[hadith]من خطبة له (علیه السلام) و فیها ینهی عن الغَدر و یحذر منه:

أَیُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ وَ لَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَی مِنْهُ، وَ مَا یَغْدرُ مَنْ عَلِمَ کَیْفَ الْمَرْجِعُ. وَ لَقَدْ أَصْبَحْنَا فِی زَمَانٍ قَد اتَّخَذَ أَکْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ کَیْساً وَ نَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِیهِ إِلَی حُسْنِ الْحِیلَةِ، مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ. قَدْ یَرَی الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِیلَةِ وَ دُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَ نَهْیِهِ، فَیَدَعُهَا رَأْیَ عَیْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَیْهَا، وَ یَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا حَرِیجَةَ لَهُ فِی الدِّینِ.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 189

و من خطبة له علیه السلام و هی الاحدی و الاربعون من المختار فی باب الخطب و قد رواها المحدّث المجلسی فی البحار من کتاب مطالب السؤول لمحمد بن طلحة قال: و من خطبه علیه السّلام: الحمد للّه و إن أتی الدّهر بالخطب الفادح و الحدث الجلیل، فانّه لا ینجو من الموت من خافه و لا یعطی البقاء من أحبه. ألا و إنّ الوفاء توأم الصّدق، و لا أعلم جنّة أوقی منه، و لا یغدر من علم کیف المرجع، و لقد أصبحنا فی زمان قد اتّخذ أکثر أهله الغدر کیسا، و نسبهم أهل الجهل فیه إلی حسن الحیلة، ما لهم قاتلهم اللّه قد یری الحوّل القلّب وجه الحیلة و دونه مانع من أمر اللّه و نهیه، فیدعها رأی عین بعد القدرة علیها، و ینتهز فرصتها من لا حریجة له فی الدّین. (8796- 8113)

اللغة:

(التوأم) معروف یقال هذا توأم هذا و هذه توأم هذه و هما توأمان و (الجنّة) بالضم الترس و (المرجع) اسم مکان أو مصدر و الموجود فی اکثر النّسخ بفتح الجیم و فی بعضها بالکسر، و الظاهر أنّه الصّحیح، قال الفیروزآبادی: رجع یرجع رجوعا و مرجعا کمنزل و مرجعة شاذّان، لأنّ المصادر من فعل یفعل إنّما تکون بالفتح و (الکیس) وزان فلس مصدر من کاس کیسا و هو الفطنة و العقل و (الحوّل القلّب) البصیر بتقلیب الامور و تحویلها و (الرّای) مصدر کالرّؤیة و (الانتهاز) المبادرة یقال انتهز الفرصة اغتنمها و بادر إلیها و (الحریجة) التّحرج، و التّأثمّ، ای التحرّز من الحرج و الاثم، قال الفیومی تحرّج الانسان تحرّجا هذا ممّا ورد لفظه مخالفا لمعناه و المراد فعل فعلا جانب به الحرج کما یقال، تحنّث إذا فعل ما یخرج به عن الحنث، قال ابن الاعرابی: للعرب أفعال تخالف معانیها ألفاظها یقال تحرّج و تحنّث و تأثمّ و تهجّد إذا ترک الهجود.

الاعراب:

قوله: کیف المرجع کیف اسم استفهام مبنیّ علی الفتح و هو فی محلّ رفع علی الخبرّیة، و المرجع مبتداء مؤخر و الجملة فی موضع نصب بعلم و هی معلّقة عنها العامل لأنّ الاستفهام لا یعمل فیه ما قبله، استفهام انکاریّ و ما لهم استفهام انکاریّ ، و جملة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 190

قاتلهم اللّه دعائیة لا محلّ لها من الاعراب، و جملة و دونه مانع حالیة، و انتصاب رأی عین علی حذف المضاف لدی بعد رایه أو مع رایه بعین و یحتمل أن یکون حالا أی یترکها حال کونها مرئیة بعین، و جملة و ینتهز فرصتها استینافیة لا محلّ لها من الاعراب، و من الموصولة فاعل ینتهز.

المعنی:

اعلم انّ الوفاء و الصّدق من جنود العقل کما أنّ الغدر و الکذب من جنود الجهل علی ما ورد فی روایة الکافی باسناده عن ابن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السّلام، و تقابل الأوّلین مع الآخرین تقابل العدم و الملکة، لأنّ عدّ هذه الأوصاف من جنود العقل و الجهل باعتبار مبادیها الرّاسخة و ملکاتها الثّابته فی النّفس دون آثارها التی هی من الأعمال و الأفعال، و علی هذا فالوفاء ملکة نفسانیة تنشأ من لزوم العهد کما ینبغی و البقاء علیه، و الغدر عدم الوفاء عمن من شأنه الوفاء، و الصّدق ملکة تحصل من لزوم مطابقة الأقوال للواقع، و الکذب عدم الصّدق لمن من شأنه الصّدق.

و أما النّسبة بین الوفاء و الصّدق فهی أنّ الأوّل أخصّ من الثّانی مطلقا لأنّ الوفاء هو الصّدق فی الوعد و ربّما یکون صادقا فی غیر مقام الوعد فکلّ وفاء صدق و لا یکون کلّ صدق وفاء، و یمکن أن یقال: انّ النسبة عموم من وجه إذ الصّدق لا یکون إلّا فی القول، لأنّه من أنواع الخبر، و الخبر قول و الوفاء قد یکون بالعمل، و مثلها النّسبة بین الغدر و الکذب قال الشّاعر:

غاض الوفاء و فاض الغدر و اتّسعت          مسافة الخلف بین القول و العمل    

 إذا عرفت ذلک فأقول: إنّ الوفاء و الصّدق لما کانا متشارکین فی کونهما من جنود العقل متلازمین غالبا لاجرم شبّههما بالتّوأمین و قال علیه السّلام تشبیه (إنّ الوفاء توأم الصّدق) و ذلک إنّ التّوأم الولد المقارن للولد فی بطن واحد، فشبّه الوفاء به لتقارنه الصّدق بحسب العقل و تصاحبه معه غالبا (و لا أعلم جنّة أوقی منه) أی أشدّ وقایة منه من عذاب الآخرة و من عار الدّنیا المترتّبین علی الغدر و خلف

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 191

الوعد، مضافا إلی ما فیه من الثمرات و المنافع الاخر، و سنشیر إلی منافعه الأخرویة بعد الفراغ من شرح الخطبة، و أما الثمرات الدّنیویّة قمنها اعتماد الناس علی قول الوفیّ و ثقتهم به و رکونهم إلیه و استحقاق المدح و الثّناء عند الخالق و الخلائق، و من هنا قیل الوفاء ملیح و الغدر قبیح.

قال المطرزی فی شرح المقامات: السّمؤل یضرب به المثل فی الوفاء یقال أو فی من السمؤل، و من وفائه أنّ امرء القیس بن الحجر لما أراد الخروج استودع السمؤل دروعا فلما مات امرء القیس غزاه ملک من ملوک الشام فتحرز منه السمؤل، فأخذ ابنا له کان مع ظئر خارجا من الحصن، ثمّ صاح بالسمؤل فأشرف علیه ثمّ قال هذا ابنک فی یدی و قد علمت أنّ امرء القیس ابن عمّی و أنا احقّ بمیراثه، فان دفعت إلیّ الدّروع و إلّا ذبحت ابنک، فقال: أجّلنی، فأجّله فجمع أهل بیته و نساءه فشاورهم فکلّ أشار إلیه أن یدفع الدّروع، فقال: ما کنت لاحقّر أمانة فاصنع ما انت صانع إنّ الغدر طوق لا یبلی و لا بنی هذا اخوة فذبح الملک ابنه و هو ینظر إلیه، و رجع خائبا فلما دخلت أیّام الموسم وافی السّمؤل بالدّروع الموسم فدفعها إلی ورثة امرء القیس.

و فی الأثر إنّ النّعمان بن المنذر قد جعل له یومین، یوم بؤس من صادفه فیه قتله و أرداه، و یوم نعیم من لقی فیه أحسن إلیه و أغناه، و کان رجل من طیّ قد خرج لیطلب الرّزق لأولاده، فصادفه النّعمان فی یوم بؤسه فعلم الطائیّ أنّه مقتول، فقال: حیا اللّه الملک إنّ لی صبیة صغارا و لم یتفاوت الحال فی قتلی بین أوّل النّهار و آخره، فان رأی الملک أن اوصل إلیهم هذا القوت و أوصی بهم أهل المروّة من الحیّ ثمّ أعود للملک، فقال النعمان: لا إذن لک إلّا أن یضمنک رجل معنا فان لم ترجع قتلناه، و کان شریک بن عدیّ ندیم النعمان معه، فقال: أیّها الملک أنا أضمنه فمضی الطائیّ مسرعا و صار النعمان یقول لشریک جاء وقتک فتأهّب للقتل، فقال: لیس للملک علیّ سبیل حتّی یأتی المساء.

فلما قرب المساء قال النعمان: تأهّب للقتل، فقال شریک، هذا شخص قد لاح

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 192

مقبلا و أرجو أن یکون الطائی، فلما قرب إذا هو الطائی قد اشتدّ فی عدوه مسرعا حتّی وصل، فقال: خشیت أن ینقضی النّهار قبل وصولی فعدوت، ثمّ قال: أیّها الملک مر بأمرک، فأطرق النّعمان ثمّ رفع رأسه فقال: ما رأیت أعجب منکم، أما أنت یا طائی فما ترکت لأحد فی الوفاء مقاما یفتخر به، و أما أنت یا شریک فما ترکت لکریم سماحة یذکر بها فی الکرماء، فلا أکون أنا ألام الثلاثة ألا و إنّی قد رفعت یوم بؤسی عن النّاس و نقضت عادتی کرما لوفاء الطائی و کرم شریک، فقال له النعمان: ما حملک علی الوفاء و فیه اتلاف نفسک، فقال: من لا وفاء له لا دین له فأحسن إلیه النعمان و وصله بما أغناه.

ثمّ إنّه علیه السّلام بعد الترغیب فی الوفاء و بیان حسنه رهّب عن الغدر بقوله (و لا یغدر من علم کیف المرجع) یعنی من کان له علم بحالة الغادر فی الآخرة و بما یستحقّ به بغدره من الجحیم و العذاب الألیم، لا یصدر منه غدر و لا یکون له رغبة إلیه.

روی فی البحار من الکافی مسندا عن الاصبغ بن نباتة، قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام ذات یوم و هو یخطب علی المنبر بالکوفة: یا أیّها الناس لو لا کراهیة الغدر لکنت من أدهی النّاس الا أن لکلّ غدرة فجرة، و لکلّ فجرة کفرة ألا و إنّ الغدر و الفجور و الخیانة فی النّار هذا.

و لمّا بیّن حسن الوفاء و قبح الغدر أشار إلی ما علیه أکثر أهل زمانه من رغبتهم إلی الغدر و عدّهم ذلک حسنا و غفلتهم عن قبحه فقال: و (لقد أصبحنا فی زمان اتّخذ أکثر أهله الغدر) و الخدیعة (کیسا) و فطانة (و نسبهم أهل الجهل فیه إلی) صحة التّدبیر و (حسن الحیلة).

و ذلک لأنّ الغدر کثیرا ما یستلزم الذّکاء و التفطن لوجه الحیلة و ایقاعها بالمغد و ربه کما أنّ الکیس أیضا عبارة عن الفطانة وجودة الذّهن فی استخراج وجوه المصالح، فالغادر و الکیس یشترکان فی الاتصاف بالفطنة إلّا أنّ

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 193

الأوّل یستعمل فطنته فی استخراج وجوه الحیلة لجلب منفعة دنیویّة و إن خالفت القوانین الشّرعیّة، و الکیّس یستعمل تفطنه فی استنباط وجوه المصالح الکلیة علی وجه لا یخالف قواعد الشّریعة، فلدقّة الفرق استعمل الغادرون غدرهم فی موضع الکیس و نسبهم أهل الجهالة و الغفلة إلی صحّة الرأی و حسن الحیلة، کما کانوا یقولون فی عمرو بن العاص و المغیرة بن شعبة و لم یعلموا أنّ حیلة الغادر تخرجه إلی رذیلة الفجور و أنّه لا حسن فی حیلة جرّت الی رذیلة.

 (ما لهم) ای لهؤلاء الغادرین فی افتخارهم بغدرهم (قاتلهم اللّه) و أبعدهم من رحمته (قد یری الحوّل القلّب) أی کثیر البصیرة فی تحویل الامور و تقلیبها لاستنباط وجوه المصالح، و أراد به نفسه الشّریف و مقصوده أنّ الغدر و الخدیعة لیس قابلا لأنّ یفتخر به فانّ صاحب البصیرة ربّما یعرف (وجه الحیلة) کأنّه یراه عیانا (و) مع ذلک لا یقدم علیها لما یشاهد أنّ (دونها) أی دون الحیلة و العمل بها (مانع من أمر اللّه) بترکها (و نهیه) عن فعلها (فیدعها) و یترکها (رأی عین) أی مع رؤیته عیانا (بعد القدرة علیها) و تمکّنه منها تجنّبا من الرّذایل الموبقة و خوفا من اللّه سبحانه (و ینتهز فرصتها) و یبادر إلیها (من لا حریجة له فی الدّین) و لا مبالاة له فی أوامر الشّرع المبین و لا خوف له من اللّه ربّ العالمین.

تبصرة:

قد عرفت حسن الوفاء و أنّه ممّا یترتب علیه المدح و الثّواب، و قبح الغدر و أنّه ممّا یترتب علیه اللّوم و العقاب، فیکون الأوّل واجبا سواء کان فی عهود اللّه سبحانه أو عهود الخلق، و الآخر حراما، و قد اشیر إلی ذلک المعنی فی غیر موضع من القرآن و وردت بذلک أخبار کثیرة و لا بأس بالاشارة إلی بعضها فانّ الاستقصاء غیر ممکن.

فأقول: قال سبحانه فی سورة المائدة: «یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا أَوْفُوا بالْعُقُود»

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 194

ای بالعهود قال ابن عباس: و المراد بها العهود التی أخذ اللّه سبحانه علی عباده بالایمان به و طاعته فیما أحلّ لهم أو حرّم علیهم، و فی روایة اخری قال: ما هو أحلّ و حرّم و ما فرض و ما حدّ فی القرآن کلّه، أی فلا تتعدّوا و لا تنکثوا، و قیل المراد العقود التی یتعاقدها النّاس بینهم.

و فی سورة النّحل «وَ أَوْفُوا بعَهْد اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ» و فیها أیضا:

«وَ لا تَشْتَرُوا بعَهْد اللَّهِ ثَمَناً قَلِیلًا إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» قال الطبرسیّ: أی لا تخالفوا عهد اللّه بسبب شی ء یسیر تنالوه من حکّام الدّنیا فتکونوا قد بعتم عظیم ما عند اللّه بالشی ء الحقیر.

و فی سورة مریم: «وَ اذْکُرْ فِی الْکِتاب إِسْماعِیلَ إِنَّهُ کانَ صادقَ الْوَعْد وَ کانَ رَسُولًا نَبیًّا».

قال فی مجمع البیان: إذا وعد بشی ء و فی به و لم یخلف، قال ابن عبّاس: إنّه واعد رجلا أن ینتظره فی مکان و نسی الرّجل فانتظره سنة حتّی أتاه الرّجل، و عن الکافی عن الصادق، و العیون عن الرّضا علیهما السّلام ما فی معناه و الإسماعیل ابن خرقیل و قیل اسماعیل بن إبراهیم، و الأوّل رواه أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السّلام.

أقول: و لعلّه أراد بهذه الرّوایة ما رواه المحدّث العلامة المجلسی فی البحار عن الصّدوق باسناده عن الصّادق عن آبائه علیهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله إنّ أفضل الصّدقة صدقة اللّسان تحقن به الدّماء و تدفع به الکریهة و تجرّ المنفعة الی أخیک المسلم.

ثمّ قال: إنّ عابد بنی اسرائیل الذی کان أعبدهم کان یسعی فی حوائج النّاس عند الملک، و إنّه لقی اسماعیل بن خرقیل فقال لا تبرح حتّی أرجع الیک یا اسماعیل، فسهل عنه عند الملک فبقی عند الملک، فبقی اسماعیل إلی الحول هناک فأنبت اللّه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 195

لاسماعیل عشبا فکان یأکل منه و اجری له عینا و أظلّه بغمام فخرج الملک بعد ذلک إلی التّنزه و معه العابد فرأی اسماعیل: فقال له: إنّک لهاهنا یا اسماعیل: فقال له:

قلت لا تبرح فلم أبرح فسمّی صادق الوعد.

قال: و کان جبّار مع الملک فقال: أیّها الملک کذب هذا العبد قد مررت بهذه البرّیة فلم أراه ههنا، فقال اسماعیل إن کنت کاذبا فنزع اللّه صالح ما أعطاک قال فتناثرت أسنان الجبّار، فقال جبّار إنّی کذبت علی هذا العبد الصّالح فاطلب أن یدعو اللّه أن یردّ علیّ أسنانی فانی شیخ کبیر، فطلب إلیه الملک فقال: إنّی أفعل قال: الساعة، قال: لا، و أخّره إلی السّحر، ثمّ دعی ثمّ قال: یا فضل إنّ أفضل ما دعوتم اللّه بالأسحار، قال اللّه تعالی  وَ بالْأَسْحارِ هُمْ یَسْتَغْفِرُونَ .

و فی سورة الأحزاب: «مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضی نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدیلًا».

روی فی الصافی من الکافی عن الصّادق علیه السّلام أنّه قال المؤمن مؤمنان، فمؤمن صدق بعهد اللّه و وفی بشرط اللّه، و ذلک قول اللّه عزّ و جلّ  رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ ، و ذلک الذی لا یصیبه أهوال الدّنیا و لا أهوال الآخرة، و ذلک ممّن یشفع و لا یشفع له، و مؤمن کخامة الزّرع یعوج احیانا و یقوم احیانا، فذلک ممّن یصیبه أهوال الدّنیا و أهوال الآخرة، و ذلک ممّن یشفع له و لا یشفع.

و عنه علیه السّلام لقد ذکّرکم اللّه فی کتابه فقال «مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا...»، الآیة إنّکم و فیتم بما أخذ اللّه علیه میثاقکم من ولایتنا و انکم لم تبدلوا بنا غیرنا.

و فی سورة الصّف: «یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» الآیة و نحوها آیات أخر.

و أمّا الأخبار فمضافا إلی ما ذکرنا ما رواه فی الوسایل من الکافی باسناده عن شعیب العقرقوفی، عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فلیف إذا وعد.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 196

و من العلل باسناده عن عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام، یقول: إنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم وعد رجلا إلی صخرة فقال أنا لک ههنا حتّی تأتی، قال: فاشتدّت الشمس علیه فقال له أصحابه یا رسول اللّه لو أنک تحوّلت إلی الظلّ، قال صلّی اللّه علیه و آله و سلّم: قد وعدته إلی ههنا و إن لم یجی ء کان منه المحشر.

و فی کتاب تحف العقول قال: و من حکم أمیر المؤمنین علیه السّلام و ترغیبه و ترهیبه و وعظه أما بعد فانّ المکر و الخدیعة فی النار فکونوا من اللّه علی وجل و من صولته علی حذر إنّ اللّه لا یرضی لعباده بعد اعذاره و اندازه استطرادا و استدراجا لهم من حیث لا یعلمون، و لهذا یضلّ سعی العبد حتّی ینسی الوفاء بالعهد و یظنّ أنّه قد أحسن صنعا.

و لا یزال کذلک فی ظنّ و رجاء و غفلة عمّا جاءه من النباء یعقد علی نفسه العقد و یهلکها بکل الجهد و هو فی مهلة من اللّه علی عهد (عمد خ) یهوی مع الغافلین، و یغدو مع المذنبین و یجادل فی طاعة اللّه المؤمنین، و یستحسن تمویه المترفین «المسرفین خ»، فهؤلاء قوم شرحت قلوبهم بالشّبهة، و تطاولوا علی غیرهم بالفریة، و حسبوا أنّها للّه قربة.

و ذلک لأنّهم عملوا بالهواء، و غیّروا کلام الحکماء، و حرّفوه بجهل و عمی و طلبوا به السّمعة و الرّیاء، بلا سبیل قاصدة، و لا أعلام جاریة، و لا منار معلوم إلی أمدهم و الی منهل هم واردوه حتّی إذا کشف اللّه لهم عن ثواب سیاستهم، و استخرجهم من جلابیب غفلتهم، استقبلوا مدبرا و استدبروا مقبلا، فلم ینتفعوا بما أدرکوا من امنیّتهم، و لا بما نالوا من طلبتهم، و لا ما قضوا من وطرهم، و صار ذلک علیهم و بالافصاروا یهربون ممّا کانوا یطلبون.

و إنّی احذّرکم هذه المنزلة، و آمرکم بتقوی اللّه الذی لا ینفع غیره فلینتفع بتقیة «بنفسه خ ل» إن کان صادقا علی ما یحنّ ضمیره، فانّ البصیر من سمع و تفکّر و نظر فأبصر، و انتفع بالعبر، و سلک جددا واضحا یتجنّب فیه الصّرعة فی الهوی،

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 197

و یتنکّب طریق العمی، و لا یعین علی فساد نفسه الغوات بتعسّف فی حقّ أو تحریف فی نطق أو تغییر فی صدق، و لا قوّة إلّا باللّه، الحدیث.

و فی حدیث الائمة إنّ اللّه أخذ من شیعتنا المیثاق کما أخذ علی بنی آدم أ لست بربکم فمن و فی لنا و فی اللّه له بالجنّة.

و عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم و یجی ء کلّ غادر یوم القیامة بامام مایل شدقه  «1» حتّی یدخل النّار هذا.

و قد ظهر لک ممّا ذکرناه و رویناه أنّ متعلّق الوفاء أعمّ من عهود اللّه سبحانه و مواثیقه التّی أخذها من العباد، و من عهود النّاس و شروط بعضهم مع بعض و مواثیقهم الموافقة للقوانین الشّرعیة، و الاولی عامة لاصول العقائد من التّوحید و النّبوة و الولایة حیث أخذ میثاق النّاس علیها فی عالم الذّرّ، و بالسّنة الأنبیاء و الرّسل و الکتب المنزلة، و الفروع العقائد من العبادات البدنیة و الواجبات العملیة، و الثانیة شاملة للعقود التی یتعاقدونها بینهم من البیع و الصّلح و الاجارة و نحوها، و للعهود و العدات المجرّدة عن العقد.

و ثمرة الوفاء بالاولی الترقّی الی مدارج الکمال و الیقین و الطیران فی حظیرة القدس مع الأولیاء المقرّبین، و ثمرة الوفاء بالفروع البدنیّة النجاة من الجحیم و الخلاص من العذاب الألیم، و نتیجة الوفاء بالعقود المعقودة استکمال النّظام و حصول الانتظام، و بالعهود المجرّدة اقتاء الفضایل و اجتناب الرّذایل.

و الظاهر من کلامه علیه السّلام الذی نحن فی شرحه هو أنّ مراده بالوفاء هو وفاء الناس بما یتعاهدون بینهم، و بالغدر الغدر المقابل له، و غیر خفیّ أنّ حسن الوفاء و وجوبه إنما هو فی حقّ أهل الوفاء کما أشار إلیه أمیر المؤمنین علیه السّلام فی بعض کلماته: الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، و الغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.

یعنی أنّه إذا کان بینهما عهد و مشارطة فغدر أحدهما و خالف شرطه فیجوز للآخر نقض العهد أیضا، و لا یجب له الوفاء بل یکون وفائه فی حقّه غدرا قبیحا،


 (1) الشدق بالکسر و بفتح الدّال المهملة طفطفة الفم من باطن الخدّین، ق.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 4، ص: 198

و غدره وفاء متّصفا بالحسن، و ذلک لأنّ اللّه سبحانه قد أمر بالوفاء مع وفاء الطرف الآخر و بالنقض مع نقضه کما اشیر الیه فی قوله:

کَیْفَ یَکُونُ لِلْمُشْرِکِینَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذینَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِد الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَکُمْ فَاسْتَقِیمُوا لَهُمْ  فیکون الوفاء مع مخالفة الطرف الآخر مخالفا لأمر اللّه و لحکمه الذی کان یجب علیه امتثاله و الالتزام به، فیکون ذلک الوفاء غدرا فی حکم اللّه و یترّتب علیه أثره، و الغدر له امتثالا لأمر اللّه و وفاء بحکم اللّه فیستحقّ الثناء الجمیل و الأجر الجزیل، و یحتمل أن یکون المراد أنّه یترّتب علی الموفی إثم الغادر و علی الغادر أجر الموفی، و اللّه العالم.

الترجمة:

از جمله خطب آن حضرتست در مدح وفا و ذمّ غدر می فرماید:

بدرستی که وفا نمودن بعهد همزاد راستی و درستی است، و نمی دانم هیچ سپری که نگاه دارنده تر باشد از این خصلت، و غدر نمی کند کسی که داند که چگونه است بازگشت بخدا، و بتحقیق که صباح کرده ایم در زمانی که أخذ نموده اند بیشترین أهل آن زمان بی وفائی را کیاست و زیرکی، و نسبت داده أهل جهالت جماعت غدار را در آن روزگار به نیکوئی حیلت و فراست، چیست این جماعت را خدا دور گرداند ایشان را از رحمت خود در هر دو جهان بدرستی که می بیند مردی که صاحب بصیرتست در تحویل امور و تقلیب آنها و در استنباط وجوه مصالح ظاهر حیله را و حال آنکه نزد آن حیله مانعی است از امر خدا و نهی او، پس ترک می کند آن حیله را در حال دیدن آن بچشم بعد از قدرت او بر آن بجهت خوف از عقاب خداوند، و غنیمت می شمارد مجال آن را کسی که صاحب پرهیز از گناه نیست در دین.