابع قوله (و عمل صالحا) و العمل ما صدر عن الحیوان بقصده قلبیّا أو قالبیّا فهو أخصّ من الفعل، و المراد بالعمل الصّالح إتیان المأمور به کما امر به و یقابله العمل الفاسد قال تعالی: «فَمَنْ کانَ یَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا یُشْرِکْ بعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً».

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 236

و قال فی سورة الفاطر: «إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ» .

قال الصّادق علیه السّلام: الکلم الطیّب قول المؤمن لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه علیّ ولیّ اللّه و خلیفة رسول اللّه قال علیه السّلام: و العمل الصّالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند اللّه لا شکّ فیه من ربّ العالمین.

أقول: و لعلّ مقصوده علیه السّلام أنّ العمل الصّالح الموجب لرفع الکلم الطیّب بالمعنی الذی ذکره هو الاعتقاد الذی نبّه علیه، لما قد علمت أنّ متعلق العمل أعمّ من الاعتقاد.

الثّامن قوله (اکتسب مذخورا) أی ذخیرة مرجوّة لیوم فاقته و زادا معدّا لوقت حاجته و خیر الزّاد هو التّقوی کما أفصح به الکتاب المبین و صرّح به أخبار سیّد المرسلین.

التّاسع قوله  (و اجتنب محذورا) أی تجنّب ممّا یلزم الحذر منه و یجب الاحتراز عنه و هو مخالفة الأوامر الشّرعیّة و منابذة التکالیف الالزامیّة قال سبحانه «فَلْیَحْذَرِ الَّذینَ یُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یُصِیبَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ» .

أوجب الحذر لمخالفی أمره من إصابة الفتنة و هی العقوبة الدّنیویة و إصابة العذاب الألیم و هی العقوبة الاخرویّة.

العاشر قوله (رمی غرضا) أی رمی بسهام أعماله الصّالحة الباطنة و الظاهرة فأصاب الغرض غیر خاطئة «1» فأدرک مناه و حاز ما تمنّاه، و علی روایة عرضا بالمهملة فالمعنی أنّه رمی عرض الدّنیا و حذف متاعها و رفض حطامها و أخرج حبّها من قلبه علما منه بسرعة زوالها و فنائها.


 (1) حال من السهام.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 237

الحادی عشر قوله (و احرز عوضا) ای أحرز متاع الآخرة الباقیة الذی هو عوض من متاع الدّنیا الفانیة، و ادّخر ما یفاض علیه من الحسنات و أعدّ ما یثاب علیه من الصالحات. «وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ ثَواباً وَ خَیْرٌ أَمَلًا».

الثّانی عشر قوله (کابر هواه) أی غالب هواه بوفور عقله و یجاهد نفسه الأمارة و یطوّعها لقوّته العاقلة، قوله تعالی: «وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَی النَّفْسَ عَنِ الْهَوی  فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوی» . أی نهی نفسه عن المحارم التی تهویها و تشتهیها فانّ الجنّة مستقرّه و مأواه.

روی فی الوسائل عن الصّدوق باسناده عن الحسین بن زید عن الصّادق عن آبائه علیهم السّلام عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی حدیث المناهی قال: من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها مخافة اللّه عزّ و جلّ حرّم اللّه علیه النّار و آمنه من الفزع الأکبر و أنجز له ما وعده فی کتابه: «وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» .

ألا و من عرضت له دنیا و آخرة فاختار الدّنیا علی الآخرة لقی اللّه عزّ و جلّ یوم القیامة و لیست له حسنة یتّقی بها النّار، و من اختار الآخرة و ترک الدّنیا رضی اللّه عنه و غفر له مساوی عمله.

و عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصّادق علیه السّلام فقلت الملائکة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب: إنّ اللّه رکب فی الملائکة عقلا بلا شهوة و رکب فی البهائم شهوة بلا عقل و رکب فی بنی آدم کلتیهما من غلب عقله شهوته فهو خیر من الملائکة و من غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 238

و عن السکونی عن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله طوبی لمن ترک شهوة حاضرة لموعد لم یره.

الثالث عشر قوله (و کذب مناه) أی قابل ما یلقیه إلیه الشیطان من الأمانی الباطلة بالتکذیب، قال تعالی: «لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادکَ نَصِیباً مَفْرُوضاً وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّیَنَّهُمْ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُبَتِّکُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَ مَنْ یَتَّخِذ الشَّیْطانَ وَلِیًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسرَ خُسْراناً مُبیناً یَعِدُهُمْ وَ یُمَنِّیهِمْ وَ ما یَعِدُهُمُ الشَّیْطانُ إِلَّا غُرُوراً أُولئِکَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا یَجِدُونَ» .

قال فی مجمع البیان فی تفسیر قوله و لا منینهم یعنی امنینهم طول البقاء فی الدّنیا فیؤثرون بذلک الدّنیا و نعیمها علی الآخرة، و قیل معناه أقول لهم لیس ورائکم بعث و لا نشر و لا جنة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب فافعلوا ما شئتم عن الکلبی، و قیل: امنینهم بالأهواء الباطلة الدّاعیة إلی المعصیة و ازیّن لهم شهوات الدّنیا و زهراتها أدعو کلّا منهم إلی نوع میل طبعه إلیه فأصدّه بذلک عن الطاعة و القیه فی المعصیة.

الرّابع عشر قوله (جعل الصبر مطیّة نجاته) و الصبر قوّة ثابتة و ملکة راسخة بها یقتدر علی حبس النفس و منعه عن قبایح اللذات و منی الشهوات و علی حمله علی مشاق العبادات و التکلیفات و علی التحمل علی المصائب و الآفات و الدّواهی و البلیات و بها یحصل النجاة و الخلاص من غضب الجبار و عذاب النار، و لذلک جعلها مطیّة یتمکن بها من الهرب، و الفرار عن العدوّ فی مقام الحاجة و الاضطرار، و الآیات القرآنیة و الأخبار المعصومیة فی مدحها و فضلها و الحثّ علیها أکثر من أن تحصی و لعلّنا نشبع الکلام فی تحقیقها و بیان أقسامها فی شرح الخطبة المأة و الثانیة و السبعین

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 239

و نقتصر هنا علی بعض ما ورد فیها علی ما اقتضاه المقام.

فأقول فی الوسائل من الکافی باسناده عن هشام بن الحکم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إذا کان یوم القیامة فیقوم عنق من الناس فیأتون باب الجنة فیقال من أنتم، فیقولون نحن أهل الصبر، فیقال لهم علی ما صبرتم؟ فیقولون: کنا نصبر علی طاعة اللّه و نصبر عن معاصی اللّه فیقول اللّه عزّ و جلّ: صدقوا ادخلوهم الجنة و هو قول اللّه عزّ و جلّ:

«إِنَّما یُوَفَّی الصَّابرُونَ أَجْرَهُمْ بغَیْرِ حِسابٍ» .

و عن عمرو بن شمر الیمانی یرفع الحدیث إلی علیّ علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله الصّبر ثلاثة: صبر عند المصیبة، و صبر عند الطاعة، و صبر عن المعصیة، فمن صبر علی المصیبة حتّی یردها بحسن عزائها کتب اللّه له ثلاثمأة درجة ما بین الدّرجة إلی الدّرجة کما بین السّماء و الأرض، و من صبر علی الطاعة کتب اللّه له ستّمأة درجة ما بین الدّرجة إلی الدّرجة کما بین تخوم الأرض إلی العرش، و من صبر عن المعصیة کتب اللّه له تسعمائة درجة ما بین الدّرجة إلی الدّرجة کما بین تخوم الأرض إلی منتهی العرش.

و عن عثمان بن عیسی عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال اصبروا علی الدّنیا فانّما هی ساعة فما مضی منه لا تجد له ألما و لا سرورا، و ما لم یجی ء فلا تدری ما هو و إنّما هی ساعتک التی أنت فیها، فاصبر فیها علی طاعة اللّه و اصبر فیها عن معصیة اللّه.

الخامس عشر قوله (و التّقوی عدّة وفاته) قد مرّ معنی التّقوی و بعض ما ورد فیها فی شرح الخطبة الثالثة و العشرین، و أقول هنا إنّ العدّة لما کانت عبارة عمّا أعدّها الانسان و هیّئها لحوادث دهره و ملمّات زمانه و کان الموت أعظم الحوادث، و بالتّقوی یحصل الوقایة من سکراته و غمراته و به یتّقی من شداید البرزخ و کرباته و یستراح من طول الموقف و مخاوفه، لا جرم جعلها علیه السّلام عدّة للوفاة و وقایة یحصل بها النجاة، و استعار عنها الکتاب المجید بالزاد فقال: «وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزَّاد التَّقْوی» .

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 240

بملاحظة أنّ الزّاد لمّا کان هو الطعام الذی یتّخذ للسّفر لیتقوّی به الطبیعة علی الحرکات الحسیّة و کانت تقوی اللّه ممّا تقوی به النّفس علی الوصول إلی حظیرة القدس حسن الاستعارة به عنها لما بین المعنیین من کمال المشابهة و تمامها.

قال بعض العارفین: لیس السّفر من الدّنیا أهون من السّفر فی الدّنیا و هذا لا بدّ له من زاد و کذلک ذلک بل یزداد، فانّ زاد الدّنیا یخلصک عن عذاب منقطع موهوم و زاد الآخرة ینجیک من عذاب مقطوع معلوم، زاد الدّنیا یوصلک إلی متاع الغرور و زاد الآخرة یبلغک دار السّرور، زاد الدّنیا سبب حظوظ النّفس و زاد الآخرة سبب الوصول إلی عتبة الجلال و القدس.

السّادس عشر قوله (رکب الطریقة الغرّاء) أی سلک جادّة الشّریعة الواضحة المستقیمة الموصلة لسالکها الی الجنان و مقام القرب و الرّضوان.

السّابع عشر قوله (و لزم المحجة البیضاء) قال الشّارح البحرانی و الفرق بین ذلک و الذی قبله أنّ الأوّل أمر برکوب الطریقة الغرّاء و الثّانی أمر بلزومها و عدم مفارقتها و انّها و إن کانت واضحة إلّا أنّها طویلة کثیرة المخاوف و سالکها أبدا محارب للشّیطان و هو فی معرض أن یستزلّه عنها.

الثامن عشر قوله (اغتنم المهل) أی أیام مهلته و هو مدّة عمره و أیّام حیاته فی دار الدّنیا.

قال زین العابدین و سید الساجدین علیه السّلام فی دعاء مکارم الأخلاق من الصّحیفة:

اللهمّ صلّ علی محمّد و آل محمّد و نبّهنی لذکرک فی أوقات الغفلة و استعملنی بطاعتک فی أیّام المهلة و انهج لی إلی محبّتک سبیلا سهلة.

و انّما عبّر عنها بأیّام المهلة لأنّ العنایة الأزلیّة لمّا کانت مقتضیة لسوق النّاقص إلی کماله فاقتضت العنایة عدم معاجلة العباد بالعقوبة و السّخط و الأخذ

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 5، ص: 241

بالذّنوب و المعصیة فی هذه الحیاة الدّنیا لیرجعوا إلی التّوبة و یراجعوا الانابة فکأنّه تعالی أمهلهم مدّة حیاتهم فی الدّنیا و أنظرهم طول بقائهم فیها و جعلهم فی النّظرة و المهلة.

التّاسع عشر کنایه قوله (بادر الأجل) أی سارع إلی أجله الموعود بصحبة عمله الصّالح و هو کنایة عن جعله الموت نصب عینیه و عدم غفلته عنه و ترقبه له فاذا کان کذلک لا یخاف من حلول الموت و نزوله و لا یبالی أوقع علی الموت أم وقع الموت علیه.

العشرون قوله (و تزوّد من العمل) أی تزوّد من أعماله الصالحة لقطع منازل الآخرة نسأل اللّه سبحانه أن یوفّقنا للاتّصاف بتلک الأوصاف الشّامخة الفایقة حتّی نستوجب بذلک رحمته العامة الواسعة بمحمّد و عترته الطاهرة.

الترجمة:

از جمله خطبهای شریفه آن حضرت است که می فرماید:

خداوند رحمت کند بنده را که بشنود حکمت را پس گوش گیرد و حفظ نماید و خوانده شود به سوی رشد و صلاح پس اجابت کند و نزدیک آید، و بگیرد کمرگاه هدایت کننده را و معتصم او بشود پس نجات یابد، مراقب باشد پروردگار خود را و بترسد از گناه خود، پیش فرستد کردار پاکیزه و عمل کند عمل شایسته، کسب نماید چیزی را که ذخیره می شود از برای آخرت، و اجتناب نماید از چیزی که باعث حذر است و ندامت.

بیندازد با تیر اعمال حسنه بسوی غرض و نشانه و جمع کند متاع دار جاودانی را بعوض متاع دنیای فانی، غلبه نماید بهوا و هوس و شهوات نفسانیه و تکذیب نماید آمال و امانی باطله شیطانیه بگرداند صبر و شکیبائی را مرکب نجات خویش و تقوی و پرهیزکاری را توشه وفات خود، سوار بشود بر طریقه روشن شریعت و لازم شود بر جاده آشکار ملّت، غنیمت شمارد ایام مهلت حیاة را و مبادرت نماید بنیکوکاری قبل از ممات و توشه بگیرد از اعمال صالحه بجهت سفر آخرت.