[hadith]وَ کُونُوا عَنِ الدُّنْیَا نُزَّاهاً وَ إِلَی الْآخِرَةِ وُلَّاهاً، وَ لَا تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَی وَ لَا تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْیَا، وَ لَا تَشیمُوا بَارِقَهَا وَ لَا تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا وَ لَا تُجِیبُوا نَاعِقَهَا وَ لَا تَسْتَضِیئُوا بإِشْرَاقِهَا وَ لَا تُفْتَنُوا بأَعْلَاقِهَا، فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ وَ نُطْقَهَا کَاذبٌ وَ أَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ وَ أَعْلَاقَهَا مَسْلُوبَةٌ. أَلَا وَ هِیَ الْمُتَصَدِّیَةُ الْعَنُونُ وَ الْجَامِحَةُ الْحَرُونُ وَ الْمَائِنَةُ الْخَئُونُ وَ الْجَحُودُ الْکَنُودُ وَ الْعَنُودُ الصَّدُودُ وَ الْحَیُودُ الْمَیُودُ؛ حَالُهَا انْتِقَالٌ وَ وَطْأَتُهَا زلْزَالٌ وَ عِزُّهَا ذُلٌّ وَ جِدُّهَا هَزْلٌ وَ عُلْوُهَا سُفْلٌ؛ دَارُ [حَرْبٍ‏] حَرَبٍ وَ سَلَبٍ وَ نَهْبٍ وَ عَطَبٍ، أَهْلُهَا عَلَی سَاقٍ وَ سیَاقٍ وَ لَحَاقٍ وَ فِرَاقٍ؛ قَدْ تَحَیَّرَتْ مَذَاهِبُهَا وَ أَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا وَ خَابَتْ مَطَالِبُهَا؛ فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ وَ لَفَظَتْهُمُ الْمَنَازلُ وَ أَعْیَتْهُمُ الْمَحَاوِلُ؛ فَمِنْ نَاجٍ مَعْقُورٍ وَ لَحْمٍ مَجْزُورٍ وَ شلْوٍ مَذْبُوحٍ وَ دَمٍ مَسْفُوحٍ وَ عَاضٍّ عَلَی یَدَیْهِ وَ صَافِقٍ بکَفَّیْهِ وَ مُرْتَفِقٍ بخَدَّیْهِ وَ زَارٍ عَلَی رَأْیِهِ وَ رَاجِعٍ عَنْ عَزْمِهِ وَ قَدْ أَدْبَرَتِ الْحِیلَةُ وَ أَقْبَلَتِ الْغِیلَةُ وَ لَاتَ حِینَ مَنَاصٍ. هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ، قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ وَ ذَهَبَ مَا ذَهَبَ وَ مَضَتِ الدُّنْیَا لِحَالِ بَالِهَا، «فَما بَکَتْ عَلَیْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما کانُوا مُنْظَرِین»‏.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 220

و کونوا عن الدّنیا نزّاها، و إلی الاخرة ولّاها، و لا تضعوا من رفعته التّقوی، و لا ترفعوا من رفعته الدّنیا، و لا تشیموا بارقها، و لا تسمعوا ناطقها، و لا تجیبوا ناعقها، و لا تستضیئوا بإشراقها، و لا تفتنوا بأعلاقها، فإنّ برقها خالب، و نطقها کاذب، و أموالها محروبة، و أعلاقها مسلوبة، ألا و هی المتصدّیة العنون، و الجامحة الحرون، و المائنة الخئون، و الجحود الکنود، و العنود الصّدود، و الحیود المیود حالها انتقال، و وطأتها زلزال، و عزّها ذلّ، و جدّها هزل، و علوها سفل، دار حرب و سلب و نهب و عطب، أهلها علی ساق و سیاق، و لحاق و فراق، قد تحیّرت مذاهبها، و أعجزت مهاربها، و خابت مطالبها، فأسلمتهم المعاقل، و لفظتهم المنازل، و أعیتهم المحاول، فمن ناج معقور، و لحم مجزور، و شلو مذبوح، و دم مسفوح، و عاضّ علی یدیه، و صافق بکفّیه «لکفّیه خ»، و مرتفق بخدّیه، و زار علی رأیه، و راجع عن عزمه، و قد أدبرت الحیلة، و أقبلت الغیلة، و لات حین مناص، و هیهات هیهات قد فات ما فات، و ذهب ما ذهب، و مضت الدّنیا لحال بالها- فما بکت علیهم السّماء و الأرض و ما کانوا منظرین. (43235- 42805)

اللغة:

و (شام) البرق یشمه إذا نظر إلیه انتظارا للمطر و (تصدّی) له تعرّض و (عنّ) الشیء یعنّ من باب ضرب عنا و عننا و عنونا إذا ظهر أمامک و اعترض و (جمح) الفرس براکبه یجمح من باب منع جماحا و جموحا استعصی حتّی غلبه فهو جموح و زان رسول و جامح، و جمحت المرأة خرجت من بیتها غضبی بغیر إذن بعلها.

و (حرن) الدابة حرونا من باب قعد فهی حرون و هی التّی إذا استدرّ جریها وقفت و (مان) یمین مینا کذب فهو مائن و (حادت) الناقة عن کذا أی مالت عنه فهی حیود و (مادت) أی مالت فهی میود فان کانت عادتها ذلک سمّیت الحیود المیود و (الجدّ) فی الکلام بالکسر ضدّ الهزل و (الحرب) بسکون الراء معروف و جمعه حروب و بفتحها مصدر یقال حربه حربا مثل طلبه طلبا أی سلب ماله (و سلبه) سلبا و سلبا اختلسه و (و النّهب) بسکون الهاء الغنیمة.

و (الساق) ما بین الکعب و الرکبة قال سبحانه «وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ» و السّاق أیضا الشدّة، و منه قامت الحرب علی ساق إذا اشتدّ أمرها و صعب الخلاص منها، و ربما فسّرت الایة بهذا المعنی أی التفّت آخر شدّة الدّنیا بأوّل شدّة الاخرة.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 222

(و السّیاق) مصدر من ساق الماشیة سوقا و سیاقة و ساق المریض سوقا و سیاقا شرع فی نزع الروح و (جزرت) الجزور نحرتها و (الشلو) بالکسر العضو و الجسد من کلّ شیء و کلّ مسلوخ أکل منه شیء و بقیت منه بقیّة و الجمع أشلاء کحبر و أحبار و (ارتفق) اتکاء علی مرفق یده أو علی المخدّة و (الغیلة) الشّر أو بمعنی الاغتیال و هو الخدیعة و (المناص) المهرب من ناص عن قرنه ینوص نوصا إذا هرب و المناص أیضا الملجأ. و قوله  (لحال بالها) قال الشارح المعتزلی کلمة یقال فیما انقضی و فرط أمره و قیل: البال القلب و رخاء النفس أی مضت الدّنیا لما یهواه قلبها.

الاعراب:

جملة و قد أدبرت الحیلة فی محلّ النصب حال من فاعل راجع و قوله: و لات حین مناص، لا مشبّهة بلیس و التاء زایدة و حین بالنصب خبر لا و اسمها محذوف، قال نجم الأئمة: و قد یلحق لا التاء نحو لات فیختصّ بلفظ الحین مضافا إلی نکرة، نحو لات حین مناص، و قد یدخل علی لفظة أوان و لفظة هنا أیضا و قال الفراء یکون مع الأوقات کلّها و أنشد: و لات ساعة مندم.

و التاء فی لات للتأنیث کما فی ربّة و ثمّة قالوا: إما لتأنیث الکلمة أی لا، أو لمبالغة النفی کما فی علّامة فاذا ولیها حین فنصبه أکثر من رفعه و یکون اسمها محذوفا و حین خبرها أی لات الحین حین مناص و تعمل یعنی لات عمل لیس لمشابهتها له بکسع  «1» التاء إذ یصیر علی عدد حروفه ساکنة الوسط و لا یجوز أن یقال باضمار اسمها کما فی نحو عبد اللّه لیس منطلقا، لأنّ الحرف لا یضمر فیه و إن شابه الفعل، و اذا رفعت حین علی قلّته فهو اسم لا و الخبر محذوف أی لات حین مناص حاصلا، و لا یستعمل إلّا محذوفة أحد الجزئین.

هذا قول سیبویه و عند الأخفش أنّ لات غیر عاملة و المنصوب بعدها بتقدیر


 (1) الکسع ان تضرب دبر الانسان بیدک او بصدر قدمک.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 223

فعل، فمعنی لات حین مناص لا أری حین مناص، و المرفوع بعدها مبتدأ محذوف الخبر، و فیه ضعف لأنّ وجوب حذف الفعل الناصب و خبر المبتدأ له مواضع متعینة قال نجم الأئمّة: و لا یمتنع دعوی کون لات هی لاء التبریة، و یقوّیه لزوم تنکیر ما اضیف حین إلیه، فاذا انتصب حین بعدها فالخبر محذوف کما فی لا حول و إذا ارتفع فالاسم محذوف أی لات حین حین مناص کما فی لا علیک، و نقل عن أبی عبید أنّ التاء من تمام حین کما جاء:

العاطفون تحین ما من عاطف          و المطعمون زمان ما من مطعم     

 و قد ضعف لعدم شهرة تحین فی اللّغات و اشتهار لات حین، و أیضا فانّهم یقولون لات أوان و لات هنا و لا یقال تاوان و تهنا.

و کیف کان فجملة و لات حین مناص فی موضع النصب حال من فاعل اقبلت، و قوله: هیهات هیهات اسم فعل فیه معنی البعد، و فیه ضمیر مرتفع عاید إلی مناص و المعنی بعد المناص جدّا حتی امتنع.

قال نجم الأئمة و کلّ ما هو من اسماء الأفعال بمعنی الخبر «1» ففیه معنی التعجّب فمعنی هیهات أی ما أبعده، و شتّان أی ما أشدّ الافتراق، و سرعان و وشکان أی ما أسرعه، و بطان أی ما أبطاه.

و قال الزمخشری فی الکشاف فی قوله تعالی «أَ یَعِدُکُمْ أَنَّکُمْ إِذا مِتُّمْ وَ کُنْتُمْ تُراباً وَ عِظاماً أَنَّکُمْ مُخْرَجُونَ. هَیْهاتَ هَیْهاتَ لِما تُوعَدُونَ»  قرأ هیهات بالفتح و الکسر و الضمّ کلّها بتنوین و بلا تنوین و بالسّکون علی لفظ الوقف.

و قال أبو علیّ و انّما کرّر هیهات فی الایة و فی قول جریر:

فهیهات هیهات العقیق و من به          و هیهات وصل بالعقیق فواصله    

 للتأکید أمّا اللتان فی الایة ففی کلّ واحد ضمیر مرتفع یعود إلی الاخراج إذ لا یجوز خلوّه من الفاعل و التقدیر: هیهات إخراجکم، لأنّ قوله: انّکم مخرجون


 (1) احتراز عما هو بمعنی الانشاء مثل هلم بمعنی اقبل و روید بمعنی امهل و بله بمعنی اترک و نحوها.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 224

بمعنی الاخراج أی بعد اخراجکم للوعد إذ کان الوعد إخراجکم بعد موتکم استبعد أعداء اللّه إخراجهم لما کانت العدة به بعد الموت، ففاعل هیهات هو الضّمیر العاید إلی انکم مخرجون الّذی هو بمعنی الاخراج.

و امّا فی البیت ففی هیهات الأوّل ضمیر العقیق و فسّر ذلک ظهوره مع الثّانی، هذا.

و ذکر فی القاموس فی هیهات إحدی و خمسین لغة لا مهمّ بنا إلی ذکرها.

المعنی:

ثمّ أمر بالزّهد فی الدّنیا و الوله إلی الاخرة لاستلزامهما للتقوی و هو قوله: (و کونوا عن الدّنیا نزاها) متباعدین (و إلی الاخرة ولّاها) أی و الهین مشتاقین، فانّ الوله إلی الاخرة یوجب تحصیل ما یوصل إلیها و هو التباعد عن الدّنیا و الملازمة للتقوی (و لا تضعوا من رفعته التقوی) و هو نهی عن إهانة المتقین لکونه خلاف التقوی (و لا ترفعوا من رفعته الدّنیا) و هو نهی عن تعظیم الأغنیاء الذین ارتفاع شأنهم عند الناس و وجاهتهم من جهة ثروتهم، فانّ تعظیمهم من هذه الجهة مناف للتقوی.

استعاره بالکنایه (و لا تشیموا بارقها) أی لا تنظروا إلی سحابها صاحب البرق انتظارا للمطر قال الشارح البحرانی: استعار لفظ البارق لما یلوح للناس فی الدّنیا من مطامعها و مطالبها، و وصف الشیم لتوقع تلک المطالب و انتظارها و التطلع إلیها علی سبیل الکنایة عن کونها کالسحابة الّتی یلوح بارقها فیتوقّع منها المطر.

استعاره (و لا تسمعوا ناطقها و لا تجیبوا ناعقها) و هو نهی عن مخالطة أهل الدّنیا و معاشرتهم أی لا تسمعوا إلی مادحها و من یزیّنها و یصفها بلسانه و بیانه و لا تصدّقوا قوله، و لا تجیبوا صائحها أی لا تتّبعوا و لا توافقوا المنادی إلیها لأنّ سماع الناطق و إجابة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 254

الناعق یوجب المیل الیها، و یحتمل أن یکون الناطق و الناعق استعارة لمتاع الدّنیا و مالها، فانّه لما کان یرغب فیها بلسان حاله و یدعو إلیها شبه بالنّاطق و الناعق.

استعاره (و لا تستضیئوا باشراقها و لا تفتنوا باعلاقها) استعار لفظ الاشراق لزینة الدّنیا و زخارفها و زبرجها و أموالها و لفظ الاستضاءة للالتذاذ و الابتهاج بتلک الزخارف أی لا تبتهجوا بزخارف الدّنیا و لا تفتنوا بنفایسها.

و لما نهی عن شیم البارق و سماع الناطق و اجابة الناعق و عن الاستضاءة بالاشراق و الافتتان بالاعلاق، أردفه بالاشارة إلی علل تلک المناهی فعلل النهی عن شیم البارق بقوله:

استعاره (فانّ برقها خالب) أی خال من المطر فیکون الشیم و النظر خالیا من الثمر قال الشارح البحرانی: استعار لفظ الخالب لما لاح من مطامعها، و وجه المشابهة کون مطامعها و آمالها غیر مدرکة و إن ادرک بعضها ففی معرض الزوال کان لم یحصل فاشبهت البرق الذی لا ماء فیه و ان حصل معه ضعیف غیر منتفع به فلذلک لا ینبغی أن یشام بارقها.

و علل النهی عن سماع الناطق و اجابة الناعق بقوله  (و نطقها کاذب) أی ناطقها کاذب لأنّ قوله مخالف لنفس الأمر و ما یزیّنه و یرغب فیه و یدعو إلیه کسراب بقیعة یحسبه الظمان ماء حتّی إذا جاءه لم یجده شیئا.

و علّل النّهی عن الاستضاءة بالاشراق بقوله  (و أموالها محروبة) أی مأخوذة بتمامها، و ما شأنها ذلک فلا یجوز الابتهاج و الشعف بها.

و علّل النهی عن الفتون بالاعلاق بقوله  (و اعلاقها مسلوبة) أی منهوبة مختلسة و ما حالها ذلک فکیف یفتن بها و یمال إلیها، ثمّ وصف الدّنیا بأوصاف اخری منفرة عنها فقال:

تشبیه البلیغ- تشبیه المعقول بالمحسوس (ألا و هی المتصدّیة العنون) أی مثل المرأة الفاجرة المتصدّیة المتعرّضة للرجال المولعة فی التعرّض لهم، و هو من التشبیه البلیغ و من قبیل تشبیه المعقول بالمحسوس، و وجه الشبه أنّ المرأة الموصوفة کما تزین نفسها و تعرضها علی الرجال لتخدعهم عن أنفسهم فکذلک الدّنیا تتعرّض بقیناتها لأهلها فتخدعهم.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 255

(و الجامحة الحرون) أی مثل الدّابة السیّئة الخلق التی لا تنقاد لراکبها البالغة فی عدم الانقیاد غایته، و التشبیه هنا مثل التشبیه فی الفقرة السابقة، و وجه الشبه أنّ الدابة الموصوفة کما لا تنقاد لصاحبها و لا یتمکّن من حملها و رکوبها مهما ارید، فکذلک الدّنیا لا یتمکّن أهلها من تصریفها و تقلیبها و الانتفاع بها فی مقام الضرورة و الحاجة.

 (و المائنة الخئون) أی الکاذبة کثیرة الخیانة حیث إنها تخدع الناس بزینتها و تغرّهم بحلیّها و توقع فی وهمهم و خیالهم لقیائها لهم، فعما قلیل ینکشف کذبها و تتبیّن خیانتها إذا زالت عنهم.

 (و الجحود الکنود) أی کثیرة الانکار و الکفران کالمرأة التی تکفر نعمة زوجها و تنکر معروفه و احسانه، و یکون من شأنها الغدر و المکر، و کذلک الدّنیا تنفر عمن رغب فیها و سمی إلیها و اجتهد فی عمارتها و تکون سبب هلاکه ثمّ تنتقل عنه إلی غیره.

تشبیه (و العنود الصدود) لما کان من شأن الدّنیا الانحراف و المیل عن القصد و العدول عن سنن قصود الطالبین الراغبین منها، شبّهها بالعنود الصدود، و هی الناقة العادلة عن مرعی الابل و الراعیة فی جانب منه و وصفها بالصدود لکثرة اعراضها.

 (و الحیود المیود) أی کثیرة المیل و التغیّر و الاضطراب (حالها انتقال) أی شأنها و شیمتها انتقال من حال إلی حال و انقلاب من شخص إلی شخص (و وطأتها زلزال) أی موضع قدمها متحرّک غیر ثابت (و عزّها ذلّ) أی العزّ الحاصل لأهل الدّنیا بسبب الثروة و الغنی فهو ذلّ فی الحقیقة، لأنّ ما تعزّز به من المال إن کان من حلال ففیه حساب و إن کان من حرام ففیه عقاب، فعزّتها موجب لانحطاط الدرجة عند اللّه سبحانه، و لذلک قال سیّد الساجدین علیه السّلام فی بعض أدعیة الصحیفة: فانّ الشریف من شرّفته طاعتک، و العزیز من أعزّته عبادتک.

استعاره (و جدّها هزل) قال الشارح البحرانی: استعار لفظ الجدّ و هو القیام فی الأمر

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 256

بعنایة و اجتهاد لاقبالها علی بعض أهلها بخیراتها کالصدیق المعتنی بحال صدیقه و لادبارها عن بعضهم و اصابتها له بمکروهها کالعدوّ القاصد لهلاک عدوّه، و استعار لجدّها لفظ الهزل الذی هو ضدّه، و وجه الاستعارة کونها عند اقبالها علی الانسان کالمعتنیة بحاله، و عند إعراضها عنه و رمیه بالمصائب کالقاصدة لذلک، ثمّ تسرع انتقالها عن تلک الحال إلی ضدّها فهی فی ذلک کالهازل اللّاعب.

 (و علوها سفل) و هو فی معنی قوله: و عزّها ذلّ، أی العلوّ الحاصل بسببها موجب لانحطاط الرتبة فی الاخرة.

 (دار حرب و سلب و نهب و عطب) أی دار محاربة أو دار سلب و اختلاس و غارة و هلاکة لأنّ أهلها و مالها غرض للافات و هدف للقتل و الغارات، أو أنّ مالها یسلب عن أهلها و یحرب و ینهب بموت صاحب المال و هلاکه (أهلها علی ساق و سیاق) إن فسر الساق بساق القدم فالمراد بالجملة الاشارة إلی زوالها و انقضائها، یعنی أنّ أهلها قائمون علی سوقهم و أقدامهم مستعدون للسیاق و المسیر إلی الاخرة، و إن فسّر بالشّدة فالمراد أنّ أهلها فی شدّة و محنة و عرضة للموت، و معلوم أنها إذا کانت دار حرب و نهب و سلب و عطب یکون أهلها فی شدّة لا محالة.

 (و لحاق و فراق) أی أهلها یلحق بعضهم بعضا أی یلحق احیاءهم بالأموات و یفارقون من الأموال و الأولاد.

مجاز العقلی (قد تحیّرت مذاهبها) من المجاز العقلی أی تحیّر أهلها فی مذاهبها و مسالکها لا یهتدون إلی طریق جلب خیرها و دفع شرّها، و ذلک لاشتباه امورها و عدم وضوح سبلها الموصلة إلی المقصود.

 (و أعجزت مهاربها و خابت مطالبها) إسناد الاعجاز إلی المهارب و الخیبة إلی المطالب أیضا من باب المجاز، و المراد أنّ من أراد الهرب و الفرار من شرورها فهو عاجز فی مواضع الهرب، و من أراد النیل إلی عیشها و ماربها فهو خائب فی محال

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 257

الطلب، و أشار إلی بعض ملازمات الخیبة بقوله: (فأسلمتهم المعاقل) أی لم تحفظهم من الرزایا و لم تحصنهم «تحرزهم خ ل» من المنایا (و لفظتهم المنازل) أی ألقتهم و رمت بهم نحو سهام المنیّة (و أعیتهم المحاول) أی تصاریف الدّنیا و تغیّرات الزمان أو الحیل لاصلاح امورها.

ثمّ قسّم أهلها باعتبار ما یصیبهم من حوادثها و مزورها إلی أصناف بعضها أحیاء و بعضها أموات و هو قوله: (فمن ناج معقور) أی مجروح کالهارب من الحرب بعد مقاساة الأحزان و الشدائد، و قد جرح بدنه، و هذا صفة الباقین فی الدّنیا قد نجوا من الموت و لکن صاروا غرضا للافات.

 (و لحم مجزور) أی قتیل صار لحما مقطوعا (و شلو مذبوح) قال الشّارح البحرانی: أراد ذی شلو أی عضو مذبوح أی قد صار بعد الذبح أشلاء «1» متفرّقة، و یحتمل أن یکون مذبوح صفة للشلو، و أراد بالذبح مطلق الشق کما هو فی أصل اللغة (و دم مسفوح) أی ذی دم مسفوک (و عاض علی یدیه) بعد الموت ندما علی التفریط فی أمر اللّه و هو وصف للظالمین قال تعالی «وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظَّالِمُ عَلی یَدَیْهِ یَقُولُ یا لَیْتَنِی اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبیلًا. یا وَیْلَتی لَیْتَنِی لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِیلًا» (و صافق بکفیه) أی ضارب إحداهما علی الاخری تأسّفا و تحسّرا (و مرتفق بخدّیه) أی جاعل راحة کفّیه تحت خدّیه متکا علی مرفقیه همّا و حزنا (و زار علی رأیه) أی عائب علی اعتقاده فانه لما کان عقیدته طول المکث و البقاء فی الدّنیا و امتداد زمان الحیاة و کان ذلک موجبا للالتفات بکلیته إلیها و انقطاعه عن الاخرة و انهما که فی الشهوات، ثمّ انکشف بالموت فساد تلک العقیدة و بطلان ذلک الاعتقاد لا جرم أزری علی رأیه و عابه (و راجع عن عزمه) أی عن قصده، و ذلک لأنّ قصده لما کان السّعی فی تحصیل الدّنیا و عمارتها و الاکثار من قیناتها و کان منشأ ذلک أیضا زعم تمادی مدّة الحیاة و اللّبث فیها فانکشف خلافه، کان ذلک موجبا لرجوعه عن عزمه و ندمه علیه، هذا.


 (1) ای أعضاء، م

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 258

و لما کانت الجملات  «1» المتعاطفات الأخیرة کلّها مشترکة المعنی فی إفادة ندم الأموات  «2» علی ما فرّطوا فی جنب اللّه عقّبها بالجملة الحالیة أعنی قوله:

 (و قد أدبرت الحیلة و أقبلت الغیلة) تنبیها بها علی أنه لا ثمر للندم و لا منفعة فی العضّ علی الیدین و الصفق بالکفین و الارتفاق بالخدّین و لا فائدة فی الازراء علی الرأی و الرّجوع عن العزم، و الحال أنّه قد ولی الاحتیال و أقبل الهلاک و الاغتیال لأنّ الحیلة للخلاص من العقاب و التدبر و للفوز بالثواب إنّما هو قبل أن یغتال مخالب المنیة کما قال سبحانه  «انَّمَا التَّوْبَةُ عَلَی اللَّهِ لِلَّذینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بجَهالَةٍ ثُمَّ یَتُوبُونَ مِنْ قَرِیبٍ» .

و أما بعد ما أنشبت أظفارها فلا کما قال سبحانه «وَ لَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ» و لو قال بعد الموت  حَتَّی إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَب  یقال له  لَعَلِّی أَعْمَلُ صالِحاً فِیما تَرَکْتُ  فانقطع العلاج و امتنع الخلاص.

 (و لات حین مناص هیهات هیهات) أی بعد المناص و الخلاص جدّا و الحال أنه (قد فات ما فات و ذهب ما ذهب) الاتیان بالموصول فی المقامین تفخیما بشأن الفایت الذاهب أی فات زمان تدارک السیئات، و ذهبت أیام جبران الخطیئات، و انقضی وقت تحصیل النجاة من العقوبات، و الخلاص من ورطات الهلکات.

 (و مضت الدّنیا لحال بالها) أی بما فیها خیرا کان و شرّا، و قیل: أی مضت الدّنیا لما یهواه قلبها و للسّبیل الّذی أرادت و لم تکترث لحال القوم و لم تهتم لأمرهم بل نسیتهم، و هذا مثل قولهم: مضی فلان لسبیله، و مضی لشأنه.

اقتباس (فما بکت علیهم السّماء و الأرض و ما کانوا منظرین) اقتباس من الایة الشریفة فی سورة الدّخان.


 (1) من قوله وعاض علی یدیه الی قوله و راجع عن عزمه (منه).

 (2) فیه ما لا یخفی، لان الظاهر أن الجملات کلها مشترکة المعنی فی افادة ندم الاحیاء علی ما فرطوا لا الاموات، إذ لا یعقل لهم العضّ علی الیدین و الصفق بالکفین و الارتفاق بالخدّین کما هو واضح، و عضّ الظالم علی یدیه انما هو فی القیامة فلیتأمل. «المصحح».

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 259

و اختلف فی معناها علی وجوه:

أحدها أنّه لم تبک علیهم أهل السّماء و أهل الأرض، لأنهم لا یستحقون أن یتأسّف علیهم أحد و یحزن لفقدهم، و کأنهم توقعوا ذلک لعزّتهم و رفعة درجتهم فی نظرهم.

الثّانی أنّه ما بکی علیهم المؤمنون من أهل الأرض و لم یبک علیهم أهل السّماء کما یبکون علی فقد الصالحین، لأنّ هؤلاء مسخوط علیهم، و هو قریب من الوجه الأوّل.

الثّالث أنّه سبحانه أراد المبالغة فی وصف القوم بصغر القدر، فانّ العرب إذا أخبرت عن عظم المصاب بالهالک قالت: بکاه السّماء و الأرض، و أظلم لفقده الشمس و القمر، قال جریر یرثی عمر بن عبد العزیز:

فالشّمس طالعة لیست بکاسفة         تبکی علیک نجوم اللّیل و القمر   

 أی لیست مع طلوعها کاسفة نجوم اللّیل و القمر لأنّ عظم المصیبة قد سلبها ضوءها، و قال النابغة:

تبدو کواکبه و الشّمس طالعة         لا النور نور و لا الاظلام اظلام    

 الرابع أن یکون ذلک کنایة عن أنّه لم یکن لهم فی الأرض عمل صالح یرفع منها إلی السّماء، و قد روی عن ابن عبّاس أنّه سئل عن هذه الایة فقیل:

و هل یبکیان علی أحد؟ قال: نعم مصلّاه فی الأرض، و مصعد عمله فی السّماء، و روی عن أنس عن النّبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم ما من مؤمن إلّا و له باب یصعد منه عمله و باب ینزل منه رزقه، فاذا مات بکیا علیه.

قال الطبرسی: علی هذا یکون معنی البکاء الاخبار عن الاختلال بعده، قال مزاحم العقیلی:

بکت دارهم من أجلهم فتهلّلت          دموعی فأیّ الجازعین ألوم        

أ مستعبرا یبکی من الهون و البلی          أم آخر یبکی شجوه و یهیم    

 و قوله: و ما کانوا منظرین، أی عوجلوا بالعقوبة و لم یمهلوا، نسأل اللّه سبحانه أن یوفقنا التوبة قبل حلول الفوت، و للانابة قبل نزول الموت، و أن لا یجعلنا فی زمرة من غضب علیه اللّه، و من نادی واحسرتا علی ما فرّطت فی جنب اللّه، بمحمّد و آله الکرام علیهم الصّلاة و السّلام.

الترجمة:

و باشید از دنیا دور شوندگان و بسوی آخرت شیفته گان، و پست مسازید کسی را که بلند نموده است او را تقوی، و بلند مسازید کسی را که بلند نموده است او را دنیا، و چشم ندوزید بزخارف برق زننده دنیا، و گوش ندهید بمدح کننده آن، و قبول نکنید خواننده بدنیا را، و روشنی مخواهید با روشنی آن، و مفتون نشوید بنفایس آن از جهت این که برق آن خالی است از باران، و گفتار آن دروغ است، و مالهای او گرفته شده است بتمامی، و نفایس آن ربوده شده بناکامی.

آگاه باشید که دنیا مثل زن فاجره است که متعرّض شونده مردها است، کثیر التعرض است بایشان مثل حیوان سرکشی است نافرمان، و کاذبست بغایت خاین، و منکرات زیاده ناسپاس، و منحرفست بسیار عدول کننده و برگردانده است زیاده متغیّر و مضطرب، شأن آن زوال و فنا است و موضع قدم آن اضطرابست و حرکت، و عزّت آن خواریست و همت آن سخریّه است و استهزا، و بلندی آن پستی است، خانه ستاندن و ربودن و غارت و هلاکت است، أهل آن بر شدّت اند و رحلت و بر لا حق شدن روندگان اند و مفارقت از باقی ماندگان.

بتحقیق متحیّر بوده است راههای آن، و عاجز نموده محلهای گریز از آن، و خایب و نا امید شده مکانهای طلب او، پس فرو گذاشت و ترک نمود ایشان را پناگاهها، و انداخت ایشان را منزلها، و عاجز ساخت آنها را انقلابات روزگار.

پس بعضی از ایشان نجات یابنده است صاحب جراحت، و بعضی گوشتی است پاره پاره، و عضوی است بریده شده، و خونیست ریخته شده، و گزنده است با دندان دستهای خود را از روی ندامت، و زننده است کف دستهایش را بهم از روی حسرت، و نهنده است مرفقین خود را زیر خدّین خود از جهت پریشانی و اندوه، و عیب کننده است بر عقیده فاسد خود، و رجوع کننده است از عزم و قصد خود.

و حال آنکه بتحقیق که ادبار نموده حیله و تدبیر، و اقبال کرده مرگ ناگهان، و نیست این وقت وقت چاره چه دور است بغایت دور چاره و علاج، و حال آنکه فوت شد آنچه که فوت شد، و رفت آنچه که رفت، و گذشت دنیا بحال دل خود نه بخواهش اهل روزگار، پس نه گریست بأهل روزگار آسمان و زمین، و مهلت داده نشدند و زود گرفتار عذاب گشتند.