[hadith]تواضع الأنبیاء:

وَ لَقَدْ دَخَلَ مُوسَی بْنُ عِمْرَانَ وَ مَعَهُ أَخُوهُ هَارُونُ عَلَی فِرْعَوْنَ وَ عَلَیْهِمَا مَدَارِعُ الصُّوفِ وَ بأَیْدیهِمَا الْعِصِیُّ فَشَرَطَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ بَقَاءَ مُلْکِهِ وَ دَوَامَ عِزِّهِ؛ فَقَالَ أَ لَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَیْنِ یَشْرِطَانِ لِی دَوَامَ الْعِزِّ وَ بَقَاءَ الْمُلْکِ وَ هُمَا بمَا تَرَوْنَ مِنْ حَالِ الْفَقْرِ وَ الذُّلِّ؟ فَهَلَّا أُلْقِیَ عَلَیْهِمَا أَسَاوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ إِعْظَاماً لِلذَّهَب وَ جَمْعِهِ وَ احْتِقَاراً لِلصُّوفِ وَ لُبْسهِ؟ وَ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِأَنْبیَائِهِ حَیْثُ بَعَثَهُمْ أَنْ یَفْتَحَ لَهُمْ کُنُوزَ الذِّهْبَانِ وَ مَعَادنَ الْعِقْیَانِ وَ مَغَارِسَ الْجِنَانِ وَ أَنْ یَحْشُرَ مَعَهُمْ طُیُورَ السَّمَاءِ وَ وُحُوشَ الْأَرَضِینَ لَفَعَلَ، وَ لَوْ فَعَلَ لَسَقَطَ الْبَلَاءُ وَ بَطَلَ الْجَزَاءُ وَ اضْمَحَلَّتِ الْأَنْبَاءُ وَ لَمَا وَجَبَ لِلْقَابلِینَ أُجُورُ الْمُبْتَلَیْنَ وَ لَا اسْتَحَقَّ الْمُؤْمِنُونَ ثَوَابَ الْمُحْسنِینَ وَ لَا لَزمَتِ الْأَسْمَاءُ مَعَانِیَهَا؛ وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ رُسُلَهُ أُولِی قُوَّةٍ فِی عَزَائِمِهِمْ وَ ضَعَفَةً فِیمَا تَرَی الْأَعْیُنُ مِنْ حَالاتِهِمْ مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلَأُ الْقُلُوبَ وَ الْعُیُونَ غِنًی وَ خَصَاصَةٍ تَمْلَأُ الْأَبْصَارَ وَ الْأَسْمَاعَ أَذًی. وَ لَوْ کَانَتِ الْأَنْبیَاءُ أَهْلَ قُوَّةٍ لَا تُرَامُ وَ عِزَّةٍ لَا تُضَامُ وَ مُلْکٍ تُمَدُّ نَحْوَهُ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تُشَدُّ إِلَیْهِ عُقَدُ الرِّحَالِ، لَکَانَ ذَلِکَ أَهْوَنَ عَلَی الْخَلْقِ فِی الِاعْتِبَارِ وَ أَبْعَدَ لَهُمْ [مِنَ‏] فِی الِاسْتِکْبَارِ، وَ لَآمَنُوا عَنْ رَهْبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُمْ أَوْ رَغْبَةٍ مَائِلَةٍ بهِمْ، فَکَانَتِ النِّیَّاتُ مُشْتَرَکَةً وَ الْحَسَنَاتُ مُقْتَسَمَةً؛ وَ لَکِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ یَکُونَ الِاتِّبَاعُ لِرُسُلِهِ وَ التَّصْدیقُ بکُتُبهِ وَ الْخُشُوعُ لِوَجْهِهِ وَ الِاسْتِکَانَةُ لِأَمْرِهِ وَ الِاسْتِسْلَامُ لِطَاعَتِهِ أُمُوراً لَهُ خَاصَّةً، لَا تَشُوبُهَا [یَشُوبُهَا] مِنْ غَیْرِهَا شَائِبَةٌ، وَ کُلَّمَا کَانَتِ الْبَلْوَی وَ الِاخْتِبَارُ أَعْظَمَ، کَانَتِ الْمَثُوبَةُ وَ الْجَزَاءُ أَجْزَلَ‏.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 317

و قد دخل موسی بن عمران و معه أخوه هارون علیهما السّلام علی فرعون و علیهما مدارع الصّوف، و بأیدیهما العصیّ، فشرطا له إن أسلم بقاء ملکه و دوام عزّه، فقال: أ لا تعجبون من هذین یشرطان لی دوام العزّ و بقاء الملک و هما بما ترون من حال الفقر و الذّلّ، فهلّا ألقی علیهما أساورة من ذهب، اعظاما للذّهب و جمعه، و احتقارا للصّوف و لبسه. (44256- 43863)

اللغة:

و (المدارع) جمع مدرعة بالکسر و هی کالکساء و تدرّع الرّجل لبس المدرعة و (العصیّ) کقسیّ جمع عصا.

الاعراب:

و الباء فی قوله بما ترون بمعنی فی، و جملة ألا تعجبون إلی قوله من ذهب مقول قال، و إعظاما مفعول لأجله لقال، و یحتمل الانتصاب علی الحال فیکون المصدر بمعنی الفاعل أی قال ذلک معظما للذّهب و محتقرا للصّوف.

المعنی:

و عقّبه بذکر قصّة موسی و فرعون لزیادة الایضاح فقال: (و) ل (قد دخل) کلیم اللّه (موسی بن عمران و معه أخوه هارون علیهما السّلام علی فرعون) اللعین بالرّسالة من ربّ العالمین (و علیهما مدارع الصّوف و بأیدیهما العصی ف) دعیاه إلی الایمان باللّه و التصدیق به و (شرطا له إن أسلم بقاء ملکه و دوام عزّه) و إنما شرطا له ذلک لأنّ قبول الدّعوة مع هذا الشرط أسهل فهو أقطع لوزره (فقال) نحوة و استکبارا للملاء حوله (ألا تعجبون من هذین) الاتیان باسم الاشارة للتحقیر کما فی قوله  وَ إِذا رَآکَ الَّذینَ کَفَرُوا أی هذا الحقیر المسترذل یعنی به إبراهیم علیه السّلام.

 (یشرطان لی دوام العزّ و بقاء الملک و هما) متلبّسان (بما ترون من حال الفقر و الذّل فهلا القی علیهما أساورة من ذهب).

قال صاحب التلخیص: هلّا فی الماضی للتندیم، و قال شارح التلخیص و مع هذا فلا یخلو من ضرب من التوبیخ و اللوم علی ما کان یجب أن یفعله المخاطب قبل أن یطلب منه، انتهی.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 318

و علی هذا فالمراد استحقارهما و توبیخهما علی الخلوّ من الزینة و التجمل، فانهم کانوا إذا سوّروا رجلا سوّروه بسوار من ذهب و طوّقوه بطوق من ذهب.

و قد ورد فی الکتاب الکریم حکایة هذا المعنی عن فرعون نحو ما أورده أمیر المؤمنین علیه السّلام هنا قال تعالی فی سورة الزّخرف «وَ نادی  فِرْعَوْنُ فِی قَوْمِهِ قالَ یا قَوْمِ أَ لَیْسَ لِی مُلْکُ مِصْرَ وَ هذهِ الْأَنْهارُ تَجْرِی مِنْ تَحْتِی أَ فَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَیْرٌ مِنْ هذَا الَّذی هُوَ مَهِینٌ وَ لا یَکادُ یُبینُ. فَلَوْ لا أُلْقِیَ عَلَیْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِکَةُ مُقْتَرِنِینَ» .

أی أفلا تبصرون هذا الملک العظیم و قوّتی و ضعف موسی، بل أنا خیر من هذا الذی هو ضعیف حقیر و لا یکاد یفصح بکلامه و حججه للعقدة الّتی فی لسانه، فلو لا القی علیه أسورة من ذهب و مقالید الملک إن کان صادقا و إنما قال ذلک (اعظاما للذّهب و جمعه و احتقارا للصّوف و لبسه).

تذییل:

ینبنی أن نورد هنا شطرا من قصّة بعث موسی علیه السّلام إلی فرعون اللّعین.

قال المحدّث العلّامة المجلسی قدّس اللّه روحه فی المجلّد الخامس من البحار:

قال الثعلبی: قال العلماء بأخبار الماضین: لما کلّم اللّه موسی و بعثه إلی مصر خرج و لا علم له بالطریق، و کان اللّه تعالی یهدیه و یدلّه و لیس معه زاد و لا سلاح و لا حمولة و لا شیء غیر عصاه و مدرعة صوف و قلنسوة من صوف و نعلین، یظلّ صائما و یبیت قائما و یستعین بالصید و یعول الأرض حتی ورد مصر، و لما قرب من مصر أوحی اللّه إلی أخیه هارون یبشّروه بقدوم موسی علیه السّلام و یخبره أنّه قد جعله لموسی وزیرا و رسولا معه إلی فرعون، و أمره أن یمرّ یوم السّبت لغرّة ذی الحجة متنکرا إلی شاطی النیل لیلقی فی تلک الساعة بموسی قال: فخرج هارون و أقبل موسی علیه السّلام فالتقیا علی شط النیل قبل طلوع الشمس فاتفق أنه کان یوم ورود الأسد الماء، و کان لفرعون أسد تحرسه فی غیضة محیطة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 319

بالمدینة من حولها، و کانت ترد الماء غبّا، و کان فرعون إذ ذاک فی مدینة حصینة علیها سبعون سورا فی کلّ سور رساتیق و أنهار و مزارع و أرض واسعة، فی ربض  «1» کلّ سور سبعون ألف مقاتل.

و من وراء تلک المدینة غیضة تولی فرعون غرسها بنفسه و عمل فیها و سقاها بالنیل ثمّ أسکنها الأسد، فنسلت و توالدت حتی کثرت، ثمّ اتخذها جندا من جنوده تحرسه، و جعل خلال تلک الغیضة طرقا تقضی من یسلکها إلی باب من أبواب المدینة معلومة لیس لتلک الأبواب طریق غیرها فمن أخطأ وقع فی الغیضة فأکلته الأسد، و کانت الاسود إذا وردت النیل ظلّ علیها یومها کلّها، ثمّ تصدر مع اللّیل.

فالتقی موسی و هارون علیهما السّلام یوم ورودها فلما أبصرتهما الأسد مدّت أعناقها و رؤوسها إلیهما و شخصت أبصارها نحوهما و قذف اللّه فی قلوبها الرّعب فانطلقت نحو الغیضة منهزمة هاربة علی وجوهها تطأ بعضها بعضا حتی اندست فی الغیضة، و کان له ساسة یسوسونها و ذادة یذودونها و یشلونها «2» بالناس، فلما أصابها ما أصابها خاف ساستها فرعون و لم یشعروا من أین أتوا.

فانطلق موسی و هارون علیهما السّلام فی تلک المسبعة حتی وصلا إلی باب المدینة الأعظم الذی هو أقرب أبوابها إلی منزل فرعون، و کان منه یدخل و منه یخرج، و ذلک لیلة الاثنین بعد هلال ذی الحجة بیوم، فأقاما علیه سبعة أیام فکلّمهما واحد من الحراس و زبرهما و قال لهما: هل تدریان لمن هذا الباب؟ فقال: إنّ هذا الباب و الأرض کلّها و ما فیها لربّ العالمین و أهلها عبید له، فسمع ذلک الرّجل قولا لم یسمع مثله قط و لم یظنّ أنّ أحدا من الناس یفصح بمثله، فلما سمع ما سمع أسرع إلی کبرائه الذین فوقه فقال لهم: سمعت الیوم قولا و عاینت عجبا من رجلین هو أعظم عندی و أفظع و أشنع مما أصابنا فی الأسد، و ما کانا لیقدما علی ما أقدما علیه الّا بسحر عظیم، و أخبرهم القصّة، فلا یزال ذلک یتداول بینهم حتّی انتهی إلی فرعون.


 (1)- ربض المدینة بالتحریک ما حولها، م

 (2)- اشلیت الکلب علی الصید أغریته، م.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 320

و قال السّدی: سار موسی علیه السّلام بأهله نحو مصر حتی أتاها لیلا فتضیف امّه و هی لا تعرفه و إنما أتاهم فی لیلة کانوا یأکلون فیها الطفیشل  «1» و نزل فی جانب الدار، فجاء هارون فلما أبصر ضیفه سأل عنه امّه فأخبرته أنّه ضیف، فدعاه فأکل معه فلما أن قعد تحدّثا فسأله هارون فقال: من أنت؟ قال: أنا موسی، فقام کلّ واحد منهما إلی صاحبه فاعتنقه فلما أن تعارفا قال له موسی: یا هارون انطلق معی الی فرعون فانّ اللّه عزّ و جلّ قد أرسلنا إلیه، فقال هارون: سمعا و طاعة، فقامت امّهما فصاحت و قالت: انشد کما اللّه أن تذهبا إلی فرعون فیقتلکما، فأبیا و مضیا لأمر اللّه سبحانه فانطلقا إلیه لیلا، فأتیا الباب و التمسا الدّخول علیه لیلا، فقرعا الباب ففزع فرعون و فزع البواب، و قال فرعون: من هذا الذی یضرب بابی الساعة فأشرف. علیهما البّواب فکلّمهما موسی: أنا رسول ربّ العالمین فأتی فرعون فأخبره و قال: إنّ هنا إنسانا مجنونا یزعم أنه رسول ربّ العالمین.

و قال محمد بن إسحاق بن یسار: خرج موسی علیه السّلام لما بعثه اللّه سبحانه حین قدم مصر علی فرعون هو و أخوه هارون حتّی وقفا علی باب فرعون یلتمسان الاذن علیه و هما یقولان: إنا رسول «لا» ربّ العالمین فأذنوا بنا هذا الرّجل، فمکثا سنتین یغدوان إلی بابه و یروحان لا یعلم بهما و لا یجتری أحد أن یخبره بشأنهما حتّی دخل علیه بطال له یلعب عنده و یضحکه فقال له: أیّها الملک إنّ علی بابک رجلا یقول قولا عظیما عجیبا یزعم أنّ له إلها غیرک، فقال: ببابی؟! ادخلوه، فدخل موسی و معه هارون علی فرعون، فلما وقفا عنده قال فرعون لموسی: من أنت؟ قال: أنا رسول ربّ العالمین، فتأمّله فرعون فعرفه.

فقال له: «أَ لَمْ نُرَبِّکَ فِینا وَلِیداً وَ لَبثْتَ فِینا مِنْ عُمُرِکَ سنِینَ. وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِی فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْکافِرِینَ» معناه علی دیننا هذا الّذی تعیبه قال: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ  المخطئین و لم أرد بذلک القتل- ففررت منکم لمّا خفتکم فوهب لی ربّی حکما أی نبوّة وَ جَعَلَنِی مِنَ الْمُرْسَلِینَ»


 (1)- کسمیدع نوع من المرق.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 321

 ثمّ أقبل موسی ینکر علیه ما ذکر فقال «وَ تِلْکَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَیَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِی إِسْرائِیلَ»  أی اتّخذتهم عبیدا تنزع أبناءهم من أیدیهم تسترق من شئت أی إنّما صیّرنی إلیک ذلک  «قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِینَ. قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَیْنَهُمَا إِنْ کُنْتُمْ مُوقِنِینَ. قالَ -فرعون- لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ» إنکارا لما قال «قال» موسی «رَبُّکُمْ وَ رَبُّ آبائِکُمُ الْأَوَّلِینَ. قالَ -فرعون- إِنَّ رَسُولَکُمُ الَّذی أُرْسلَ إِلَیْکُمْ»  یعنی ما هذا الکلام صحیح إذ یزعم أنّ لکم إلها غیری  «قالَ -موسی- قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِب وَ ما بَیْنَهُما إِنْ کُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» فرعون لموسی  «قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَیْرِی لَأَجْعَلَنَّکَ مِنَ الْمَسْجُونِینَ قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُکَ بشَیْءٍ» تعرف به صدقی و کذبک و حقّی و باطلک. «قالَ*- فرعون- قالَ فَأْتِ بهِ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادقِینَ فَأَلْقی عَصاهُ فَإِذا هِیَ ثُعْبانٌ...» فاتحة فاها قد ملأت ما بین سماطی فرعون واضعة لحییها الأسفل فی الأرض و الأعلی فی سور القصر حتّی رأی بعض من کان خارجا من مدینة مصر رأسها، ثمّ توجهت نحو فرعون لتأخذه فارفض عنها النّاس و زعر عنها فرعون و وثب عن سریره و أحدث حتّی قام به بطنه فی یومه ذلک أربعین مرّة و کان فیما یزعمون أنه لا یسعل و لا یصدع و لا یصیبه آفة مما یصیب الناس و کان یقوم فی أربعین یوما مرّة و کان اکثر ما یأکل الموز لکیلا یکون له ثقل فیحتاج إلی القیام به و کان هذه الأشیاء ممّا زیّن له أن قال ما قال لأنّه لیس له من الناس شبیه.

قالوا: فلما قصدته الحیّة صاح یا موسی انشدک باللّه و حرمة الرضاع إلّا أخذتها و کففتها عنّی و إنی او من بک و ارسل معک بنی اسرائیل، فأخذها موسی فعادت عصا کما کانت ثمّ نزع یده من حبیبه فأخرجها بیضاء من الثلج لها شعاع کشعاع الشمس، فقال له فرعون: هذه یدک فلما قالها فرعون أدخلها موسی جیبه ثمّ أخرجها الثانیة لها نور ساطع فی السماء تکلّ منها الأبصار و قد أضاءت ما حولها یدخل نورها فی البیوت و یری من الکوا من وراء الحجب، فلم یستطع فرعون النظر الیها، ثمّ ردّها موسی إلی جیبه ثمّ أخرجها فإذا هی علی لونها الأوّل.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 322

قالوا: فهمّ فرعون بتصدیقه فقام الیه هامان و جلس بین یدیه فقال له: بینا أنت اله تعبد إذا أنت تابع لعبد، فقال فرعون لموسی: أمهلنی الیوم الی غدو أوحی اللّه تعالی إلی موسی أن قل لفرعون إنک إن آمنت باللّه وحده عمرتک فی ملکک و رددت شابا طریا، فاستنظره فرعون، فلما کان من الغد دخل علیه هامان فأخبره فرعون بما وعده موسی من ربّه فقال هامان: و اللّه ما یعدل هذا عبادة هؤلاء لک یوما واحدا و نفخ فی منخره ثمّ قال له هامان أنا أردک شابا، فأتا بالوسمة فخضبه بها فلما دخل علیه موسی فرآه علی تلک الحالة هاله ذلک، فأوحی اللّه إلیه لا یهولنک ما رأیت فانه لا یلبث الّا قلیلا حتّی یعود إلی الحالة الاولی.

و فی بعض الروایات أنّ موسی و هارون علیهما السّلام لما انصرفا من عند فرعون أصابهما المطر فی الطریق فأتیا علی عجوز من أقرباء امّهما و وجّه فرعون الطلب فی أثرهما، فلما دخل علیهما اللّیل ناما فی دارها و جاءت الطلب إلی الباب و العجوز منتبهة، فلمّا أحسّت بهم خافت علیهما فخرجت العصا من صبر «1» الباب و العجوز تنظر، فقاتلهم حتّی قتلت منهم سبعة أنفس ثمّ عادت و دخلت الدار، فلما انتبه موسی و هارون علیهما السلام أخبرتهما بقصّة الطلب و نکایة العصا منهم فامنت بهما و صدقتهما.

ثمّ قال الثعلبی: قالت العلماء بأخبار الأنبیاء: إنّ موسی و هارون وضع فرعون أمرهما و ما أتیا به من سلطان اللّه سبحانه علی السحر و قال للملاء من قومه إن هذان لساحران یریدان أن یخرجاکم من أرضکم بسحرهما فما ذا تأمرون أ أقتلهما؟ فقال العبد الصالح خربیل مؤمن آل فرعون: «أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ وَ قَدْ جاءَکُمْ بالْبَیِّناتِ مِنْ رَبِّکُمْ - إلی قوله- یا قَوْمِ لَکُمُ الْمُلْکُ الْیَوْمَ ظاهِرِینَ فِی الْأَرْضِ فَمَنْ یَنْصُرُنا مِنْ بَأْس اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِیکُمْ إِلَّا...». و قال الملا من قوم فرعون  «أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِی الْمَدائِنِ حاشرِینَ یَأْتُوکَ بکُلِّ سَحَّارٍ عَلِیمٍ» و کانت لفرعون مدائن فیها


 (1) الصبر بالکسر شق الباب، لغة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 323

السحرة عدّة للامر إذا حزیه. «1» و قال ابن عبّاس: قال فرعون لما رأی من سلطان اللّه فی الید و العصا: إنا لا نغالب موسی إلّا بمن هو مثله، فأخذ غلمانا من بنی اسرائیل فبعث بهم إلی قریة یقال له الغرماء یعلّمونهم السحر کما یعلّمون الصبیان الکتاب فی الکتاب فعلّموهم سحرا کثیرا و واعد فرعون موسی موعدا، فبعث فرعون إلی السحرة فجاء بهم و معهم معلّمهم، فقالوا له: ما ذا صنعت؟ فقال: قد علّمتهم سحرا لا یطیقه سحر أهل الأرض إلّا أن یکون أمر من السماء فانّه لا طاقة لهم به، ثمّ بعث فرعون الشرطی فی مملکته فلم یترک ساحرا فی سلطانه إلّا أتی به.

و اختلفوا فی عدد السحرة الذین جمعهم فرعون.

فقال مقاتل: کانوا اثنین و سبعین ساحرا اثنان منهم من القبط و هما رأسا القوم و سبعون من بنی اسرائیل.

و قال الکلبی کانوا سبعین ساحرا غیر رئیسهم و کان الّذی یعلّمهم ذلک رجلین مجوسیّین من أهل نینوی.

و قال السّدی کانوا بضعا و ثلاثین ألفا.

و قال عکرمة سبعین ألفا.

و قال محمّد بن المنکدر ثمانین ألفا.

فاختار منهم سبعة آلاف لیس منهم إلّا ساحر ماهر، ثمّ اختار منهم سبعمائة، ثمّ اختار من اولئک السبعمائة سبعین من کبرائهم و علمائهم.

قال مقاتل و کان رئیس السحرة اخوین بأقصی مداین مصر، فلما جاءهما رسول فرعون قالا لامّهما دلّینا علی قبر أبینا، فدلّتهما علیه فأتیاه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا: إنّ الملک وجّه الینا أن نقدم علیه لأنه أتاه رجلان لیس معهما رجال و لا سلاح و لهما عزّ و منعة و قد ضاق الملک ذرعا من عزّهما و معهما عصا إذا ألقیاها لا یقوم لها شیء تبلع الحدید و الخشب و الحجر، فأجابهما أبوهما انظر إذا هما ناما


 (1) حزیه الامر ای اصابه، لغة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 324

فان قدرتما أن تسلا العصا فسلاها، فانّ الساحر لا یعمل سحره و هو نائم، و إن عملت العصا و هما نائمان فذلک أمر ربّ العالمین و لا طاقة لکما به و لا للملک و لا لجمیع أهل الدّنیا، فأتیاهما فی خفیة و هما نائمان لیأخذا العصا فقصدتهما العصا.

قالوا: ثمّ واعدوه یوم الزینة و کانوا یوم سوق عن سعید بن جبیر، و قال ابن عباس کان یوم عاشورا و وافق ذلک یوم السّبت فی أوّل یوم من السنة و هو یوم النیروز و کان یوم عید لهم یجتمع الیه الناس من الافاق، قال عبد الرّحمن بن زید بن اسلم و کان اجتماعهم للمیقات بالاسکندریة و یقال بلع ذنب الحیّة من وراء البحیرة یومئذ.

قالوا: ثمّ قال السحرة لفرعون  «وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً. ... قالَ نَعَمْ وَ إِنَّکُمْ إِذاً لَمِنَ» عندی فی المنزلة، فلما اجتمع النّاس جاء موسی علیه السّلام و هو متّکی علی عصاه و معه أخوه هارون حتّی اتا الجمع و فرعون فی مجلسه مع أشراف قومه فقال موسی للسحرة حین جاءهم  «وَیْلَکُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَی اللَّهِ کَذباً فَیُسْحِتَکُمْ بعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَری » فتناجی السحرة بینهم و قال بعضهم لبعض ما هذا قول ساحر فذلک قوله تعالی  فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَیْنَهُمْ وَ أَسَرُّوا النَّجْوی  فقالت السحرة لنأتینّک الیوم بسحر لم تر مثله، و قالوا بعزّة فرعون إنّا لنجن الغالبون و کانوا قد جاءوا بالعصیّ و الحبال تحملها ستّون بعیرا.

فلما أبوا إلّا الاصرار علی السّحر قالوا لموسی: إما أن تلقی و إما أن نکون أوّل من ألقی، قال بل ألقوا أنتم فألقوا حبالهم و عصیّهم فاذا هی حیّات کأمثال الجبال قد ملأت الوادی یرکب بعضها بعضها تسعی، فذلک قوله تعالی  «قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سحْرِهِمْ»  و قال و اللّه ان کانت لعصیّا فی أیدیهم و لقد عادت حیّات و ما یعدّون عصای هذه أو کما حدث نفسه فأوحی اللّه تعالی الیه  «قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الْأَعْلی وَ أَلْقِ ما فِی یَمِینِکَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا کَیْدُ ساحِرٍ وَ لا یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أتی».

ففرّج عن موسی و ألقی عصاه من یده فاذا هی ثعبان مبین کأعظم ما یکون أسود مدلهم علی أربع قوائم غلاظ شداد و هو أعظم و أطول من البختی و له ذنب یقوم

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 325

علیه فیشرف فوق حیطان المدینة رأسه و عنقه و کاهله لا یضرب ذنبه علی شیء إلّا حطمه و قصمه و یکسر بقوائمه الصخور الصمّ الصّلاب و یطحن کلّ شیء و یضرم حیطان البیوت بنفسه نارا، و له عینان تلتهبان نارا و منخران تنفخان سموما، و علی مفرقه کأمثال الرّماح، و صارت الشعبتان له فیما سعته اثنا عشر ذراعا، و فیه أنیاب و اضراس و له صحیح و کشیش و صریر و صریف فاستعرضت ما القی السحرة من حبالهم و عصیّهم و هی حیّات فی عین فرعون و أعین الناس تسعی تلقفها و تبتلعها واحدا واحدا حتّی ما یری فی الوادی قلیل و لا کثیر مما ألقوا، و انهزم الناس فزعین هاربین منقلبین، فتزاحموا و تساقطوا و وطیء بعضهم بعضا حتّی مات منهم یومئذ فی ذلک الزحام و مواطیء الأقدام خمسة و عشرون ألفا، و انهزم فرعون فیمن انهزم منخوبا «1» مرعوبا عازبا عقله و قد استطلق بطنه فی یومه ذلک أربعمائة مرّة ثمّ بعد ذلک إلی أربعین مرّة فی الیوم و اللیلة علی الدوام إلی أن هلک.

فلما انهزم الناس و عاین السحرة ما عاینوا و قالوا لو کان سحرا لما غلبنا و لما خفی علینا أمره، و لئن کان سحرا فأین حبالنا و عصیّنا، فالقوا سجّدا و قالوا آمنا بربّ العالمین ربّ موسی و هرون، و کان فیهم اثنان و سبعون شیخا قد انحنت ظهورهم من الکبر و کانوا علماء السحرة و کان رئیس جماعتهم أربعة نفر سابور و عادور و حطحط و مصّفادهم الذین آمنوا و رأوا ما رأوا من سلطان اللّه ثمّ آمنت السحرة کلّهم.

فلما رأی فرعون ذلک اسف و قال لهم متجلّدا «قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبیرُکُمُ الَّذی عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَیْدیَکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِی جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَیُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقی  قالُوا لَنْ نُؤْثِرَکَ عَلی  ما جاءَنا مِنَ الْبَیِّناتِ وَ الَّذی فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِی هذهِ الْحَیاةَ الدُّنْیا إِنَّا آمَنَّا برَبِّنا لِیَغْفِرَ لَنا خَطایانا وَ ما أَکْرَهْتَنا عَلَیْهِ مِنَ السِّحْرِ وَ اللَّهُ خَیْرٌ وَ...» فقطع ایدیهم و أرجلهم من خلاف و صلبهم علی جذوع النّخل و هو أوّل من فعل ذلک فأصبحوا سحرة کفرة و امسوا شهداء بررة و رجع فرعون مغلوبا معلولا،


 (1)- المنخوب الجبان الذی لا فؤاد له، م.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 326

ثمّ أبی إلّا إقامة علی الکفر و التمادی فیه فتابع اللّه تعالی بالایات و أخذه و قومه بالسنین إلی أن أهلکهم.

و خرج موسی علیه السّلام راجعا إلی قومه و العصا علی حالها حیّة تتبعه و تبصبص حوله و تلوذ به کما یلوذ الکلب الألوف بصاحبه و الناس ینظرون إلیها ینخزلون و یتضاغطون حتّی وصل موسی علیه السّلام عسکر بنی اسرائیل و أخذ برأسها فاذا هی عصاه کما کانت أوّل مرّة، و شتّت اللّه علی فرعون أمره و لم یجد علی موسی سبیلا، فاعتزل موسی فی مدینته و لحق بقومه و عسکروا مجتمعین الی أن صاروا ظاهرین کافرین و الحمد للّه ربّ العالمین.

الترجمة:

و بتحقیق که داخل شد موسی بن عمران علیه السّلام در حالتی که با او بود برادر او هارون علیه السّلام بر فرعون ملعون و بر ایشان بود خرقهای پشمین، و بر دست ایشان بود عصای چوبین، پس شرط کردند از برای فرعون اگر مسلمان شود باقی بودن پادشاهی او را، و همیشگی عزّت و سلطنت او را، پس گفت فرعون بقوم خود از روی حقارت: آیا تعجّب نمی کنید از این دو شخص که شرط میکنند از برای من دوام رفعت و بقاء ملک و مملکت را و حال آنکه ایشان بان حالی است که می بینید از حالت فقر و ذلت، پس چرا انداخته نشد بر ایشان دست برنجها از طلا، این گفتار فرعون از جهت بزرگ شمردن طلا و جمع کردن آن بود، و بجهت حقیر شمردن پشم و پوشیدن آن که موسی و هارون پوشیده بودند.


منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 329

الفصل الرابع:

و هو مرویّ فی الکافی باختلاف تطلع علیه انشاء اللّه تعالی:

و لو أراد اللّه سبحانه بأنبیائه حیث بعثهم أن یفتح لهم کنوز الذّهبان، و معادن العقیان، و مغارس الجنان، و أن یحشر معهم طیر السّماء، و وحوش الارض لفعل، و لو فعل لسقط البلاء، و بطل الجزاء و اضمحلّت الأنباء، و لما وجب للقابلین أجور المبتلین، و لا استحقّ المؤمنون ثواب المحسنین، و لا لزمت الأسماء معانیها، و لکنّ اللّه سبحانه جعل رسله أولی قوّة فی عزائمهم، و ضعفة فیما تری الأعین من حالاتهم، مع قناعة تملا العیون و القلوب غنی، و خصاصة تملا الأبصار و الأسماع أذی. و لو کانت الأنبیاء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملک تمتدّ نحوه أعناق الرّجال، و تشدّ إلیه عقد الرّحال، لکان ذلک أهون علی الخلق فی الإعتبار، و أبعد لهم فی الاستکبار، و لامنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فکانت النّیات مشترکة، و الحسنات مقتسمة. و لکنّ اللّه سبحانه أراد أن یکون الإتّباع لرسله، و التّصدیق بکتبه، و الخشوع لوجهه، و الاستکانة لأمره، و الإستسلام لطاعته، أمورا له خاصّة لا یشوبها من غیرها شائبة، و کلّما کانت البلوی و الاختبار أعظم، کانت المثوبة و الجزاء أجزل.

اللغة:

(الذهبان) بالضمّ و الکسر جمع الذهب کاذهاب و ذهوب و (العقیان) بالکسر ذهب ینبت کما فی القاموس، و قیل: الذهب الخالص و هو الانسب هنا بملاحظة المعادن و (رام) الشیء روما کقال طلب و (ضامه) ضیما کضاره لفظا و معنی، و فی القاموس ضامه حمقه و استضامه انتقصه فهو مضیم و مستضام و الضیم.

و (شابه) شوبا من باب قال خلطه مثل شوب اللبن بالماء فهو مشوب و قولهم لیس فیه شائبة، قال الفیومی ذلک یجوزان یکون مأخوذا من هذا و معناه لیس فیه شیء مختلط به و ان قلّ کما قیل لیس فیه علقة و لا شبهة و أن تکون فاعلة بمعنی مفعولة مثل عیشة راضیة هکذا استعمله الفقهاء و لم أجد فیه نصّا، نعم قال الجوهری الشائبة واحدة الشوائب و هی الأدناس و الأقذار.

الاعراب:

قوله: لفعل، جواب لو، و قوله: و لما وجب، عطف علی قوله لسقط، و الأسماء بالنصب کما فی أکثر النسخ مفعول لزمت، و فی شرح البحرانی عن نسخة الرضیّ «قده» بالرفع علی الفاعل و المعنی واحد حسبما تعرفه إنشاء اللّه، و الفاء فی قوله: فکانت النیات، فصیحة، و قوله: امورا خبر یکون، و خاصة، صفة له، و له، متعلق بها قدم علیها لتوکید الاختصاص، و جملة لا یشوبها فی محلّ الرّفع صفة ثانیة جیء بها لمزید التوکید.

المعنی:

اعلم أنه علیه السّلام لما ذکر فی الفصل السابق اختبار اللّه لعباده المستکبرین بأولیائه المستضعفین، و مثّل بقصّة بعث موسی و هارون علیهما السّلام إلی فرعون، اتبعه بهذا الفصل و نبّه علیه السّلام فیه علی وجه الحکمة فی بعث سایر الأنبیاء و الرّسل بالضعف و المسکنة و الفقر و الفاقة و الضرّ و سوء الحال، و فی وضع بیته الحرام الذی جعله قبلة للأنام بواد غیر ذی زرع و بلد قفر و أرض وعر، و أشار أنّ الحکمة فی ذلک کلّه هو الابتلاء و الاختبار و هو قوله علیه السّلام.

 (و لو أراد اللّه سبحانه بأنبیائه حیث بعثهم) أی حین بعثهم (أن یفتح لهم کنوز الذّهبان و معادن العقیان و مغارس الجنان) لینفقوا منها و یکونوا ذی سعة و منعة و عزّ و رفعة تدفع بها اعتراض الجاحدین، و تنقطع ألسن المعاندین، و لم یقولوا فیهم مثل ما قالوه لنبیّنا صلّی اللّه علیه و آله و سلّم  «وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ یَأْکُلُ الطَّعامَ وَ یَمْشی فِی الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزلَ إِلَیْهِ مَلَکٌ فَیَکُونَ مَعَهُ نَذیراً أَوْ یُلْقی  إِلَیْهِ کَنْزٌ أَوْ تَکُونُ لَهُ جَنَّةٌ یَأْکُلُ مِنْها وَ قالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبعُونَ إِلَّا...».

 (و أن یحشر معهم طیر السّماء و وحوش الأرض) احتشاما و إعظاما لقدرهم و إجلالا لشأنهم فی أعین المبعوثین إلیهم (لفعل) ذلک کلّه لأنه عزّ و جلّ علی کلّ شیء قدیر، و إنما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون.

و محصّله أنّ فتح الکنوز و المعادن و حشر الطیور و الوحوش امور ممکنة فی نفسها، و هو سبحانه قادر علی جمیع الممکنات و عالم بها، و لو تعلّقت إرادته بها

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 335

مع عموم قدرته علیها لزم وقوعها.

 (و) لکنه لم یتعلّق إرادته بها فلم یفعلها و لم تقع إذ (لو فعل) لترتّب علیه مفاسد کثیرة و امور کلّها خلاف مقتضی الحکمة الالهیّة و النظم الأصلح و هی ستّة امور:

أحدها ما أشار إلیه بقوله  (لسقط البلاء) أی لو وقع هذه الأمور لسقط ابتلاء المتکبّرین بالمستضعفین من الأنبیاء و المرسلین و ارتفع اختبارهم بهم، إذ مع وقوعها ارتفع الضعف عنهم و انتفی علّة الاستضعاف (و) ثانیها أنه (بطل الجزاء) لأنّ الجزاء مترتّب علی التسلیم للأنبیاء و علی امتثال التکالیف الالهیّة علی وجه الخلوص، و مع کون الأنبیاء حین بعثهم بزینة الملوک و السلاطین یکون الانقیاد لهم و امتثال أو امرهم و نواهیهم عن رغبة مائلة أو رهبة قاهرة، فلا تکون طاعتهم عن إخلاص حتی یستحقّ المطیعون للجزاء کما هو واضح لا یخفی.

 (و) ثالثها أنه (اضمحلّت الأنباء) ای أخبار الأنبیاء، و المراد باضمحلالها انمحاؤها و ذهاب أثرها.

و ذلک لأنّ الغرض الأصلی من بعثهم و رسالتهم أن یجذبوا الخلق إلی الحقّ الأوّل عزّ و جلّ و یزهّدوهم عن الدّنیا و یرغّبوهم فی الاخرة، فاذا فتحت لهم أبواب الکنوز و المعادن، و اشتغلوا بزخارف الدّنیا و کانوا بزّی أهلها لم یؤثّر موعظتهم فی القلوب و لم یبق وقع للرسالة عند الناس، و لا وجدوا للمبعوثین إلیهم مقالا و تعریضا علیهم بأن یقولوا یا أیّها الرّسل لم تقولون ما لا تفعلون، أنتم تزهّدونا عن الدّنیا و ترغبون فیها، و ترغّبونا فی الاخرة و اشتغالکم بغیرها، فیبطل بذلک المقصود الأصلی من البعث و اضمحلّت الرسالة إذا هذا.

و قال الشارح البحرانی فی وجه اضمحلال الأنباء ما محصّله: إنّ الأنبیاء و إن کانوا أکمل الخلق نفوسا و أقواهم استعدادا لقبول الکمالات النفسانیة، إلّا أنهم محتاجون إلی الریّاضة التّامة بالاعراض عن الدّنیا و طیباتها و هو الزهد الحقیقی،

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 336

فیکون ترکهم للدّنیا شرطا فی بلوغ درجات الوحی و الرّسالة و تلقّی أخبار السّماء، فلو خلقوا منغمسین فی الدّنیا و فتحت علیهم أبوابها لا نقطعوا من حضرة جلال اللّه، و اضمحلّ بسبب ذلک عنهم الأنباء، و انقطع عنهم الوحی، و انحطّوا عن مراتب الرسالة.

قال: و قال بعض الشارحین: أراد باضمحلال الأنباء سقوط الوعد و الوعید و الاخبار عن أحوال الجنة و النار و أحوال القیامة انتهی.

و الأظهر بل الأولی ما قلناه، لأنّ استلزام انفتاح أبواب الکنوز و المعادن لانقطاع الوحی و الرسالة و الانحطاط عن درجة النبوّة ممنوع و علی فرض التسلیم فابداء الملازمة بین المقدّم و التالی غیر خال عن التکلّف، و مثله الکلام فیما حکاه عن بعض الشارحین، فتدبّر.

 (و) رابعها أنه (لما وجب للقابلین) لدعوة الرسل أی المتصدّقین لهم المؤمنین بهم (أجور المبتلین) الممتحنین، لأنه إذا سقط البلاء و الامتحان حسبما عرفته آنفا لا یبقی مبتلی و لا مبتلی به، فلا یکون قبول القابلین و تصدیقهم للرسل عن وجه الابتلاء حتی یحسب لهم الأجر و الجزاء بذلک.

 (و) خامسها أنه (لا استحقّ المؤمنون) باللّه و بأنبیائه و رسله (ثواب المحسنین) لعدم کون ایمانهم عن وجه الاخلاص حسبما عرفته، فلا یکونون محسنین حتّی یستحقّوا الثواب الجزیل و الجزاء الجمیل، و إنما المؤمنون المحسنون الذین اذا سمعوا ما انزل إلی الرّسول تری أعینهم تفیض من الدّمع مما عرفوا من الحقّ یقولون ربّنا آمنّا فاکتبنا مع الشاهدین و ما لنا لا نؤمن باللّه و ما جاءنا من الحقّ و نطمع أن یدخلنا ربّنا مع القوم الصالحین فأثابهم اللّه بما قالوا جنّات تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها و ذلک جزاء المحسنین.

(و) سادسها أنّه (لالزمت الأسماء معانیها) برفع الأسماء و نصبها علی اختلاف النسخ، و المراد واحد و هو ارتفاع الملازمة بینها و بین المعانی و انفکاک

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 337

احداهما عن الاخری، لأنّ اطلاق اسم المسلم علی المسلم حینئذ و تسمیته به لمحض ماله من صورة الاسلام لا لوجود معنی الاسلام و حقیقته فیه، إذ المفروض أنّ إسلامه عن رغبة أو رهبة لا عن وجه الحقیقة و التمحیص و الاخلاص، فیصدق الاسم بدون المعنی، و کذلک التسمیة بالمؤمن و المصدق و العابد و الزاهد و الراکع و الساجد و غیرها، هذا.

و لما نبّه علیه السّلام أنّ اللّه سبحانه لو أراد بالأنبیاء إذ بعثهم انفتاح الکنوز و المعادن و المغارس و حشر الوحوش و الطیور لترتّب علیه هذه الأمور السّتة الّتی کلّها خلاف الحکمة و المصلحة أراد التنبیه بما هو مقتضی النظم الأصلح فقال علی وجه الاستدراک:

 (و لکنّ اللّه سبحانه جعل رسله) حیث بعثهم (اولی قوّة فی عزائمهم) و جدّ فی تبلیغ ما امروا به من تکالیف ربّهم بالقتال و الجهاد و الصّبر علی تحمّل المکاره و الأذی.

و قد قال بعض المفسّرین فی قوله تعالی «فَاصْبرْ کَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»  إنّ من للتبیین لا للتبعیض و انّ کلّ الرسل اولو عزم لم یبعث اللّه رسولا إلّا کان ذا عزم و حزم و رأی و کمال و عقل، و وصفهم بالعزم لصبرهم و ثباتهم فی تبلیغ الرّسالات و انفاذ ما امروا به.

 (و) جعلهم مع ذلک (ضعفة فیما تری الأعین من حالاتهم) لاتّصافهم بالضّر و المسکنة و الفقر و الفاقة استعاره (مع قناعة تملا القلوب و العیون غنی و خصاصة) أی جوع (تملا الابصار و الأسماع اذی).

قال الشارح البحرانی: استعار وصف الملاء للقناعة باعتبار استلزامها لقوّة غنائهم و قلّة حاجتهم إلی شیء من متاع الدّنیا بحیث لا تمیل نفوسهم و لا عیونهم إلی شیء من زینتها و قیناتها، فکأنّها قد امتلأت فلا تتسع لشیء من ذلک فتطلبه و کذلک للخصاصة باعتبار استلزامها لقوّة الأذی فی أسماعهم و أبصارهم، إذ الجوع المفرط مستلزم لأذی هاتین القوّتین لتحلّل الأرواح الحاملة لهما و ضعفهما فکانّ الأذی حشو أبصارهم و أسماعهم بحیث لا تتّسع لغیره، کلّ ذلک طلبا لکمال الاستعداد لأنّ البطنة تورث

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 338

القسوة و تذهب الفطنة و تزیل الرقة و تستلزم رذایل کثیرة لا دواء لها إلّا الخصاصة، هذا.

و قوله  (و لو کانت الأنبیاء أهل قوّة لا ترام و عزّة لا تضام) قیاس اقترانی آخر من الشکل الأوّل أیضا تأکید للقیاس المتقدّم ذکره، أی لو أراد اللّه بالأنبیاء إذ بعثهم أن یکونوا أهل قوّة و قدرة لا یمکن أن تطلب و تقصد لبلوغها الغایة و أهل عزّة و قهر و غلبة لا یمکن أن تنتقص أو تظلم أی یظلم صاحبها لانتهائها النهایة.

 (و) أهل (ملک) و سلطنة کنایه (تمتدّ نحوه أعناق الرجال و تشدّ إلیه عقد الرّحال) أی یأمله الاملون، و یرجوه الراجون فانّ کلّ من أمل شیئا لا سیّما إذا کان ملکا عظیما یطمح إلیه بصره و یسافر برغبته إلیه و یحیط مطایا الامال عنده، فکنّی عن ذلک بمدّ العنق و شدّ عقد الرّحال.

و الحاصل أنّ الأنبیاء لو بعثوا بالقدرة و القوّة و الملک و السلطنة (لکان ذلک أهون علی الخلق فی الاعتبار) أی أسهل فی اعتبارهم بحالهم و أسرع فی إجابتهم لدعوتهم کما هو المشاهد بالتجربة، فانّ الملوک لا تصعب اجابتهم کما تصعب اجابة الفقراء لا سیّما علی المتکبّرین المتجبّرین (و أبعد لهم فی الاستکبار) لأنّ الملوک أبعد من أن یتکبّر علیهم و یستنکف من طاعتهم بخلاف البائس الفقیر.

 (و لامنوا عن رهبة قاهرة لهم) علی الایمان (أو رغبة مائلة بهم) إلیه (فکانت النیّات) إذا (مشترکة) بین اللّه و بین ما یأملونه من الشهوات، غیر خالصة له تعالی من هوی الأنفس کما قال «أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ».

 (و الحسنات مقتسمة) بینه تعالی و بین تلک الشهوات (و لکنّ اللّه سبحانه أراد أن یکون الاتّباع لرسله) و أنبیائه (و التصدیق بکنبه) و صحفه السماویة (و الخشوع لوجهه) و الخنوع لذاته (و الاستکانة) و التمکین (لأمره و الاستسلام) و الانقیاد (لطاعته امورا له خاصة) أی مختصّة به ممحّضة له کما قال  «وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ» (لا یشوبها) أی تلک الامور (من غیرها شائبة) رغبة أو رهبة.

و انما أراد عزّ و جل اختصاص هذه الامور له و خلوصها من شوب الرغبة و الرهبة لعظم البلوی و الامتحان حینئذ (و کلّما کانت البلوی و الاختبار أعظم کانت المثوبة

و الجزاء أجزل) هذا.

الترجمة:

می فرماید و اگر اراده می فرمود خداوند متعال به پیغمبران خود وقتی که مبعوث نمود ایشان را این که بگشاید برای ایشان خزانهای طلا و معدنهای زر خالص و محلهای کاشتن باغها را، و این که جمع نماید با ایشان مرغ آسمان و وحشیهای زمینها را هر آینه می نمود، و اگر می نمود اینها را هر آینه ساقط می شد امتحان و ابتلاء، و باطل می شد جزا و ثواب، و بهم می خورد خبرهای پیغمبران، و هر آینه واجب نمی گردید از برای قبول کنندگان احکام دین اجرهای ممتحنین، و مستحق نمی شد مؤمنان ثواب نیکوکاران را، و لازم نمی گردید اسمها به معنی های حقیقی خود و لیکن حق سبحانه و تعالی گردانیده است پیغمبرهای خود را صاحبان قوّت در عزمهای خود، و صاحبان ضعف در آنچه می بیند آن را چشمها از حالت های فقر و پریشانی ایشان با قناعتی که پر میکند قلبها و چشم ها را از حیثیّت بی نیازی، و با گرسنگی که پر گرداند دیدها و گوشها را از حیثیّت اذیّت.

و اگر بودندی پیغمبرها أهل قوّتی که قصد کرده نشود، و أهل عزّتی که مغلوب و مظلوم نگردد، و صاحب سلطنت و ملکی که کشیده شود بجانب آن گردنهای مردمان، و بسته شود بسوی او گرههای پالانهای مرکبان، هر آینه می شد آسان تر بر خلق در عبرت بر داشتن از ایشان، و دورتر از برای ایشان از تکبّر نمودن بر ایشان، و هر آینه ایمان می آوردند آن خلق از ترس و خوفی که قهر کننده باشد ایشان را، یا از رغبت و طمعی که میل آورنده باشد ایشان را و می بود نیتهای خلق غیر خالص و مشوب برهبت و رغبت، و أعمال حسنه ایشان قسمت یافته و مخلوط بریا و سمعت.

و لیکن حق تعالی اراده فرمود این را که باشد متابعت پیغمبران او و تصدیق کتابهای او و فروتنی برای ذات او، و تمکین کردن برای حکم او، و گردن نهادن برای طاعت او کارهائی که مختص بأو باشد که مشوب نباشد به آنها چیزی از ریاء و سمعت، و هر قدر امتحان و ابتلاء بزرگتر باشد ثواب و جزاء زیاد تر گردد.