[hadith]الوصیة بالتقوی:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّی أُوصِیکُمْ بتَقْوَی اللَّهِ الَّذی ابْتَدَأَ خَلْقَکُمْ وَ إِلَیْهِ یَکُونُ مَعَادُکُمْ وَ بهِ نَجَاحُ طَلِبَتِکُمْ وَ إِلَیْهِ مُنْتَهَی رَغْبَتِکُمْ وَ نَحْوَهُ قَصْدُ سَبیلِکُمْ وَ إِلَیْهِ مَرَامِی مَفْزَعِکُمْ؛ فَإِنَّ تَقْوَی اللَّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبکُمْ وَ بَصَرُ عَمَی أَفْئِدَتِکُمْ وَ شفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادکُمْ وَ صَلَاحُ فَسَاد صُدُورِکُمْ وَ طُهُورُ دَنَس أَنْفُسکُمْ وَ جِلَاءُ [غِشَاءِ] عَشَا أَبْصَارِکُمْ وَ أَمْنُ فَزَعِ جَأْشکُمْ وَ ضِیَاءُ سَوَاد ظُلْمَتِکُمْ؛ فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللَّهِ شعَاراً دُونَ دثَارِکُمْ وَ دَخِیلًا دُونَ شعَارِکُمْ وَ لَطِیفاً بَیْنَ أَضْلَاعِکُمْ وَ أَمِیراً فَوْقَ أُمُورِکُمْ وَ مَنْهَلًا لِحِینِ وُرُودکُمْ وَ شَفِیعاً لِدَرَکِ طَلِبَتِکُمْ وَ جُنَّةً لِیَوْمِ فَزَعِکُمْ وَ مَصَابیحَ لِبُطُونِ قُبُورِکُمْ وَ سَکَناً لِطُولِ وَحْشَتِکُمْ وَ نَفَساً لِکَرْب مَوَاطِنِکُمْ؛ فَإِنَّ طَاعَةَ اللَّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُکْتَنِفَةٍ وَ مَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ وَ أُوَارِ نِیرَانٍ مُوقَدَةٍ؛ فَمَنْ أَخَذَ بالتَّقْوَی عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا وَ احْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا وَ انْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاکُمِهَا وَ أَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابهَا وَ هَطَلَتْ عَلَیْهِ الْکَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا وَ تَحَدَّبَتْ عَلَیْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا وَ تَفَجَّرَتْ عَلَیْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبهَا وَ وَبَلَتْ عَلَیْهِ الْبَرَکَةُ بَعْدَ إِرْذَاذهَا. فَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذی نَفَعَکُمْ بمَوْعِظَتِهِ وَ وَعَظَکُمْ برِسَالَتِهِ وَ امْتَنَّ عَلَیْکُمْ بنِعْمَتِهِ؛ فَعَبِّدُوا أَنْفُسَکُمْ لِعِبَادَتِهِ وَ اخْرُجُوا إِلَیْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.[/hadith]
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 270
أمّا بعد فإنّی أوصیکم بتقوی اللّه الّذی ابتدء خلقکم، و إلیه یکون معادکم، و به نجاح طلبتکم، و إلیه منتهی رغبتکم، و نحوه قصد سبیلکم، و إلیه مرامی مفزعکم، فإنّ تقوی اللّه دواء داء قلوبکم، و بصر عمی أفئدتکم، و شفاء مرض أجسادکم، و صلاح فساد صدورکم و طهور دنس أنفسکم، و جلاء غشاء أبصارکم، و أمن فزع جاشکم، و ضیاء سواد ظلمتکم. فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثارکم، و دخیلا دون شعارکم، و لطیفا بین أضلاعکم، و أمیرا فوق أمورکم، و منهلا لحین ورودکم، و شفیعا لدرک طلبتکم، و جنّة لیوم فزعکم، و مصابیح لبطون قبورکم، و سکنا لطول وحشتکم، و نفسا لکرب مواطنکم. فإنّ طاعة اللّه حرز من متالف مکتنفة، و مخاوف متوقّعة، و أوار نیران موقدة، فمن أخذ بالتّقوی غربت «عزبت خ» عنه الشّداید بعد دنوّها، و احلولت له الامور بعد مرارتها، و انفرجت عنه الأمواج بعد تراکمها، و أسهلت له الصّعاب بعد انصابها، و هطلت علیه الکرامة بعد قحوطها، و تحدّبت علیه الرّحمة بعد نفورها، و تفجّرت علیه النّعم بعد نضوبها، و وبلت علیه البرکة بعد إرذاذها. فاتّقوا اللّه الّذی نفعکم بموعظته، و وعظکم برسالته، و امتنّ علیکم بنعمته، فعبّدوا أنفسکم لعبادته، و اخرجوا إلیه من حقّ طاعته. (48038- 47814)
اللغة:
و (الطلبة) بکسر الّام ما طلبته. و (غشاء) أبصارکم فی بعض النسخ بالغین المعجمة و المدّ وزان کساء و هو الغطاء قال تعالی «فَأَغْشَیْناهُمْ فَهُمْ لا یُبْصِرُونَ» أی جعلنا علی أبصارهم غشاوة و غطاء و فی بعضها بالعین المهملة و القصر سوء البصر باللیل و النّهار مصدر عشی یقال عشی عشی من باب تعب ضعف بصره فهو أعشی و المرأة عشواء، و (الجاش) القلب.
و (الشّعار) الثّوب الملاصق للبدن و هو الذی یلی شعر الجسد و (الدّثار) ما فوق الشّعار من الثیاب و (دخلة) الرّجل و دخله و دخیلته و دخیله نیّته و مذهبه و خلده و (المنهل) المشرب و الشرب و الموضع الذی فیه المشرب و (الطلبة) بکسر اللّام کالطلب محرّکة اسم من طالبه بحقه مطالبة، و قال الشارح المعتزلی: الطلبة ما طلبته من شیء فیکون اسم عین.
و (النفس) محرّکة اسم وضع موضع المصدر الحقیقی من نفس تنفیسا و نفسا أی فرّج تفریجا و (الاوار) بضمّ الهمزة وزان غراب حرّ النّار و الشّمس و العطش و اللهب و (هطل) السّماء تهطل من باب ضرب امطرت هطلا و هو بالفتح تتابع المطر المتفرّق العظیم القطر و المطر الضعیف الدائم و (نضب) الماء نضوبا غار و (وبلت) السماء تبل امطرت وابلا و هو المطر الشدید الضخم القطر و (ارذّت) السماء بتشدید الذال المعجمة أمطرت رذاذا، و هو بالفتح کسحاب المطر الضّعیف أو الساکن الدائم الصغار القطر کالغبار.
الاعراب:
و الفاء فی قوله فانّ تقوی اللّه للتعلیل، و فی قوله: فاجعلوا فصیحة.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 274
المعنی:
(أمّا بعد فانّی اوصیکم) عباد اللّه (ب) ما لا أزال اوصیکم به أعنی (تقوی اللّه الذی ابتدء خلقکم) و فی الاتیان بهذه الجملة و ما یتلوها من الجملات الوصفیة تعظیم لشأنه عزّ و جلّ و تأکید للغرض المسوق له الکلام، لأنّ العلم باتّصافه بهذه الصفات یوجب مزید الملازمة بالتقوی و المواظبة علی أوامره و نواهیه عزّ و تعالی.
و المراد بهذه الجملة انّ اللّه الذی حباکم خلعة الخلقة و أخرجکم من العدم و أفاض علیکم نعمة الوجود الّتی هی أصل جمیع النّعم صغیرها و کبیرها و جلیلها و حقیرها أحری بأن یخشی منه و یتّقی و لا یقابل نعمه العظام بالکفران و آلائه الجسام بالتّمرّد و الطغیان.
(و إلیه یکون معادکم) أی عودکم و رجوعکم یوم حشرکم و نشرکم، فانّ الکلّ إلیه راجعون فیجازیهم بما کانوا یعملون، و أمّا الذین اتّقوا، فأولئک هم الفائزون و أما الذین ظلموا فلا ینفع معذرتهم و لا هم یستعتبون کما قال عزّ من قائل: «إِنَّ الْمُتَّقِینَ فِی ظِلالٍ وَ عُیُونٍ. وَ فَواکِهَ مِمَّا یَشْتَهُونَ. کُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِیئاً بما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِنَّا کَذلِکَ نَجْزی الْمُحْسنِینَ» .
(و به نجاح طلبتکم و إلیه منتهی رغبتکم) أی الظفر بمطالبکم و قضاء مقاصدکم و نیل حوائجکم، فانّه تعالی قاضی حوائج السائلین و منجح طلبات الرّاغبین، و من کان هذا شأنه یجب أن یطاع و یعبد لا أن یعصی لحکمه و یتمرّد.
(و نحوه قصد سبیلکم) لأنّه منتهی سیر السالکین و غایة مراد المریدین، فلا بدّ من سلوک صراطه المستقیم المؤدّی إلی قربه و زلفاه، و هو صراط الملازمین لطاعته و تقواه و أمّا غیرهم فانّهم عن الصراط لناکبون، و عن لقائه محرومون.
تشبیه (و إلیه مرامی مفزعکم) یعنی إذا دهمکم الخوف و الفزع ترمیکم الأفزاع نحوه، لأنه یجیب المضطرّ إذا دعاه و یکشف السوء عنه إذا ناداه.
و فی الحدیث لیس وراء اللّه مرمی، قال الطریحی: أی مقصد ترمی إلیه الامال و یوجه نحوه الرّجاء، تشبیها بالهدف الّتی ترمی إلیها السّهام، و إذا کان شأنه العزیز انّه إذا فاجاکم الفزع فالیه تضرّعون، و إذا مسّکم الضرّ فالیه تجأرون، فلا بدّ
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 275
من أن یطاع و لا یعصی و یذکر و لا ینسی.
ثمّ لمّا وصف اللّه عزّ و علا بأوصاف توجب منه الاتّقاء أردفه بالتنبیه علی منافع التّقوی و الثمرات المترتّبة علیها فی الدّین و الدّنیا لمزید الحثّ و الترغیب إلیها فقال:
(فانّ تقوی اللّه دواء داء قلوبکم) یعنی أنّها رافعة للأمراض القلبیّة و الرّزائل النّفسانیة الموبقة من البخل و الحسد و النفاق و العداوة و البغضاء و غیرها، لأنها مضادّة لها کما أنّ الدواء ضدّ الدّاء (و بصر عمی افئدتکم) بیان ذلک أنّ حصول وصف العمی للأعمی لمّا کان موجبا لعجزه عن إدراکه للمحسوسات، و سببا لضلاله عن الطریق، فکذلک حصول هذا الوصف للأفئدة الناشی من اتّباع الهوی و الانهماک فی الشهوات، موجب لقصورها عن إدراک المعقولات، و عن الاهتدا إلی الصراط المستقیم.
و کما أنّ بحسّ البصر یرتفع عمی الأبصار الظاهرة و یحصل إدراک المحسوسات فکذلک بالتقوی یرتفع عمی الأفئدة و یتمکّن من إدراک المعقولات و یهتدی إلی الصراط المستقیم، لکونها مانعة من متابعة الهوی و انهماک الشهوات الموجبین لعماها، و هذا معنی کونها بصرا لعمی أبصار الأفئدة.
روی فی الصافی فی تفسیر قوله تعالی «أَ فَلَمْ یَسیرُوا فِی الْأَرْضِ فَتَکُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ یَعْقِلُونَ بها أَوْ آذانٌ یَسْمَعُونَ بها فَإِنَّها لا تَعْمَی الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَی الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ» من التوحید و الخصال عن السجاد علیه السّلام أنّ للعبد أربع أعین: عینان یبصر بهما أمر دینه و دنیاه، و عینان یبصر بهما أمر آخرته، فاذا أراد اللّه بعبد خیرا فتح اللّه له العینین اللّتین فی قلبه فأبصر بهما الغیب و أمر آخرته، و إذا أراد اللّه به غیر ذلک ترک القلب بما فیه.
و فیه من الکافی عن الصادق علیه السّلام إنّما شیعتنا أصحاب الأربعة أعین: عینان فی الرّأس، و عینان فی القلب، ألا و إنّ الخلایق کلّهم کذلک إلّا أنّ اللّه عزّ و جلّ فتح أبصارکم و أعمی أبصارهم.
(و شفاء مرض أجسادکم) هذا وارد مورد الغالب، لأنّ عمدة سبب المرض هو
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 276
الشبع و البطنة و أهل التقوی لکونه متّصفا بقلّة الأکل و قناعته بالحلال حسبما عرفت فی الخطبة المأة و الثانیة و التّسعین و شرحها یسلم جسده غالبا من الأمراض و الأسقام.
و یرشد إلی ذلک ما رواه المحدّث الجزائری فی زهر الرّبیع أنّ حکیما نصرانیا دخل علی الصادق علیه السّلام فقال: أ فی کتاب ربّکم أم فی سنّة نبیّکم شیء من الطب؟ فقال: أما فی کتاب ربّنا فقوله تعالی «کُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا» و أما فی سنّة نبیّنا: الاسراف فی الاکل رأس کلّ داء و الحمیّة منه أصل کلّ دواء.
و فیه أیضا عنه علیه السّلام أنه لو سئل أهل القبور عن السبب و العلّة فی موتهم لقال اکثرهم: التخمة.
و فیه أیضا قال: و روی أنّ المؤمن یاکل فی معاء واحد و الکافر یا کل فی سبعة أمعاء.
و قد تقدّم فی شرح الفصل الثانی من الخطبة المأة و التاسعة و الخمسین فصل واف فی فواید الجوع و آفات الشّبع فلیراجع ثمة.
(و صلاح فساد صدورکم) لأنّ فساد الصدور و هو کونها ساقطة عن الاعتبار خالیة عن المنفعة إنّما ینشأ من طریان ما یفسدها من الغلّ و الحقد و الحسد و نحوها من الوساوس النّفسانیة علیها، و بالتقوی یرتفع هذه کلّها و یحصل صلاحها، و به یظهر أیضا معنی قوله:
(و طهور دنس أنفسکم) لأنّ هذه الطواری أیضا أوساخ موجبة لتدنّس النّفوس بها، و التقوی مطهرة لذلک الدّنس و الوسخ.
(و جلاء غشاء أبصارکم) یعنی أنّ التّقوی تجلو و تکشف غطاء أبصار البصایر و تستعدّ بذلک لادراک المعقولات، کما أنّ الباصرة إذا ارتفع حجابها و انجلی غشاوتها تصلح لادراک المبصرات.
(و أمن فزع جاشکم) إذ بها تحصل قوّة القلب فی الدّنیا، و هی أمان من أفزاع یوم القیامة و أخاویفها کما قال تعالی فی سورة الأعراف «فَمَنِ اتَّقی وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ»
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 277
و فی سورة النّمل «مَنْ جاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ» و فی سورة الأنبیاء «لا یَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَکْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ هذا یَوْمُکُمُ الَّذی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ» (و ضیاء سواد ظلمتکم) الظاهر أنّ المراد بالظلمة هو ظلمة القلوب الحاصلة لها من اکتساب الاثام و انهماک الشهوات، فانّ المعاصی توجب ظلمة القلب و اسوداد الوجه، و بالتّقوی و الطاعة یحصل له نور و ضیاء و استعداد لقبول الافاضات الالهیّة، هذا.
و لا یخفی ما فی هذه الفقرة و ما تقدّمت علیها من الفقرات السّبع من حسن المطابقة و لطفها.
و لمّا أوصی بالتّقوی و رغّب فیها بالتنبیه علی ما یترتّب علیها من الثمرات العظیمة أکّد ذلک بالأمر بملازمة الطاعة المحصّلة لها و بالغ فی المواظبة علیها فقال:
(فاجعلوا طاعة اللّه شعارا دون دثارکم) أی بمنزلة الشّعار الملاصق للبدن لا الدّثار الذی فوق الشعار، و هو إشارة إلی المواظبة علیها باطنا لا ظاهرا فقط، و أکّد استبطانها بقوله: (و دخیلا دون شعارکم) أی داخلا فی باطنکم تحت الشعار، و بقوله (و لطیفا بین أضلاعکم) و هو غایة المبالغة فی ادخالها فی الباطن، و آکد دلالة علیه من سابقیه و الغرض منه جعلها مکنونا فی الخلد متمکّنا فی القلوب.
و قوله: (و أمیرا فوق امورکم) أی یکون ورودکم و صدورکم فی امورکم الدنیویّة بأمره و نهیه کسایر الامراء بالنّسبة إلی الرّعیّة.
(و منهلا لحین ورودکم) أی مشربا تشربون من صفوها و عذبها حین الورود یوم القیامة کما قال عزّ من قائل «إِنَّ الْأَبْرارَ یَشْرَبُونَ مِنْ کَأْسٍ کانَ مِزاجُها کافُوراً. عَیْناً یَشْرَبُ بها عِبادُ اللَّهِ یُفَجِّرُونَها تَفْجِیراً».
(و شفیعا لدرک طلبتکم) أی واسطة و وسیلة لادراک مطالبکم الدّنیویّة و الاخرویة
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 278
إذ بالتّقوی و الطاعة یحصل الاستعداد لدرکها کما قال تعالی «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسکُوهُنَّ بمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَیْ عَدْلٍ مِنْکُمْ وَ أَقِیمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِکُمْ یُوعَظُ بهِ مَنْ کانَ یُؤْمِنُ باللَّهِ» فقد دلّ قوله: یجعل له مخرجا، علی أنّها حصن حصین و حرز حریز بها یحصل النّجاة من الشدائد و الوقایة من المکاره، و قوله: و یرزقه من حیث لا یحتسب علی أنّها کنز کاف بها یدرک المطالب و یفاز بالمارب، و قوله: و من یتوکل علی اللّه فهو حسبه، علی أنّه تعالی کاف لمن توکّل علیه و اکتفاه، قادر علی إنجاح ما یبتغیه و یتمنّاه (و جنّة لیوم فزعکم) أی وقایة یوم القیامة من النّار و غضب الجبّار کما قال تعالی «ثُمَّ نُنَجِّی الَّذینَ اتَّقَوْا».
و مصابیح لبطون قبورکم) فانّ القبر بیت الظّلمة، و العمل الصّالح یضیء قبر صاحبه کما یضیء المصباح الظلمة علی ما جاء فی الخبر.
(و سکنا لطول وحشتکم) أی فی القبور فانّها بیت الغربة و الوحدة و الوحشة و الأعمال الصّالحة کما ورد فی أخبار کثیرة تتصوّر فی صور حسنة یستأنس بها صاحبها و یسکن إلیها و یطیب بها نفسه و یرفع عنه وحشة القبر.
روی فی الکافی بسنده عن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: ما من موضع قبر إلّا و هو ینطق کلّ یوم ثلاث مرّات: أنا بیت التراب أنا بیت البلا أنا بیت الدّود.
قال علیه السّلام: فاذا دخله عبد مؤمن قال مرحبا و أهلا أما و اللّه لقد کنت احبّک و أنت تمشی علی ظهری فکیف إذا دخلت بطنی فستری ذلک.
قال: فیفسح له مدّ البصر و یفتح له باب یری مقعده من الجنّة.
قال: و یخرج من ذلک رجل لم تر عیناه شیئا قطّ أحسن منه فیقول: یا عبد اللّه ما رأیت شیئا قط أحسن منک فیقول: أنا رأیک الحسن الّذی کنت علیه و عملک الصّالح الّذی کنت تعمله قال: ثمّ یؤخذ روحه فتوضع فی الجنّة حیث رأی منزله ثمّ یقال له: نم قریر العین فلا تزال نفحة من الجنّة یصیب جسده و یجد لذّتها و طیبها حتّی یبعث.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 279
و فی البحار من المحاسن باسناده عن أبی بصیر عن أحدهما علیها السّلام قال: إذا مات العبد المؤمن دخل معه فی قبره ستّة صور فیهنّ صورة أحسنهنّ وجها و أبهاهنّ هیئة و أطیبهنّ ریحا و أنظفهنّ صورة.
قال: فیقف صورة عن یمینه و اخری عن یساره و اخری بین یدیه و اخری خلفه و اخری عند رجله، و تقف الّتی هی أحسنهنّ فوق «رأسه ظ»، فان اتی عن یمینه منعته الّتی عن یمینه، ثم کذلک إلی أن یؤتی من الجهات السّتّ قال: فتقول أحسنهنّ صورة: و من أنتم جزاکم اللّه خیرا؟ فتقول الّتی عن یساره: أنا الزکاة، و تقول الّتی بین یدیه: أنا الصّیام، و تقول الّتی خلفه: أنا الحجّ و العمرة، و تقول الّتی عند رجلیه: أنا برّ من وصلت من إخوانک، ثمّ یقلن: من أنت فأنت أحسننا وجها و أطیبنا ریحا و أبهانا هیئة؟ فتقول: أنا الولایة لال محمّد صلوات اللّه علیهم أجمعین.
(و نفسا لکرب مواطنکم) أی سعة و روحا لکرب منازل الاخرة و مواقف القیامة (فانّ طاعة اللّه حرز من متالف مکتنفة) أی عوذة من المهالک المحیطة (و مخاوف متوقّعة) أی مخاوف الاخرة المنتظره الوقوع (و آوار نیران موقدة) أراد به حرّ نار الجحیم.
(فمن أخذ بالتّقوی) و عمل صالحا (غربت) أی بعدت و غابت (عنه الشّدائد بعد دنوّها) أی شداید الاخرة و أهاویلها، و یجوز أن یراد بها الأعمّ لأنّ المتّقی بقناعته و خفّة مؤنته و اعتزاله من مخالطة أبناء الدّنیا و مجالستهم سالم غالبا من المحن و الشّداید و ایذاء أبناء النّوع.
(و احلولت له الامور بعد مرارتها) أی صارت الأمرار الدّنیویة و الاخرویة حلوا له، أمّا الدّنیویة کضیق العیش و الجوع و الفقر و العری و ما ضاهاها فلما له من الرّضا بالقضاء، و أما الاخرویة کمشاقّ الطاعات و العبادات فلکونها أحلی و ألذّ عنده من کلّ شیء و إن کان مرّا فی ذوقه فی مبدء السلوک، و ذلک لما له من علم الیقین بأنّ هذه المشقّة القلیلة توجب راحة طویلة، و تلک المرارة الیسیرة تجلب لذّة دائمة.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 280
(و انفرجت عنه الأمواج بعد تراکمها) أی انکشفت عنه أمواج الفتن الدّنیویة بعد تراکمها و کثرتها، و ذلک لأنّ الاخذ بالتقوی لکونه بمعزل من الدّنیا و أهلها سالم من الفتن و المحن التی ابتلی بها أهلها.
(و أسهلت له الصّعاب بعد انصبابها) أی صارت الامور الصعبة و المشاق النفسانیة سهلة له بعد ایقاعها ایاه فی النصب و التعب، و ذلک لما عرفت آنفا من أنّ المتّقی لمعرفته بعظم ما یترتّب علی طاعته و تقواه من الثمرات الاخرویة یسهل علیه کلّ خطب و یهون له الشدائد استعاره مکنیة- استعاره تخییلیة- استعاره ترشیحیة (و هطلت علیه الکرامة بعد قحوطها) شبه کرامة اللّه سبحانه الشاملة للمتقی بالمطر العظیم القطر المتتابع علی سبیل الاستعارة المکنیة، و إثبات الهطل تخییل و القحوط ترشیح. و نظیرها الفقرتان المتقدّمتان فانهما أیضا من قبیل الاستعارة المکنیة التخییلیة الترشیحیة.
و المراد أنّ أهل التقوی انصبت علیه و تتابعت فی حقه کرامة اللّه العزیز عزّ و جلّ بسبب اتصافه بالتقوی بعد احتباسها و منعها عنه، و ذلک قبل أن یستعدّ بالتقوی لها و یشهد بذلک أی بافاضة کرامته علی المتقی صریحا نصّ قوله سبحانه «یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ» .
(و تحدبت علیه الرحمة بعد نفورها) أی تعطفت علیه الرحمة الالهیة بعد ما کانت نافرة عنه حین ما لم یکن متصفا بالتقوی و مستعدا لها، و هذه الفقرة أیضا مثل سوابقها حیث شبه الرحمة بالناقة العاطفة علی ولدها علی سبیل الاستعارة بالکنایة و أثبت التحدّب تخییلا و النفور ترشیحا.
استعاره مکنیة- استعاره تخییلیة- استعاره ترشیحیة- مجاز مرسل- استعاره تبعیة (و تفجّرت علیه النّعم بعد نضوبها) إمّا استعارة مکنیة مثل ما مرّت تشبیها للنعم بالینابیع الجاریة المنفجرة، فیکون ذکر التفجّر و النضوب تخییلا و ترشیحا، أی انفجرت علیه ینابیع النعم بعد اغورارها.
و یجوز أن یراد بالتفجر التتابع بعلاقة الملازمة فیکون مجازا مرسلا، و النعم قرینة التجوز أو ارید بالتفجر الافاضة و الجامع التتابع و الدوام فیکون استعارة تبعیة و علی هذین الاحتمالین فیراد بالنضوب الفقدان مجازا و لا یخفی علی المتدبّر أنّ هذین الاحتمالین یأتیان أیضا فی بعض القراین المتقدّمة کالقرینة المتأخّرة أعنی قوله:
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 281
استعاره بالکنایة- استعاره تخییلیة- استعاره ترشیحیة- استعاره تبعیة- مجاز مرسل (و وبلت علیه البرکة بعد ارذاذها) فیجوز أن تکون الاستعارة بالکنایة بأن یشبه البرکة بالمطر الشدید العظیم القطر و الوبل و الارذاذ تخییل و ترشیح، و أن تکون استعارة تبعیة بأن یستعار الوبل للفیض الکثیر و الجامع الکثرة، و أن یکون مجازا مرسلا و یراد بالوبل النزول، و علی التقدیرین فیراد بالارذاذ القلّة و الضعف مجازا.
ثمّ بعد التنبیه علی جملة من ثمرات التقوی و المنافع العظیمة المترتّبة علیها عاد إلی الأمر بها تأکیدا و تقویة لما قدّم فقال: (فاتّقوا اللّه الذی نفعکم بموعظته) و هی ما وعظکم بها فی کتابه المبین و لسان نبیّه الأمین و هداکم بها إلی الجنّة و أنقذکم بها من النار و أیّ منفعة أعظم من هذه و أنفع.
(و وعظکم برسالته) التی بعث بها رسله و لم یبق عذر لعاذر بعد مواعظهم البلیغة فی ترک التقوی و الطاعة.
(و امتنّ علیکم بنعمته) الغیر المحصاة التی لا یجوز للعاقل أن یقابلها بالکفران و یکافئها بترک التقوی و الطاعة و العصیان.
(فعبّدوا أنفسکم لعبادته) أی ذللوها لحمل أثقال العبادة.
(و اخرجوا إلیه من حقّ طاعته) أی من طاعته التی هو حق علیکم و ثابت فی ذمتکم، أو من طاعته التی حقیق به عزّ و جلّ أی اخرجوا إلیه من کمال طاعته التی یلیق بحضرته.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 12، ص: 282
الترجمة:
اما پس از ثنای خدا پس بدرستی که من وصیّت میکنم شما را بتقوی و پرهیزکاری خداوندی که ایجاد فرموده خلقت شما را و بسوی اوست بازگشت شما
و با عنایت اوست رسیدن مطالب شما و بطرف اوست قصد راه شما و بسوی اوست نشانگاه فزع و خوف شما پس بدرستی که تقوی دوای درد قلبهای شماست، و چشم کوری دلهای شما، و شفای ناخوشی بدنهای شما، و صلاح فساد سینهای شما، و پاکیزگی کثافت نفسهای شماست، و جلای پردهای بصرهای شما، و خاطر جمعی خوف قلبهای شما، و روشنی سیاهی تاریکی قلب شما است.
پس بگردانید طاعت و عبادت پروردگار را لباس باطنی خودتان نه لباس ظاهری و داخل در باطن خود نه شعار ظاهری، و چیزی لطیف در میان دندهای خودتان، و أمیر حکمران بالای جمیع کارهای خودتان و محل آب خور از برای زمان ورود آن، و واسطه از برای درک مطالب خودتان، و سپر از برای روز فزع خود و چراغها از برای بطون قبرهای خود، و مایه انس از برای طول وحشت خود، و فرج و راحت از برای اندوه و محنت مواطن خودتان.
پس بدرستی که طاعت خدا حرز است، از مهلکه های محیطه و از محلّهای خوفی که متوقعست و از حرارت آتشهای روشن شده، پس کسی که اخذ نمود تقوی را غایب شد از آن شدتها بعد از نزدیکی آنها باو، و شیرین شد از برای او کارها بعد از تلخی آنها، و منکشف شد از او موجها بعد از تراکم و تلاطم آنها، و آسان شد از برای او کارهای صعب بعد از مشقت انداختن آنها، و بارید باو باران های کرامت بعد از قحطی آن، و برگشت با مهربانی بر او رحمت خدا بعد از رمیدن آن، و منفجر شد بر او چشمهای نعمتها بعد از نایابی آنها، و بارید بأو باران برکت با شدّت بعد از ضعف و قلّت آن.
پس پرهیز نمائید از خدا چنان خداوندی که نفع بخشید بشما با موعظه بالغه خود، و موعظه فرمود بشما با رسالت رسولان خود، و منت گذاشت بر شما با نعمت فراوان خود، پس ذلیل نمائید نفسهای خودتان را با بار عبادت او، و خارج شوید بسوی او از حق اطاعت او که لایق حضرت او است.