[hadith]التحذیر من الکبر:
فَأَطْفِئُوا مَا کَمَنَ فِی قُلُوبکُمْ مِنْ نِیرَانِ الْعَصَبیَّةِ وَ أَحْقَاد الْجَاهِلِیَّةِ، فَإِنَّمَا تِلْکَ الْحَمِیَّةُ تَکُونُ فِی الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّیْطَانِ وَ نَخَوَاتِهِ وَ نَزَغَاتِهِ وَ نَفَثَاتِهِ وَ اعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَی رُءُوسکُمْ وَ إِلْقَاءَ التَّعَزُّز تَحْتَ أَقْدَامِکُمْ وَ خَلْعَ التَّکَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِکُمْ، وَ اتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَ عَدُوِّکُمْ إِبْلِیسَ وَ جُنُودهِ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وَ أَعْوَاناً وَ رَجِلًا [رَجْلًا] وَ فُرْسَاناً وَ لَا تَکُونُوا کَالْمُتَکَبِّرِ عَلَی ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِیهِ سوَی مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بنَفْسهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَد [الْحَسَب] وَ قَدَحَتِ الْحَمِیَّةُ فِی قَلْبهِ مِنْ نَارِ الْغَضَب وَ نَفَخَ الشَّیْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِیحِ الْکِبْرِ الَّذی أَعْقَبَهُ اللَّهُ بهِ النَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِینَ إِلَی یَوْمِ الْقِیَامَةِ.
أَلَا وَ قَدْ أَمْعَنْتُمْ فِی الْبَغْیِ وَ أَفْسَدْتُمْ فِی الْأَرْضِ، مُصَارَحَةً لِلَّهِ بالْمُنَاصَبَةِ وَ مُبَارَزَةً لِلْمُؤْمِنِینَ بالْمُحَارَبَةِ؛ فَاللَّهَ اللَّهَ فِی کِبْرِ الْحَمِیَّةِ وَ فَخْرِ الْجَاهِلِیَّةِ، فَإِنَّهُ مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ وَ مَنَافِخُ الشَّیْطَانِ الَّتِی خَدَعَ بهَا الْأُمَمَ الْمَاضِیَةَ وَ الْقُرُونَ الْخَالِیَةَ، حَتَّی أَعْنَقُوا فِی حَنَادس جَهَالَتِهِ وَ مَهَاوِی ضَلَالَتِهِ، ذُلُلًا عَنْ سیَاقِهِ سُلُساً فِی قِیَادهِ، أَمْراً تَشَابَهَتِ الْقُلُوبُ فِیهِ وَ تَتَابَعَتِ الْقُرُونُ عَلَیْهِ وَ کِبْراً تَضَایَقَتِ الصُّدُورُ بهِ.[/hadith]
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 283
فاطفئوا ما کمن فی قلوبکم من نیران العصبیّة، و أحقاد الجاهلیّة فإنّما تلک الحمیّة تکون فی المسلم من خطرات الشّیطان و نخواته و نزغاته و نفثاته، و اعتمدوا وضع التّذلّل علی رؤسکم، و إلقاء التّعزّز تحت أقدامکم، و خلع التّکبّر من أعناقکم، و اتّخذوا التّواضع مسلحة بینکم و بین عدوّکم إبلیس و جنوده، فإنّ له من کلّ أمّة جنودا و أعوانا، و رجلا و فرسانا. و لا تکونوا کالمتکبّر علی ابن أمّه من غیر ما فضل جعله اللّه فیه سوی ما ألحقت العظمة بنفسه من عداوة الحسد، و قدحت الحمیّة فی قلبه من نار الغضب، و نفخ الشّیطان فی أنفه من ریح الکبر الّذی أعقبه اللّه به النّدامة، و ألزمه آثام القاتلین إلی یوم القیمة. (43859- 43548)
اللغة:
و (النزغ) الافساد و (المسلحة) بفتح المیم قال فی النهایة القوم الذین یحفظون الثغر من العدوّ یکونون ذوی سلاح، أو لأنّهم یسکنون المسلحة و هی کالثغر و المرقب یرقبون العدوّ لئلّا یطرقهم علی غفلة انتهی، و فی القاموس: المسلحة بالفتح الثغر و القوم ذو و سلاح.
(امعن) فی الأرض ذهب فیها بعیدا، و أمعن فی الطلب أی جدّ و أبعد و (صارح) بما فی نفسه أی أبداه و (الحمیّة) الحرب و العداوة أی عادیته و أظهرت له العداوة و (لقحت) المرأة و النخلة لقحا إذا حملت و القحت، و النخلة وضعت طلع الذکور فی طلع الأناث و القح الفحل الناقة أحبلها و الملاقح بفتح المیم الفحول جمع ملقح و زان محسن یقال ألقحت الریاح الشجر إذا حملتها فهی لواقح و ملاقح کذا قال الفیروز آبادی.
(و الشنان) بفتح الأوّل و الثانی و سکونه البغض و الشنان و زان رماد لغة فیه و (المنافخ) جمع منفخ بالفتح مصدر نفخ و نفخ الشیطان نفثه و وسوسته و یقال للمتطاول إلی ما لیس له: نفخ الشیطان فی أنفه و یقال: رجل ذو نفخ أی فخر و کبر و (القرون الخالیة) جمع قرن و هو من القوم سیّدهم و رئیسهم و کلّ امّة هلکت فلم یبق منها احد و الوقت من الزمان و (أعنق) اعناقا أسرع و العنق ضرب من السیر فسیح سریع.
و لیلة ظلماء (حندس) أی شدیدة الظلمة و (المهاوی) جمع مهواة و هی الوهدة المنخفضة من الأرض یتردّی الصید فیها، و قیل: الوهدة العمیقة و تهاوی الصید فی المهواة سقط بعضه أثر بعض و (الذّلل) جمع ذلول و هو المنقاد من الابل و غیره قال تعالی: «فاسلکی سبل ربّک ذللا».
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 284
الاعراب:
و ما فی قوله علیه السّلام من غیر ما فضل، زائدة للتأکید. مصارحة و مبارزة منصوبان علی المفعول له أو علی التمیز، و قوله: فاللّه اللّه بنصبهما علی التحذیر، و ذللا حال من فاعل اعنقوا، و عن فی قوله: عن سیاقه بمعنی اللّام، و فی بعض النسخ علی سیاقه فعلی للاستعلاء المجازی.
و قوله: أمرا تشابهت القلوب فیه قال القطب الراوندی: أمرا منصوب لأنّه مفعول و ناصبه المصدر الّذی هو سیاقه و قیاده تقول سقت سیاقا وقدت قیادا، و اعترض علیه الشارح المعتزلی بأنّه غیر صحیح، لأنّ مفعول هذین المصدرین، محذوف تقدیره عن سیاقه إیّاهم و قیاده إیّاهم، و قال الشارح: إنه منصوب بتقدیر فعل ای اعتمدوا أمرا، و کبرا معطوف علیه أو ینصب کبرا علی المصدر بأن یکون اسما واقعا موقعه کالعطاء موضع الاعطاء.
أقول: و الأظهر عندی أن یجعل أمرا منصوبا بنزع خافض متعلّق بقوله اعنقوا، أی اسرعوا إلی أمر و کبر، و علی هذا التأم معنی الکلام بدون حاجة إلی التکلّف و حذف الفعل.
المعنی:
(ف) خذوا منه حذرکم و تحرّزوا من مصائده و (اطفئوا ما کمن) و استتر (فی قلوبکم من نیران العصبیة) و الحمیّة (و أحقاد الجاهلیّة فانما تلک الحمیّة) و النخوة (تکون فی المسلم من خطرات الشیطان و نخواته و نزغاته و نفثاته) أی وساوسه المحرّکة للفساد یعنی ما استتر فی قلوبکم من التعصّب و التکبّر و الحقد و الحسد نار محرقة لکم فی الدّنیا و الاخرة فاطفئوها و اجتهدوا فی إطفائها بماء التذلّل و التواضع و الاصلاح، لأنّ منشأها جمیعا هو الشیطان اللعین الّذی هو عدوّکم المبین، فانّه یوسوس فی صدورکم و یوقع فی اخاطرکم النّخوة و الحمیّة و العصبیّة و ینزغ أی یفسد بینکم و بین اخوتکم المؤمنین و ینفث أی ینفخ فی قلوبکم و فی دماغکم ریح النخوة و الغرور و الاستکبار.
فان قلت: لم قال تلک الحمیّة تکون فی المسلم من خطرات الشیطان مع أنّ الحمیّة فی الکافر أیضا من خطراته فأیّ نکتة فی الاتیان بهذا القید؟
قلت: لما أمر المخاطبین باطفاء نیران العصبیّة و الاستکبار معلّلا بأنها من وساوس ابلیس و خطراته أتی بهذا القید من باب الالهاب لأنّ المسلم بما له من داعیة
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 292
الاسلام أسرع قبولا للموعظة و أحقّ بالانتصاح و الارتداع و التجنّب من سلوک مسالک الشیطان، فکأنه قال: إن کنتم مسلمین فاتّقوا من متابعته و توقوا من اقتفاء آثاره کما تقول: إن کنت مؤمنا فلا تظلمنی، قال تعالی حکایة عن مریم (ع) «قالَتْ إِنِّی أَعُوذُ بالرَّحْمنِ مِنْکَ إِنْ کُنْتَ تَقِیًّا» (و اعتمدوا) ای اقصدوا (وضع) تیجان (التذلّل) الّذی جعلتموها تحت أقدامکم (علی رؤوسکم و) تعمّدوا (القاء) قلانس (التعزّز) الّتی جعلتموها علی رؤوسکم (تحت أقدامکم) و لا یخفی علی أهل الصّناعة لطافة هذه العبارة و شرافتها و عظم خطرها للّه درّ قائلها.
(و) اعتمدوا (خلع) أطواق (التکبّر من أعناقکم و اتّخذوا) التذلّل و (التّواضع مسلحة و ثغرا بینکم و بین عدوّکم إبلیس و جنوده).
و لما أمرهم باتخاذ المسلحة علّله بقوله (فانّ له من کلّ امّة) من الجنّ و الانس (جنودا و أعوانا و رجلا و فرسانا) تنبیها علی کثرة جنوده و أعوانه المقتضیة للجدّ فی اتّخاذها توقّیا من طروقهم و اغتیالهم علی غفلة هذا، و قد مضی بیان فضل التواضع و الأخبار الواردة فیه فی شرح المختار المأة و السابع و الأربعین.
ثمّ ذکّرهم بقصة ابن آدم علیه السّلام لکونها فی مقام التذکرة و الاعتبار أقوی تحذیرا و تنفیرا من التعزّز و الاستکبار فقال:
(و لا تکونوا کالمتکبّر علی ابن امّه) أی لا تکونوا مثل قابیل الّذی تکبّر علی أخیه هابیل.
و إنما قال ابن امّه مع کونهما من أب و أمّ لأنّ الأخوین من أمّ أشدّ حنوا و محبة و تعاطفا من الأخوین من الأب لأنّ الأمّ هی ذات الحضانة و التربیة، و لذلک قال هارون لأخیه موسی علیهما السّلام مع کونه أخاه لأبیه و أمّه: ابن امّ إنّ القوم استضعفونی، فذکر الامّ لکونه أبلغ فی الاستعطاف، فمقصوده علیه السّلام أنّ قابیل مع کون هابیل ابن امّه المقتضی للعطوفة و المحبة تسلّط علیه الشیطان فأنساه محبّة الاخوة فتکبّر علیه و قتله بوسوسته إلیه، فکونوا من ابلیس و عداوته فی حذر و لا تکونوا مثل قابیل
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 293
الّذی لم یتوقّ منه بل اتّبعه و تکبّر.
(من غیر ما فضل جعله اللّه فیه سوی) بمنزلة استثناء منقطع أی غیر (ما الحقت العظمة) و الکبریاء (بنفسه من عداوة) نشأت من (الحسد و قدحت) أی اخرجت (الحمیّة) و التعصّب (فی قلبه من نار) انقدت من (الغضب و نفخ الشیطان فی أنفه من ریح الکبر) المؤدّی إلی قتل أخیه (الّذی أعقبه اللّه به الندامة) لا ندم التوبة بل ندم الحیرة أو شفقة علی موت أخیه لا علی ارتکاب الذنب (و ألزمه آثام القاتلین إلی یوم القیامة) لأنّ من سنّ سنّة سیّئة کان له مثل و زمن عمل بها کما أنّ من سنّ سنّة حسنة کان له مثل أجر من عمل بها، فهو لما کان أوّل من سنّ القتل فلا یقتل مقتول إلی یوم القیامة إلّا کان له فیه شرکة، هذا.
و قد تقدّم فی شرح الفصل الرابع عشر من المختار الأوّل کیفیّة قتل قابیل هابیل اجمالا، و لنورد هنا باقتضاء المقام بعض ما لم یتقدّم ذکره هناک من الایات و الأخبار الواردة فی هذا الباب.
فأقول: قال اللّه عزّ و جلّ فی سورة المائدة: «وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّکَ «1» قالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَیَّ یَدَکَ لِتَقْتُلَنِی ما أَنَا بباسطٍ یَدیَ إِلَیْکَ لِأَقْتُلَکَ. إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِی وَ إِثْمِکَ فَتَکُونَ مِنْ أَصْحاب النَّارِ وَ ذلِکَ جَزاءُ الظَّالِمِینَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِیهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسرِینَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً یَبْحَثُ فِی الْأَرْضِ لِیُرِیَهُ...»
روی علیّ بن ابراهیم عن أبیه عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبی حمزة الثمالی عن ثویر بن أبی فاخته قال: سمعت علیّ بن الحسین علیهما السّلام یحدّث رجلا من قریش: لما قرّب ابنا آدم قرّب أحدهما أسمن کبش کان فی ضانه
(1)- توعده بالقتل لفرط حسده له علی تقبّل قربانه، منه.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 294
و قرّب الاخر ضغثا من سنبل فتقبّل من صاحب الکبش و هو هابیل و لم یتقبّل من الاخر و هو قابیل فغضب قابیل فقال لهابیل: و اللّه لأقتلنّک، فقال هابیل «وَ اتْلُ عَلَیْهِمْ نَبَأَ ابْنَیْ آدَمَ بالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدهِما وَ لَمْ یُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّکَ «1» قالَ إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَیَّ یَدَکَ لِتَقْتُلَنِی ما أَنَا بباسطٍ یَدیَ إِلَیْکَ لِأَقْتُلَکَ. إِنِّی أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِینَ..» فلم یدر کیف یقتله حتّی جاء إبلیس لعنه اللّه فعلّمه فقال ضع رأسه بین حجرین ثمّ اشدخه فلما قتله لم یدر ما یصنع به، فجاء غرابان فأقبلا متضاربان حتی اقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر الذی بقی الأرض بمخالبه و دفن فیه صاحبه، قال قابیل «فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً یَبْحَثُ فِی الْأَرْضِ لِیُرِیَهُ کَیْفَ یُوارِی سَوْأَةَ أَخِیهِ قالَ یا وَیْلَتی ...» أَ فحفر له حفیرة و دفن فیها فصارت سنّة یدفنون الموتی.
فرجع إلی أبیه فلم یر معه هابیل فقال له آدم: أین ترکت ابنی؟ قال له قابیل: ارسلتنی علیه راعیا؟! فقال آدم علیه السّلام، انطلق معی إلی مکان القربان، و أحسّ قلب آدم علیه السّلام بالذی فعل قابیل: فلما بلغ مکان القربان استبان قتله فلعن آدم علیه السّلام الأرض التی قبلت دم هابیل، و أمر آدم أن یلعن قابیل و نودی قابیل من السّماء لعنت کما قتلت أخاک، و لذلک لا تشرب الأرض الدّم فانصرف آدم علیه السّلام فبکی علی هابیل أربعین یوما و لیلة.
فلما جزع علیه شکی ذلک إلی اللّه فأوحی اللّه إلیه انّی واهب لک ذکرا یکون خلفا من هابیل فولدت حوّا غلاما زکیّا مبارکا، فلما کان الیوم السابع أوحی اللّه إلیه یا آدم إنّ هذا الغلام هبة منّی لک فسمّه هبة اللّه، فسمّاه آدم هبة اللّه.
و روی القمیّ عن أبیه، عن عثمان بن عیسی، عن أبی أیّوب، عن محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السّلام قال: کنت جالسا معه فی المسجد الحرام فاذا طاوس «أی طاوس الیمانی» فی جانب الحرم یحدّث حتی قال: أ تدری أیّ یوم قتل نصف الناس؟ فأجابه أبو جعفر علیه السّلام فقال أو ربع الناس یا طاوس، فقال: أو ربع النّاس، فقال: أ تدری ما صنع بالقاتل؟ فقلت: إنّ هذه المسألة.
فلما کان من الغد غدوت علی أبی جعفر علیه السّلام فوجدته قد لبس ثیابه و هو قاعد
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 295
علی الباب ینتظر الغلام أن یسرج له، فاستقبلنی «فاستعجلنی خ» بالحدیث قبل أن أسأله فقال:
إنّ بالهند أو من وراء الهند رجل معقول برجل واحدة یلبس المسح موکل به عشرة نفر کلما مات رجل منهم أخرج أهل القریة بدلا فالناس یموتون و العشرة لا ینقصون یستقبلون بوجهه الشمس حین تطلع یدیرونه معها حتی تغیب ثمّ یصبّون علیه فی البرد الماء البارد و فی الحرّ الماء الحارّ.
قال: فمرّ علیه رجل من الناس فقال له: من أنت یا عبد اللّه؟ فرفع رأسه و نظر إلیه ثم قال: إما أن تکون أحمق الناس و اما أن تکون أعقل الناس، إنی لقائم ههنا منذ قامت الدنیا ما سألنی أحد من أنت غیرک، ثمّ قال علیه السّلام: یزعمون أنه ابن آدم.
و فی الصافی من الاحتجاج قال طاوس الیمانی لأبی جعفر علیه السّلام: هل تعلم أیّ یوم مات ثلث الناس؟ فقال علیه السّلام: یا عبد اللّه لم یمت ثلث الناس قط إنما أردت ربع الناس قال: و کیف ذلک؟ قال: کان آدم و حوّا و قابیل و هابیل فقتل قابیل هابیل فذلک ربع الناس، قال: صدقت.
قال أبو جعفر علیه السّلام هل تدری ما صنع بقابیل؟ قال: لا، قال: علّق بالشمس ینضح بالماء الحارّ إلی أن تقوم الساعة و روی القمّی باسناده عن جابر، عن أبی جعفر علیه السّلام قال: جاء رجل النّبی صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فقال: یا رسول اللّه رأیت أمرا عظیما، فقال صلّی اللّه علیه و آله و سلّم: و ما رأیت؟ قال: کان لی مریض و نعت له ماء من بئر بالأحقاف یستشفی به فی برهوت، قال:
فانتهیت و معی قربة و قدح لاخذ من مائها و أصب فی القربة، و إذا بشیء قد هبط من جوّ السّماء کهیئة السّلسلة و هو یقول: یا هذا الساعة أموت، فرفعت رأسی و رفعت إلیه القدح لاسقیه فاذا رجل فی عنقه سلسلة، فلما ذهبت انا و له القدح اجتذب حتّی علق بالشمس، ثمّ أقبلت علی الماء أغرف إذ أقبل الثانیة و هو یقول العطش العطش اسقنی یا هذا السّاعة أموت، فرفعت القدح لاسقیه فاجتذب منّی حتّی علق بالشمس حتّی فعل ذلک ثالثة و شددت قربتی و لم أسقه.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 296
فقال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم ذاک قابیل بن آدم علیه السّلام قتل أخاه و هو قول اللّه عزّ و جلّ «وَ الَّذینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بشَیْءٍ إِلَّا کَباسطِ کَفَّیْهِ إِلَی الْماءِ لِیَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ ببالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْکافِرِینَ إِلَّا فِی ضَلالٍ» .
و فی البحار من تفسیر العیاشی عن جابر، عن أبی جعفر علیه السّلام قال: إنّ قابیل ابن آدم علیه السّلام معلّق بقرونه فی عین الشمس تدور به حیث دارت فی زمهریرها و حمیمها إلی یوم القیامة، فاذا کان یوم القیامة صیّره اللّه إلی النّار.
و فیه من الخصال عن رجل من أصحاب أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: سمعته یقول: إنّ أشدّ الناس عذابا یوم القیامة لسبعة نفر: أوّلهم ابن آدم الذی قتل أخاه، و نمرود الذی حاجّ إبراهیم فی ربّه، و اثنان فی بنی اسرائیل هوّدا قومهم و نصّراهم، و فرعون الذی قال: أنا ربّکم الأعلی، و اثنان من هذه الامّة.
قال العلّامة المجلسیّ «ره» الاثنان من هذه الامّة أبو بکر و عمر.
و فیه من علل الشرائع عن حماد بن عثمان، عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال: کانت الوحوش و الطیر و السّباع و کلّ شیء خلق اللّه عزّ و جلّ مختلطا بعضه ببعض، فلما قتل ابن آدم أخاه نفرت و فزعت فذهب کلّ شیء إلی شکله.
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 303
الفصل الثالث:
ألا و قد أمعنتم فی البغی، و أفسدتم فی الأرض، مصارحة للّه بالمناصبة، و مبارزة للمؤمنین بالمحاربة، فاللّه اللّه فی کبر الحمیّة، و فخر الجاهلیّة، فإنّه ملاقح الشّنان، و منافخ الشّیطان الّلاتی خدع بها الامم الماضیة، و القرون الخالیة، حتّی أعنقوا فی حنادس جهالته، و مهاوی ضلالته، ذللا عن سیاقه، سلسا فی قیاده، أمرا تشابهت القلوب فیه، و تتابعت القرون علیه، و کبرا تضایقت الصّدور به.
اعلم أنه لما حذّر فی الفصل السابق من التکبّر و رغّب فی التواضع عقّبه بهذا الفصل تأکیدا لما سبق، و صدّره بتوبیخ المخاطبین علی البغی و الفساد فقال: (ألا و قد أمعنتم فی البغی) أی بالغتم فی السعی بالفساد و العدول عن القصد و الخروج عن الاعتدال (و أفسدتم فی الأرض) أی صرتم مفسدین فیها، و علّل امعانهم فی البغی بقوله: (مصارحة للّه بالمناصبة) أی لأجل مواجهتکم له سبحانه بالمعاداة و کشفکم عن عداوته تعالی صراحة بالترفّع و التکبّر.
روی فی الکافی عن أبی جعفر علیه السّلام قال: الکبر رداء اللّه و المتکبّر ینازع اللّه فی ردائه.
و فیه عن حکیم قال: سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن أدنی الالحاد، فقال: إنّ الکبر أدناه.
و علّل الافساد فی الأرض بقوله: (و مبارزة للمؤمنین بالمحاربة) لأنّ الکبر
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 304
و العظمة و الرفعة علی الخلق مثیر للفساد، مؤدّ إلی الحرب و الجدال، لأنّ المتکبّر لا یقدر أن یحبّ للمؤمن ما یحبّ لنفسه و لا یتمکّن من ترک الرذائل کالحقد و الحسد و التقدّم فی الطرق و المجالس و طرد الفقراء عن المجالسة و الموانسة و الغلظة فی القول و عدم الرفق بذوی الحاجات و التطاول علی الناس و الانف عن سماع الحقّ و قبوله، کلّ ذلک خوفا من أن یفوته عزّه، و معلوم أنّ هذه الخصال القبیحة لا محالة تکون سببا للمحاربة للمؤمنین، بل لمحاربة اللّه سبحانه کما قال فی الحدیث القدسی: من أهان لی ولیّا فقد بارزنی بالمحاربة.
(فاللّه اللّه فی کبر الحمیّة و فخر الجاهلیّة) أی اتّقوه عزّ و جلّ فیهما، لأنّهما من صفة الکافر لا المسلم و المؤمن قال تعالی «إِذْ جَعَلَ الَّذینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجاهِلِیَّةِ».
و قال أبو عبد اللّه علیه السّلام فی روایة الکافی: إذا خلق اللّه العبد فی أصل الخلقة کافرا لم یمت حتی یحبّب اللّه إلیه الشّر فیقرب منه، فابتلاه بالکبر و الجبریّة، فقسا قلبه، و ساء خلقه، و غلظ وجهه، و ظهر وخشه «1»، و قلّ حیاؤه، و کشف اللّه ستره و رکب المحارم فلم ینزع عنها، ثمّ رکب معاصی اللّه، و أبغض طاعته، و وثب علی النّاس لا یشبع من الخصومات، فاسألوا اللّه العافیة و اطلبوها منه.
و من ذلک ظهر حسن ما علّل التوقّی من الکبر و الفخر به و هو قوله (فانّه) أی کلّ من الکبر و الفخر (ملاقح الشنان) أی سبب تولید البغض و العداوة کما أنّ الفحول سبب تولید النتاج، و التعبیر بصیغة الجمع بملاحظة تکثّر أقسام الکبر و تعدّد أنواعه باعتبار ما به التکبّر من العلم و الثروة و المال و کثرة العشیرة و حسن الصوت و الجمال و غیرها مما هو منشا الکبر و التفاخر (و منافخ الشیطان) أی نفخاته و نفثاته کما قال فی الفصل السّابق: و انما تلک الحمیّة تکون فی المسلم من خطرات الشیطان و نفثاته، و قال أیضا: و نفخ الشیطان فی أنفه من ریح الکبر.
(1) الوخش الرّدی من کلّ شیء و رذال الناس، ق
منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغة (خوئی)، ج 11، ص: 305
و وصف المنافخ بأنّها (اللّاتی خدع بها الامم الماضیة) کقوم نوح و هود و عاد و ثمود و فرعون و نمرود و غیرهم ممّن تکبّر و کذّب الرّسل لما زیّن لهم الشیطان نخوتهم فخدعهم و أضلّهم عن السّبیل (و القرون الخالیة) عطف تفسیر أی الامم الهالکة و الرؤساء الخالیة منهم الدّنیا، و علی جعل القرن بمعنی الوقت فیحتاج إلی تقدیر مضاف أی خدع بها أهل الأزمنة التی خلت منهم، و علی الأوّل فالصّفة بحال متعلّق الموصوف، و علی الثانی فهی بحال الموصوف نفسه.
و قوله (حتّی اعنقوا فی حنادس جهالته و مهاوی ضلالته) غایة لخداع الشیطان أی انتهی خداعه للامم السابقة إلی أن أسرعوا فی ظلمات جهالته التی لا یهتدون فیها، و مهاوی ضلالته الّتی یردوا فیها و لم یقدروا علی الخروج منها (ذللا عن سیاقه سلسا فی قیاده) أی حالکونهم ذلیلین لسوقه سهل الانقیاد لقوده (أمرا) أی إلی أمر «1» أی جبریّة و تکبّر (تشابهت القلوب فیه) أی صار قلوبهم کلّ منها شبیها بالاخر فی قبوله (و تتابعت القرون علیه) أی تتابعت علی التسلیم و الانقیاد له (و کبرا) أی إلی کبر (تضایقت الصّدور به) و لم تسع لا خفائه و کتمانه من جهة کثرته و شدّته.
(1) متعلق بقوله: اعنقوا. م
الترجمة:
پس خاموش کنید آنچه که پنهان است در قلبهای شما از آتش سوزان تعصّب و کینهای زمان جاهلیّت، و جز این نیست که این حمیّت جاهلیّت میباشد در مرد مسلمان از وسوسهای شیطان و نخوتهای او، و از فسادهای او، و از دمیدنهای او و قصد نمائید نهادن تواضع را بر سرهای خودتان، و انداختن تکبّر را بزیر قدمهای خودتان، و کندن گردن کشی را از گردنهای خود، و اخذ نمائید فروتنی را سنگر در میان خود و میان دشمن خود که ابلیس و لشکر او است، پس بدرستی که مر او راست از هر گروهی لشکریان و اعوان و پیادگان و سواران.
و مباشید مثل قابیل تکبّر کننده بر پسر مادر خود که هابیل بود بدون فضل و مزیّتی که گردانیده باشد خدا او را و غیر از این که لاحق نمود عظمت و تکبّر بنفس او از عداوتی که ناشی بود از حسد، و آتش زد حمیّت و عصبیّت در قلب او از آتش غضب، و دمید شیطان در دماغ او از باد کبر و نخوت چنان کبری که در پی در آورد او را خدای تعالی بسبب آن کبر ندامت و پشیمانی را، و لازم گردانید بر او مثل گناهان جمیع قاتلین و کشندگان را تا روز قیامت.
فصل سیّم از این خطبه در توبیخ مخاطبین است ببغی و فساد می فرماید:
آگاه باشید که بغایت مبالغه مشغول شدید و ستم و فساد کردید در زمین از جهت آشکارا مقابل شدن خدا بعداوت و مبارزت نمودن مؤمنان بمحاربه، پس بترسید از خدا در گردن کشی از حمیّت و نازش جاهلیّت، پس بدرستی که کبر تولید کننده عداوت و دشمنیست، و مواضع نفس زدن شیطان ملعون است که فریب داد بان امّتهای گذشته و قرنهای سابقه را تا این که سرعت کردند آن امّتها در تاریکیهای جهالت او، و مواضع افتادن ضلالت او، در حالتی که رام بودند از راندن آن ملعون، و روان بودند در کشیدن آن بسوی امری که متشابه شد قلبها در آن، و متابع شد قرنها بر آن و بسوی کبری که تنگ شد سینه ها بسبب آن.