[hadith]و من خطبة له (علیه السلام) فی صفات اللّه جل جلاله، و صفات أئمة الدین:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الدَّالِّ عَلَی وُجُودهِ بخَلْقِهِ، وَ بمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ، وَ باشْتِبَاهِهِمْ عَلَی أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ. لَا تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ وَ لَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لِافْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَ الْمَصْنُوعِ وَ الْحَادِّ وَ الْمَحْدُود وَ الرَّبِّ وَ الْمَرْبُوب. الْأَحَد بلَا تَأْوِیلِ عَدَدٍ، وَ الْخَالِقِ لَا بمَعْنَی حَرَکَةٍ وَ نَصَبٍ، وَ السَّمِیعِ لَا بأَدَاةٍ، وَ الْبَصِیرِ لَا بتَفْرِیقِ آلَةٍ، وَ الشَّاهِد لَا بمُمَاسَّةٍ، وَ الْبَائِنِ لَا بتَرَاخِی مَسَافَةٍ، وَ الظَّاهِرِ لَا برُؤْیَةٍ، وَ الْبَاطِنِ لَا بلَطَافَةٍ. بَانَ مِنَ الْأَشْیَاءِ بالْقَهْرِ لَهَا وَ الْقُدْرَةِ عَلَیْهَا، وَ بَانَتِ الْأَشْیَاءُ مِنْهُ بالْخُضُوعِ لَهُ وَ الرُّجُوعِ إِلَیْهِ. مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ، وَ مَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَ مَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَ مَنْ قَالَ کَیْفَ فَقَد اسْتَوْصَفَهُ، وَ مَنْ قَالَ أَیْنَ فَقَدْ حَیَّزَهُ. عَالِمٌ إِذْ لَا مَعْلُومٌ، وَ رَبٌّ إِذْ لَا مَرْبُوبٌ، وَ قَادرٌ إِذْ لَا مَقْدُورٌ.[/hadith]

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 173

و من خطبة له علیه السّلام و هی المأة و الثانی و الخمسون من المختار فی باب الخطب و شرحها فی فصول:

الفصل الاول:

الحمد للَّه الدّال علی وجوده بخلقه، و بمحدث خلقه علی أزلیّته، و باشتباههم علی أن لا شبه له، لا تستلمه المشاعر، و لا تحجبه المساتر، لافتراق الصّانع و المصنوع، و الحادّ و المحدود، و الرّبّ و المربوب، الأحد بلا تأویل عدد، و الخالق لا بمعنی حرکة و نصب، و السّمیع لا بأداة، و البصیر لا بتفریق آلة، و المشاهد لا بمماسّة، و البائن لا بتراخی مسافة، و الظّاهر لا برؤیة، و الباطن لا بلطافة، بان من الأشیاء بالقهر لها، و القدرة علیها، و بانت الأشیاء منه بالخضوع له، و الرّجوع ألیه، من وصفه فقد حدّه، و من حدّه فقد عدّه، و من عدّه فقد أبطل أزله، و من قال کیف فقد استوصفه، و من قال أین فقد حیّزه، عالم إذ لا معلوم، و ربّ إذ لا مربوب، و قادر إذ لا مقدور. (30625- 30494)

اللغة:

قال الشّارح المعتزلی (الاستلام) فی اللّغة لمس الحجر بالید و تقبیله و لا یهمر لأنّ أصله من السّلام و هی الحجارة کما یقال استنوق الجمل و بعضهم یهمزه انتهی، و قال الفیومی فی المصباح: استلأمت الحجر قال ابن السّکیت: همزته العرب علی غیر قیاس و الأصل استلمت لأنّه من السّلام و هی الحجارة، و قال ابن الاعرابی: الاستلام أصله مهموز من الملائمة و هی الاجتماع، و حکی الجوهری القولین و مثله الفیروز آبادی، و فی بعض النّسخ بدل لا تستلمه لا تلمسه و (النّصب) محرّکة التّعب.

الاعراب:

جملة لا تستلمه المشاعر استیناف بیانیّ، و لفظ الأحد، و الخالق، و السّمیع و البصیر، و ما یتلوها من الصّفات یروی بالرّفع و الجرّ معا الأوّل علی أنّه خبر لمبتدأ محذوف، و الثّانی علی أنّه صفة للَّه.

المعنی:

اعلم أنّ هذا الفصل من الخطبة متضمّن لمباحث شریفة إلهیّة، و معارف نفیسة ربّانیة، و مسائل عویصة حکمیّة، و مطالب علیّة عقلیّة لم یوجد مثلها فی زبر الأوّلین و الآخرین، و لم یسمح بنظیرها عقول الحکماء السّابقین و اللّاحقین و صدّره بتحمید اللَّه سبحانه و تمجیده فقال:

 (الحمد للَّه) و قد مضی شرح هذه الجملة و تحقیق معنی الحمد و بیان وجه اختصاصه باللَّه سبحانه فی شرح الفصل الأوّل من الخطبة الأولی، و نقول هنا مضافا

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 174

إلی ما سبق: إنّ الحمد سواء کان عبارة عن التعظیم و الثّناء المطلق، أو عن الشکر المستلزم لتقدّم النّعمة و الاعتراف بها، فالمستحقّ له فی الحقیقة لیس إلّا اللَّه سبحانه، و لذا أتی بتعریف الجنس و لام الاختصاص الدّالین علی أنّ طبیعة الحمد مختصّة به تعالی.

أمّا علی أنّه عبارة عن مطلق الثّناء و التّعظیم فلظهور أنّ استحقا قیّتهما إنّما یتحقّق لأجل حصول کمال أو برائة نقص، و کلّ کمال و جمال یوجد فی العالم فانما هو رشح و تبع لجماله و کماله، و أما البراءة عن النقائص و العیوب فممّا یختص به تعالی، لأنّه وجود محض لا یخالطه عدم و نور صرف لا یشوبه ظلمة.

و أما علی أنه عبارة عن الشکر المسبوق بالنعمة فلأنّ کلّ منعم دونه فانما ینعم بشیء ممّا أنعم اللَّه، و مع ذلک فانما ینعم لأجل غرض من جلب منفعة أو دفع مضرّة أو طلب محمّدة، فهذا الجود و الانعام فی الحقیقة معاملة و تجارة و إن عدّ فی العرف جودا و انعاما، و أما الحقّ تعالی فلما لم یکن إنعامه لغرض و لا جوده لعوض إذ لیس لفعله المطلق غایة إلّا ذاته کما مرّ تحقیقه فی شرح الخطبة الخامسة و الستین، فلا یستحقّ لأقسام الحمد و الشکر بالحقیقة إلّا هو، هذا و أردف الحمد بجملة من أوصاف الکمال و نعوت العظمة و الجلال.

الاول أنه (الدّالّ علی وجوده بخلقه) و قد مرّ کیفیّة هذه الدّلالة فی شرح الخطبة الخمسین و بیّنا هناک أنّ الاستدلال بهذه الطریقة من باب الاستدلال بالفعل علی الفاعل، و مرجعه الی البرهان اللمّی.

 (و) الثانی أنه الدّال (بمحدث خلقه علی أزلیّته) لما قد مرّ ثمة أیضا من أنّ الأجسام کلّها حادثة لأنّها غیر خالیة عن الحرکة و السّکون، و کلّ حادث مفتقر إلی محدّث فان کان ذلک المحدث محدثا عاد القول فیه کالأوّل و یلزم التّسلسل أو کونه محدثا لنفسه و کلاهما باطل، فلا بدّ من محدث قدیم لا بدایة لوجوده و هو اللَّه تعالی و سبحانه.

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 175

(و) الثالث أنّه الدّالّ (باشتباههم علی أن لا شبه له) یعنی أنّه سبحانه بابداء المشابهة بین المخلوقات دلّ علی أنّه لا مثل و لا شبیه.

و جهة المشابهة بینها إمّا الافتقار إلی المؤثّر کما ذهب إلیه الشّارح البحرانی حیث قال: أراد اشتباههم فی الحاجة إلی المؤثّر و المدّبر، و تقریر هذا الطّریق أن نقول: إن کان تعالی غنیّا عن المؤثّر فلا شبیه له فی الحاجة إلیه لکن المقدّم حقّ فالتّالی مثله.

و اعترض علیه بأنّ فیه قصورا من وجهین:

أحدهما أنّ المطلوب فی تنزیه الحقّ تعالی عن الشّبیه هو نفی الشّبه عنه علی الاطلاق لا نفی وجه من وجوه الشبّه فقط کالحاجة.

و ثانیهما أنّ نفی الحاجة عنه تعالی ممّا لا یحتاج إلی إثباته له من جهة تشابه الخلق فیها، بل مجرّد کونه واجب الوجود یلزمه نفی الحاجة عنه إلی غیره لزوما بیّنا، فالاستدلال علیه لغو من الکلام مستدرک، هذا.

و قال بعضهم: المراد بمشابهتهم الاشتباه فی الجسمیّة و الجنس و النّوع و الأشکال و المقادیر و الألوان و نحو ذلک، و إذ لیس داخلا تحت جنس لبرائته عن التّرکیب المستلزم للامکان، و لا تحت النّوع لافتقاره فی التّخصیص بالعوارض إلی غیره، و لا بذی مادّة لاستلزامه التّرکیب أیضا، فلیس بذی شبیه فی الامور المذکورة و هو قریب ممّا قاله البحرانی لکنّ الأوّل أعمّ فی نفی الشّبیه، و الأحسن منها ما فی الحدیث الأوّل من باب جوامع التوحید من الکافی عن أمیر المؤمنین علیه السّلام عند استنهاضه النّاس لحرب معاویة فی المرّة الثّانیة و هو قوله علیه السّلام: و حدّ الأشیاء کلّها عند خلقه إبانة لها من شبهه و إبانة له من شبهها.

قال العلامة المجلسی فی شرحه: أی جعل للأشیاء حدودا و نهایات، أو أجزاء و ذاتیّات لیعلم بها أنّها من صفات المخلوقین و الخالق منزّه عن صفاتهم، أو خلق الممکنات الّتی من شأنها المحدودیّة لیعلم بذلک أنّه لیس کذلک کما قال تعالی:

فخلقت الخلق لاعرف، إذ خلقها محدودة لأنّها لم تکن تمکن أن تکون غیر

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 176

محدودة لامتناع مشابهة الممکن الواجب فی تلک الصّفات الّتی هی من لوازم وجوب الوجود، و لعلّ الأوسط أظهر.

الرابع أنّه (لا تستلمه المشاعر) أی لا تلمسه لأنّ مدرکات المشاعر مقصورة علی الأجسام و الأعراض القائمة بها، و هو سبحانه لیس بجسم و لا جسمانیّ، فامتنع إدراک المشاعر و لمسها له، و یحتمل أن یزاد بالمشاعر المدارک مطلقا سواء کانت قوّة مادیّة مدرکة للحسیّات و الوهمیات أو قوّة عقلیّة مدرکة للعقلیّات و الفکریات اذ لیس للمدارک مطلقا إلی معرفة کنه ذاته سبیل، و لا علی الوصول الی حقیقه صفاته دلیل، کما مرّ فی شرح الفصل الثانی من الخطبة الاولی.

 (و) الخامس (لا تحجبه المساتر) أی الحجابات الّتی یستر بها، و فی أکثر النّسخ: السواتر بدلها و معناهما واحد، و المراد أنه لا یحجبه حجاب و لا یستتر بشیء من السواتر لأنّ الستر و الحجاب من لوازم ذی الجهة و الجسمیة، و هو تعالی منزّه عن ذلک.

فان قلت: قد ورد فی الحدیث إنّ اللَّه احتجب عن العقول کما احتجب عن الأبصار و أنّ الملاء الأعلی یطلبونه کما أنتم تطلبونه، فکیف التوفیق بینه و بین قول الامام علیه السّلام؟

قلت: لیس المراد من احتجابه عن العقول و الأبصار أن یکون بینه و بین خلقه حجاب جسمانیّ مانع عن إدراکه و الوصول الیه تعالی، بل المراد بذلک احتجابه عنهم لقصور ذواتهم و نقصان عقولهم و قواهم، و کمال ذاته و شدّة نوره و قوّة ظهوره، فغایة ظهوره أوجب بطونه، و شدّة نوره أوجب احتجابه کنور الشمس و بصر الخفاش، و قد حقّقنا ذلک بما لا مزید علیه فی شرح الخطبة الرّابعة و الستین و شرح الفصل الثانی من الخطبة التسعین، و بما ذکرنا أیضا ظهر فساد ما ربما یتوهّم من أنه إذا لم یکن محجوبا بالسواتر لا بدّ و أن یعرفه کلّ أحد و یراه، هذا.

و قوله (لافتراق الصانع و المصنوع و الحادّ و المحدود و الربّ و المربوب)

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 177

التعلیل راجع الی الجملات المتقدّمة بأسرها، و المقصود أنّ لکلّ من الصانع و المصنوع صفات تخصّه و تلیق به و یمتاز بها و بها یفارق الآخر فالمخلوقیة و الحدوث و الاشتباه و الملموسیّة و المحجوبیّة بالسواتر من لواحق المصنوعات و الممکنات و أوصافها اللّایقة لها، و الخالقیّة و الأزلیّة و التنزّه عن المشابهة و عن استلام المشاعر و احتجاب السّواتر من صفات الصّانع الأوّل و ممّا ینبغی له و یلیق به، و یضادّ ما سبق من أوصاف الممکنات، فلو جری فیه صفات المصنوعات أو فی المصنوعات صفاته لارتفع الافتراق و وقع المساواة و المشابهة بینه و بینها، فیکون مشارکا لها فی الحدوث المستلزم للامکان المستلزم للحاجة إلی الصّانع، فلم یکن بینه و بینها فصل و لا له علیها فضل، و کلّ ذلک أعنی المساوات و المشابهة و عدم الفصل و الفضل ظاهر البطلان، هذا و المراد بالحادّ خالق الحدود و النّهایات، و الصّانع و الربّ بینهما تغایر بحسب الاعتبار و هو دخول المالکیّة فی مفهوم الرّبوبیّة دون الصّنع.

السادس (الأحد لا بتأویل عدد) یعنی أنّه أحدیّ الذّات لیس کمثله شیء و أحدیّ الوجود لا جزء له ذهنا و لا عقلا و لا خارجا، و لیست وحدانیّته وحدانیّة عددیّة بمعنی أن یکون مبدء لکثرة تعدّ به کما یقال فی أوّل العدد واحد، و قد مرّ تحقیق ذلک فی شرح الخطبة الرّابعة و السّتین.

 (و) السابع (الخالق لا بمعنی حرکة و نصب) یعنی أنّه سبحانه موجد للأشیاء بنفس قدرته التّامة الکاملة و خلقه الابداع و الافاضة من دون حاجة إلی حرکة ذهنیّة أو بدنیّة کما لسایر الصّانعین، لأنّ الحرکة من عوارض الأجسام، و هو منزّه عن الجسمیّة کما لا حاجة فی ایجاده إلی المباشرة و التعمّل حتّی یلحقه نصب و تعب، و إنّما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون.

 (و) الثامن (السّمیع لا بأداة) و هی الأذنان و الصّماخان و القوّة الکائنة تحتهما، لتعالیه عن الآلات الجسمانیّة، بل سمعه عبارة عن علمه بالمسموعات، فهو نوع مخصوص من العلم باعتبار تعلّقه بنوع من المعلوم، و قد تقدّم فی شرح الفصل

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 178

السّادس من الخطبة الاولی أنّ السّمع و البصر من الصّفات الذّاتیّة له تعالی، و الاحتیاج فیهما إلی الأداة و الآلة یوجب النّقص فی الذّات و الاستکمال و الاستعانة بالآلات المنافی للوجوب الذّاتی.

 (و) التاسع (البصیر لا بتفریق آلة) أی بفتح العین أو بعث القوّة الباصرة و توزیعها علی المبصرات قال الشّارح البحرانی: و هذا المعنی علی قول من جعل الابصار بآلة الشّعاع الخارج من العین المتّصل بسطح المرئی أظهر، فانّ توزیعه أظهر من توزیع الآلة علی قول من یقول إنّ الادراک یحصل بانطباع صورة المرئی فی العین، و معنی التّفریق علی القول الثّانی هو تقلیب الحدقة و توجیهها مرّة إلی هذا المبصر و مرّة إلی ذاک کما یقال فلان مفرّق الهمّة و الخاطر إذا وزّع فکره علی حفظ أشیاء متباینة و مراعاتها کالعلم و تحصیل المال و ظاهر تنزیهه تعالی عن الابصار بآلة الحسّ لکونها من توابع الجسمیّة و لواحقها (و) العاشر (المشاهد لا بمماسّة) و فی بعض النّسخ الشّاهد بدل المشاهد، و المعنی واحد قال صدر المتألّهین فی شرح الکافی فی تحقیق ذلک: لأنّ التماس من خواصّ الأجسام، و المشاهدة بالمماسّة للمشهود نفسه کما فی الذّائقة و اللّامسة، و للمتوسّط بین الشّاهد و المشهود کما فی الشّامّة و السّامعة و الباصرة، و الحاصل أنّ إدراکات الحواسّ الظّاهرة الخمسة و مشاهداتها کلّها لا تتمّ إلّا بالمماسّة لجسم من الأجسام و إن کان المشهود له و الحاضر بالذّات عند النّفس شیئا آخر غیر المموس بالذّات أو بالواسطة (و) الحادی عشر (البائن لا بتراخی مسافة) یعنی أنه مباین للأشیاء و مغایر لها بنفس ذاته و صفاته، لأنّه فی غایة التمام و الکمال، و ما سواه فی نهایة الافتقار و النقصان، و لیس تباینه تباین أین و تباعد مکان بتراخی مسافة بینه و بین غیره، لأنّ ذلک من خواصّ الأینیّات، و هو الذی أیّن الأین بلا أین، و قد تقدّم نظیر هذه الفقرة

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 179

فی الفصل السادس من الخطبة الاولی، و شرحناه بما یوجب الانتفاع به فی المقام فلیراجع ثمة (و) الثانی عشر (الظّاهر لا برؤیة و) الثالث عشر (الباطن لا بلطافة) یعنی أنّ ظهوره سبحانه لیس کظهور ظاهر الأشیاء بأن یکون مرئیا بحاسّة البصر، و لا بطونه کبطونها بأن یکون لطیفا لصغر حجمه أو لطافة قوامه کالهواء، بل نحو آخر من الظّهور و البطون علی ما مرّ تحقیقه فی شرح الخطبة التّاسعة و الأربعین و شرح الخطبة الرّابعة و السّتین فلیتذکّر.

و الرابع عشر أنّه (بان من الأشیاء بالقهر لها و القدرة علیها، و بانت الأشیاء منه بالخضوع له و الرّجوع إلیه) و هذه الفقرة فی الحقیقة تفسیر و توضیح للوصف الحادی عشر، فانّه علیه السّلام لمّا ذکر هناک أنّ بینونیّته لیست بتراخی مسافة أوضح هنا جهة البینونة بأنّه إنّما بان من الأشیاء بغلبته و استیلائه علیها و قدرته علی ایجادها و إعدامها کما هو اللّایق بشأن الواجب المتعال، و أنّ الأشیاء إنّما بانت منه لخضوعها و ذلّها فی قید الامکان و رجوعها فی وجودها و کمالاتها إلی وجوده کما هو مقتضی حال الممکن المفتقر.

الخامس عشر أنّه تعالی منزّه عن الصّفات الزّایدة علی الذّات، و إلیه أشار بقوله (من وصفه فقد حدّه و من حدّه فقد عدّه و من عدّه فقد أبطل أزله) قال العلامة المجلسی فی مرآت العقول فی شرح هذه الفقرة من حدیث الکافی: إنّ من وصف اللَّه بالصّورة و الکیف فقد جعله جسما ذا حدود، و من جعله ذا حدود فقد جعله ذا أجزاء، و کلّ ذی أجزاء محتاج حادث، أو أنّ من وصف اللَّه و حاول تحدید کنهه فقد جعله ذا حد مرکّب من جنس و فصل، فقد صار حقیقة مرکّبة محتاجه إلی الأجزاء حادثة أو أنّ من وصف اللَّه بالصّفات الزّایدة فقد جعل ذاته محدودة بها، و من حدّه کذلک فقد جعله ذا عدد إذ اختلاف الصّفات إنّما یکون بتعدّد أجزاء الذّات أو قال بتعدّد الالهة إذ یکون کلّ صفة لقدمها إلیها غیر محتاج إلی علّة، و من کان مشارکا فی الالهیّة لا یکون قدیما فیحتاج إلی علّة، أو جعله

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 180

مع صفاته ذا عدد و عروض الصّفات المغایرة الموجودة ینافی الأزلیّة، لأنّ الاتّصاف نوع علاقة توجب احتیاج کلّ منهما إلی الآخر، و هو ینافی وجوب الوجود و الأزلیّة أو المعنی أنّه علی تقدیر زیادة الصّفات یلزم ترکّب الصّانع إذ ظاهر أنّ الذّات بدون ملاحظة الصّفات لیست بصانع للعالم، فالصّانع المجموع فیلزم ترکّبه المستلزم للحاجة و الامکان، و قیل: فقد عدّه من المخلوقین.

السادس عشر أنّه منزّه عن الکیف، و إلیه أشار بقوله (و من قال کیف فقد استوصفه) أی طلب وصفه بصفات المحلوقین و جعل له وصفا زایدا علی ذاته، و قد علمت أنّ ذلک ممتنع فی حقّه إذ کلّ صفة وجودیّة زایدة علی ذاته فهی من مقولة الکیف و من جنس الکیف النّفسانی، فیلزم کون ذاته بذاته معرّاة عن صفة کمالیّة، و یلزم له مخالطة الامکان و ینافی کونه واجب الوجود من جمیع الجهات، و کلّ ذلک محال علیه تعالی هذا، و قد تقدّم فی شرح الخطبة الرّابعة و الثّمانین تحقیق معنی الکیف و تفصیل تنزّهه تعالی عن الاتّصاف به.

السابع عشر أنّه سبحانه منزّه عن المکان، و إلیه أشار بقوله (و من قال أین فقد حیّزه) لأنّ أین سؤال عن الحیّز و الجهة، فمن قال أین فقد جعله فی حیّز مخصوص و هو محال فی حقّ الواجب تعالی، لأنّه خالق الحیّز و المکان فیلزم افتقاره إلی ما هو مفتقر إلیه، علی أنّ کونه فی حیّز معیّن یستلزم خلوّ سایر الأحیاز و الأمکنة منه کما هو شأن الأجسام و الجسمانیّات، و هو باطل لأنّه فی جمیع الأحیاز بالعلم و الاحاطة، و هو الذی فی السّماء إله و فی الأرض إله.

و اعلم أنّ هذه العبارة نظیر قوله علیه السّلام فی الفصل الخامس من الخطبة الأولی و من قال فیم فقد ضمنه، و قد ذکرنا فی شرحه ما یوجب البصیرة فی المقام.

الثامن عشر أنّه سبحانه (عالم إذ لا معلوم و ربّ إذ لا مربوب و قادر إذ لا مقدور) إذ ظرفیّة علی توهم الزّمان أی کان موصوفا فی الأزل بالعلم و الرّبوبیّة و القدرة، و لم یکن شیء من المعلوم و المربوب و المقدور موجودا فیه.

أمّا أنّه کان عالما بالأشیاء و لا معلوم فلأنّ علمه عین ذاته و تقدّم ذاته علی

منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 9، ص: 181

معلوماته الحادثه ظاهر، و لا یتوقّف وجوده علی وجود المعلوم کما مرّ تحقیقه فی شرح الفصل السّابع من الخطبة الأولی عند تحقیق قوله: عالما بها قبل ابتدائها فلیتذکّر.

و أمّا أنّه کان ربّا إذ لا مربوب لأنّ معنی الربّ هو المالک، و قد کان سبحانه مالکا لأزمّة الامکان و تصریفه من العدم إلی الوجود و من الوجود إلی العدم کیف شاء و متی أراد، و قیل: المراد إنّه کان قادرا علی التربیة إذ هو الکمال و فعلیّتها منوطة علی المصلحة.

و أمّا أنّه کان قادرا اذ لا مقدور فلأنّ القادر هو الذی إن شاء فعل و إن شاء ترک، و بعبارة اخری هو الّذی یصحّ منه الفعل و الترک، و وجود هذا الوصف له لا یستلزم وجود المقدور و قال الصّدوق فی التّوحید: و القدرة مصدر قولک قدر قدرة أی ملک فهو قدیر قادر مقتدر، و قدرته علی ما لم یوجد و اقتداره علی إیجاده هو قهره و ملکه له، و قد قال عزّ ذکره: «مالِکِ یَوْمِ الدِّینِ» و یوم الدّین لم یوجد بعد.

الترجمة:

از جمله خطب شریفه آن ولیّ ربّ العالمین و وصیّ أمین خاتم النّبیّین است در تحمید و توحید و تمجید حضرت ذو الجلال و خداوند متعال می فرماید:

حمد و ثنا خداوندی را سزاست که هدایت کننده است بوجود خود با ایجاد مخلوقات خود، و با حدوث مخلوقات خود بر أزلیّت و سرمدیّت خود، و با شبیه نمودن آن مخلوقات بیکدیگر بر این که هیچ مثل و شبیه نیست مر او را، مسّ نمی توانند بکنند او را حواسّ ظاهره و باطنه، و نمی پوشاند او را پردها و حجابها بجهت ممتاز و مغایر بودن آفریننده و آفریده شده، و حد قرار دهنده و حد قرار داده شده، و تربیت کننده و تربیت داده شده، این صفت دارد که یکیست نه یکی که از مقوله أعداد باشد، و خلق کننده است نه با حرکت و مشقّت، و شنوا است نه با آلت گوش، و بینا است نه با برگرداندن حدقه چشم، و حاضر است با أشیا نه با مجاورت و مماست، و جداست از آشیانه بدوری راه، و آشکار است نه بدیدن چشمها، و پنهانست نه بسبب لطافت مقدار.

جدا شد ار أشیا با قهر و غلبه کردن بر آنها، و جدا شد أشیا از او بسبب خضوع و تواضع نمودن آنها بر او بسبب بازگشت آنها بسوی او، هر کس وصف کرد او را پس بتحقیق که حد قرار داد او را، و هر که حد قرار دهد بر او پس بتحقیق که در شمار آورد او را، و کسی که در شمار آورد او را پس بتحقیق که باطل گردانید أزلیّت او را، و هر کس که بگوید چگونه است او پس بتحقیق که طلب وصف او نمود، و هر که گفت او کجاست پس بتحقیق که مکان قرار داد بأو، دانا بود در وقتی که هیچ معلومی نبود، ربّ بود هنگامی که هیچ مربوبی نبود، و صاحب قدرت بود زمانی که هیچ مقدوری نبود.