[hadith]الکعبة المقدسة:

أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَبَرَ الْأَوَّلِینَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَی الْآخِرِینَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ بأَحْجَارٍ لَا تَضُرُّ وَ لَا تَنْفَعُ وَ لَا تُبْصِرُ وَ لَا تَسْمَعُ، فَجَعَلَهَا بَیْتَهُ الْحَرَامَ الَّذی جَعَلَهُ [اللَّهُ‏] لِلنَّاس قِیَاماً، ثُمَ‏ وَضَعَهُ بأَوْعَرِ بقَاعِ الْأَرْضِ حَجَراً وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْیَا مَدَراً وَ أَضْیَقِ بُطُونِ الْأَوْدیَةِ قُطْراً، بَیْنَ جِبَالٍ خَشنَةٍ وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ وَ عُیُونٍ وَشلَةٍ وَ قُرًی مُنْقَطِعَةٍ، لَا یَزْکُو بهَا خُفٌّ وَ لَا حَافِرٌ وَ لَا ظِلْفٌ، ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ (علیه السلام) وَ وَلَدَهُ أَنْ یَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ وَ غَایَةً لِمُلْقَی رِحَالِهِمْ تَهْوِی إِلَیْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِز قِفَارٍ سَحِیقَةٍ وَ مَهَاوِی فِجَاجٍ عَمِیقَةٍ وَ جَزَائِرِ بحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّی یَهُزُّوا مَنَاکِبَهُمْ ذُلُلًا یُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ وَ یَرْمُلُونَ عَلَی أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابیلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَ شَوَّهُوا بإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلَاءً عَظِیماً وَ امْتِحَاناً شَدیداً وَ اخْتِبَاراً مُبیناً وَ تَمْحِیصاً بَلِیغاً، جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَ وُصْلَةً إِلَی جَنَّتِهِ.

وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ یَضَعَ بَیْتَهُ الْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَیْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ جَمَّ الْأَشْجَارِ دَانِیَ الثِّمَارِ مُلْتَفَّ الْبُنَی مُتَّصِلَ الْقُرَی بَیْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ وَ أَرْیَافٍ مُحْدقَةٍ وَ عِرَاصٍ مُغْدقَةٍ وَ [زُرُوعٍ‏] رِیَاضٍ نَاضِرَةٍ وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَکَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَی حَسَب ضَعْفِ الْبَلَاءِ، وَ لَوْ کَانَ [الْأَسَاسُ‏] الْإِسَاسُ الْمَحْمُولُ عَلَیْهَا وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بهَا بَیْنَ [مِنْ‏] زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ وَ یَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَ نُورٍ وَ ضِیَاءٍ، لَخَفَّفَ ذَلِکَ مُصَارَعَةَ الشَّکِّ فِی الصُّدُورِ وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِیسَ عَنِ الْقُلُوب وَ لَنَفَی مُعْتَلَجَ الرَّیْب مِنَ النَّاس، وَ لَکِنَّ اللَّهَ یَخْتَبرُ عِبَادَهُ بأَنْوَاعِ الشَّدَائِد وَ یَتَعَبَّدُهُمْ بأَنْوَاعِ الْمَجَاهِد وَ یَبْتَلِیهِمْ بضُرُوب الْمَکَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّکَبُّرِ مِنْ قُلُوبهِمْ وَ إِسْکَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِی نُفُوسهِمْ، وَ لِیَجْعَلَ ذَلِکَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَی فَضْلِهِ وَ أَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ‏.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 331

أ لا ترون أنّ اللّه سبحانه اختبر الأوّلین من لدن آدم صلوات اللّه علیه إلی الاخرین من هذا العالم بأحجار لا تضرّ و لا تنفع، و لا تسمع و لا تبصر، فجعلها بیته الحرام الّذی جعله للنّاس قیاما، ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، و أقلّ نتائق الدّنیا مدرا، و أضیق بطون الأودیة قطرا، بین جبال خشنة، و رمال دمثة، و عیون وشلة، و قری منقطعة، لا یزکو بها خفّ، و لا حافر، و لا ظلف، ثمّ أمر آدم و ولده أن یثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، و غایة لملقی رحالهم، تهوی إلیه ثمار الأفئدة، من مفاوز قفار سحیقة، و مهاوی فجاج عمیقة، و جزائر بحار منقطعة، حتّی یهزّوا مناکبهم ذللا یهلّلون للّه حوله، و یرملون علی أقدامهم شعثا غبرا له قد نبذوا السّرابیل وراء ظهورهم، و شوّهوا بإعفاء الشّعور محاسن خلقهم، ابتلاء عظیما، و امتحانا شدیدا، و اختبارا مبینا، و تمحیصا بلیغا، جعله اللّه سببا لرحمته، و وصلة إلی جنّته.

و لو أراد سبحانه أن یضع بیته الحرام، و مشاعره العظام، بین جنّات و أنهار، و سهل و قرار جمّ الأشجار، دانی الثّمار، ملتفّ البنی متّصل القری، بین برّة سمراء، و روضة خضراء، و أریاف محدقة، و عراص مغدقة، و ریاض ناضرة، و طرق عامرة، لکان قد صغّر قدر الجزاء علی حسب ضعف البلاء، و لو کانت الأساس المحمول علیها، و الأحجار المرفوع بها، بین زمرّدة خضراء، و یاقوتة حمراء، و نور و ضیاء، لخفّف ذلک مسارعة الشّکّ فی الصّدور، و لوضع مجاهدة إبلیس عن القلوب، و لنفی معتلج الرّیب من النّاس. و لکنّ اللّه یختبر عباده بأنواع الشّدائد، و یتعبّدهم بألوان المجاهد، و یبتلیهم بضروب المکاره، إخراجا للتّکبّر عن قلوبهم، و إسکانا للتّذلّل فی نفوسهم، و لیجعل ذلک أبوابا فتحا إلی فضله، و أسبابا ذللا لعفوه. (44717- 44257)

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 332

اللغة:

و (قیاما) مصدر و زان صیام و (الوعر) من الأرض ضدّ السّهل (و البقاع) کجبال جمع بقعة بالضمّ و الفتح و هی القطعة من الأرض علی غیر هیئة الّتی إلی جنبها.

و (النتائق) جمع نتیقه فعلیة بمعنی مفعولة من النتق و هو الرفع و الجذب.

قال الشارح البحرانی: و سمّیت المدن و الأماکن المشهورة و المرتفعة نتائق لارتفاع بنائها و شهرتها و علوّها عن غیرها من الأرض کأنها جذبت و رفعت، و قال بعض الشارحین: النتائق البقاع المرتفعة و أراد مکة و کنی بنتقها عن شهرتها و علوها بالنسبة إلی ما استفل عنها من البلاد.

و قال الشارح المعتزلی أصل هذه اللفظة من قولهم امرأة نتاق أی کثیرة الحمل و الولادة و یقال: ضیعة منتاق أی کثیرة الریع فجعل علیه السّلام الضیاع ذات المدر التی یثار للحرث نتایق. و قال علیه السّلام: إنّ مکة أقلّها إصلاحا للزرع لأنّ أرضها حجریة.

أقول: و الأظهر عندی أن یکون النتائق مأخوذة من قولهم أنتق فلان إذا حمل مظلّة من الشمس، و المظلّة بالفتح و الکسر الکبیر من الأخبیة و تسمیة البلاد بها لاشتمالها علی الدّور و الأبنیة التی تستظلّ بها.

و (المنتجع) بفتح الجیم اسم مفعول من انتجع القوم إذا ذهبوا لطلب الماء و الکلاء فی موضعهما و (المفازة) الموضع المهلک من فوّز بالتشدید إذا مات، لأنّها مظنّة الموت و (القفر) من الأرض الّتی لا نبات بها و لا ماء (یهلّلون للّه) من التهلیل و فی بعض النسخ یهلّون من أهلّ المحرم رفع صوته بالتلبیة عند الاحرام و کلّ من رفع صوته فقد أهلّ إهلالا و استهلّ استهلالا بالبناء فیهما للفاعل.

و (رمل) فلان رملا من باب طلب و رملانا بالتحریک فیهما هرول و (الشعث) محرّکة انتشار الأمر و مصدر الأشعث للمغبر الرأس و شعث الشعر شعثا فهو شعث من باب تعب تغیّر و تلبّد لقلّة تعهّده بالدّهن، و الشعث أیضا الوسخ، و رجل شعث وسخ الجسد، و شعث الرأس أیضا و هو أشعث أغبر أی من غیر استحداد و لا تنظف، و الشعث أیضا الانتشار و التفرّق کما یتشعّث رأس السّواک.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 333

و (السرابیل) جمع السّربال و هو القمیص و (البرّة) بالضمّ واحدة البرّ و هی الحنطة و (أریاف) جمع ریف بالکسر أرض فیها زرع و خصب و ما قارب الماء من أرض العرب أو حیث یکون به الخضرة و المیاه و الزّروع.

و (أحدقت) الروضة صارت حدیقة، و الحدیقة الرّوضة ذات الشجرة و البستان من النخل و الشجر او کلّ ما أحاط به البناء، أو القطعة من النخل هکذا فی القاموس و قال الفیومی: و الحدیقة البستان یکون علیه حایط فعیلة بمعنی مفعولة، لأنّ الحائط أحدق بها أی أحاط، ثمّ توسعوا حتی أطلقوا الحدیقة علی البستان و إن کان بغیر حایط و الجمع حدائق.

و (عراص) جمع عرصة ککلاب و کلبة و هی البقعة الواسعة الّتی لیس بها بناء و (مغدقة) فیما رأیناه من النسخ بالغین المعجة و الدال المهملة من الغدق بالتحریک و هو الماء الکثیر، و أغدق المطر کثر قطره، و یجوز أن یکون من العذق بالذال المعجمة مثل فلس و هو النخلة بحملها و بالکسر القنو منها و العنقود من العنب إو إذا اکل ما علیه و (المعتلج) مصدر بمعنی الاعتلاج من اعتلج الأمواج اضطربت و تلاطمت، و اعتلج الأرض طال نباتها، و یجوز کونه مفعولا من الاعتلاج و فی بعض النسخ بصیغة الفاعل و الکلّ صحیح و (الفتح) بضمتین الباب الواسع المفتوح و (الذلل) بضمتین أیضا جمع ذلول بالفتح من الذلّ بالضّم و الکسر ضدّ الصّعوبة.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 334

الاعراب:

و قوله: بأحجار، متعلق بقوله: اختبر، و حجرا و مدرا و قطرا منصوبات علی التمیز، و جملة لا یزکو بها فی محلّ الجرّ صفة لقری، و ذللا، حال من فاعل یهزّوا و له، متعلّق بقوله: یرملون، و ابتلاء و امتحانا و اختبارا و تمحیصا منصوبات علی المصدر و حذف العوامل من ألفاظها ای ابتلاهم اللّه بهذه المشاق ابتلاء و امتحنهم بها امتحانا و هکذا و یحتمل الانتصاب علی المفعول له أی یفعلون ما ذکر من التکالیف الشاقة للابتلاء العظیم الذی ابتلوا به، و جملة لکان جواب لو أراد.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 339

المعنی:

و لما نبّه علیه السّلام علی وجه الحکمة و المصلحة فی بعث الأنبیاء بالخصاصة و المسکنة، و أنّ الوجه فی ذلک هو الامتحان و الابتلاء لیترتّب علی اتّباعهم عظیم الأجر و جزیل الجزاء، أردفه بالتّنبیه علی حکمة وضع البیت الحرام بأوعر البقاع و أقفر البلدان فقال: (ألا ترون أنّ اللّه سبحانه اختبر الأوّلین من لدن آدم علیه السّلام إلی الاخرین من هذا العالم بأحجار) بنی بها البیت (لا تضرّ و لا تنفع و لا تبصر و لا تسمع) هذا باعتبار مجموع الأحجار أو بملاحظته فی نظر الخلق فلا ینافی ما مرّ فی شرح الفصل الثامن عشر من الخطبة الاولی من أنّ حجر الأسود أوّل ملک آمن و أقرّ بالتوحید و النّبوة و الولایة و أنّه یجیء یوم القیامة و له لسان ناطق و عین ناظرة یشهد لکلّ من وافاه إلی ذلک و حفظ المیثاق.

 (فجعلها بیته الحرام) و وصفه به لأنّه حرام علی المشرکین دخوله و حرام إخراج من تحصّن به منه حسبما عرفت فی شرح الخطبة الاولی.

قال الرّمانی: و إنّما سمّی به لأنّ اللّه حرّم أن یصاد عنده و أن یعضد شجره، و لأنّه أعظم حرمة.

قال فی مجمع البیان: و فی الحدیث مکتوب فی أسفل المقام إنّی أنا اللّه ذو بکّة حرّمتها یوم خلقت السماوات و الأرض و یوم وضعت هذین الجبلین، و حففتها بسبعة أملاک حفا، من جاءنی زائرا لهذا البیت عارفا بحقّه مذعنا بالربوبیّة حرّمت جسده علی النار.

 (الّذی جعله للنّاس قیاما) أی مقیما لأحوالهم فی الدّنیا و الاخرة و یستقیم به امورهم الدنیویّة و الاخرویّة یقال: فلان قیام أهله أی یستقیم به شئونهم قال سبحانه  «جَعَلَ اللَّهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرامَ قِیاماً لِلنَّاس» أی لمعایشهم و مکاسبهم یستقیم به امور دینهم و دنیاهم یلوذ به الخائف و یأمن فیه الضعیف و یربح عنده التّجار باجتماعهم عنده من سایر الأطراف، و یغفر بقصده للمذنب و یفوز حاجّه بالمثوبات.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 340

روی فی مجمع البیان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: من أتی هذا البیت یرید شیئا للدّنیا و الاخرة أصابه.

و قال ابن عبّاس: معناه جعل اللّه الکعبة امنا للنّاس بها یقومون أی یؤمنون، و لولاها لفنوا و هلکوا و ما قاموا، و کان أهل الجاهلیّة یأمنون به فلو لقی الرّجل قاتل أبیه أو ابنه فی الحرم ما قتله، و قیل: معنی قوله: قیاما للناس، انهم لو ترکوا عاما واحدا لا یحجّونه ما نوظروا ان یهلکوا.

و رواه علیّ بن إبراهیم عنهم علیهم السّلام قال ما دامت الکعبة یحجّ الناس إلیها لم یهلکوا فاذا هدمت و ترکوا الحجّ هلکوا.

 (ثمّ وضعه) أی البیت (بأوعر بقاع الأرض حجرا) أی أصعب قطعها و أغلظها من حیث الحجر (و أقلّ نتائق الدّنیا مدرا) أی أقلّ بلدانها و مدنها من حیث التراب و المدر، و بذلک لم یکن صلاحیة الزرع و الحرث کما قال إبراهیم  «رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بوادٍ غَیْرِ ذی زَرْعٍ»:

 (و أضیق بطون الأودیة قطرا) من حیث الناحیة و الجانب (بین جبال خشنة) غلیظة (و رمال دمثة) لینة، و الوصف بها إشارة إلی بعدها من الانبات لأنّ الرّمل کلّما کان ألین و أسهل کان أبعد من أن ینبت و لا یزکو به الدّواب أیضا لأنّها تتعب فی المشی به.

 (و عیون وشلة) قلیلة الماء (و قری منقطعة) بعضها عن بعض (لا یزکو بها خفّ و لا حافر و لا ظلف) أی لا یزید و لا ینمو بتلک الأرض ذوات الخفّ کالابل و الحافر کالخیل و البغال و الظلف کالبقر و الغنم، و عدم نمائها بها لما عرفت من قلّة مائها و نباتها و خشونة جبالها و سهولة رمالها و خلوّها من المرتع و المرعی.

 (ثمّ أمر آدم علیه السّلام و ولده أن یثنوا أعطافهم نحوه) أی یعطفوا و یمیلوا جوانبهم معرضین عن کلّ شیء متوجّهین إلیه قاصدین العکوف لدیه، و قد مضی فی شرح الفصل الثامن عشر من الخطبة الاولی عن أبی جعفر علیه السّلام انّ آدم علیه السّلام أتی هذا البیت ألف آتیة علی قدمیه منها سبعمائة حجّة و ثلاثمأة عمرة، و مضی هناک حجّ سایر الأنبیاء

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 341

و الرّسل علیهم السّلام فلینظر ثمة کنایه (فصار) البیت (مثابة) و مرجعا (لمنتجع أسفارهم) کنایة عما یرومونه فی سفرهم الیه من المارب و المقاصد و المنافع و التجارات کما قال عزّ من قائل  «وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثابَةً لِلنَّاس وَ أَمْناً» و قال  «لِیَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ یَذْکُرُوا اسْمَ اللَّهِ».

 (و غایة لملقی رحالهم) أی مقصد القصد کنایه- استعاره (تهوی الیه ثمار الأفئدة) ثمرة الفؤاد کما قیل سویداء القلب أی تمیل و تسقط باطن القلوب إلیه، و هویها کنایة عن سرعة سیرها یعنی أنّه سبحانه جعل القلوب مایلة إلیه محبّة له إجابة لدعاء إبراهیم علیه السّلام حیث قال «رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بوادٍ..».

قال الشارح البحرانی هوی الأفئدة میولها و محبّتها إلّا أنّه لما کان الّذی یمیل الی الشیء و یحبّه کأنّه یسقط إلیه و لا یملک نفسه استعیر لفظ الهوی للحرکة إلی المحبوب و السعی الیه، و الحاصل أنّ القلوب تسعی و تتوجّه إلیه.

 (من مفاوز قفار سحیقة) أی الأفلاء «1» البعیدة (و مهاوی فجاج عمیقة) أی من الوهاد و الطرق العمیقة الّتی بین الجبال و وصفها بالعمق علی حدّ قوله تعالی  وَ عَلی  کُلِّ ضامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ  (و جزائر بحار منقطعة) وصف الجزائر بالانقطاع إما باعتبار انقطاع الماء عنها، أو باعتبار انقطاعها عن سایر بقاع الأرض بسبب إحاطة البحر بها.

کنایه و قوله  (حتّی یهزّوا مناکبهم ذللا) غایة لقوله تهوی، أی تسرع إلیه قلوب الحاج من المفاوز و المهاوی إلی أن یحرّکوا المناکب مطیعین منقادین.

قال الشارح البحرانی: و کنّی بهزّ مناکبهم عن حرکاتهم فی الطواف بالبیت إذ کان ذلک من شأن المتحرّک بسرعة.

و قال المحدّث العلامة المجلسیّ قده: هو کنایة عن السفر إلیه مشتاقین.

 (یهلّلون للّه حوله) أی حول البیت، و علی روایة یهلّون فالمراد أنّهم یرفعون


 (1)- جمع فلاوهی جمع فلاة و هی الأرض التی لا ماء فیها، منه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 342

أصواتهم بالتلبیة، و علی هذه الروایة فلا بدّ من التخصیص بغیر المتمتّع و المعتمر بالعمرة المفردة فانّ وظیفتهما قطع التلبیة إذا شاهدا بیوت مکة أو حین یدخلان الحرم.

روی معاویة بن عمّار عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: إذا دخلت مکة و أنت متمتّع فنظرت إلی بیوت مکة فاقطع التلبیة، و حدّ بیوت مکّة الّتی کانت قبل الیوم عقبة المدینین، فانّ الناس قد أحدثوا بمکة ما لم یکن، فاقطع التلبیة و علیک بالتکبیر و التحمید و التهلیل و الثناء علی اللّه عزّ و جلّ بما استطعت.

و روی مرازم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: یقطع صاحب العمرة المفردة التلبیة إذا وضعت الابل أخفافها فی الحرم- و بمعناهما أخبار کثیرة.

و أما فضل الاهلال فقد روی فی الوسائل عن الصّدوق «ره» قال: قال أمیر المؤمنین علیه السّلام ما من مهلّ یهلّ بالتلبیة إلّا أهلّ من عن یمینه من شیء إلی مقطع التراب، و من عن یساره إلی مقطع التراب، و قال له الملکان: ابشر یا عبد اللّه و ما یبشّر اللّه عبدا إلّا بالجنّة.

 (و یرملون علی أقدامهم شعثا غبرا له) أی یهرولون علی أقدامهم للّه سبحانه حالکونهم أشعث الرّؤوس متلبّد الشعور متغیّر الألوان مغبّر الوجوه و الأبدان وسخ الأجساد.

استعاره مجاز مرسل- کنایه (قد نبذوا السرابیل وراء ظهورهم) یحتمل أن یکون المراد بالسرابیل الثیاب المعهودة بالاحرام علی وجه الاستعارة تشبیها لها بالسرابیل فی إحاطتها بالبدن فیکون المقصود بنبذها وراء ظهورهم طرحها علی عواتقهم و مناکبهم کما هو المعهود فی لبس ثوب الاحرام، و أن یکون المراد بها مطلق المخیط من الثیاب من باب المجاز المرسل فیکون النبذ وراء الظهور کنایة عن خلعها عن الأبدان، و الثانی أظهر.

 (و شوّهوا) أی قبّحوا (باعفاء الشعور) أی اکثارها و إطالتها (محاسن خلقهم) ابتلاهم اللّه سبحانه بهذه المشاق و البلیات (ابتلاءا عظیما و امتحانا شدیدا و اختبارا مبینا و تمحیصا بلیغا) أی امتحانا کاملا (جعله اللّه سببا لرحمته و وصلة إلی جنّته) أی جعل حجّ البیت و البلاء بهذه الابتلاآت العظیمة و التکالیف الشدیدة سببا

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 343

لشمول رحمته و طریقا للوصول إلی جنّته کما یشهد به الأخبار الواردة فی فضل الحجّ، و قد مضی جملة منها فی شرح الفصل الثامن عشر من المختار الأوّل، هذا و لما نبّه علیه السّلام علی وجه المصلحة فی بناء البیت بالأحجار و وضعه بأوعر البقاع و تکلیف ولد آدم علیه السّلام بالحجّ إلیه علی الکیفیّات الخاصّة المتضمنة للتواضع و التذلل و أشار إلی أنّ المصلحة فی ذلک هو التمحیص و الامتحان و الاستعداد بذلک لافاضة رحمة اللّه و الوصول إلی جنّته و الاستحقاق لجزیل الجزاء و مز ید الثواب أراد بالتنبیه علی أنّ وضعه بغیر هذا المکان من الأمکنة البهیجة المستحسنة کان موجبا لتصغیر الجزاء و تقلیل الثواب و هو خلاف المصلحة فقال: (و لو أراد اللّه سبحانه أن یضع بیته الحرام و مشاعره العظام) أی مواضع المناسک کنایه (بین جنّات و أنهار و سهل و قرار) من الأرض (جمّ الأشجار دانی الثمار) دنوّها کنایة عن کثرتها و سهولة تناولها کما قال سبحانه فی وصف الجنّة قُطُوفُها دانِیَةٌ (ملتفّ البنی) أی مشتبک العمارات (متّصل القری) بکثرتها (بین برّة سمراء) أی حنطة حسن اللّون (و روضة خضراء) ذات الخضرة و النضارة (و أریاف محدقة) مشتملة علی الحدائق و البساتین (و عراص مغدقة) ذات الماء الکثیر و المطر (و ریاض ناضرة و طرق عامرة) بکثرة المارة.

 (لکان) جواب لو أی لو أراد اللّه سبحانه أن یضع بیته بین هذه الأمکنة الحسنة ذات البهجة و النضارة لکان قادرا علیه لکنه خلاف الوجه الأصلح لأنّه یلزم حینئذ أن یکون سبحانه (قد صغّر قدر الجزاء علی حسب ضعف البلاء) لما قد مرّ من أنّ الاختبار و البلوی کلّما کانت أعظم کانت المثوبة و الجزاء أجزل.

و لما نبّه علیه السّلام فی الشرطیة المتقدّمة علی أنّ وضع البیت الحرام فی غیر هذا المکان الذی هو فیه الان خلاف الحکمة و المصلحة اتبعها شرطیّة اخری و نبّه علیه السّلام فیها علی أنّ بناءه بغیر هذه الأحجار المتعارفة التی بنی بها أیضا خلاف مقتضی الحکمة و هو قوله: (و لو کان الأساس المحمول علیها) البیت (و الأحجار المرفوع بها بین

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 344

زمرّدة خضراء و یاقوتة حمراء و نور و ضیاء) أی لو کان بنائه بالأحجار المعدنیة کالزمرّد و الیاقوت و الجواهر النفیسة المتلألاة النیّرة و المضیئة استعاره (لخفّف ذلک مسارعة الشکّ فی الصدور) أی سرعته، و فی بعض النسخ بالضاد المعجمة بمعنی المقاربة و فی بعضها بالصاد المهملة بمعنی المغالبة.

قال الشارح البحرانی: و تلخیصه أنّه تعالی لو جعل الأساس المحمول علیها بیته الحرام من هذه الأحجار المنیرة المضیئة لخفّف ذلک مسارعة الشّک فی الصدور إذ یراد شکّ الخلق فی صدق الأنبیاء و عدم صدقهم و شکّهم فی أنّ البیت بیت اللّه أو لیس، فانه علی تقدیر کون الأنبیاء بالحال المشهور من الفقر و الذلّ و کون البیت الحرام من هذه الأحجار المعتادة یقوّی الشک فی کونهم رسلا من عند اللّه و فی کون البیت بیتا له، و علی تقدیر کونهم فی الملک و العزّ و کون البیت من الأحجار النفیسة المذکورة ینتفی ذلک الشکّ، إذ یکون ملکهم و نفاسة تلک الأحجار من الامور الجاذبة إلیهم و الداعیة إلی محبّتهم و المسارعة إلی تصدیقهم و الحکم بکون البیت بیت اللّه لمناسبة فی کماله ما ینسبه الأنبیاء إلی اللّه سبحانه من الوصف بأکمل طرفی النقیض و لکون الخلق أمیل إلی المحسوس و استعار لفظ المسارعة للمغالبة بین الشک فی صدق الأنبیاء و الشک فی کذبهم فانّ کلّا منهما یترجّح علی الاخر.

و بذلک أیضا ظهر معنی قوله علیه السّلام  (و لوضع مجاهدة إبلیس عن القلوب) فانّ حجّ البیت المبنی بالطوب و المدر و القیام بوظایفه و إقامة مناسکه مع ما فیه من المشاق العظیمة و الرّیاضات التی لا یکاد أن تتحمل عادة لا یتأتی إلّا مع جهاد النفس و مجاهدة إبلیس، بخلاف ما لو کان مبنیّا بالجواهر النفیسة الشریفة من الیاقوت و الزمرّد و الزبرجد و نحوها بین جنات و أنهار و أشجار فی أرض سهل و قرار فانّ النفوس حینئذ کانت تمیل إلیه و ترغب إلی رؤیته فلا تبقی إذا حاجة إلی مجاهدة نفسانیة أو شیطانیة.

و یوضح ذلک الحدیث الّذی قدّمنا روایته عن الفقیه فی شرح الفصل الثامن عشر من المختار الأول، و نعید روایته هنا من الکافی باقتضاء المقام، و مزید ایضاحه

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 345

للغرض المسوق له هذا الفصل من کلام أمیر المؤمنین علیه السّلام فأقول:

روی ثقة الاسلام الکلینیّ عطر اللّه مضجعه عن محمّد بن أبی عبد اللّه عن محمّد بن أبی یسر «نصر خ» عن داود بن عبد اللّه عن عمرو بن محمّد عن عیسی بن یونس قال:

کان ابن أبی العوجاء من تلامذة الحسن البصری فانحرف عن التوحید، فقیل له:

ترکت مذهب أصحابک و دخلت فیما لا أصل له و لا حقیقة، فقال: إنّ أصحابی کان مخلطا کان یقول طورا بالقدر و طورا بالجبر، و ما أعلمه اعتقد مذهبا دام علیه و قدم مکّة متمرّدا و انکارا علی من یحجّ و کان یکره العلماء مجالسته و مسائلته لخبث لسانه و فساد ضمیره، فأتی أبا عبد اللّه علیه السّلام: فجلس إلیه فی جماعة من نظرائه فقال: یا أبا عبد اللّه إنّ المجالس أمانات و لا بدّ لکلّ من به سعال أن یسعل أ فتأذن لی فی الکلام؟ فقال علیه السّلام: تکلّم، فقال: إلی کم تدوسون هذا البیدر، و تلوذون بهذا الحجر، و تعبدون هذا البیت المعمور بالطوب و المدر، و تهرولون حوله هرولة البعیر إذا نفر، إنّ من فکر هذا و قدر علم أنّ هذا فعل أسّسه غیر حکیم و لا ذی نظر، فقل فانک رأس هذا الأمر و سنامه، و أبوک اسّه و تمامه.

فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام: إنّ من أضلّه اللّه و أعمی قلبه استوخم الحقّ و لم یستعذ به فصار الشیطان ولیّه و قرینه، و ربّه یورده مناهل الهلکة ثمّ لا یصدره، و هذا بیت استعبد اللّه به خلقه لیختبر طاعتهم فی اتیانه، فحثّهم علی تعظیمه و زیارته، و جعله محلّ أنبیائه و قبلة للمصلّین إلیه فهو شعبة من رضوانه. و طریق یؤدّی إلی غفرانه، منصوب علی استواء الکمال، و مجمع العظمة و الجلال خلقه اللّه قبل دحو الأرض بألفی عام فأحقّ من اطیع فیما امر و انتهی عما نهی عنه و ذکر اللّه منشی الأرواح و الصور، هذا.

و أما قوله  (و لنفی معتلج الریب من الناس) فانه ربما یعتری الشک علی ذوی العقائد الضعیفة أنّه لو کان هذا البیت بیته سبحانه لبناه بما یلیق عزّه و جلاله من الحسن و البهاء و العزّ و الشرف و مع بنائه علی هذا الوصف کان ینتفی اعتلاج الریب منهم قطعا.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 346

(و لکن اللّه) عزّ و جلّ لم یبنه بهذا الوصف، و إنما بناه بالأحجار الغیر النفیسة اختبارا و امتحانا و تمحیصا و ابتلاء فانّه (یختبر عباده بأنواع الشدائد) و المشاق کتروک الاحرام و المناسک العظام (و یتعبّدهم بألوان المجاهد) من مجاهدة النفس و مجاهدة إبلیس التی عرفت (و یبتلیهم بضروب المکاره) التی تکرهها الطباع و ترغب عنها النفوس (اخراجا للتکبّر) المبعد من اللّه سبحانه (عن قلوبهم و اسکانا للتذلّل) و التواضع المقرّب إلیه تعالی (فی نفوسهم و لیجعل ذلک) الاستعداد الحاصل لهم من الاختبار و الابتلاء (أبوابا فتحا) مفتوحة (الی فضله) و احسانه (و أسبابا ذللا) سهلة (لعفوه) و غفرانه.

تکملة:

هذا الفصل من الخطبة رواه ثقة الاسلام الکلینی «قده» باختلاف لما أورده السیّد «ره» هنا فأحببت ایراده بروایته مع بیان غریب موارد الاختلاف فأقول: قال فی الکافی و روی انّ أمیر المؤمنین علیه السّلام قال فی خطبة له:

و لو أراد اللّه جلّ ثناؤه بأنبیائه حیث بعثهم أن یفتح لهم کنوز الذهبان و معادن البلدان و مغارس الجنان و أن یحشر طیر السّماء و وحش الأرض معهم لفعل، و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء و اضمحلّ الابتلاء، و لما وجب للقائلین أجور المبتلین و لا لحق المؤمنین ثواب المحسنین، و لا لزمت الأسماء أهالیها علی معنی مبین و لذلک لو أنزل اللّه من السماء آیة فظلّت «لظلّت خ ل» أعناقهم لها خاضعین، و لو فعل لسقط البلوی عن الناس أجمعین.

و لکن اللّه جلّ ثناؤه جعل رسله أولی قوّة فی عزائم نیّاتهم، و ضعفة فیما تری الأعین من حالاتهم من قناعة تملا القلوب و العیون غناه، و خصاصة یملا الأسماع و الأبصار اذاه.

و لو کانت الأنبیاء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملک یمدّ نحوه أعناق الرّجال و یشدّ إلیه عقد الرّحال لکان أهون علی الخلق فی الاختبار، و أبعد لهم فی «من خ»

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 347

الاستکبار، و لامنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم، فکانت النیّات مشترکة و الحسنة مقتسمة.

و لکن اللّه أراد أن یکون الاتّباع لرسله، و التصدیق بکتبه و الخشوع لوجهه و الاستکانة لأمره و الاستسلام الیه امور له خاصّة لا یشوبها من غیرها شائبة، و کلّ ما کانت البلوی و الاختبار أعظم کانت المثوبة و الجزاء أجزل.

ألا ترون أنّ اللّه جلّ ثناؤه اختبر الأوّلین من لدن آدم علیه السّلام الی آخرین من هذا العالم بأحجار ما تضرّ و لا تنفع و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بیته الحرام الذی جعله للنّاس قیاما، ثمّ جعله بأوعر بقاع الأرض حجرا، و أقلّ نتایق الدّنیا مدرا، و أضیق بطون الأودیة معاشا، و أغلظ محالّ المسلمین میاها بین جبال خشنة، و رمال دمثة، و عیون وشلة، و قری منقطعة، واتر من مواضع قطر السماء، واتر [داثر کذا فی کا] لیس یزکو به خف و لا ظلف و لا حافر.

ثم أمر آدم علیه السّلام و ولده أن یثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، و غایة لملقی رحالهم، تهوی إلیه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متّصلة و جزائر بحار منقطعة، و مهاوی فجاج عمیقة، حتی یهزّوا مناکبهم ذللا للّه حوله، و یرملوا علی اقدامهم شعثا غبرا، قد نبذوا القنع و السرابیل وراء ظهورهم، و حسروا بالشعور حلقا عن رؤوسهم، ابتلاءاً عظیما، و اختبارا کبیرا، و امتحانا شدیدا، و تمحیصا بلیغا، و فتونا مبینا، جعله اللّه سببا لرحمته، و وصلة و وسیلة إلی جنّته. و علّة لمغفرته، و ابتلاءاً للخلق برحمته.

و لو کان اللّه تبارک و تعالی وضع بیته الحرام، و مشاعره العظام، بین جنّات و أنهار، و سهل قرار، جم الأشجار، دانی الثمار، ملتفّ النبات، متّصل القری، من برّة سمراء، و روضة خضراء، و أریاف محدقة، و عراص معذقة، و زروع ناضرة، و طرق عامرة، و حدائق کثیرة، لکان قد صغر الجزاء علی حسب ضعف البلاء.

ثمّ لو کانت الأساس المحمول علیها، أو الأحجار المرفوع بها بین زمرّدة خضراء و یاقوتة حمراء، و نور و ضیاء لخفّف ذلک مصارعة الشک فی الصّدور، و لوضع

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 348

مجاهدة ابلیس عن القلوب، و لنفی معتلج الریب من الناس.

و لکن اللّه عزّ و جلّ یختبر عبیده بأنواع الشدائد، و یتعبّدهم بألوان المجاهدة، و یبتلیهم بضروب المکاره إخراجا للتکبّر من قلوبهم، و إسکانا للتذلل فی أنفسهم، و لیجعل ذلک أبوابا إلی فضله، و أسبابا ذللا لعفوه، و فتنة کما قال «الم أَ حَسبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ. وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذینَ صَدَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذبینَ» .

بیان:

قوله علیه السّلام «و اتر من مواضع قطر السماء» و اتر أی منفرد منقطع من الوتر و هو الفرد، و واتر الثانی یحتمل أن یکون تأکیدا لفظیّا للأوّل، و أن یراد به أنّه ناقص من حیث النبات من وتره ماله نقصه، أو أنه مأخوذ من الوتیرة و هی قطعة تستدقّ و تغلظ من الأرض.

و قوله «و حسروا بالشعور» من حسره حسرا کشفه، أی کشفوا شعورهم لأجل حلقها عن رؤوسهم، و فتنه فتنا «و فتونا» اختبره «و عراص معذقة» ضبطه فی النسخة الّتی عندنا بفتح المیم و العین المهملة و الذال المعجمة، أی محال العذق «و الاس» مثلثة أصل البناء کالأساس و الاسس محرّکة و أصل کلّ شیء جمعه أسیاس و زان أسباب و قوله «کما قال الم احسب اه» شاهد لقوله: فتنة یعنی أنّ اللّه یختبر العبید و یتعبّدهم بالشداید و المجاهد لأجل الامتحان و تمیّز الجیّد من الرّدی و المؤمن من المنافق کما نصّ به سبحانه فی کتابه المجید، لیثیب المؤمنین بحسن ایمانهم و یعاقب المنافقین.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 350

الترجمة:

آیا نمی بینید که خداوند تعالی امتحان فرموده اولین را از نزد جناب آدم علیه السّلام تا آخرین از این عالم با سنگهائی که نه ضرر دارد و نه منفعت، و نمی بینند و نمی شنود پس گردانید آنها را بیت الحرام خود چنان بیتی که گردانیده آنرا از برای خلق بر پا دارنده أحوال ایشان در دنیا و آخرت پس نهاد آن خانه را به دشوارترین بقعهای زمین از جهت سنگ، و کمترین شهرهای زمین از جهت کلوخ و تنگ ترین میانهای وادیها از حیثیّت قطر در میان کوههای درشت و ریگهای نرم و چشمهای کم آب و دههای بریده که میان آنها بایر است و خراب که فربه نمی شود در آنها شتر و اسب و گوسفند و گاو و أمثال آنها.

بعد از آن امر کرد خداوند عالم جناب آدم و فرزندان او را که بر گردانند اطراف و جوانب خود را بسوی آن، پس گردید بیت الحرام محل باز گشت از برای قصد منفعت سفرهای ایشان، و نهایت از برای انداختن بار های ایشان.

می افتد بسوی آن یعنی مایل می شود بان باطن قلبها از بیابانهای بی آب و علف دور دراز، و از درّهای واقعه در میان کوهها که گروند و از جزیره های دریاها که بریده اند از سایر قطعات زمین بجهت احاطه آب تا آنکه حرکت می دهند دوشهای خودشان را در حالت ذلت، تهلیل و تکبیر می گویند از برای خداوند در آن، و می دوند بر قدمهای خودشان در حالتی که ژولیده مو غبار آلوده باشند برای معبود بحق در حالتی که انداخته اند پیراهنها را پس پشتهای خود هنگام احرام، و زشت سازنده اند بجهت زیاد کردن مویها نیکوهای خلقت خود را در موسم حج امتحان فرمود خداوند ایشان را با این کارها امتحان بزرگ و امتحان با شدّت و امتحان آشکار و امتحان کامل گردانید خداوند حجّ آن خانه را و ابتلاء این بلیّات را سبب رحمت خود، و مایه اتّصال بسوی جنّت خود.

و اگر اراده می نمود حق تعالی این که بگذارد بیت الحرام خود و مواضع مناسک حج خود را در میان باغهای خوش، و نهرهای دلکش، و زمین نرم و هموار متصفه با کثرت درخت ها، و با نزدیکی میوه ها و با تویهم بودن بناها، و با اتصال دهها میان گندم مایل بسرخی، و مرغزار سبز و خرّم، و کشتزارهای مشتمله بر بساتین، و عرصه های موصوفه بزیادتی آب، و زراعتهای تر و تازه، و راههای آباد و معموره هر آینه می شد، پروردگار کوچک و حقیر میکرد مقدار جزا را بر حسب ضعف و سستی بلا.

و اگر بودی بنائی که نهاده شده بود بر او بنای حرم و سنگهائی که بلند شده با آن خانه خدا میان زمرّد سبز و یاقوت سرخ و سنگهای درخشنده و نور بخشنده هر آینه سبک می نمود این وضع بنا شتابیدن شک را در سینها و هر آینه فرو نهادی مجاهده شیطان لعین را از قلبها، و هر آینه نابود کردی اضطراب شک را از مردمان و لیکن خدای تعالی امتحان می فرماید بندگان خود را با أنواع سختیها، و بندگی می خواهد از ایشان با گوناگون مجاهدها، و مبتلا می سازد ایشان را بأقسام مکروهات از جهت بیرون کردن تکبّر از قلبهای ایشان، و ساکن نمودن تذلل در نفسهای ایشان، و تا بگرداند این را درهای گشاده شده بسوی فضل و انعام خود، و واسطهای رام شده برای عفو و مغفرت خود.